شعبك أنت «جرى اختراعه»


سيّد غينغريتش

جورج كعدي

غاب عن بال السيّد الصلف والفظّ نيوت غينغريتش (المرشّح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة) أن الولايات المتحّدة الأميركية نشأت وتكوّنت من المستعمرين وشذّاذ الآفاق الأوروبيين وغيرهم من الغزاة والمهاجرين الطامعين بـ«الأرض الجديدة»، وأن هؤلاء ارتكبوا مجازر رهيبة في حقّ الهنود الحمر، السكّان الأصليين، فكانت من أوحش المجازر في تاريخ البشرية وأفظعها، وضحاياها عشرات الملايين، ثم كان التمييز العنصري المقيت ضدّ ذوي البشرة السوداء من أصول أفريقية وعبودية لم يُمارس مثلها في التاريخ وحروب أهلية بين شمال وجنوب، إلى آخر ما هنالك من مفاصل ومحطات ومآثر «مجيدة» في التاريخ غير المشرّف على الإطلاق للولايات المتحدة، «الأمّة التي تأسّست على القتل» بحسب المخرج الكبير مارتن سكورسيزي يوم كان يتحدث عن فيلمه «عصابات نيويورك» وعن وحشية المهاجرين الإيرلنديين الأوائل وسواهم التي يظهرها في الفيلم.
إذن، غاب عن بال حفيد الغزاة الطارئين على أرض الهنود الحمر، حفيد القتلة والمجرمين وشذّاذ الآفاق والمنفيين، أن دولته المجرمة بل رائدة الجرائم الكبرى في العالم، من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي إلى العراق مروراً بفيتنام وفلسطين، هي التي «جرى اختراعها» وأن شعب الولايات المتحدة الهجين هو الذي «جرى اختراعه» وأن لا شيء اسمه « شعب أميركي» في الولايات المتحدة، لأن الشعب الأصليّ لهذه الأرض التي دنّسها «اليانكي» الأبيض وسقى ترابها بدماء الأبرياء هو شعب الهنود الحمر، سكان شمال القارّة الأميركية وصولاً إلى كندا وغاباتها الشاسعة. فبوقاحة لا توازيها وقاحة، وجهل لا يضاهيه جهل، أو في أفضل الحالات تجاهل لئيم إن لم نقل جهلاً، يقول غينغريتش ببلاغة صهيونية رفيعة إن الفلسطينيين هم شعب «جرى اختراعه» وإنهم «مجموعة إرهابيين»، معتبراً في محاولة مكشوفة لدغدغة مشاعر اليهود الأميركيين والصهاينة «الإسرائيليين» أن شعب «إسرائيل» هو الأحقّ بالأرض، وأنه ليس طارئاً عليها من جهات العالم الأربع ـ معاذ الله ـ وأنّ عصابات «إسرائيل» لم تحشد مجموعات من أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا (الفالاشا الإثيوبية) وبعض البلدان العربية وروسيا وغيرها لـ«ملء» الأرض المغتصبة بالسكان ـ معاذ الله ـ بل إن هؤلاء يملكون أباً عن جدّ صكوك ملكية مصدّقة من «يهوه» إله «الشعب المختار» الذي ختم لتلك العصابات الغازية لأرض فلسطين المقدسة صكوكاً تثبت «حقهم التاريخيّ» في الملك! وأن المدن الكبرى، القدس وحيفا وعكا، وسائر القرى والبلدات التاريخية الفلسطينية العريقة والسحيقة القدم هي من الخيال فحسب ولم يكن فيها شعب ولا عائلات ولا سلالات ولا مالكو حارات ومنازل جميلة وأرزاق وبساتين ومصانع ومحالّ، ولم تكن هناك مرافئ وقطاعات ودوائر حكومية!… بحسب «المؤرخ» الجمهوري الجاهل نيوت غينغريتش الذي يقلب الحقائق التاريخية رأساً على عقب، فقط لأجل حفنة من الأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يفترض نفسه مرشّحاً جمهورياً لها. و«إسرائيل» قاتلة الأطفال في فلسطين ولبنان وسواهما، ليست في توصيف السيّد غينغريتش وعُرفه إرهابية بل إن الشعب الفلسطيني المقتلع والمقتول والمهجّر والمضطهد هو الإرهابيّ! نعيش والله في عصر الفجور الأميركي و«الإسرائيلي» والأجدى عدم مخاطبتهما بالمنطق المفقود، بل فقط بالضرب الموجع حيث أمكن، إذ لا منطق تاريخياً أو غير تاريخيّ يصلح معهما… مع القاتل والمجرم.
إليك سيّد غينغريتش هذا الجانب من الصورة الحقيقية التي رسمها مواطنك الهجّاء الرائع مايكل مور لشعبك الأميركي الذي لم « يجر اختراعه» إن كنت تتوهّم ذلك وتؤمن به حقاً، فهو يقول عن الشعب الأميركي في كتابه القيّم والصادق «رجال بيض أغبياء»، وباختصار للمقطع الطويل تحت عنوان «نحن الرقم واحد»، بسبب ضيق المجال:
«(…)
نحن الرقم واحد في الإنفاق العسكري.
نحن الرقم واحد في عدد القتلى بواسطة الأعيرة النارية.
نحن الرقم واحد في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون.
نحن الرقم واحد في إنتاج النفايات الخطيرة.
نحن الرقم واحد في عجز الموازنة (بالنسبة إلى GDP).
نحن الرقم واحد في الاستهلاك اليومي للوحدات الحرارية في غذاء كل فرد.
نحن الرقم واحد في أقلّ نسبة مقترعين.
نحن الرقم واحد في عدد حالات الاغتصاب المسجّلة.
نحن الرقم واحد في عدد حالات الوفاة والإصابة من حوادث الطرقات.
نحن الرقم واحد بين الدول التي تملك حكومات شرعية في الأمم المتحدة التي لم تصادق على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
نحن الرقم واحد في كوننا أصبحنا أوّل مجتمع في التاريخ يشكّل فيه الأطفال المجموعة الأكثر فقراً بين سكانه.
(…)».
وبعد، مستر غينغريتش، هذا غيض من فيض «السيرة الذاتية» لشعبك الأميركي ومجتمعك المريض بآفات لا تحصى ولا تعدّ. فهل تحدّثني بعد عن شعب يخصّك « لم يجر اختراعه» فيما تتطاول على شعب عريق متجذّر كشجرة الزيتون وشجرة البرتقال في أرضه وله تاريخه المعروف ومدنه وقراه وعمارته وسجلّ عائلاته، لتقول عنه بمنطق المستعمر الطارئ الذي لا تُعرف من أين أرومة جدّه الغازي والطارئ على أرض الآخرين إنه شعب « جرى اختراعه»! بل أنت من جرى اختراع أمّتك المريضة المجرمة السفّاحة سيّد غينغريتش.

:::::

المصدر: “البناء” اللبنانية

http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=50876