هل بدأ الدور القطري يتعثر؟

معن بشور*

من واجب الحكومة القطرية، أكثر من غيرها، أن تتدارس جوانب الخلل في سياساتها في الأشهر الأخيرة مع تزايد الضربات التي بدأت تتلقاها في أكثر من ملف أو عاصمة عربية.

ففي اليمن، كان الخروج القطري المبكّر من المبادرة الخليجية لافتاً، ولا أظن أن أحداً يحيل سبب هذا الخروج إلى هجوم الرئيس علي عبد الله صالح على الدور القطري فقط، بقدر ما يرى فيه ترجمة لضيق واضح من دول مجلس التعاون، وفي مقدمها السعودية، من دور أخذ يتعاظم لكيان هو الأصغر بين دول الخليج، وفي ملف بالغ الحساسية بالنسبة للدولة الأكبر بين هذه الدول (السعودية) وهو الملف اليمني.

وفي ليبيا، حيث ترى حكومة قطر انجازها الأكبر، حين خاضت بمفردها في البداية مغامرة الإطاحة بالقذافي، فإن كل ما يدور هذه الأيام في طرابلس والمدن الليبية الأخرى يضع قطر في إحراج شديد، وهي لا تدرك كيف تتعامل مع الجماعات الليبية المسلحة والمتناحرة، وكيف تهدئ من روع واشنطن ودول الغرب من “صوملة”  ليبيا وتحولها إلى قاعدة للتطرف والفوضى ولكن على مقربة، هذه المرة، من حقول نفط وغاز عوّلت دول الغرب كثيراً على تقاسم خيراتها.

في مصر، رغم محاولات التعتيم المتبادلة، فان العالمين بما يدور في كواليس الثورة والدولة المصرية، يدركون حجم التململ من التدخل القطري، الإعلامي منه وخصوصاً المالي، فيما يعتبره الكثير من المصريين تشجيعاً على الفلتان والفوضى، وتحجيم دور مصر التي باتت تقود سياستها العربية والإقليمية في هذا الزمن دولة بحجم قطر كما يقول بعض النافذين في السياسة المصرية اليوم.

أما في سوريا، حيث بدا الانتقام القطري ومعه التركي والفرنسي، شديداً من الرئيس الأسد لفشل هذا الثلاثي في جره إلى مواقع سياسية وتحالفات إستراتيجية مغايرة لسياسة سورية معتمدة منذ عقود،  فلقد بدأـ التعثر القطري يأخذ أشكالا دراماتيكية بدءا من الفشل المدوي في محاولات توحيد قوى المعارضة السورية، رغم الإغراءات المالية الضخمة والضغوط السياسية الكبيرة، وصولاً إلى الخروج المتدرج للجنة الوزارية العربية الخاصة بالأزمة السورية من مرحلة الانصياع الكامل لإرادة رئيسها (الذي تردد انه اشترى رئاسة الدورة الحالية لمجلس وزراء خارجية الدول العربية بملايين من الدولارات تمهيداً لمثل هذا اليوم)، هو انصياع كان يتجلى في الإنذارات الشهيرة وقصيرة المهل، إلى مرحلة النقاش “الصحي” مع أطروحات الشيخ حمد بن جاسم وتعهداته لواشنطن بأن ينتزع قراراً من لجنة يرأسها تخدم سياسة ينفذها البيت الأبيض والصهاينة المتحكمون به ضد دمشق.

ولعل ابرز مظاهر التعثر القطري في هذا الشأن، هو ما كان يطالب به، أو يتحدث عنه، الوزير القطري قبل اجتماع اللجنة الوزارية في القاهرة وما صدر عنها بالفعل، فلقد جرى التمسك ببعثة المراقبين التي بدا تقريرها  الأولي أكثر توازناً مما كان مطلوباً من رئيسها، وأقل توازناً من حيث نقلها للصورة  الحقيقية، وهو تمسك لم ينسجم بالطبع مع دعوة الشيخ حمد لسحب البعثة فوراً لأنها تغطي جرائم القتل في سوريا وتنفذ “بروتوكولاً” ميتاً لها تحدثت الاوساط المقربة منها.

