العميد الدكتور امين محمد حطيط
قبل ان ينقضي ثلث المدة التي انتدب المراقبون العرب للعمل خلالها في سوريا بمقتضى البرتوكول الموقع بين الجامعة العربية و حكومة الجمهورية العربية السورية، سارعت اميركا و حتى قبل ان يرفع رئيس المراقبين تقريره الاولي الى اللجنة الوزارية العربية التي انتدبها الجامعة لمتابعة الوضع السوري، سارعت اميركا لاصدار حكم على سوريا تتهمها فيه بانها “لم تف بكل التزاماتها و بان المراقبين العرب لم يستطيعوا القيام بما كلفوا به و بان الوضع بات ملحا لاحالة الملف السوري الى مجلس الامن لمتابعته دوليا”.
قد يكون الموقف الاميركي مفاجئا للذين لا يعرفون اهداف اميركا و مطالبها في سوريا و قد يفاجئ الذين ينكرون وجود مؤامرة تستهدف سوريا و موقعها،و لكنه لن يفاجئ من ادرك بعمق و موضوعية الدور الاميركي ضد سوريا.
و مع هذا تساءل البعض عن سبب قيام اميركا باستباق تقرير المراقبين و هو لم يصدر، كما انها لم تمهل اللجنة الوزارية العربية و هي لم تنعقد بعد لتصدر تقييما لما استثبته المراقبون و يحتمل ان يظهر في تقريرهم – ان كان موضوعيا – علما بان الجنة برئاسة قطري ” التزم امام اميركا ” بان ينفذ كل ما تطلب ويعمل بمشيئتها فوق ما تريد من اجل نقل سوريا من موقعها في معسكر المقاومة الحالي الى معسكر العمالة للغرب و الارتهان للصهيونية بعد ان يؤدي فيها الارهاب دوره قتلا للسوريين و تدميرا للبنى التحتية التي دفع الشعب السوري من عرقه و سهره ثمنا لبنائها.
اسئلة تطرح حول اهداف اميركا و خلفية موقفها الذي عبرت عنه خارجيتها اولا ثم تبعها البيت الابيض وحاكاه ساركوزي المترنح في بلاده الى الحد الذي باتت خسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الاكثر ترجيحا كما تشير الاستطلاعات.
في مقاربتنا للاجابة نرى ان اميركا التي نصبت فخا لسوريا من خلال بعثة المراقبين، قصدت في البدء احراج سوريا و دفعها الى عدم التوقيع على البروتوكول و اظهارها بمظهر الخائف من ” الحقيقة ” التي سيكشفها المراقبون فيما لو وصلو، اما اذا تملصت سوريا من الفخ الاول فانها حتما ستقع في الفخ الثاني عبر ما كانت تتوقع اميركا او انها بالفعل خططت لمهمة المراقبين من حيث ان يتقن هؤلاء الدور بما تريده اميركا على غرار لجنة التفتيش عن سلاح الدمار الشامل التي استطلعت في العراق الميدان و فتحت االطريق لغزوه و احتلاله من قبل اميركا.
كانت تتوخى اميركا من ارسال المراقبيين تلفيق الاتهامات للنظام السوري الى حد وصفه بارتكاب جرائم ضد الانسانية كما و سبق ان زورت و لفقت هيئات دولية اخرىتعمل بامرتها تحت تسمية ” حقوق الانسان ” او “العفو الدولية ” و هي جماعات كتبت تقاريرها عبر البحار استنادا الى تلفيق فضائيات القتل و التحريض على الفوضى.
كانت اميركا تتمنى ان يستفيد السوريون من فرصة وجود المراقبين و ينزلو بالملايين الى الشورارع مطالبين باسقاط النظام كما حصل في مصر، او ان “يرتعب النظام ” من وجود المراقبين فيمتنع عن المتابعة الامنية و معالجة الارهاب الذي يمارسه من شجعتهم اميركا على حمل السلاح و رفض الانصياع لاوامر السلطة التي تسعى لحفظ الامن و النظام، و عند ذلك ينطلق الارهاب المسلح الذي تديره اميركا و دول اقليمية واروبية تعمل بامرتها، فيسقط المدينة تلو المدينة و المنطقة تلو المنطقة و تنتهي القضية بسقوط النظام ميدانيا..
لكن الواقع صدم اميركا و مخططاتها، و قدم الصورة المغايرة. فسوريا تمسكت بسيادتها و عدلت البروتوكول بما يحفظ هذه السيادة و يضع الضوابط لعمل المراقبين بحيث انهم يجدون انفسهم في وضع من اثنين : قول الحقيقة او السقوط امام نور الحقيقة التي تسجلها عدسات الاعلام المراافق لكل مجموعاتهم اثناء عملها الميداني ( و بعد ان كان وجود الاعلام مطلبا عربيا و غربيا ملحا، انقلب لدى البعض عبئا ثقيلا الى الحد الذي ذهب فيه الى تهديد بعض القنوات التلفزيونية اذا تابعت تغطية العمل ).
