“اسرائيل-2012”- تنبؤات سوداوية….!

نواف الزرو

كعادتهم في نهاية كل عام وفي مطلع كل عام جديد يتصدى نخبة من كبار المثقفين والمفكرين والعسكريين والسياسيين الاسرائيلييين لمستقبل الدولة الصهيونية، فيطلقون التحليلات والتنبؤات المختلفة، وفي هذه المرة، وعلى خلاف التنبؤات على مدى الاعوام السابقة التي صبت في صالح مستقبل “اسرائيل” ورخائها وانجازاتها الاستراتيجية، فان تقديراتهم للعام المنصرم 2011 كانت سلبية بالكامل، بينما تنبؤاتهم للعام القادم جاءت قاتمة مظلمة سوداوية ذهب بعضهم في اطارها للحديث عن تفكك وزوال “اسرائيل”.

فلم يتوقع الإسرائيليون في أحلك توقعاتهم سوداوية أن يحمل عام 2011 تغييرات دراماتيكية وفق تقرير نشر على الجزيرة نت وجاء فيه “ان العام 2011 كان عام الضربات الإستراتيجية بالنسبة ل”اسرائيل”، ففي مصر كانت الضربة القاسمة، حيث أطاحت ثورة 25 يناير بأهم حليف للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. وتنصب الجهود الأمريكية والإسرائيلية مؤخرا من أجل الحفاظ على معاهدة السلام مع مصر، وفلسطينيا شكل التوجه الفلسطيني للامم المتحدة وطرح مشروع الدولة الفلسطينية على اجندتها ضربة اخرى نظرا لابعادها القانونية والاخلاقية، بينما شكلت المصالحة الفلسطينية الضربة الموجعة لهم، اذ وصلت قيادة الفصائل الفلسطينية الى استنتاج بأن المصالحة أصبحت ملحة وضرورية على وقع المستجدات في العالم.

وتتحدث المصادر الاسرائيلية عن تراجع مكانة الولايات المتحدة وهيمنتها عالميا بعد الانتكاسات التي منيت بها في العراق وأفغانستان، كعامل آخر أسهم في رفع منسوب القلق الإسرائيلي، بينما ظهر عامل آخر يقلق إسرائيل وهو تزايد الانتقادات لسياساتها عالميا، لا سيما في أوروبا، حيث تعرضت لإدانة أوروبية جراء نشاطاتها الاستيطانية، وما زاد الطين بلة هو وثيقة أوروبية تنتقد التمييز الذي يعاني منه فلسطينيو الداخل، وتشير الوثيقة إلى أن أوروبا باتت مدركة أكثر لحقيقة إسرائيل، لكن هذا الإدراك لا زال بعيدا عن اتخاذ مواقف عملية”.

ربما لاول مرة في تاريخها تتحدث القيادات الاسرائيلية عن تحولات استراتيجية معادية تشكل تهديدات حقيقية لوجود”اسرائيل”، فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يعلن الأربعاء 28/12/2011 –”أن التبدلات الإستراتيجية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وخاصة التغييرات السياسية في مصر والعراق تهدد إسرائيل وتضاعف المخاطر عليه، مضيفاإن حكومته ستتخذ قريبا قرارت تقضي بتخصيص ميزانيات أكبر للأمن والجيش، وذلك من أجل مواجهة التحديات الإستراتيجية الجديدة ومتغييرات الخارطة السياسية المرتقبة في العالم العربي، وحذر نتنياهو من “الأنظمة الجديدة، وما أسماه الواقع الغامض في مصر والعراق”، واعتبر نتنياهو” ان الاوضاع الجديدة التي تتبلور في العراق قد تخلق تحديات جديدة لم تتعامل معها اسرائيل منذ 10 سنوات “.

بينما يتحدث قائد اركان الجيش الاسرائيلي بيني غينتس عن ان الواقع الاقليمي الجديد يعيد اسرائيل الى ايام ال 67، مضيفا:”ان ما يسمى بالربيع العربي هو ليس ربيعا بل هزة اقليمية”، معربا عن تخوفه من” دخول ما اسماها بالعوامل الاسلامية الراديكالية بين الفجوات الناشئة في الشرق الاوسط، عوضا عن اقامة انظمة ديمقراطية في المنطقة وهو امر مثير للقلق-30/12/2011 –“.

