ونسيبة، قرضاوي، هويدي وغنوشي يصهينونها!
عادل سمارة
على نُصب تذكاري للأمير عبد القادر الجزائري في مركز العاصمة كُتب ما يلي:
“إني لم اصنع الأحداث بل هي التي صنعنتني، إن الإنسان مثل المرآة والمرآة لا تعكس الصورة الحقيقية إلا إذا كانت واضحة“( الأمير عبد القادر الجزائري 1808-1883 )
ربما، لم تكن لتلفتني هذه العبارة على النصب التذكاري لولا موقف اشد تأثيراً بدأ به أسبوع تواجدي في الجزائر (4-10 ديسنبر 2011)، هو موقف جمع بين المرأة والمرآة في الوضوح.
قدمني السيد سليمان حاشي رئيس “المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ”، وكانت معي سمر إبنتي، إلى السيدة وزيرة الثقافة الجزائرية خالدة/خليدة تومي، قدمني قائلاً : هذا الفلسطيني. تقدمت الوزيرة الشابة والمفعمة بالحيوية، إعتقدت بدوري أنها سوف تصافحني باليد أو على الوجه كالمألوف. لم أكن مهيئاً قط لتُقبِّل ظاهر يدي! لم أتوقع ذلك كي اسحب يدي مسبقاً وسريعاً، ولكن، أسعفتني نفسي بأن قبَّلت ظاهر يدها فوراً في ردٍّ خجول لعشق هذه السيدة لفلسطين. موقف كهذا لا علاقة له بالدبلوماسية والمجاملات، هو موقف انتماء طوعي فياض. وبدأ حديث حميم وطويل شارك فيه الحضور من العرب المشاركين في مؤتمر إحياء الذكرى الخمسين لرحيل المناضل فرانز فانون.
ورغم مشاركتي في الحديث إلا أن ما شغلني في الوقت نفسه وحتى اليوم، بل كان يشغلني دوماً، أولئك الفلسطينيون الذين يفتكون بالقضية كي يُبعدوا العرب عنها لأنه بتجريد القضية من عمقها العربي يصبح بوسع هؤلاء تصفيتها بالسهولة التامة اي صهينتها. وتذكرت كيف استثمر الكثيرون ذلك الحب العظيم للقضية من قبل العرب وثوريي العالم استثماراً لصوصياً وفاسداً ف “تطوروا” من موظفين في المقاومة إلى جزء من شريحة الرأسمالية البيروقراطية التي وقعت اتفاق مدريد_أوسلو وحصرت فلسطين في أوسلو-ستان بما هي اتفاقية اعتراف بالكيان الصهيوني.
كنت أحاول اختزان هذه اللحظة لزمن قادم كي أكتب عنها بما يشبه لغة الأدب والشعر. فالأشياء الجميلة نادرة عموماً، فكيف في عصر فظاعات راس المال وسيولة الوضع العربي ولحظة ثوار الناتو وصهينة الدين السياسي! في عصر الصراع المستميت بين الثورة والثورة المضادة.
لكن الأحداث التي تخلع منك الشعر والمشاعر وتحيلك إلى ذئب يقاتل كي لا تنزلق الأرض من تحت قدميه، لا تسمح لنفسك بالهدوء. لا بل تشعر أنك في حصار أوصلك للقتال من خلف السور بل من خلف الباب وحتى من خلف جلدك.
