جمال محمد تقي
لان المنظور فقط من الكيانات المسماة بدول الخليج، تلك المدن الاسمنتية الحديثة والموشحة بالبذخ الفاقع، اضافة الى ابراج النفط والغاز المنتشرة كبقع زيتية في بحرمن الرمال المحروقة، فان الكثير من المعالم المعاشة غير منظورة، او لا تسلط عليها النظرات العابرة ما يكفي من اضواء كاشفة تعطي للمكان حقه من الشمول في وجهات النظر.
اذا كان عدد القواعد الامريكية الجوية والبحرية والبرية والمخابراتية في تزايد غير منظور على امتداد الساحل غير المتصالح مع عمقه، اي على كل رمال الولايات الخليجية غير المتحدة الا بعبوديتها للراعي الامريكي، يتفوق على عدد قواعد الناتو في كل القارة الاوروبية، واذا كانت هناك اتفاقات سرية تبيح للامريكان استخدام كل موانيء ومطارات ومعسكرات ورادارات تلك الولايات، واذا كانت صفقات الاسلحة الغربية التي تقدر قيمة اصغرها بما يعادل مجموع ميزانيات سنوية لثلاث دول افريقية من وزن تشاد وجيبوتي وموريتانيا، وهي عبارة عن رشاوى ـ شرعية ـ ليس لها مردود ملموس سوى بما تطرحه من اطنان الحديد الخردة المكدسة في هذه الولايات والتي تكفي من حيث مواصفات البيع لثلاث حروب طويلة كالحرب العراقية الايرانية ـ اخر صفقة سعودية امريكية تقدر بحوالي 60 مليار دور ـ واذا كانت طائرات الانذار المبكر التي اشترتها او اجرتها تلك الولايات تدار بخبرات امريكية واسرائيلية مموهة، واذا كان الاتساق الامريكي والخليجي يصب حتما بالاتساق الخليجي الاسرائيلي، واذا اصبحت هذه الولايات اسواق حرة للمضاربات بالمال والاعمال، ووفق شرائع منظمات التجارة العالمية والبنك والصندوق الدوليين، واذا كانت ترليونات البترو دولار التي يتريع بها حكام هذه الولايات تتزاوج يوميا في احضان الصناديق السيادية في البورصات الامريكية وتصاب يوميا بنقص المناعة المكتسب من بيوت الربى الرقمية العابرة لحدود الرحمة الاخلاقية والدينية والانسانية، واذا كانت الخزانة الامريكية ترهن الاحتياطيات النفطية للولايات الخليجية كاصول مضمونة تقترض بضمانتها من كل الموفرين جرعات استمرار بقاء الدولار صامدا برغم فقدانه ل 99 بالمئة من قيمته الحقيقية، اذا كان كل هذا غير منظور فحري بالناظرين ان يراجعوا اخصائي العيون، لان واقع المشهد يشهد بذاته على ان هذه الولايات فاقدة الولاية والسيادة!
في الكويت لا يتحدث احد عن انها جسر للحراك العسكري الامريكي في منطقة رأس الخليج لكونها تطل على اهم الموانيء النفطية في العراق وايران علاوة على الكويت ذاتها، ويتردد ان هناك دفع امريكي مبطن لبناء ميناء مبارك الكويتي على جزيرة بوبيان غير المأهولة ليقدم تسهيلات عسكرية مطلوبة امريكيا في السنوات القادمة، حيث سيتمكن الامريكان من الاشراف الكامل على سماء العراق وبحره، وعلى اهم الحقول النفطية الايرانية!
في قطر لا يتحدث احد عن ان اغلب الجزر التي بينها وبين البحرين تتحول بالتدريج الى سلسلة من القواعد العسكرية البحرية والى مخازن لذخيرة الاساطيل الامريكية، عدا عن قاعدة السيلية طبعا، والتي تشهد هي الاخرى توسعات تنسجم مع الدور الريعي الكبير الذي يلعبه حكام الدوحة!
