هيئة تحرير موقع الحقول
يندفع المجلس الإنتقالي” السوري إلى هامش الأحداث، مع تلاشي قوة الدفع الخارجي التي اطلقته من اسطنبول. لن يتبدل هذا المصير البائس لــ”الإنتقالي” بعد المؤتمر الذي عقده في تونس خلال الأسبوع الماضي. فما أعلنه “رئيس”ــه برهان غليون يكشف عمق أزمة “الإخوان” السوريين.
ارتضى “الإخوانيون” بهذه “الواجهة” السياسية والإعلامية، ووقفوا في الخلف لإخفاء ماضيهم الدموي عن ذاكرة السوريين ووعيهم، وقَبِلوا بــ”الدكتور” حتى يكون “بوقاً” لهم. فيعلن “الإنتقالي” ما لا يقدرون على إعلانه، ويجاهر “الدكتور غليون” بما يحرصون على كتمانه.
بماذا تقايض “الحركة الإخوانية” هذا التأييد الغربي ـ “الإسرائيلي” والدعم “الخليجي” لبرنامجها الأحادي البند: إسقاط النظام والإمساك بالسلطة والحكم في سوريا؟ أليس باستعدادها لتصفية القضية الفلسطينية والإستسلام لــ”إسرائيل”، وإسقاط استراتيجية الصمود والمقاومة التي يتبعها النظام الوطني الحالي، وإشهار العداء لـ”الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
هذا هو السؤال الصحيح، قبل وبعد “مؤتمر تونس”. هوذا السؤال الذي يلخص برنامج “الحركة الإخوانية” في سوريا، وهو، بالضبط، مصدر ازمتها. فـ”المجلس الإنتقالي” ومن يوم إعلانه، لا يعمل أكثر من “حصان خشبي”، بل “أحصنة خشبية” تمتطيها أميركا واوروبا وتركيا ومنظومة “التعاون الخليجي” وصولا إلى “إسرائيل”. نبيل العربي أمين عام “جامعة الدول العربية”، الذي خدم في نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ـ ولم يزل ـ تلمس عمق هذه الأزمة، حينما أعلن بعد لقاءاته بـ”الإنتقاليين أنهم “لم ينضجوا”.
هم لن “ينضجوا”.
لقد أنشئ “المجلس الإنتقالي” في عواصم حلف شمال الأطلسي مثل أنقرة وباريس ولندن وواشنطن وغيرها، ليكون إطارا تنظيميا يلم “الإخوانيين” مع الليبراليين والإنتهازيين، ومجموعات محترفة من جواسيس وشبكات الإستخبارات الغربية و”الإسرائيلية”. مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في “الإنتقالي” وهو رضوان زيادة، “الإخواني” الأميركي من أصل سوري، يتعاون مع أجهزة العدو “الإسرائيلي” منذ عام 2007.
لن “ينضجوا”. كل المال والإعلام والأسلحة والتدريب والتجهيز الذي سخرته منظومة القوى “الأطلسية” ـ “الإسرائيلية” ـ “الخليجية” لتحركات “الإنتقالي” السوري، فشل ــ وما زال يفشل ــ في رفع “الحركة الإخوانية” السورية إلى موقع القوة الإستراتيجية القادرة على تحقيق الأهداف الأطلسية ـ “الإسرائيلية” في سوريا.
يعمق هذا الفشل أزمة “الإخوانيين” في سوريا، فهو شاهد على انقلابهم إلى حال تراجع لا على ثباتهم في حال مراوحة. لقد “خرجوا” بكل عتادهم الفكري ـ السياسي: التكفير الديني والتحريض المذهبي. أنكروا وجود الشعب السوري بقسمته بين أغلبيات وأقليات دينية. لكنهم أخفقوا أيما إخفاق في اجتذاب هذا الشعب، أي جموع المؤمنين من مسلمين ومسيحيين إلى صف قضيتهم الفاسدة.
يلازم فقر المبادئ الوطنية “الإخوانية” السورية، بعدما طمست على تراث المراقب العام السابق الفقيه المجاهد مصطفى السباعي (رحمة الله عليه). سارت على غير هدى. من دون مراجعة ومن غير نقد. لقد سيطرت على “الإخوانيين” السوريين نزعات غير دولتية، محلية، على نقيض من تراث السباعي الجهادي ضد الكولونيالية الأوروبية، والمنفتح على تحولات الإجتماع السياسي السوري والعربي.