الحدث الأول تطبيع فلسطيني:
ففي الأيام نفسها أُعلن عن “وثبة” تطبيعية على عنق الوطن لما يسمى: مؤتمر الاتحاد الفلسطيني الإسرائيلي 12 و 13 و 14 ديسمبر من عام [1]2011. وعلى راس المشاركين الفلسطينيين فيه د. سري نسيبة رئيس جامعة القدس[2]. وما قام به نسيبة ليس الأول من نوعه فلسطينياً وليس الأول في سجله التطبيعي. فالرجل ساهم في التطبيع إلى حد أنه “كوفىء” على ذلك بتعيينه رئيساً لجامعة القدس. هل عينه الشعب الفلسطيني؟ كلا. أليس هو سري نسيبة الذي طلب من الفلسطينيين عام 1985 التخلي عن كل شيء والتقدم بطلب حمل الجنسية الإسرائيلية؟ وحينها ضُرب من الحركة الطلابية. والطلبة في غالب الأحيان هم المعبِّرون عن حيوية الشعب. ولكن لا حركة طلابية اليوم في الأرض المحتلة فقد انتهت عمليا بعد أوسلو وارتد كل طالب إلى إطاره وكل إطار إلى قيادته وكل قيادة مطلقة العنان لتفعل بالناس ما تشاء. لا غرابة حينما يتحول البشر إلى اشياء. ولكن يظل السؤال معلَّقاً: لماذا رُقِّي بعد أن ضُرب في جامعة بير زيت ليصبح رئيساً لجامعة القدس؟
لرئيس جامعة معنى بل دور سياسي أكثر مما هو اكاديمي. فهو، وخاصة في بلد غير ممأسس مثابة امتلاك شخص لجامعة مما يُخضع لسلطته وسطوته جبابرة الأكاديميا[3] ليتزاحموا على بابه من اجل الوظيفة والدرجة…الخ ومن يدري فربما حظيت هذه الجامعة بدعم مالي أكثر من غيرها كي يتمكن رئيسها من تحصين نفسه بالمال، نعم من يدري؟ لذا، حينما قررت جامعات في بريطانيا مقاطعة جامعات الكيان، رفض نسيبة ذلك علانيةً، وحينها “نخَّت” كافة المؤسسات الأكاديمية وحتى مؤسسات الجهل ولم تحرك ساكناً. واضح “أن ابا هذا الرجل من قريش”، وقريش اليوم هي المال والتطبيع، لذا، “ساق الناس بدولار”.
وفي مواقف عديدة لم يُحرَّك ساكناً طالما المضروب هو الوطن إلى حد اصبح طعن القضية من أهلها أمراً مألوفاً وربما يُصبح محبَّباً. فهناك الاعتراف بأن فلسطين المحتلة بالاستعمار الاستيطاني هي إسرائيل، ولم يعد معنى لمن يزعم أنه ضد أوسلو وهو قد جيىء به عن الجسور تحت خاتم الاحتلال وحين دخل هنا زعم أنها أرضا محررة (كما قيل لبعض الإخوة الجزائريين[4]) وصار ينعم بخيرات أوسلو سواء في وزارة او في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المستقرة في رام الله الحداثية بل ما بعد الحداثية على الأقل من حيث السيارات الفارهة[5] لكل عضو لجنة تنفيذية أو أمين عام أو زعيم عام ولكل واحد/ة منهم أسطول سيارات ممنوحة ناهيك عن السائقين والحراس فليست الأعطيات في العواصم العربية فقط. وهناك تصريحات كثرة من القيادات بشطب الكفاح المسلح بل القيام بتصفية خلاياه، وهناك شتم العمليات الاستشهادية وهناك ما لا يمكن أن يُقال. فلماذا لا يشعر نسيبة أنه المطبع الأرقى وبأنه سريُّ سُراة التطبيع! وبعد أيام سيتم التوقيع الشكلي على المصالحة الفلسطينية والتوقيع العملي على إقرار كل الحضور ونتمنى أن يكون بعض الحضور، بأن المناطق المحتلة 1948 هي إسرائيل، أي اعتراف: “يميني، علماني، يساري ومرة أخرى نتمنى أن يحتجب عن هذا القومي والدين السياسي كي لا تتورط القومية والدين السياسي في الكارثة الكبرى. في القاهرة بعساكرها وبالدين السياسي الجديد في مصر وبتعليمات جون كيري وآن باترسون سيتم إخراج المشروع الوطني اليوم بأنه “المقاومة الشعبية بطبعتها الخبيثة-السلمية” أي ما بعد حداثية، أي نقاش ومطالبة وديمقراطية وانتخابات وأنجزة وتموُّل وربما نسوية لبرالية…الخ ويُعلى الإخراج إلى أعلى درجات النفاق والعنترية الجوفاء بأن يُلعن الممولون من الذين يترزقون منهم!فبالله عليكم، نُصدق مَن!!! باختصار، سيكون هناك في القاهرة وبإشراف نفس مخابرات حسني مبارك: تشارك وتقاسم أشلاء الضفة والقطاع في حدود ما سمح به الكيان الصهيوني الإشكنازي. يبدو، وهذا ما لا نتمناه، أن معسكر التسوية سوف يُدعم بعد لقاء القاهرة بفتاوى “الهدنة”. كنا نتفهم التعبير الاصطلاحي للهدنة حينما كانت في خدمة النضال المسلح، وكان مضمونها التهدئة لالتقاط الأنفاس. أما الهدنة الجديدة فهي تعبير عن ان ما تحصل هي اشتباكات حدود بين طرفين كل واحد على أرضه. إنها تعني الاعتراف الفعلي بالكيان.