مجاهدة مجلس التعاون الخليجي لتصدر محاور النظام الرسمي العربي من مشارقه الى مغاربه ترى بالعين المجردة، فهو ينهمك حتى اذنيه لاحتواء ما بقي من الدول ـ المارقة في المنطقة ـ بالابتزاز تارة والترويض والمحاصرة والاجتثاث تارة اخرى، وبالاستثمار الامثل بموسم الربيع العربي الذي تحول بفضل ريعه الى رقيع، فهو يريده انتقائيا واجتزائيا وطيعا، وذلك لتجنب مؤثراته الطبيعية اولا وثانيا للاتساق مع السعي الغربي الاسرائيلي للتفرغ الكلي باتجاه المواجهة المطلوبة امريكيا مع ايران، حيث تحشيد العداء السياسي والطائفي، العربي والاسلامي لها.
لمجلس الولايات الخليجية دور راس الحربة التي تمسك بها القبضة الامريكية الاسرائيلية، حيث يقرر المجلس مايوحى اليه، فيذهب بما قرره الى الجامعة العربية لتتبنى ما يراه، الاردن معاه والمغرب على هواه.
لقد عملت دول المجلس وما تزال لتهجين المتغيرات في تونس ومصر، وبعد ان حقق تدخلها نجاحا نسبيا في ليبيا من خلال توفيرها كل مالزم لتدخل الناتو، كالغطاء العربي الذي وصل حد مشاركة الامارات وقطر بالطلعات الجوية للحلف، سارعت دول المجلس لاستثمار قوة دفع ما تحقق بدماء الليبيين في رسم ملامح الوجه الجديد لليبيا التي يريدوها، ويبدو ان هذا التوجه هو الذي حذى بالدبلوماسي الليبي المخضرم عبد الرحمن شلقم لتوجيه انتقادات لاذعة للابوة الزائفة لدول المجلس وخاصة قطر، حيث تخفي بحسب تصريحاته لمسات الوصاية، وقبل ذلك فان ما حصل في البحرين من انتعاش لنسائم من الربيع العربي غير المصطنع، والتي قمعت باشد ما يكون وكأنها دخلت على ارض محرمة، يدل وبقوة على نفاق سياسة دول المجلس وعدم صفاء نواياها ازاء ما يجري، فقوات درع الجزيرة كانت بالمرصاد لاي نسمة حرة تهب من اهل الخليج، وما حصل في اليمن وحتى الان يؤكد ما ذهبنا اليه بخصوص البحرين، فالامريكان ليسوا بمستعدين للمتغيرات في هذين البلدين وعليه وجب على مجلس التعاون ترويض ما يجري وعدم تدويله، وهذا ما حصل تماما في المبادرة الخليجية التي ما زالت تغطي على الافعال الاجرامية لنظام علي عبدالله صالح الغائب الحاضر، حتى وان نقل سلطاته الى نائبه، وقامت حكومة توافقية على اطلال حكومة حزبه، الذي مازال يمسك بزمام الامور، الى جانب افراد عائلته الذين يمسكون بزمام الجيش.
الان الدور يدور على سوريا، والاوامر عندها تقضي بالدفع به الى السقوط بالتعاون مع حكام الآستانة وبالتبني الكامل لمعارضة الخارج المتذيلة لها، كبديلة معتمدة للنظام القائم، من خلال تمويلها بما يلزم من ادوات الهدم.
في الحالتين السورية واليمنية، لعبت وما تزال دول مجلس التعاون دور العراب بالوكالة، وهذا ما اثبتته تحركات نتائج قمم المجلس، وايضا تحركات ممثلي دول المجلس في مجلس جامعة الدول العربية، منذ ان بدأت الازمة في سوريا واليمن وحتى الان.
المجلس والفاعلون فيه يدفعون الامور في سوريا لحافة الهاوية، وذلك ليس حبا بنشر الديمقراطية في ربوعه كما يزعمون لان بلدانهم اولى بها، وليس حقنا للدماء المسالة فيه لانهم انفسهم من يمول اسالتها، وانما لان لسقوطه فوائد لهم ولاسيادهم، اهمها فك الارتباط السوري بايران وبالتالي محاصرة حزب الله في لبنان ومن ثم هيمنة فريق الحريري التابع لها عليه، وقطع الطريق على اي محاولة مستقبلية لقيام حلف ايراني عراقي سوري لبناني فلسطيني يقاوم الهيمنة الامريكية الاسرائيلية على المنطقة.