اما الفخ الثاني فيبدو ان من نصبه وقع فيه، حيث ان المراقبيين اقروا بالتعاون المطلق معهم من قبل السلطة و تمكينهم من زيارة اي مكان يشاؤون و انهم بعد جولاتهم و معايناتهم للميدان اكدوا وجود مسلحين يمارسون الاجرام و ان الدولة تقوم بواجبها لحماية المدنيين المستهدفين بنار الارهابيين هؤلاء، كما لمس المراقبون ان التظاهرات التي يحسب لها حساب كما و نوعا و مكانا و زمانا هي تظاهرات مؤيدة للرئيس الاسد في حركته الاصلاحية و ترفض التدخل الاجنبي في الشؤون السورية، و الاخطر في الامر ان المراقبيين سمعوا الكثير من فضائع الارهابيين من قتل و تدمير و تهجير و اغتصاب نساء و تقطيع الاجساد و رميها اشلاء. لقد انقلبت الصورة كما استثبتها المراقبون، فجن جنون اميركا و عملاءها من مجالس مصطنعة و انظمة مرتهنة و هنا صح القول ” و بهت الذي كفر “.
من اجل ذلك و بعد اقل من عشرة ايام على بدء مهمة المراقبين خشيت اميركا ان تظهر الحقيقة في تقرير هؤلاء، و تحرج “لجنة حمد” و يسقط المخطط التآمري ضد سوريا عبر الجامعة العربية، فاستبقت كل ذلك بموقف غير مبرر و لا يستند الى قاعدة واقعية او حقيقة موضوعية و نحت باللائمة على سوريا قبل ان تصدر شهادة تبرئتها من المراقبين العرب و تاليا من الجامعة العربية، لقد استبقت اميركا الامر هذا من اجل تحقيق الاهداف التالية :
· الضغط على المراقبين العرب لمنعهم من قول الحقيقة، فاذا كان تلفيق الوقائع غير ممكن بسبب الالية التي فرضتها سوريا لدى توقيع البرتوكول، فعلى الاقل يمنع المراقبون من نقل الواقع بامانة لان في ذلك خدمة لسوريا، و دفعهم لاغفال الامر و عدم تقديم شهادات حسن سلوك للنظام السوري تعطل خطط التآمر.
· الضغط على اللجنة الوزارية العربية، و تحديدا على بعض اعضائها – لان رئاستها ليست بحاجة الى ضغط و هي تندفع عاملة ضد سوريا اندفاع العدو الحاقد ضد عدوه – ضغط من اجل الاحجام عن تبني تقرير المراقبين اذا جاء لمصلحة النظام السوري، او على الاقل اهماله و عدم التعاطي الايجابي معه لجهة عرضه على مجلس وزراء الخارجية العرب ذو الصلاحية بمراجعة مواقفه ضد سوريا خاصة تعليق عضويتها و العقوبات التي فرضت عبر الجامعة على الشعب السوري.
· الضغط على الجامعة العربية من اجل الامتناع عن الاخذ بتقرير الخبراء ان كان موضوعيا، لان الاخذ به سيستتبع التراجع عن الموقف العدائي الذي اتخذته حتى الان ضد سوريا من تجميد وعقوبات، أو دفعها الى سحب االمراقبين بعد ما تبين من حقيقة عرفت خلالها سوريا كيف ترد الكيد الى نحر اصحابه و تجعل مهمة المراقبين لها خلافا لما شاءته اميركا من جعلها سيفا على الرقبة السورية بالتلفيق و التزوير..
· توجيه رسالة الى المعارضات السورية المتنافرة المتناحرة مؤداها القول بانها غير متروكة و بان اميركا لن تقبل بمنح شهادة حسن سلوك عربية للنظام السوري تمكنه من الاندفاع اكثر باتجاه معالجة الامن و الارهاب على يد بعض تلك المعارضات في بؤر دخلها المسلحون , لانه كما بات واضحا لم يبق من “الثورة المزعومة ” سوى اعمال القتل و الارهاب التي تمارس ضد السوريين.
هذا ما شاءته اميركا من موقفها اللاموضوعي تجاه مهمة المراقبين العرب فهل ستحقق هذه الاهداف ؟
موضوعيا لا نستبعد احتمال سقوط هذا او ذاك ممن وجهت اليهم الرسائل فيستجيبون للاوامر الاميركية، و لكن الذي نراه يقينا ايضا بان من سينصاع لاميركا سِيسقط وحده و لن تسقط سوريا معه، خاصة ان المعادلات الدولية و الاقليمية و السورية الداخلية حسمت مسائل كبرى في هذا المجال لجهة اقفال الباب امام التدخل الخارجي عسكريا او اسقاط سوريا بالعقوبات الاقتصادية او اسقاط الشعب السوري بالحرب النفسية.