إضافة أمريكية من غينغرتش

عبد اللطيف مهنا

في زمن قياسي لا ينوف إلا قليلاً عن الإسبوع، و كسواها من مثيلاتها في سابق المرات، خطت إهانة غينغرتش الأمريكية الموجَّهة للعرب أدراجها قدماً باتجاه النسيان، أو بالأحرى غدت قيد التناسي. لم تقابل من قبل متلقييها بأدنى ما تستحقه وقاحتها من رد. بل مضت في سبيلها دونما الالتفات إليها ومرَّت وكأنها لم تكن. لأن من هم المفترض أنهم المعنيون بها بدو وكأنما هم غير المعنيين والمنشغلين عنها، وكلٍ من موقعه ووفق أولوياته واصطفافاته، بما يهب ويدب ويرهص في دنياهم في مثل راهن المرحلة المتفق على أنها الأكثر مصيرية في تاريخهم المعاصر. لقد سهل على غينغرتش الإتيان بماثرته هذه وساعد على ماآلت أليه، هو أن الحال العربية لازالت توحي بأن العرب مازالوا في حكم من إعتادوا، ومن ثم عوّدوا الأمريكان، على ملاقاتهم متوالية الإهانات الأمريكية ليردّوا عليها، إن هم ردّوا، شعبياً، بمالايزيد عن أضعف الإيمان، ورسميا، ببعض من قليل العتب الحيي احياناً، وكثيراً ما لوقيت منهم بالتسامح.

هذه المرة، جديد السيناتور الجمهوري البارزغينغريتش، والذي يعد من كبارالمتصهينين في الكونغرس وصاحب المواقف العدائية الأشهر ضد العرب، والمعروف بأنه المؤيد بلا حدود ولا قيود لعدوهم المغتصب لفلسطين، أنه زاد من عنده بعض من إضافة إلى ما راكمته العقود والإدارات الأمريكية المتعاقبة في سجل مسلسل الإهانات التي سبق وأن وُجِّهت لهم. بالمقابل، كان مما لاقاه جديده هذا، أنه بدا أن من بينهم من كادوا أن يلتمسون له عذراً، ذلك حينما كان كل ما لاحظوه أن ما ذهب إليه زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي إنما كان بعضاً من لزوميات الحملة الانتخابية الأمريكية التي بدأت هذه الأيام تتسارع إيقاعاتها، أوما لا يشذ عن معتاد إسفافاتها ومزايداتها المستجدية في العادة لأصوات صهاينة الولايات المتحدة… نعم إن في هذا بعض من صحة، لكنه لايعدو جزئية ليست بذي شأن في جوهر العلاقة العضوية التي تربط هذا المركز الإمبريالي بثكنته المتقدمة في بلادنا، نلك بما لها من دور ووظيفة في خدمة المشروع الغربي الاستعماري في منطقتنا، أي كمصلحة إستراتيجية أمريكية، يضاف لهذا جانب آخرهو أقرب إلى ألأيدولوجيا والعميق التجذر في نظرة المجتمع الأميركي التقليديه الى إسرائيل، مرده أن الولايات المتحدة ترى بدايات كينونتها الأولى في إسرائيلها، أي كحالة هى من حيث كونها تجمعاً إستعماريأً إستيطانياً إحلالياً قد أُنشئت على مثالها، و بالتالي هى لاترى في أصحاب الأرض المستلبة التي قامت على أنقاضهم، أوالعرب الفلسطينيين، إلا هنوداً حمراً…