الحدث الثاني:
نعم في الأيام نفسها حل الوحي على الشيخ يوسف القرضاوي حيث زار ليبيا بعد أن دِيست وغدت من جواري الناتو[6]. وبالطبع كان سقوط ليبيا مدعاة سعادة غامرة لعديد من العرب الذين استمرؤوا الاحتلال والاستيطان فعادوا لا يقوون على النهوض إلا كمطايا يستدعون الاستعمار[7] ويحملونه أي المستعمِر/المستوطن على ظهورهم الجسدية والذهنية الثقافية. ذهب القرضاوي ليدعو للتصالح بعدما كان داعية الحرب ودق بين الناس هناك “عِطر منشمِ”. خلال ايام وجوده هناك اقتتل الليبيون أكثر وإذا بالمصالحة التي يقصد هي مع الكيان الصهيوني حيث دعى المسلمين إلى: ” التعامل مع إسرائيل بالعقل والحكمة” ويعمل اليوم على إعادة قراءة صلح الحديبية ليشتق منه زوراً وبهتاناً تبريراً للتصالح مع الكيان الصهيوني.
لو عقدنا مقارنة بسيطة بين الشيخ القرضاوي والعالم/المجاهد الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي عبد الحميد بن باديس الذي قال:: [ والله لو طلبت منى فرنسا أن أقول لا إله إلا الله.. لما قلتها”. كيف ولماذا دعم القرضاوي احتلال ليبيا وما معنى التعقل والحكمة مع الكيان؟ قد يقول قائل ان المقصود عدم التهور. لا باس، كان بوسعه ان يقول كما قال بن باديس، اي: “أولاً يجب ان لا تعترفوا بهذا الكيان، وبعدها فليكمل ما يُكمل. وإلى من يحاولوا تفسير اقواله بحسن النية، فالباب مفتوح كي يستنطقوه. كما أننا لا نطلب من الشيخ القرضاوي أن يفعل ما فعل الملك الظافر حينما وصل التتار إلى مصر، دخل المعركة ونزع الخوذة عن راسه وقال وهو يهجم: “وا إسلاماه” وكان له النصر. فأيهما الأصح تعقل القرضاوي أم تضحية وجرأة الملك الظافر، وهل من امير أو ملك أو رئيس أو أمين عام مثله اليوم؟
ليس دورنا الإفتاء في هذا الأمر، ولكن صلح الحديبية كان بين طرفين لكل منهما حق في الأرض التي يقيم عليها. وعليه، فإن تعقُّل الشيخ وحكمته، وتفسيره لصلح الحديبيبة هو تطبيع المسلمين على قبول الكيان كما هو، أي باعتباره صاحب الأرض التي يحتلها. ما الذي وضع الرجل في هذا الاستعجال من أمره علينا وضدنا؟ ومن قال ان الأرض يُفتى بها دينياً؟ فالأرض اسبق من الأديان وأرض كنعان وكنعان نفسها قبيل الديانات كلها. فكيف قرر الشيخ القرضاوي أن يصبح مالكا عقارياً لفلسطين فيفتي بالتنازل عنها؟ ما الفارق بين أرض الميعاد اليهودي، وفتوى التفريط ؟
ولعل اللافت أن لا أحداً ممن يزعمون الوطنية والدين، لا أحداً التفت لهذه الفتوى الأكثر خطورة من النووي!
