طائفية المالكي تستكمل مهمة المشروع الاحتلالي لتقسيم العراق!

جمال محمد تقي

مكره اخاك لا بطل، هكذا هو حال الانسحاب الامريكي من العراق، ولذلك فانه نصر للقوى التي وقفت بوجه الاحتلال ومنذ اليوم الاول، انه نصر لمقاومة الشعب العراقي الباسلة التي اذاقت الامريكان طعم الهزيمة المرة بعد ان منوا انفسهم باستقبال المحررين، ومع ذلك فهو نصر غير مكتمل، فالظل العراقي للاحتلال ما زال هو المتحكم بالسلطة ووفق الهندسة الاحتلالية ذاتها، دولة منزوعة الهوية والكينونة، جاهزة للتقسيم على اساس طائفي وعرقي، مفخخة بدستور، وما رسخ من توافقات بين المتخادمين مع المحتلين لتقاسم السلطة والثروة.

لم يكن الانسحاب الامريكي من العراق ثمرة لطريق المفاوضات كما ادعى المالكي زورا وبهتانا، لان قرار الانسحاب كان قد تقرر منذ ان هزم حزب بوش بالانتخابات التي جاءت باوباما، اي منذ ان شاعت اخبار الخسائر الهائلة للقوات الامريكية ومنذ ان امتعض العالم من اكاذيب ادارة بوش حول اشاعة الديمقراطية وحول نزع اسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها، ومنذ ان انكشفت فضائح ابوغريب، ومنذ ان مرغلت الفلوجة راية العسكرية الامريكية وجعلتها تفر فرار الجرذان، ومنذ ان انتقم الامريكان من مدنيي الفلوجة بصليهم بالفسفور الابيض، وقبل هذا كله منذ ان اصبح الوجود الامريكي في العراق حملا ثقيلا على سياسة احتواء ايران، وعليه وبعد كل هذا، فان الجيش الامريكي لم ينسحب وراسه مرفوع كما يصوره اوباما في سياق نفاقه الانتخابي المفضوح، لان رأس الجيش المنسحب موجوع من صداع الضربات والفضائح التي تواصلت في طرقها طيلة التسع العجاف.

لم يترك الامريكان مفاتيح السلطة المحكومة بمعادلاتهم للمالكي الا بعد ان تأكدوا بانه الاقدر على تنفيذ ما لم ينفذوه من متبقيات مشروعهم للعراق، فطائفيته ونزعته الثأرية ستفضي بحسب المعطيات الواقعية المتوفرة لديهم الى تفكك ماتبقى من علائق رخوة بين ما يسمى بالكتل المكوناتية للشعب العراقي، وخاصة بعد ان تضيق ذرعا من تسيده الاجتثاثي ومحاولته بناء سلطة مركزية مركزة بيد حزب يتبنى علنا مشروعا طائفيا لا تحتمله التركيبة العراقية التي تعتبر الوطنية العراقية هي المعادل الاوحد للدولة المركزية، وتصنيفنا هذا لادائه لا يعني البتة تزكية لمنافسيه لان جميعهم من نفس طينته.

اذا اخذنا الجيش العراقي الذي تأسس عام 1921 كرمز فعلي لقيام اولى مؤسسات الدولة العراقية الحديثة حيث يتجند فيه كل شباب العراق من الشيعة والسنة والكرد والمسيحيين واليزيديين ودون تمييز، والذي تم حله واستبداله بجيش اخر مكون من كتل ميليشياوية تابعة لاحزاب السلطة الجديدة التي ركبها المحتل الامريكي على دفة حكم العراق، جيش مفصص تغلب عليه عقيدة المكون، جيش لا يدخله الاكراد لان لهم جيشهم الخاص باقليمهم ـ البيشمركة ـ جيش ليس فيه من اصالة الجيش الاول الا الاسم، فقد تم اغتيال وتصفية ومطارد ة واجتثاث خيرة عناصروكوادر الجيش العراقي الاصيل، وتم الغاء التجنيد الالزامي، ليخضع الراغب بالانتساب اليه لشروط المحاصصة الطائفية، الان وفي عهد المالكي بلغ عدد منتسبي الجيش والشرطة والامن المستحدث اكثر من مليون عنصر اي اكثر مما كان في عهد النظام السابق، ومع كل هذه الاعداد الهائلة فان السلطة غير قادرة على ضبط الامن وهي مازالت عاجزة عن الدفاع عن سيادة العراق التي سلبها المحتل الامريكي، فالسماء والارض والمياه العراقية منتهكة من كل حدب وصوب، واكثر من نصف هذا الجيش المهلهل مخصص لحماية المنطقة الخضراء والمناطق الحساسة في بغداد وما حولها، فكم يحتاج المالكي كي يستعيد السيادة الفعلية ؟

المالكي يؤسس لسلطة طائفية بغلاف مركزي تعتمد على القبضة الامنية، فهو القائد العام للقوات المسلحة ووزير للدفاع والداخلية والامن العام، وابتدع مكتبه نظام قيادة العمليات التي ترتبط به مباشرة حتى لو تم تخليه عن الوزارات الامنية لاشخاص اخرين، هو من يعين ويقيل قيادات كل القوات المسلحة والامنية والمخابراتية العراقية عدا القوات الخاصة بالبارزاني والطالباني، على الرغم من ان ميزانية تلك القوات تستقطع من مخصصات وزارة الدفاع العراقية.

ربما تكون الصورة التي رسمها المالكي عن نفسه بكونه شيعي اولا وعراقي ثانيا، كافية لمعرفة فقه ادارته للدولة التي سلمت له من قبل المحتلين، حيث تركوه يقودها نحو اهدافهم وكانهم حاضرون في الميدان وان غابوا عنه.

ان احتكار السلطة باسم المكون الغالب انتخابيا او سياسيا يدفع بالمحتكر الى تفعيل اسلوب الفزاعة، وذلك بحث واستدامة حالة التنافس المكوناتي على السلطة وليس التنافس السياسي والحزبي عليها، وعندما يصبح من المتعذر على المنافسين الاخرين مجارته فانهم ينحدرون نحو الاقلمة كاسلوب للحماية والحصانة وهذا ما تسعى اليه الهندسة الامريكية، يجري تطبيق مبدأ بايدن بايادي عراقية، حيث يصبح امرا واقعا لا تجد فيه سوى ملاذا يتصير كيانا بحكم الضرورة!

ما يفعله المالكي يصب بهذا الاتجاه، اي عندما يثير بين الفينة والاخرى حملات التنكيل بالاخرين بذرائع اجتثاث البعث او وجود محاولات انقلابية او عمليات ارهابية، او من خلال مصادرة استحقاقات المجالس المحلية بذريعة الدواع الامنية، انه وبعد اتمام الانسحاب الامريكي الخشن من العراق ينطلق ومن دون ان ينظر الى الخلف، لقد وضعوه على سكة ذات اتجاه واحد لا تؤدي الا الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات واحدة للسنة واخرى للشيعة وقبلهما دولة جاهزة للاكراد، وهو المطلوب امريكيا.