عبداللطيف مهنا
كنت قد قررت عدم الكتابة حول لقاءات القاهرة التصالحية الفلسطينية الأخيرة في القاهرة، ذلك لأنني لو فعلت لكنت قد وجدت نفسي أكرر تماماً ما سبق وأن كتبته في عديد المرات السابقة حول هكذا لقاءات سبق وأن تكرر إلتئام مثلها تحت ذات اليافطات وخلصت الى ذات النتائج وانتهت الى ذات المآل، الذي أدى فيم بعد الى ماستوجب إنعقاد لاحقاتها، و من قبل ذات اطرافها وبرعاية من ذات الجهة الداعية، المخابرات المصرية، والمندرجة جميعها تحت ذات الشعارات المجمع، وفق المعلن، عليها… أو هذه المصطلحات ذات المضامين الجليلة الكبرى المستحبة، التي يتم كيلها عادةً وبلا حساب قبيل وأثناء وبعيد إنعقاد هذه البازارات التصالحية العتيدة، ثم سرعان ما تسحبها الأيام أو الأسابيع القليلة اللاحقة من التداول، بعد أن يفرّغها الواقع الفلسطيني الرديئ من معانيها فورإنفضاض تلك اللقاءات الصاخبة… رأب الصدع، المصالحة الوطنية، الوحدة الوطنية، إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وسابقاً كان يكتفى بمقولة تفعيلها… وتم مؤخراً إتحافنا بمصطلحً جديدً ضُم الى الأخريات هو الشراكة !
… كنت، ومن أسف، سأضطر للكتابة مجدداً عن ذات كرنفالات التكاذب التصالحية السعيدة التي لايسفر حصاد همروجاتها في العادة عن سابقاتها، إن مصداقيةً أو تطبيقاً، وعلى أرض واقع موضوعي لساحة لا يختلف إثنان، حتى من بين راقصي تلك الكرنفالات، على مدى سوء حالها وما يلحقه ترديه من أذى بالقضية… سأضطر للعودة للكلام عن الإستحالة الموضوعية للجمع بين ما يفترض أنهما الخطين النقيضين اللذين لا يلتقيان، أحدهما المجاهر بأنه سيظل المساوم الملتزم المخلص لمبدأ المفاوضات أو المفاوضات أو المفاوضات، والآخر الذي يصف نفسه بالمقاوم المنادي بالتحرير ومن النهر الى البحر. عن إستحالة وحدة وطنية دون إجماع فصائلي على برنامج حد أدنى وطني مقاوم، واعادة الإعتبار للثوابت الوطنية التي ضمها الميثاق الوطني الأصيل قبل أن كان العبث به، بالتوازي مع الكف عن نهج المراهنة التسووية على وهم الحلول التصفوية… وصولاً إلى مكامن ما أصفه عادةً بالتكاذب الفلسطيني، الذي لا يجمع طرفيه إلا على أن لا أحد منهما يريد أن يوصم بانه ضد المصالحة الوطنية المنشودة، وسائر تلكم المصطلحات سيئة الحظ المشار اليها آنفاً… طرفان، أحدهما إصطدم نهجه التساومي المدمر بفشل لم يعد ينكره، وبحائط تهويدي زاحف لا يبقي ولا يذر، ولا تعني له المحافل التصالحية أكثرمن تعزيز لأوراقه التفاوضية البخسة، وآخر كان يمارس عبرها تقية تصالحية، واليوم لعباً إنتظارياً في الوقت الضائع لما ستسفرعنه جاري الحالة التغييرية العربية،لاسيما في مصر، أو إستجابة للضغوط التي تحضه على إبداء “إعتدال” تستوجبه المرحلة المنتظرة.