هذه التشوهات البنيوية في فكر وتنظيم “الإخوانيين” السوريين لا تحظى بتفكر واجب عليهم. مع أنها مصدر ضحالة “إخوانية” موصوفة في شأن قضايا الإصلاح والتنمية في سوريا المعاصرة، دفعت بـ”الإخوانيين” السوريون إلى مأزق تاريخي وسياسي كبير: يطلبون السلطة لأنفسهم. و”النموذج التركي” للمجتمع السوري. والإدارة الأطلسية للدولة السورية.
لقد “خرجوا” اليوم، ليعيدوا ما فعلوه إبان عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. عندما نظموا تمردا إرهابيا مسلحا ضد الدولة السورية، بينما كان نظام الحكم، فيها، منهمكا بتعزيز “جبهة الصمود والتصدي” العربية، لمواجهة اختلال توازن القوى العربي في الصراع مع “إسرائيل”. والرد على خروج مصر “الساداتية” ومعها منظومة “التعاون الخليجي”، من ميادين الصراع العربي ــ الصهيوني، إلى نهج الإستسلام الفكري والسياسي والعقائدي للمشروع الصهيوني.
“يخرج” “الإخوانيون” في المرحلة الراهنة لتنفيذ برنامج سياسي من بند وحيد: “إسقاط النظام”. لقد تناسوا كل “الخطاب الديموقراطي”، الذي زعموه في بداية الأحداث السورية في آذار ونيسان الماضيين، وقفزوا تواً ينظمون الإرهاب ويشجعون التخريب بغية مأسسة التمرد المسلح ضد مؤسسات الحكومة ومصالح الدولة ووحدة المجتمع في سوريا. وفي هذا النهج المدمر تكشف “الحركة الإخوانية” السورية عن الضياع الوطني والخواء الأخلاقي الذي يحركها.
إن مبتدى ومنتهى أزمة هذه “الحركة” يكمن في الجوهر الرجعي لبرنامج “إسقاط النظام” الذي ترفعه. وهذا البرنامج الأحادي البند الذي يأخذ به “الإخوانيون” في الأزمة الراهنة، يتناقض، جوهريا، مع برنامج الإصلاح الوطني المطروح والمطلوب في سوريا، منذ ما قبل اندلاع الأحداث الحالية، بل منذ بداية العقد الماضي.
وتبرهن التطورات الميدانية اليومية أن الحراك السياسي في سوريا، بما في ذلك تكريس وجود معارضة وطنية سلمية، يكتسب مضامين وطنية واجتماعية متجددة، بفضل انضمام قطاعات واسعة من الشعب السوري إلى هذا الحراك، تعبيرا عن غضبها من جرائم رموز “الإنتقالي”، ورفضا لبرنامج “الحركة الإخوانية” بالذات، الذي يتلاقى، ويتكامل، موضوعيا، (وذاتيا، عن وعي وإدراك وتخطيط) مع برنامج التحالف الأطلسي ــ “الإسرائيلي”، بما في ذلك منظومة “التعاون الخليجي”.
وتدرك الأكثرية الشعبية السورية، وقطاعات واسعة من الرأي العام العربي، أن إطلاق “الإخوانيين” السوريين في عربة “الإنتقالي” للسيطرة على السلطة السياسية: “إسقاط النظام”، هو هدف محوري، أولي، لا يمكن من دونه استكمال تنفيذ بقية بنود برنامج التحالف الغربي ــ الصهيوني ــ “الخليجي” ضد سوريا، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية الرئيسية الواردة فيه، وأهمها:
ــ ضرب استقلال الجمهورية العربية السورية الوطني، وإسقاطها من معادلات الصراع الدولي والإقليمي، وتحديدا إنهاء مكانتها الدولية، باعتبارها، في هذه المرحلة التاريخية، أحد جسور انتقال محور القوة العالمي من الغرب نحو الشرق والجنوب. ما يفتح السبيل أمام حلف شمال الأطلسي للسيطرة على الموارد والأقاليم العربية والإسلامية لحل أزمة الرأسمالية الأميركية والأوروبية.
ــ تعطيل إرادة القيادة السورية، وثنيها عن الإستمرار في نهج الصمود والمقاومة ضد المشروع الصهيوني ــ الإمبريالي، وإضعاف الدولة الوطنية السورية، أجهزة ومؤسسات، وتدمير الإرث الدولتي الحديث في سوريا، حتى تكف عن أن تكون رمزا للهوية العربية الحديثة، وتنتهي من كونها مركزا للمقاومة العربية للإحتلال الصهيوني والأطلسي في فلسطين ولبنان والعراق وليبيا وغيرهم، وكذلك في سوريا نفسها.