أفتى الرجل ما أفتاه عن ليبيا وسوريا واليمن. ولكن هل في حقنا في وطننا فرصة اجتهاد أو رأي آخر نفذ منه فجردنا من الوطن؟ ماذا نقول لو ارتكزت الصهيونية على فتواه وعلى ما فعله كل من اعترفوا بالكيان، وقامت برفع دعوى في الأمم المتحدة أن العرب قد اعتدوا عليها وحاربوها على أرض يعترفون انها لها، أي للصهيونية؟ من سيدفع التعويض “لإسرائيل الطيبة” على خسائرها البشرية والمادية وجراحها المعنوية؟ ربما أموال حمد وحمد!
لو افترضنا أن مسلمين سيقبلون بفتوى الشيخ القرضاوي، وأنهم، طبقاً لقراراته ونمط تفكيره، سوف يقمعوا –على الأقل- كل مسلم يخالفهم طالما يحلمون بالسلطة والمال واعتراف الغرب بهم فماذا عن المسيحيين الفسطينيين والعرب الذين لا تجوز عليهم فتوى الشيخ؟
على ان الشيخ القرضاوي لم يوقف المسألة عند هذا الحد، بل نصح المصريين والتونسيين بأن يتوقفوا عن نقد النظام الاقتصادي في بلديهما[8] ليؤكد أنه مفتي السلطان. وكيف لا يقول هذا وهو مستقر في قطر. فهل قال للناس هناك أن الأمير يسرق ثروة قطر[9]؟. والعجيب أن النظام الاقتصادي في مصر وتونس قبل الحراك وبعد الحراك هو الذي أفقر البلاد والعباد نظام “التجويف والتجريف: نظام جوَّف الوعي وجرَّف الثروة” إتق الله يا شيخ! قد تكون عالماً في الدين السياسي، ولكن هل أنت عالم في التبعية والاستقطاب واحتجاز التطور والاقتصاد الجديد والمضاربات على صعيد عالمي والاحتكارات وغسيل الأموال والقيمة الزائدة النسبية؟ ألا يعلم الشيخ أن السكوت عن النظام الاقتصادي يعني عدم استعادة مصر من ايدي الولايات المتحدة وراس المال الطفيلي والمضارب، اي استمرار ضياع مصر وجوع أهلها؟ لا بل يعلم وهذا ما يريده. إن المتوقع من رجل دين حقيقي أن يقول بأن التفريط بثروة البلد حرام وقبض أموال من العدو حرام (أموال من السفارات والأنجزة والمراكز الثقافية…الخ) لأنه آلية اختراق تُفضي في أغلب الأحيان إلى بناء خلايا تجسس أو تطامن عليه اليوم أو ذات يوم.
والحدث الثالث
في مقالة لكاتب الدين السياسي من مصر السيد فهمي هويدي وذلك في صحيفة الشروق القطرية التي كتب فيها فتوى سياسية هذه المرة يفسر بها ويبرر اعتراف إخوان مصر بالكيان الصهيوني وهذا النص:
“…حين التقى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي جون كيري قيادات حزب الحرية والعدالة في القاهرة مساء السبت الماضي 10/12 كان السؤال الأساسي هو: ما موقفكم من معاهدة السلام مع إسرائيل؟ وكان الرد الذي سمعه أن الحزب مع احترام الدولة لمعاهداتها مع الدول الأخرى، ولكن المعاهدات ليست أبدية، واستمرارها مرهون بوفاء أطرافها بالتزاماتهم المتبادلة، كما أن للدولة عبر مؤسساتها الشرعية أن تعيد النظر فيها بما يخدم مصالحها العليا.