في المناظرة الانتخابية التي شاركه فيها الستة المرشحون للرئاسة، أو أولى حلقات ذلك “الشو” الانتخابي على الطريقة الأمريكية الذي أُقيم مؤخراً، والذي سوف يتكرر وتكثر كرنفالاته في قادم الأيام، لم يزد المرشّح غينغرتش على زملائه المشاركين أكثر من أنه عبّر بصراحة أكثر، أوبوقاحة، عن جوهر ومنطلقات ذات السياسة الأمريكية حيال الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة، هذه التي قد تحجب الديبلوماسية بعضاً من صفاقتها، كما ترجم بفظاظة الكاوبوي عميق تلك المواقف الأيدولوجية، التي كنا قد قلنا إنها الضاربة جذوراً في المجتمع الأمريكي حيالهم، أوتحكم بشكل عام النظرة الأمريكية لمجمل الصراع العربي الصهيوني… السيناتور لا يرى في العرب الفلسطينيين أكثر من “مجموعة إرهابية”… وحيث عنده لا وطن أُغتصب ولا شعب شُرِّد من وطنه ولا من قضية عادلة، فلا وازع يردعه عن قولٍ من مثل :

“نحن أمام شعب فلسطيني تم اختراعه”… أما هذه الملايين المكدسة المحاصرة في معتقلاتها ومعازلها داخل وطنها، وتلك المشرّدة في المنافي ومخيمات الشتات، ف”بإمكانهم الذهاب لمكان آخر”… طبعاً باستثناء عودتهم إلى وطنهم وبقاء الصامدين المتبقين منهم على ترابه…باقي المرشحين الخمسة لم يشاركوا زميلهم غينغريتش صراحته، لكنهم تباروا في مضمارالتأكيد على التزامهم بالمسلمة، أو التابو، الأمريكي… إسرائيل، وجوداً وأمناً وتغطية لجرائمها ودعماً لعدوانيتها.

غينفرتش، بعقلية المنتمى إلى بلد طبيعته هى الأشبه بالشركة العقارية، ولم يكن أصلاً موجوداً على خارطة الكون قبل ما لاينوف إلا قليلاً على القرنين، ولا يوجد فيه أمريكان أصليين سوى الهنود الحمر وتماسيح فلوريدا، أجاز لنفسه أن يقفز على التاريخ والجغرافية، وأن يتطاول على شعب عمره في وطنه أكثر من سبعة آلاف عام، وينتمي إلى أُمة عريقة حدث أن بدأ تاريخها مع التاريخ… لم يسمع غينغريتش باليبوسيين ولا الكنعانيين فنعت العرب الفلسطينيين بما لا ينطبق مثله إلا على إسرائيلييه الغزاة المستعمرين فحسب وعلى إسرائيله المستعمرة المصطنعة والمفتعلة لاغير… قد يقول قائل، أن الأمريكان من صفاتهم المعروفة أنهم جهلة بما هو يقع خارج حدودهم… هذا بعامة لايجافي الصحة، وقد نستحضر هنا سابقة وزير دفاعهم الأسبق وينبرغر حين سألوه، وهو يمثل أمام للجنة المخولة الموافقة على تعيينه وزيراً في الكونغرس، عن اسم عاصمة زيمبابوي فلم يعرفه، وفي المرة الثانية، أوفي امتحان الإعادة، بادر الوزيرالمعيَّن اللجنة الممتحنة له محاولاً أن يبدو متفكها : أنا الآن أستطيع أن أجيبكم ماهو اسم عاصمة زيمبابوي… أجل جَهَلة، لكنما أوليس في مثل هذا القول تبسيطاً ؟!

الجهالة الأمريكية المشهود لها وحدها لا تكفي تفسيراً، علينا العودة إلى كل ما تقدم… وعلينا أيضاً أن نضيف أمرأً يستحق غينغرتش منا أن نشكره عليه، وهو إصراره على أن يُذكِّرنا كعرب، إن نفعت الذكرى، بأن الولايات المتحدة هي عدونا الأول، أما إسرائيلها وملحقاتها الغربيات وامتداداتها بينا فلسن جميعاً، كما كنا نقول دائماً، سوى مجرد تفاصيل من تفاصيل عدوانيتها… وعليه، أوليست دعوة سلام فياض لغرنغرتش إلى الاعتذار عما بدر منه هى بمثابة النكتة الغير مضحكة ؟!