ــ ضرب الوحدة الوطنية للشعب العربي السوري، بتفكيك عرى الإجتماع السياسي السوري الحديث، وسلبه قوته الجاذبة للتعدد الطائفي والديني والقومي. ومثل هذا التفكك الإجتماعي ــ الدولتي يقع أصلا، ضمن أهداف النظام الصهيوني ــ عبر العالم، الذي ما فتئ يعمل لتقويض الإجتماع السياسي العربي كله، ورميه في ركام الإحتراب الأهلي داخل (كل دولة من) الدول العربية. وهذا ما يفسر حرص “النظام الصهيوني ـ عبر العالم” على “علف” واكتراء كل الحركات والمنظمات والجماعات والشخصيات ذات البرامج التقسيمية والتفتيتية في الدول العربية، وحضها، سواء كانت “علمانية” أم “إسلامية”، على أن “تنهل” رؤاها السياسية وخبراتها الإجتماعية ونماذجها “الدولتية”، من سقط تجارب “اللبننة”، “الصوملة”، “العرقنة”، “السودنة”، وأخيرا، “الليبنة”.
إن اندفاع “الحركة الإخوانية” في سوريا إلى وضع قواها وخبراتها بتصرف التحالف الغربي ــ الصهيوني ــ الخليجي، هو، إذن، إعادة لتجربة سياسية مسلحة، وضعت تنظيم “الإخوان” على هامش تاريخ سوريا المعاصر.
وقبول “الإخوانيين” بدور المطية السياسية للقوى الغربية و”إسرائيل” في الأحداث الجارية في سوريا، يستجيب للتقييم الدقيق الذي توصل إليه حلف شمال الأطلسي/ناتو بشأن “تجربته” في ليبيا، حيث تم قتل العقيد معمر القذافي بعد اختراق نظامه وتدميره وإزالته. وقد تسلحت القوى الأطلسية و”إسرائيل” بخبرات “التجربة الليبية” للتخطيط والعمل لتكرارها في سوريا وغيرها، وذلك بإسقاط الأنظمة السياسية أو الحكومات الشرعية المستهدفة، بطريقة خاطفة، عبر تسليح مجموعات محلية، من دون الحاجة إلى تدخل مباشر من جيوش الأطلسي.
إن صمود القيادة والدولة السورية، وتحرك الشعب والجيش السوريين للدفاع عن المصالح الوطنية والقومية العليا، قد خيب آمال “الإخوانيين” في استقطاب تأييد القوى الكبرى لمخططهم الإستراتيجي بــ”تدويل” الوضع السوري وتشريع التدخل الخارجي من عتبة مجلس الأمن الدولي. طيلة الشهور الماضية، كانت مصادر “الإخوانيين” تواصل نشر الشائعات بحتمية تبدل الوضع الدولي، وتحديدا انقلاب موقف روسيا والصين وبقية دول “بريكسا” من سوريا، ما يفتح الباب أمام “اعتراف” القوى الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة بــ”الإنتقالي” كممثل لــ”سوريا الجديدة” أسوة بما جرى في ليبيا القديمة ـ “الجديدة”.
استحالت الخيبة “الإخوانية” إلى صدمة سياسية صاعقة، بسبب “الفيتو” الروسي والصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي، الذي شكل ولا يزال يشكل أبرز حاجز سياسي واستراتيجي يمنع التدخل العسكري الأطلسي في سوريا. ولذلك، انقلب “الإخوانيون” إلى ممارسة “الضغط” الإعلامي والسياسي ضد دولتي “الفيتو”، وراحوا يحرضون على إحراق العلم الروسي والصيني في ساحات عامة، وينشرون المقالات والبيانات المنددة بموقفي موسكو وبكين.
تعامت هذه القراءة “الإخوانية” الذاتية للوضع الدولي عن دعوة كلا العاصمتين ــ وتأييدهما ــ للإصلاحات السياسية في سوريا، حتى إن الرئيس الروسي ديمتري ميدفدييف أورد هذه الدعوة في تصريحات علنية رسمية. وتضخم البعد الدولي في “الحركة الإخوانية” السورية، يقتضي من القارئ العربي أن يلاحظ أن العلاقة “الإخوانية” ـ “الأطلسية” المباشرة، أو عبر التركي و”القطري” والأميركي، لا بد وأن تمتد إلى الكيان الصهيوني في فلسطين. على الأقل، لأن خيوط النظام الصهيوني ـ عبر العالم تشبك خيوط التحالف الأطلسي برمته.
لكن كيف ومتى وكيف بدأ رهان “الإخوانيين” السوريين على العلاقة من “إسرائيل”.
