من الرحم السوري يولد النظام العالمي الجديد ؟

العميد الدكتور أمين محمد حطيط

لم يعد خافيا على احد بان ما اسمي ” ثورة سورية ” لم يكن سوى هجوم غربي على سوريا استغل وضعا داخليا يتطلب اجراء اصلاحات ضرورية و معالجة ما فسد من السلوكيات او الاشخاص الذين يلون الشأن العام و ليكون النظام السوري اكثر مواكبة للعصر من حيث الحرية و الديمقراطية.

في بادئ الامر ظن حسنو النية ان الاصوات التي انطلقت في درعا في اذار2010 مطالبة بالاصلاح انما هي تعبير عن مطالب الناس و لا شأن للخارج بها، لكن السلوك الرسمي السوري الذي استجاب للحركة الاصلاحية فضح من كان يخطط لسوريا و يريد تغيير موقعها الاستراتيجي و المتمثل في تمركزها حاليا في واسطة عقد منظومة المقاومة للمشروع الغربي، بغية نقلها الى الضفة المعاكسة التي عبر عنها من غير خجل برهان غليون الذي عين في اسطنبول رئيسا لما شكل هناك باشراف تركي – قطري مباشر و قيادة غربية واضحة،رئيسا ل”ا لمجلس الوطني السوري ” حيث قال انه ” اذا تمكن من تشكيل الحكومة في سوريا فانه سيقطع علاقته بايران و حزب الله و حماس، و سيفاوض اسرائيل و يعترف بها لاقامة السلام معها ” كلام يعني بوضوح انهاء الدور السوري في مواجهة اسرائيل، و جعلها تابعة للمشروع الغربي كما هو حال معظم الدول العربية اليوم خاصة دول “مجلس التعاون الخليجي.”

و بهذه السلوكيات و سواها من الميدانيات سقطت كليا ذريعة الاصلاح التي اطلقت في بدء الاحداث و الاضطرابات السورية، و تغير وجه الحركة الاحتجاجية في سوريا حتى باتت بشكل اكيد حركة عصيان مسلح و تخريب و ارهاب ضد النظام و مؤسساته و قتل للمواطنين و تدمير ممتلكاتهم من اجل نشر الفوضى و اظهار النظام بمظهر العاجز الذي عليه ان يرحل، و في المقابل استمر النظام ممسكا بتلابيب الامر يعمل على خطين :الاصلاح و الامن، و بين هذا وذاك نرى انقساما واضحا اقليميا و دوليا مصحوباً بتحشد في معسكريين اثنين :

1) الاول معسكر غربي السياسة و القيادة و يعمل على تغيير نظام سوريا و موقعها الاستراتيجي، رافضاً اي حوار مع النظام الا تحت عنوان واحد هو كيفية انتقال السلطة الى “المجلس الوطني السوري” و من يلتحق به او يأتلف معه مما يسمى “معارضات سورية”،و هو يعمل على شيطنة النظام و اظهاره بانه نظام قتل و اجرام. تقود هذا المعسكر اميركا التي اادعت– و بكل وقاحة – سقوط شرعية النظام و رئيسه و تصرفت و كانها هي من يعين للسوريين حكامهم، و التحقت بها اروبا الغربية، و عملت بامرتها ادوات تنفيذية اقليمية، تتمثل بتركيا و دول عربية والجامعة العربية التي باتت دائرة من دوائر الخارجية الاميركية.

يعول الغرب على نجاحه في خطته هذه الكثير، لانه يرى فيها كسباً استراتيجيا هاما متمثلاً بتحويل سوريا الى اداة في يده تمكنه من السيطرة على المنطقة وثرواتها بعد فشله في الحروب. و ستكون النتيجة الاستراتيجية المباشرة لهذا الانجاز توجيه ضربة بالغة الشدة الى منظومة المقاومة التي يعتقد الغرب بانها ستتفكك و يتحول من يبقى منها جزراً غير متصلة يسهل خنق االواحدة منها تلو الاخرى ما يمكن اميركا من ربط المنطقة التابعة لها ببعضها البعض من الشرق حيث دول الخليج الى الغرب في الشمال الافريقي حيث ليبيا التي يضع الناتو يده عليها و يطمع بان يدفع تونس و مصر للسير في ركاب المخطط الغربي تنفيذا لما تردد عن تفاهم استراتجي بين الغرب و الاخوان المسلمين الذين بدأت ارهاصات استلامهم للسلطة تتشكل بعد الانتخابات الاخيرة. خطة ان نجحت ستؤدي الى تشكل البرزخ الاستراتجي الممتد من تركيا الى شمال افريقيا عبر الجزيرة العربية و اسرائيل الامر الذي سيعوض كليا على اميركا خسارتها لحروبها و يثبت يدها على الطاقة و الممرات المائية، و يجهض اي خطر على الغرب قد يشكله الطموح المتصاعد لكل من الصين و روسيا.