ولقد رأى كثيرون في غياب أربعة وزراء خارجية من أصل ستة عن الاجتماع الذي كانت تلبية الدعوة إليه في الأسابيع الماضية الشغل الشاغل للحكومات المعنية، نكسة لمساعي الوزير القطري الذي اغرق زملاءه الآخرين بالاتصالات لحثهم على الحضور ولكنهم فضلوا أن يرسلوا وزراء درجة ثانية أو يكتفوا بمندوبهم في الجامعة العربية، واللافت بالطبع تغيب الوزير السعودي نفسه، الذي لا يقل موقفه حساسية من دمشق، ومعارضة لها، عن زميله القطري، ولكنه على ما يبدو لا يريد ان تكون الدوحة بديلاً عن الرياض، في قيادة السفينة الرسمية العربية.

المظهر الثالث للتعثر القطري في الملف السوري تمثّل بوضوح في رفض اللجنة الوزارية الاستعانة “بفنيين” من الأمم المتحدة بسبب النقص في خبرة المراقبين العرب، كما قال الوزير القطري في أكثر من تصريح له من الولايات المتحدة حيث كان يجّهز مع المسؤولين فيها وفي الأمم المتحدة ترتيبات المشاركة “الأممية” في الرقابة العربية ليصبح دور المراقبين الدوليين في سوريا مشابهاً لدور المفتشين الدوليين في العراق فلا يتركوا “خرم ابرة” من الأرض السورية إلاّ ويدخلوا فيه كما يطالب بعض معارضي الخارج الذين يضعون النموذج العراقي في الحصار والعدوان والاحتلال والتغيير نصب أعينهم ومثلاً يحتذون به..

لقد توّج الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، هذا التعثر بالطريقة التي استقبل بها قبل أيام أمير قطر، وخصوصاً بالطريقة التي ” ودعه” فيها في مطار نواكشوط حيث لم يكن أي مظهر من مظاهر الوداع الرسمي أو حتى التصوير الإعلامي، خصوصاً بعد نقاشات حامية جرت بين رئيس دولة فقيرة في أقصى المحيط وأمير دولة غنية في قلب الخليج.

ويقول البعض إن هاتف الرئيس الموريتاني لم يتوقف عن تلقي الاتصالات من مسؤولين عرب كثيرين عبروا فيها عن إعجابهم بشجاعته ووقفته التي يتمناها كثيرون أمام سطوة المال القطري والدعم الأمريكي.

فهل سيكتشف الأمير القطري حجم التعثير الذي وصلت إليه سياسة حكومته ورئيسها والذي يتحدث كثيرون عن “مطامحه” “المتنامية” في الدوحة، وهو صاحب الخبرة في تحريض الأمير على أبيه، وهل سيلاحظ الشيخ حمد الأكبر دون صعوبة كيف أن قطر التي حسدها الكثيرون من حكام الخليج والمنطقة على قدرتها التواصلية مع الجميع تحولت إلى طرف في صراع قوى كان يفاخر انه جسر تلاقٍ وحوار بينها.

بل هل تستطيع قطر إعادة قراءة المشهد العربي برمته بنظرة نقدية جريئة، وبعقل قادر على المراجعة الشجاعة، بل على إعادة إقناع العواصم التي ذروتها إلى هذه السياسة، أم أنها ذهبت بعيداً إلى حيث لا تراجع.

في جميع الأحوال، يدرك حاكم قطر، الذي كان يتباهى أمام شخصيات قومية كان يلتقيها قبل توليه الإمارة بأنه ناصري الهوى، بل وبعثي الصلات أيام الدراسة الجامعية، إن الرهان على إرضاء الخارج ، أياًّ كانت الأخطاء والخطايا في الداخل، ليس رهاناً خاسراً على كل المستويات، بل رهان مدمر للجميع لا سيًما للمراهنين.

* رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.