في التحليل، يسعى البرنامج السياسي “الإخواني” وراء تفجير المواجهة الطائفية والمذهبية الداخلية في سوريا.. البرنامج لا يشير بتاتا إلى مواجهة خطر “إسرائيل” التي ضمت هضبة الجولان السورية بالقوة المسلحة. بالعكس، يلاحظ أن قادة “الحركة الإخوانية” القابعين ـ هذه الأيام ـ في أنقرة، يرفعون شعارات مذهبية بحتة، مثل “إزالة النظام العلوي”، و”الإستيلاء على السلطة في سوريا لتحقيق ـ ما يسمونه ـ العدالة التاريخية للسنة”. ويطلبون “إعادة السنة إلى السلطة في العراق ولبنان”. معتمدين على “فتاوى” تكفيرية يصدرها الشيخ يوسف القرضاوي.
إذن، تعمق أزمة “الحركة الإخوانية” يبين جوهرها المذهبي غير “الإسلامي”. أو أن هذا مشروع “إسرائيلي” فعلا؟.
في المعلومات، يكشف ديبلوماسييون من دول “بريكسا” أن “الإخوانيين” السوريين، وعبر واجهة ما يسمى بــ”الإنتقالي”، لا زالوا يسعون بكل ثمن للحصول على اعتراف أميركي بــ”المجلس الإنتقالي” كــ”ممثل” للشعب السوري. وفي هذا المسعى الملح، رضي “الإخوان” بعقد لقاء سري في العاصمة الأميركية واشنطن في منتصف تشرين الأول/أوكتوبر الماضي، جمع وفدا من “الإنتقالي” السوري، من المفترض أن يكون قد ترأسه “الإخواني” الأميركي رضوان زيادة، إلى السيناتور في الكونغرس جون ماكين، ووزير خارجية العدو “الإسرائيلي” أفيغدور ليبرمان أيضا. وقد طالب “الإنتقاليون”، بالإعتراف بهم، والموافقة على التدخل العسكري الأطلسي ضد سوريا، والحصول على دعم مالي أيضا.
ووفقا لمعلومات ديبلوماسية “بريكسا”، فقد وعد “الإنتقاليون” محدثيهما، بأن “سوريا الجديدة” لن تكون خطرا على “إسرائيل”، وستقطع العلاقات مع إيران. كما عرضوا “ضمانات” بأن يقيموا نظاما سياسيا ديموقراطيا يضم كل “القوى الديموقراطية”. لكن هذا العرض لم يلق حماسا غربيا، بدعوى أن “الإنتقالي” ما زال منقسما، وتركيبته غير منسجمة، كما أن أعضاءه مشتتين وفق أهوائهم على غرار “الإنتقالي الليبي”.
وتضيف هذه المعلومات أن الوزير “الإسرائيلي” افيغدور ليبرمان، قد أجاب في هذا اللقاء السري على مطالب “الإنتقاليين” السوريين بالتدخل الخارجي ضد سوريا، بأن “المشروع واضح. وهناك اتفاق حوله. ولكن الظروف الحالية غير مناسبة للتدخل”. وهنا، رجا ليبرمان وفد “المجلس الإنتقالي، بأن يصلب (المحلس) وضعه التنظيمي والسياسي ليصير أكثر تماسكا. لا سيما وأن فرنسا والولايات المتحدة معنيتان أيضا بتكريس وتقوية أعمال التدخل الخارجي” ضد الدولة السورية.
يعجز “المجلس الإنتقالي” عن توحيد صفوفه، وتفعيل دوره، ويلح على طلب التدخل العسكري “الأطلسي” عبر البوابة التركية. ولكن بسبب عدم توفر الظروف السورية والظروف الإقليمية والدولية المؤاتية للغزو الأطلسي ـ “الخليجي” للجمهورية العربية السورية، أي عجز حلف شمال الأطلسي/ناتو عن تكرار “السيناريو الليبي” ضد سوريا، تشتد الحاجة إلى دور “الإخوانيين”، من بين كل شتات “الإنتقالي”، لكونهم أشد تنظيما، وأوسع مراسا في العمل التنظيمي السري، ويملكون سجلا طويلا من الخبرات في الأعمال الإرهابية السرية في سوريا، كما يستفيدون من خبرات حربي العراق وأفغانستان.