2) الثاني معسكر اقليمي مشرقي و يعمل على اصلاح النظام السوري و تطويره و تثبيت سوريا في موقعها الاستراتجي الحالي، على ان يكون ذلك عبر الحوار الداخلي الذي يفضي الى تعديلات اساسية في القوانين و النظم المتعلقة بالشؤون الداخلية مع المحافظة على الخيارات السورية القائمة في المجال الخارجي و الاستراتيجي اي الاستمرار بلعب دور مؤثر و فاعل في منظومة المقاومة للمشروع الغربي، و السعي لاقامة “شرق اوسط لاهله” متحرر من الاملاءات و الاوامر الاجنبية و متعاون بصدق و حسن نية مع من يريد التعاون بهذه الصيغة. و يعمل في هذا الخيار النظام السوري القائم بقيادة الرئيس بشار الاسد مدعوما اقليميا من ايران و حزب الله، و دوليا من مجموعة البريكس، مع تفهم و قبول من اغلب الدول الاسلامية و دول ما كان يسمى بعدم الانحياز او ااالعالم الثالث.

ان نجاح سوريا و المعسكر الذي يحتضنها في تحقيق هذا الامر سيؤدي الى اقامة منطقة مشرقية متجانسة متكاملة في خياراتها الاستراتيجية تمتد من ايران الى لبنان عبر سوريا و العراق، قادرة على الاستفادة من تحالفات استراتيجية و تفاهمات اساسية مع كل من الصين و روسيا و الهند بما يؤدي الى الحد ان لم نقل الاجهاز على النفوذ الغربي في المنطقة، و هو ما كانت تخشاه اميركا وتعمل على منعه كما تبين من موقفها حينما اوعزت للملك عبد الله الثاني – ملك الاردن– للتحذير منه تحت عنوان التحذير من “الهلال الشيعي “، الذي وفقا لتصورهم اذا ظهر “سيقضي على الطموحات الغربية في المنطقة، و يؤسس برأيهم لصراع طائفي مدمر بين كتلتين كبريين” كتلة سنية قوامها ما يقارب ال 100 مليون (محسوبة على اساس جمع تركيا الى الدول العربية في اسيا من غير سوريا و العراق ) و كتلة شيعيية تقارب ال 100 مليون ايضا (اساسها ايران و يضم اليها الشيعة و حلفاؤهم في العراق و سوريا و لبنان ).

هذا هو لب الصراع الحقيقي اليوم الذي يظهر من المشهد السوري، و يكون من الخطأ النظر الى ما يجري في سوريا على اساس انه حركة اصلاح داخلية و تنافس او مواجهة محلية بين اصلاحيين و محافظين، او تنافس اقليمي، و هو في الحقيقة صراع دولي شامل، صراع بين الغرب الذي ينفذ هجوما للمحافظة على مكتسباته و مصالحه التي مارسها طيلة االقرن الماضي على حساب اهل المنطقة و وحدتهم و حقهم بالحرية و استثمار الثروة، و بين شرق اوسط استفاد من تنظيمه لمقاومة فاعلة و اقامة الانظمة المستقلة، و المتعاونة مع من لا يريد سيطرة و استعمارا، فانبرى للدفاع عن كياناته و حقوقه، صراع ستترتب على نتائجه تحديد وجهة العالم و النظالم العالمي الجديد الذي فشلت اميركا في جعله آحاديا و تسعى لتعويض الفشل باقامة شرق اوسط يناسبها. فهل ستقدر ؟

انطلاقاً من موازين القوى المتشكلة لا نرى قدرة لاميركا على النجاح في سعيها، فهي لن تستطيع ان تدخل من النافذة السورية بعد ان خرجت من باب العراق و بعد ان استطاع النظام السوري الصمود و الاستمرار هو و حلفاؤه في المواجهة الدفاعية الناجحة، و انتقل الى الهجوم في معرض الدفاع الذي تجلى في السلوك الروسي بارسال السفن الحربية الى الشواطئ السورية، و السلوك الايراني باسقاط طائرة التجسس الاميركية و التهديد بالاكثر، و السلوك السوري بالمناورة العسكرية الاخيرة و سلوك التحدي من قبل حزب الله في عاشوراء.

لكل هذا نجد اميركا الان تتحسب لهذا لفشل المخشي منه و تسعى لاقامة جبهة من “الاسلام السياسي السني” بقيادة الاخوان المسلمين، لمواجهة “الاسلام الشيعي الحركي” بقيادة ايران و دفعهما للصراع و لمواجهة تغيران وجهة الصراع الحقيقي بما يجعل اسرائيل منسية من الطرفين.

ان اتنصار الغرب في سوريا سيعيد طرح النظام العالمي بالقيادة الاميركية و هو امر اراه شبه مستحيل و يكون اول الخاسرين روسيا و الصين و الحركة التحررية الشرقية، اما هزيمة االغرب في سوريا و هو المرجح بما يشبه اليقين، سيفتح الطريق الى نظام عالمي تعددي اقله ثنائية تدفن الى الابد الحلم الاميركي بالاحادية القطبية.

:::::

نشر قسم منه في جريدة السفير اللبنانية اليوم 22122011.