كنت قد ذكرت من قبل أن السيد كيري أوفد فريقا من مساعديه في مهمة مماثلة إلى تونس، للتعرف على موقف حركة النهضة من إسرائيل، بعد فوز حزبها بأعلى الأصوات في انتخابات المجلس التأسيسي. وإن كان العرض مختلفا، لأن الوفد تحدث عن رغبة بعض الإسرائيليين في استثمار أموالهم في تونس. ولأنه لا توجد اتفاقات أو معاهدات رسمية بين البلدين حتى الآن، فإن ممثلي النهضة ردوا بأن هذا الموضوع لا يمثل أولوية الآن. وأن الحكومة الجديدة معنية بالوضع الداخلي وكل تركيزها منصب بالدرجة الأولى على إنجاح التجربة الديمقراطية في البلد[10]“.
بداية كانت مع كيري سفيرة الولايات المتحدة آن باترسون وكان حوارهم مع السيد محمد مرسي من كبار قادة الإخوان المسلمين في مصر. ماذا يفهم القارىء من هذا النص حتى لو كان مستشرقاً مبتدئاً؟ يفهم بلا مواربة أن الإخوان المسلمين يحترمون اتفاقات نظام السادات-مبارك بزعم انها اتفاقات الدولة المصرية؟ وبما أنهم سوف يتحكمون بالبرلمان ومعهم العسكر وراس المال فإنهم سوف يؤكدوا على استمرار الاعتراف بالكيان الصهيوني. فأين الإسلام يا د. هويدي؟ أما رهن استمرار المعاهدات باحترام أطرافها لها، ففي هذا احتقار لعقل القارىء. من قال أن الكيان يحلم بأجمل وأمتع من اتفاق كامب ديفيد حتى يلغيه، ناهيك عن اوسلو ووادي عربة، لعل الأمتع هو الاتفاق مع قطر والسعودية والإمارات لأنه غير معلن كنصوص ولكنه بادٍ كسلوك ؟ فقد حاز الكيان على فلسطين وسيناء وحتى مصر! هذا الإفتاء من هويدي هو قراءة لعلاقة حدود وليس لعلاقة وجود. هذا ليس الإسلام بالطبع إنه خبث الدين السياسي، ولكنه خبث مكشوف.
لو نقلنا نص هويدي هذا وطبقناه على الحالة الفلسطينية، اليس هذا بالضبط هو المطلوب من حماس منذ سنوات، اي الاعتراف والإلتزام باتفاقات السلطة؟ ستكون التخريجة ببساطة: تحويل إسم السلطة إلى إسم دولة وحينها تلتزم حماس باتفاقات الدولة طالما قررت العودة للمشاركة في السلطة، وما زلنا نتمنى لحماس التعفف. وربما يتم تشكيل حزب عدالة محلي ليقوم بالعدالة على الطريقة التركية والمصرية، ولكننا نتمنى ان لا تتورط حماس في هذا وأن لا تلجأ إلى الشيخ القرضاوي لتخريج فتوى خبيثة تضلل الناس حينا من الدهر.
وبمقدار ما تناول هويدي موقف إخوان مصر من الكيان بخبث تناوله باستخفاف في تونس. فالغنوشي لم يرفض مبدأ العلاقة بالكيان بل اعتبر الموضوع مؤجلاً. أما هويدي فيسوق الأمر كما لو كان تأجيل شخص مشغول للحظة الذهاب لقضاء حاجته.
