حكومة منقسمة لا تصنع امناً !

العميد امين محمد حطيط

في المعتد به من القواعد ان الامن يصنعه السياسييون ويحفظه العسكريون، و يكون دور العسكريين في المسالة متدرج في محطات ثلاث: المراقبة والاحتراز ثم الملاحقة لقمع الاخلال بالامن واعادة الحال الى طبيعته. وكون المحطة الاولى اساسية حيث تتولاها اجهزة محترفة تتميز بالنزاهة والتجرد لان على تقاريرها تتوقف عمليات الاحتراز والملاحقة على الصعيد العسكري، وعمليات سد الثغرات والترميم على الصعيد السياسي.

وفي الحالة اللبنانية نجد القرار السياسي متدرجاً تتداوله هيئات ثلاث، تبدأ بمجلس النواب حيث التشريع، وتمر بالمجلس الاعلى للدفاع حيث التخطيط، وتنتهي في مجلس الوزراء حيث القرار الذي يوجه الى المؤسسات العسكرية والامنية لتعمل بموجبه حفظا للامن بمراحله الثلاث. وفي لمحة سريعة للواقع نجد ان هناك 4 شخصيات سياسية تبقى على علاقة بالموضوع اولها رئيس الجمهورية وهو رئيس المجلس الاعلى للدفاع و الرئيس لمجلس الوزراء عندما يريد، و رئيس الحكومة و هو نائب رئيس المجلس الاعلى للدفاع ورئيس مجلس الوزراء، ووزيري الداخلية و الدفاع الذين هما حلقة الوصل بين البنية العسكرية والامنية والسلطة السياسية.

وعلى الصعيد الامني والعسكري تتولى عملية المراقبة و التحليل اجهزة تابعة لاكتر من جهة رسمية، حيث فيها مديرية المخابرات التابعة لقيادة الجيش – وزارة الدفاع الوطني، وفيها قوى الامن الداخلي والامن العام التابعة لوزارة الداخلية (التي سمحت بتفريخ فرع خلافا للقانون و التعليمات النفاذة اسمي بفرع المعلومات ويتولى مهام تشبه الى حد بعيد مهام الاجهزة الامنية الميدانية )، واخيرا جاءت المديرية العامة لامن الدولة التي اولاها القانون اوسع الصلاحيات الامنية في مجال المراقبة والتحليل، والحقها بمجلس الدفاع الاعلى، لكن السياسة الطائفية همشتها ومنعتها عن القيام بصلاحياتها حتى انقلبت الى ما يشبه مخفر حرس ومواكبة للسياسيين والقضاة وبعض الامنيين.

في ظل هذا الواقع القانوني جاء تحذير وزير الدفاع من دخول عناصر من تنظيم “قاعدة الجهاد” الى لبنان وتسللهم عبره الى سوريا للقيام باعمال ارهابية خدمة للمشروع الغربي بالقيادة الاميركية (نذكر بان هذا التنظيم هو ما صنعته المخابرات الاميركية واستعملته و لا زالت في كل ميدان تختاره تنفيذا لسياساتها ). تحذير وجهه وزير الدفاع اللبناني ممارساً مهامه الدستورية و القانونية، وهو لم يقل ما قال به الا لانه تلقى من الاجهزة المختصة في وزارته المعلومات التي جمعت عبر المراقبة والتحليل (المرحلة الاولى من حفظ الامن) واراد ان يضع ما حصل عليه من معلومات بتصرف السياسيين ليتحملوا مسؤولياتهم في عملية صنع الامن. وهو سلوك منطقي لا يمكن لعاقل او حريص على امن الوطن الا ان يقدره و يبادر الى استثماره و لكن للاسف قام البعض في لبنان بسلوك يغاير هذا المنطق. وهذا ما يطرح علامة الاستفهام حول الهدف والخلفية؟

ففي مجال المعلومات و التهمة لا يمكن ان ينفي امرا الا من كان معنيا بالاتهام ذاته ووجد ان الاتهام ظالم له، او من كان يملك الاجهزة التي بامكانها ان تتحقق من الفعل المسند او المدعى به. وهنا نرى الفلول الاذارية الحريرية، بوعي ومن غير وعي فتحت النار السياسية على وزير الدفاع رافضة ما حذر منها ما يجعلنا نطرح الاسئلة التالية:

ـ هل ان الحريريين شعروا بان الاتهام موجه لهم، واعتبروا انفسهم معنيين باستيراد القاعدة وانهم المسؤولين حصريا عن حركتها في لبنان، لينفوا وجودها كونهم لم يقوموا بما اتهموا به؟