ويبدو ان تقدير غينتس في محله، فقد كان البروفيسور اليهودي المعروف يشعياهو ليبوفيتش الذي اعتبر اول المتنبئين بنهاية “اسرائيل” قال مرة في اليوم السابع، اللاحق لسادس أيام تلك حرب حزيران 1967، “ستبدأ نهاية إسرائيل إذا لم تستيقظ”.

والحقيقة الصارخة ان”اسرائيل” ليس فقط لم تستيقظ، بل ذهبت ابعد وابعد في مشروعها الاحتلالي الاستعماري، فتداعيات احتلالها فاقمت ازمة وجودها، واخذت تعيد الصراع الى بداياته، فاليوم وبعد نحو خمسة واربعين عاما على العدوان والاحتلال يأتي الشاعر الاسرائيلي المعروف ناتان زاخ، ليرسم صورة قاتمة لواقع ومستقبل اسرائيل، مشيرا الى تاكل الهوية المشتركة وتحولها الى حطام سيحتاج اعادة جمعه الى مئات السنين الامر الذي يضع علامات سؤال كبيرة حول مستقبل هذه الدولة، ويقول زاخ ( 81 ) عاما، الشاعر والمحرر والمترجم والناقد الحاصل على جائزة اسرائيل والذي ترجمت اعماله الى عدة لغات في مقابلة مع صحيفة “معاريف-: 31/12/2011 – العبرية، انه يرى مصيبة تلاحق الاخرى، تبدأ من ايران والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي ولا تنتهي في الداخل بشوارع مشتعلة بالازمة الاجتماعية الافتصادية واقصاء النساء، مضيفا “ان هذا الشيء الذي يدعى اسرائيل، شعب تجمع من دول مختلفة، اصحاب لغات مختلفة، ثقافات مختلفة وقيم وعادات مختلفة لا يمكن توحيدها تحت ضغط عدو خارجي، اذا كان ذلك احمدي نجاد او العالم العربي الذاهب باتجاه الاسلام، وكان من الغباء الاعتقاد ان مجتمعا عسكريا من جهة يمكنه ان يدار مثل الدنمارك، هذا عبث”. وردا على سؤال ماهو اكثر ما يقلقه يقول، “انه غياب الاساسات المشتركة فالدين وذكرى صهيون وحائط المبكى وسائر الرموز “التي ساعدتنا على الصمود كشعب واحد” نجح في بلورة شخصية اليهودي امام المسيحية كلها اختفت و”لا يوجد لدينا شيءمنها”، مؤكدا”ان الاسس المشتركة تتهدم الواحدة تلو الاخرى، فحتى الجيش الذي اعتبر اكثر قاعدة موحدة يتشظى، مثل غيره من المشتركات الاخرى والمجتمع الاسرائيلي يتحول الى شظايا متكسرة، وقال زاخ في خاتمة قراءته لمستقبل اسرائيل انه” لا يعتقد ان اسرائل ستصمد طويلا، فالشعب منقسم الى مجموعات ملوثة بالحقد والكراهية والمجتمع يتحطم الى شظايا، يطلب منها التوحد امام عدو خارجي ولكن كيف يمكن توحيد الشظايا، والناس توقفت عن القول انا اسرائيلي بل تقول انا اسكن في اسرائل”.

يعزز البروفيسور زاخ في تشريحه المجتمع الاسرائيلي والتنبؤ بمستقبل مظلم ل”اسرائيل”، ما كان سبقه اليه عدد كبير من المتنبئين بزوال “اسرائيل”، ومن الاستراتيجيين الذين يتحدثون عن تحديات وتهديدات استراتيجية حقيقية تواجه الوجود الاسرائيلي في ضوء الثورات والحراكات الشعبية العربية، غير ان زمن هذا المصير الصهيوني يبقى رهنا الى حد كبير بالاستعدادات والسياسات العربية في مواجهة المشروع الصهيوني.