لم يذكر هويدي أن الغنوشي زار معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط برئاسة روبرت ستاكلوف وقال هناك: ” دستورنا لن يحوي شيء عن العلاقة بإسرائيل، لدينا مع الناتو معاهدة نلتزم بها، ونحن ملتزمون بالاتفاقات الدولية”.أليس طريفاً هذا الحوار بين رجال الدين السياسي[11] باسم “الثورات” وبين الولايات المتحدة التي تذبح العرب بالملايين؟ هل يحترم هؤلاء حقاً الدين والشعب؟ وقد يكون السؤال: لماذا لا تنتفض الناس رفضاً لهذه العلاقات المشبوهة علانيةً! أم ان على رؤوسهم الطير؟
هويدي والغنوشي والقرضاوي يعلمون من هي الولايات المتحدة، بدءاً من دورها في حماية الكيان وتدمير العراق والصومال وليبيا والعديد من بلدان العالم، فلماذا لم يعترض هويدي على مجرد مجيىء كيري ولقائه قادة الإخوان؟ ألم يلاحظ مسلسل التفتيش الأميركي على أجساد “القادة المزيفين” لثوار مصر وتونس بدءأً من زيارة هيلاري كلينتون لميدان التحرير وزيارة فلتمان لتونس، وصولا إلى زيارة السفيرة الأميركية في القاهرة للتفتيش على صناديق الاقتراع؟ ألا يوضح هذا أن ما يدور هناك هو تحالف قوى الثورة المضادة.
في عام 1978 نشرت مجلة ميرب ريبورت (التي كانت يسارية) مقابلة مع الغنوشي والزهار والترابي، وقالوا جميعاً نحن معركتنا مع إسرائيل وليست مع الولايات المتحدة. أليس واضحاً أن هؤلاء السادة ما زالوا على العهد؟ ومن يوالي أميركا هو هل قيِّم على الشعب وعلى العروبة والإسلام؟ ثم هل يمكن لأميركا ان تسمح لأحد أن يواليها ويعادي الكيان الصهيوني؟ لماذا لا ياتي الدين السياسي إلى الحكم في هذا البلد او ذاك؟ ولكن الكارثة أن يأتي على عجلات التطبيع، الاعتراف بالكيان وتثبيت انياب الولايات المتحدة في جسد الأمة وتعميق التفتيت العربي. هل يمكن لمؤمن أن يصادق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أي وُحوش راس المال!
[1] إنتبهوا هناك الكثير مما يسمى إسرائيلي فلسطيني. هناك “مجلس الأعمال الإسرائيلي الفلسطيني” الذي أُعلن عنه قبل عدة سنوات، وربما تاسس منذ بداية احتلال 1967. انظر مقالة عادل سمارة : من الشرعية إلى القداسة، في مجلة كنعان، العدد 131 تشرين أول 2007 ص ص 15-30. ومن يدري كم مجلس مشترك آخر!
[2] نُقل هذا المؤتمر إلى مدرسة طاليتا قومي في بيت لحم، ولهذه المدرسة تاريخ في استضافة الأحبة الفلسطينيين والصهاينة، فمن عام 1999 عُقد مؤتمر مشابه فيها، وهذا ما أُعلن، فما بالك بالمخفي. انظر مقالة عادل سمارة، مطلوب مسائلة باثر رجعي: لكل القطط وقطط أل NGOs، في مجلة كنعان العدد 97 تموز 1999، ص ص 3-7.
[3] كتبت غير مرة أنني مُنعت عن التدريس في الجامعات المحلية، وبعد 30 سنة حاول نسيبة فك الحرمان، فتعففت عن القبول، وبالطبع كان العرض عبر إستاذ جامعي يُحاضر هناك. قال: ستبقى عنيداً. قلت ليس الأمر مجرد عناد. وكذلك عبر رسالة فيما يلي جزء هذا ردي عليها:
—– Forwarded Message —-
From: adel samara <qurmut2010@yahoo.com>
To: Uri Davis <uridavis@actcom.co.il>
Sent: Tue, January 26, 2010 10:18:09 PM
Subject: Re: Establishing e-mail contact
Dear Dr. Uri Davis
Thank you for e-mailing me and for our talk today’s afternoon in Kana’an office.
I really appreciate your suggestion for me to teach Israeli Economy in the Department of Israeli Studies in Al-Quds University.
……
Asking my mind is it logical to accept the offer. But when time is dark I am always inclined to ask my heart. It is not new or not known that my financial situation is really difficult, but my heart deeply advices me to say No thank you.