. وهل يملكون الاجهزة الامنية الذاتية التي تزودهم بالمعلومات الدقيقة اكثر ما لدى الجيش واجهزته، التي اعلمت وزير الدفاع بما جمعت وحللت؟

ـ ام هل انهم هم الاوصياء على تنظيم القاعدة والمسؤولون عن حمايتها حتى يبادروا الى سلوك وقائي يمنع تعقبها؟

لا اعتقد ان احدا من تلك الجماعات الحريرية سيكون لديه الجرأة بالرد ايجابا على تلك الاسئلة الامر الذي يجعلنا وببساطة نقول ان هؤلاء انطلقوا في هجومهم على وزير الدفاع من اجل تأمين البيئة الحاضنة للارهابيين المتقاطرين الى لبنان للتوجه الى سوريا ومنع الدولة من اتخاذ التدابير الاحترازية لوضع حد لهم. خاصة وان لبنان بات و بقناعة المراقبين وتأكيد المعنيين القاعدة الرئيسية لتعزيز الارهابيين في سوريا بالرجال والسلاح والمال بعد ان ضيقت الاردن عليهم الحركة الى الحد الاقصى وبعد ان تمكنت القوى السورية من خفض التسلل عبر تركيا مستفيدة من انتشارها ومن طول المسافة من تركيا الى حمص وكذلك من العراق الى حمص.

لقد بات لبنان يشكل بالنسبة للارهابيين في سوريا الرئة الكبرى و الفاعلة التي يتنفسون منها خاصة في الجزء الشمالي الشرقي المحدودب من الحدود مع سوريا في ذاك القوس من عرسال الى وادي خالد. ويخشى الحريريون ومن تبقى من الاذاريين ان تتخذ الحكومة قرارا فاعلاً بتأثير من تحذير وزير الدفاع واعمالا للاتفاقية الامنية مع سوريا و اضطلاعا بمسؤولياتها اصلا و يؤدي الى ضبط الامن في تلك المنطقة ويحرم الارهابيين من قاعدة الانطلاق و المأوى.

وعلى الاتجاه الاخر نستهجن مواقف و تصرف رئيس الحكومة و بعض الوزراء في مجلس الوزراء وخارجه، حيث كان انحياز واضح ضد الجهات الرسمية المعنية بالامن الى حد ملامة وزير الدفاع على قيامه بواجبه. وهنا يسأل المواطن هل المصالح الفئوية والشخصية باتت هي الوحيدة التي تسير هؤلاء حتى ولو كان الثمن و الكلفة دم يراق في سوريا بيد الارهاب، و اخلال بالاستقرار الامني في لبنان، واخلال لبنان بموجباته في الاتفاقيات الامنية مع سورية و تنكره لمسؤولياته في منع تحوله قاعدة للاضرار بالاخ الصديق الجار.

نطرح هذه الاسئلة دون ان نغفل ان الكثير من اللبنانيين لم يستطعوا ان يبتلعوا حتى الان رفض رئيس الحكومة مشاركة لبنان في مهمة المراقبين العرب في سوريا، رغم ان المشاركة كانت ستعطي مهمة المراقبين مصداقية اكبر وتضمن حيادتهم اكثر، وبدل ان يعرض الامر على مجلس الوزراء وهو صاحب القرار تم القفزفوقه لتمييع معلومات وزير الدفاع و تسخيفها. ما حدا برئيس الجمهورية لرفع الامر الى المجلس الاعلى للدفاع.

وهنا انتظرنا من المجلس الاعلى للدفاع ان يتخذ التدبير الجذري لحل مشكل “قطاع التهريب وتحشيد الارهابيين و ارسالهم الى سوريا ” وكنا نرى ان الافضل هنا و قطعا لدابر الاتهام والتباكي على سيادة لبنان وامن اللبنانيين و السورين معا، ان تعلن نلك المنطقة المشكو منها منطقة عسكرية و تطبق فيها احكام حالة الطوارئ ويعهد الى الجيش بمسؤوليتها، نطرح الحل رغم علمنا ان رئيس الحكومة لن يوافق عليه ولن يسير مع الاغلبية في حكومته لاسباب لا تبتعد كثيرا عن الاسباب التي منعته من ارسال المراقبين ومن التعاطي غير الجدي مع تحذير وزير الدفاع، وعدم مبادرته لتكليف من يثق به للتحقق من التحذيرات. وهنا نقول هل يدرك جميع من يسهل عمل الارهابيين من لبنان الى سوريا مغبة ذلك و انعكاسه ستقبلا على لبنان؟ وبالاختصار لا بد من التأكيد بان حكومة منقسمة لا تصنع امنا ولا تضمن مستقبلا للوطن.

:::::

جريدة البناء اللبنانية، بتاريخ 30122011