لم تكتمل بعد عودة الوفود المتصالحة من محفل “المشاركة” القاهري، إلا وقد خفتت شيئاً فشيئاً أصداء تأكيدات نوايا “تفعيل” مصالحتها، وبدء علو همس التحفظات مواربةً ً، أو إبتداء محاولات التخفيف المتدرج للمبالغة في التعويل على مردود بروقها الخلبية، وكان هذا من قبل سائر اطرافها… ولم يفرج عن المعتقلين في الضفة بل أُضيف لهم جدداً، ولم يتوقف التنسيق الأمني مع الإحتلال، كما لم تلمس الساحة الفلسطينية ما يدعوها للظن بان حرفاً واحداً مما تم التوقيع عليه سوف يجد طريقه للتطبيق… وأعقبها مؤشران لافتان،هما، إطلالة رباعية طوني بلير برأسها من عمان بعد طول إختباء، ورمزية الجولة الحافلة لرئيس حكومة السلطة المقالة في غزة على عديد العواصم العربية والإسلامية المنتقاة…والآن، ما الذي تغيّر لكي أتعرض لما كنت قد قررت أن لا أُقاربه خشية تكرار ؟! من أسف لا شيء. لكن، وأمام هذا التسونامي التهويدي المسعور وبائس الراهن الفلسطيني في سياق راهن عربي وكوني تحتدم فيه التحولات والتحولات المضادة، من ذا الذي ضميره يحتمل إشاحة الوجه أوقتراف صمتٍ على ما يُستوجب قوله ؟!
من آخر جديد التسونامي التهويدي الزاحف لابتلاع مالم يبتلع بعد من الوطن الأسير، فقط مايلي : توسيع المستعمرات المطوقة للعاصمة الفلسطينية والملتهمة لما لم يلتهم بعد من حولها في باقي الضفة. مناقصة لبناء117 وحدة في “هار حوماه” أو جبل ابوغنيم قبل تهويده جنوبي القدس الشريف. توسيع مستعمرة “هار هادار” شمالي غربها. إضافة 213 وحدة لمستعمرة “افرات” الكائنة في تجمُّع “غوش عتسيون” الإستعماري الفاصل بين القدس وكل ما تبقى من الضفة جنوبها. تسمين ماتدعى ” جفعات هازيت” في قلب المدينة، ومصادرة آراض ومنشئات و170 محلاً في المدينة الصناعية في وادي الجوز. وإقرارحزمة مشاريع إقتصادية إحتلالية في المناطق التي يصفونها ب”ذات أفضلية قومية”، وموافقة ماتدعى “المحكمة العليا ” على أحقية لما تدعى عندهم “مستوطنةعشوائية” لم تتم الموافقة عليها سابقاً !
…منجز المصالحة والمنجزات التهويدية، كان مسك ختامهما منجز ثالث صاحبة هذه المرة طوني بلير ورباعيته، وفي ضيافة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة. جمع بليروجودة بين كبيرمفاوضي السلطة صائب عريقات ومبعوث نتنياهوإسحاق مولوخو…للحديث عن هذا المنجز، نكتفي بتوصيف أطرافه له : المُضيف وسم اجوائه بالإيجابية. السلطة على لسان نبيل ابوردينة وصفت العوده الى المفاوضات، التي لم يقطع حبلها السرِّي يوماً، ب “جس نبض” سلامي سيستمر لنهاية الشهر، مع التوكيد على ” إستعداد الجانب الفلسطيني لبذ كل جهد ممكن من أجل إستئناف المفاوضات “… فماذا عن الجانب الإسرائيلي المالك لوحده لميزة فصل الخطاب ؟!
المصادر الإسرائيلية تقول إن ملوخو قد سلم عريقات قائمة ب25 مسلمة إسرائيلية تضبط بحزم رؤية أصحابها للمسار التفاوضي برمته وبالتالي ما يتوجب أن يفضي أليه… بقى اصحاب المنجز البليري، فماذا هم يقولون ؟
ما نقلته السوشيتد برس عن مصادرهم، هو أن المناسبة كانت “جلسة للعصف الذهني. أظهر فيها الجانبان، رغبة في إستئناف مفاوضات السلام “… وبعد، متى سنشهد كرنفال “المصالحة “و”الشراكة ” الفلسطيني القادم؟!