لكن “الإخوانيين” لا يريدون كشف دورهم العسكري مباشرة، ولذلك تم تشكيل ما يسمى “الجيش السوري الحر” ليمنح “الإخوانيين” هامشا أوسع من المناورة والحركة، بحيث لا يحملهم الإعلام وزر الجرائم الإرهابية والتخريبية التي تقوم بها مجموعاتهم المسلحة تحت مسمى “الجيش الحر”. وهذه الخطة السياسية ـ التنظيمية تنسب إلى رضوان زيادة مسؤول العلاقات الخارجية في هذا “المجلس الإنتقالي”، الذي رأى صعوبة إجراء عمليات عسكرية منظمة ضد مؤسسات الدولة السورية، من دون وجود ميليشيا مسلحة تقاتل القوى الأمنية السورية.
إن استياء “الإنتقاليين” الذين يهيمن عليهم “الإخوان” من المواقف الفاترة لبعض الدول الغربية في تأييدهم، يحضهم على الإلحاح في طلب تقديم مشروع جديد في مجلس الأمن ضد سوريا، لفرض عقوبات اقتصادية ومالية ضد مسؤولي الحكومة السورية ومؤسساتها. ويهدف المشروع إلى تأجيج التمرد “الإخواني” المسلح، وخلق ظروف إنشاء “منطقة عازلة”، أو “منطقة آمنة” كما حدث في ليبيا، من أجل تحويلها إلى نقطة انطلاق للعدوان الأطلسي الخارجي.
ويحظى هذا المشروع السياسي ـ العسكري بدعم مالي وسياسي من السعودية وقطر وتركيا. وهذه الأخيرة تمد “الإخوانيين” بخبراء وعسكريين وإمداد لوجستي لتنفيذ الهجمات الإرهابية في داخل الأراضي السورية. ومن المتوقع أن تؤدي أزمة “الإخوانيين” إلى عسكرة أنشطتهم، ومواصلة زعزعة استقرار وأمن سوريا، بتأييد من حكومات الرياض والدوحة وأنقرة. ما يعني تعاقب موجات الإرهاب والتخريب ضد أجهزة الحكومة الأمنية والإدارية، وضرب المرافق العامة والبنى التحتية في سوريا، وصولا إلى اغتيال معارضين من الداخل لاتهام السلطة السورية بذلك.
فـ”الإخوانيون” الذين فشلوا في إثبات شرعية تمثيلهم السياسي لأكثرية سورية وازنة، واهمون بأن وقف انهيار قواهم واستراتيجيتهم، سيكون ممكنا إذا ما نقلوا الإضطراب الأمني من بعض المناطق الريفية الحدودية مع لبنان وتركيا والأردن، صوب العاصمة والمدن السورية الكبرى التي تنعم بهدوء مألوف. علما بأن بعض هذه الأوهام مصدرها الإجتماعات السرية التي عقدت في الدوحة بين مسؤولين “إخوانيين” والشيخ علي قره داغي الأمين العام للإتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وفي بيروت مع بعض الوهابيين السلفيين ومسؤولين من “الإخوانيين” اللبنانيين.
في الرؤية، إن الفشل “الإخواني” في “أطلسة” سوريا العربية، سيكون له أصداء دولية سيهتز لها العالم. فهناك في النظام الدولي محورين ينظران إلى الإصلاح السياسي في سوريا أو غيرها من الدول المستقلة، نظرتين متناقضتين: الأولى، ترى إمكان الإصلاح بطرق سلمية، تضمن الإستقرار. والثانية، تصر على تخريب سوريا، والإضرار بالمصالح العربية، ومصالح شعوب الإقليم وصولا إلى تهديد السلم العالمي.
فالبرنامج الإصلاحي السوري يطلب الديموقراطية لصون الإستقلال الوطني. أما البرنامج “الإخواني” فيطلب السلطة على أنقاض الإستقلال الوطني. وهذا فارق جوهري، وتاريخي، بين الوطني/القومي والمحلي/القطري. “الإخوانيون” السوريون لا زالوا يقرأون العالم الحديث، والوضع الدولي بمنهجية “رسائل حسين إلى مكماهون”.
يقف خلف البرنامج الإصلاحي السوري محور دولي تتزعمه روسيا ويضم الصين وبقية مجموعة دول “بريكسا”. وانتصار هذا البرنامج سيضمن العمق القاري لسوريا كمحور للمقاومة العربية ضد المشروع الصهيوني، والغزو الأطلسي. ويعادل هذا الإنتصار هزيمة كبرى لحلف شمال الأطلسي و”إسرائيل” و”منظومة التعاون الخليجي”، ستكون وطأتها عليهم أشد من وطأة هزائمهم في لبنان (2006) وغزة (2008 ـ 2009) والعراق (2011).
:::::
المصدر: موقع “الحقول”، 22 كانون الأول، 2011
: http://alhoukoul.com/article/5663