Again I appreciate your and Exeter nice offer, but please let me follow my heart as I am doing always.
All the best
Sincerely Yours
Adel Samara (PhD)
[4] نجحت لُجَّة الكذب الثوري في تتويه عرباً كثيرين بأن أوسلو-ستان أرضاً محررة! هذا ما يعتقده بعض الإخوة في الجزائر! اسمحوا لي بكلمة إلى المطبعين العرب، عدت قبل ايام من الجزائر وكان جندي صهيوني واحد يُذل كل فلسطيني (بمن فيهم عظماء أل في.آي.بي) يدخل أو يخرج من الضفة الغربية إذلالاً بالنظرة والأمر وختم جواز السفر، والإذن بالذهاب لقضاء الحاجة وكل ما تعتقدون. لم أرَ شخصاً واحداً لم تُطبع هذه المراسيم على جلده وذهنه. فمن اين أتى المطبعون الفلسطينيون بأن سلطة أوسلو تُصدر تصاريح مرور لا تمر على مصفاة “التنظيف ” الصهيوني؟ أي كذب واي عيب! أما واللكذب كما هو فانتظروا زيارة القرضاوي للأقصى كي يفتي بشراكة صهيونية فيه.
[5] لسبعة ايام متواصلة في مدينة الجزائر والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين، لم اشاهد من السيارات الفارهة ومن أنواع مكلفة ما يزيد على 1 بالمئة مما في رام الله المحتلة! فمن اين لكم كل هذا!!!
[6] آخر أخبار ليبيا قيام الولايات المتحدة بتدمير شبكة الدفاع الجوي والصواريخ كي لا تسقط بيد القاعدة. ولكن، اية قاعدة؟ من يدري صحة هذا؟ أليست القاعدة هي التي كان ظهيرها طيران الناتو في ليبيا؟ ألا يتم تجهيز ثوار الناتو للاعتداء على الجزائر؟ ليبيا اليوم ترسانة لاختراق الجزائر وكل إفريقيا.مبعوث خاص من البنتاغون يشرف على تدمير شبكة الدفاع الجوي…
[7] في لقاء بالجزائر بين مجلس سوريا الانتقالي برئاسة غليون تحدث غليهم مجاهد عمره يربوا الثمانين قائلا: ما نعرفه أن دور الوطنيين طرد الاستعمار وليس استدعائه، نحن في الجزائر فعلنا هذا، وحين اقتتلنا في العشرين سنة الأخيرة منعنا تدخل اي اجنبي ولم يفكر ايا منا في استدعائه، كما أن رئيسكم غليون يتحدث بلغة وأهداف صهيونية.
[8] “…حث القرضاوي “الإسلاميين المعتدلين” في مصر وتونس على وققف أي نقدٍ للنظام الاقتصادي القائم. هذا ما ورد في صحيفة إمبريالية معروفة:
He urges the “moderate Islamists” in Egypt and Tunisia to cease any criticism of the existing economic order, (see “Spiritual guide steers Arabs to moderation”, Financial Times, December 9, 2011 – p5). In a word, this respectable Muslim cleric is NATO’s perfect Koran-quoting “moderate Islamist” partner – a dream come true.
[9] أنظر المقالة االجيدة ل علي خليفة الكواري رؤى واستراتيجيات دول مجلس التهاون من منظور الإصلاح: حالة قطر، في المستقبل العربي تشرين الثاني نوفمبر 11-2011 العدد 393ص ص 55-77.
[10] شهادة الغفلة وإهدار الأولويات – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي، صحيفة الشرق القطريه 13 ديسمبر 2011، http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/12/blog-post_13.html
[11] نعتقد ان تعبير الدين السياسي أدق من الإسلام السياسي، لأنه هناك ديناً سياسيا يهودياً وهناك الدين السياسي للمحافظين الجدد، فليس سليماً أن نحصر الأمر في مسلمين دون غيرهم.