العميد الدكتور امين محمد حطيط
عندما انشئت الامم المتحدة لتحل مكان عصبة الامم اعتمدت ميثاقا يقوم على ركيزتين اساستين:
– حفظ السلام و الامن الدوليين واتخاذ ما يلزم من اجراءات تحول في البدء سلميا دون انهيارهما، و الا اللجوء الى القوة العسكرية و بشكل استثنائي لردع من يعتدي و و ينتهك الامن الدولي.
– احترام السيادة الوطنية و الامتناع عن التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاعضاء حفاظا على خصوصيات كل دولة و ارادة شعبها و خياراته.
و لكن و رغم ما تضمنه ميثاق الامم المتحدة من مبادئ و قواعد سامية ترعى ذلك و تؤكد على احترام الانسان و حقوقه، و احترام الشعوب و سيادتها و حقها في تقرير مصيرها و الدفاع المشروع عن نفسها، فقد شاب الامم المتحدة عيبان: الاول في النشأة فجاءت منظمة المنتصرين في الحرب الثانية، و لم تكن منظمة كل العالم، و الثاني عدم المساواة بين اعضائها حيث اعطي خمسة منهم حق الفيتو المعطل لاي قرار في مجلس الامن حتى و لو اجمع عليه الاعضاء ال 14 الباقيين.
و لان الخلل هذا رافق الامم المتحدة منذ نشأتها فان العدالة الحقيقية غادرت الامم المتحدة منذ قيامها. وكانت قراراتها تتسبب بكوارث للمجتمعات و الدول التي تفتقد الى الظهير الدائم في مجلس الامن، ويكفي ان نذكر بقرارين دولين صدرا بحق فلسطين:
– القرار 181 الذي قسم فلسطين بين العرب اهل الارض و سكانها الاصليين و اليهود الذين جاؤوا من شتات الدنيا مدعين بحقهم بالارض الفلسطينية، فمنحت الامم المتحدة بقرارها هذا اصحاب فلسطين 45% من ارضهم، واعطت المغتصبين ال 55% الباقية رغم ان العرب كانو في عددهم يومها ضعفي عدد اليهود. و في التطبيق اغار اليهود على ما اعطي للعرب و انتزعو بالقوة نصفه تقريبا و لم يبق للعرب الا 23% من ارض فلسطين كلها و مع ذلك سكتت الامم المتحدة و لم تحرك ساكنا.
– القرار 194 حيث التزمت السكوت ذاته عندما رفضت اسرائيل تطبيق هذا القرار الذي ينص على عودة الفلسطنيين الى ديارهم االتي هجروا منها من المنطقة التي اقام اليهود دولتهم عليها باسم “اسرائيل “. واستمرت الامم المتحدة بمحاباة اسرائيل و عدم مواجهتها منذ قيامها في العام 1948 و حتى اليوم و السبب في ذلك عائد الى الرعاية الدائمة التي تؤمنها لها 3 دول غربية اعضاء دائمين في مجلس الامن (اميركا – فرنسا – و بريطانيا ).
وعلى الاتجاه اللبناني تعاطت الامم المتحدة مع حقوقه و قضاياه بتسويف او اهمال او تدخل خلافاً للميثاق. واذ لا يتسع المجال لذكر كل ما في الملف من اوراق، فاننا نذكر احدثها او ما لا زال مستمرا في مفاعيله:
– نبدأ مع القرار 425 الذي اصدره مجلس الامن في العام 1978 اثر عدوان اسرائيل على لبنان و احتلالها لنصف جنوبه، فطالبها بالانسحاب دون قيد او شرط و تسليم الارض الى قوة دولية انشئت بشكل مؤقت لهذه الغاية لتسلمها الى لبنان. و قد اهملت الامم المتحدة تنفيذ قرارها 22 عاما و لم يفرض التحرير الا ببندقية المقاومة التي نظمها اللبنانيون لطرد المحتل.
– و رغم ان اسرائيل لم تعترف بالقرار 425 و لم تستجب له لاكثر من عقدين من الزمن فانها و لتغطية هزيمتها امام المقاومة لجأت الى الامم المتحدة مدعية استفاقتها على القرار هذا و رغبتها في تطبيقه. ولان هم لبنان كان تحرير الارض فانه لم يعترض على تدخل الامم المتحدة بمقتضى القرار 425، وسمح لها بدور في عملية التحقق من الانسحاب، لكن الامم المتحدة و عبر لجنة انتدبتها برئاسة السويدي تيري رود لارسن، حاولت ان تقتطع من لبنان مساحة 18 مليون م2 على الجانب الفلسطيني – اللبناني من الحدود لضمها الى اسرائيل، و امتنعت و تحت عنوان انتفاء الصلاحية العملانية لقوات الامم المتحدة “يونيفيل ” في مزارع شبعا، امتنعت عن الطلب من اسرئيل الخروج من هذه المنطقة اللبنانية التي لا جدل بين العقلاء والوطنيين و اللبنانيين حول لبنانيتها. ( لا يطعن بلبنانية المزارع الا عملاء اسرائيل من سياسيين حاليين او بقايا مليشيات كانت قد سلحتها ابان الحرب الاهلية ). وهكذا تسببت الامم المتحدة وبالتواطؤ مع اسرائيل باستمرار احتلال منطقة لا تقل مساحتها عن 36كلم2 على الاقل.
– و اضافة الى ذلك فان ابداعات مندوبها لارسن ادت الى احداث تشويش ايضا حول الحدود الدولية، اذ اننا عندما ضبطناه بالجرم المشهود في محاولته لضم ال 18 مليون م2 لاسرائيل تراجع عن المحاولة ورضخ لحقنا في 10 مناطق حدودية و تمسك برفض الاستجابة لنا في 3 مناطق، تحفظنا عليها، ما قاد الى ابتداع خط وهمي اسمي يومها خط الانسحاب او ما اصطلح عليه بتسمية ب”الخط الازرق”، و هو خط خلافي لا قيمة قانونية له و لا يحل مكان خط الحدود المعترف بها دولياً و رغم ذلك فان الامم المتحدة لا تستعمل في وثائقها و ادبياتها السياسية الا عبارة” الخط الازرق” من اجل تكريس الواقع الخلافي لهذا الخط و حمل لبنان مستقبلا على التفاوض مع اسرائيل لاسقاط الحدود الثابتة بحثاً عن حدود جديدة.
– و يبقى تدخل الامم المتحدة البالغ الفظاعة بخرقه ميثاقها باصدار القرار 1559 الذي ركب من اوامر ثلاثة كلها من الطبيعية السيادية اللبنانية التي لا دخل للامم المتحدة بها ( انتخابات الرئاسة، والعلاقة البينية مع سوريا، و سلاح المقاومة التي حررت الارض ). و اقامت من اجل ملاحقة التنفيذ ناظرا لقرارا هو نفسه من تسبب باستمرار احتلال مزارع شبعا، و بالتشويش على الحدود الدولية.
– و قد لا يكون اخيرا ذكر مسالة التحقيق بقتل الحريري، و وضع الامم المتحدة يدها على جريمة وقعت على الارض اللبنانية و كان ضحاياها لبنانيون بمعنى ان صلاحية الملاحقة هي لبنانية محض، و مع ذلك تصدت الامم المتحدة و خلافا لميثاقها للامر و تحت الفصل السابع الزمت لبنان برفع يده عن الموضوع ودفع نصف نفقات المحاكمة.
هذا غيض من فيض مآسي السلوك الدولي في لبنان، ومع هذا يأتي الامين العام للامم المتحدة مصحوبا بمن كانت نصف المأسي المذكورة صنع يديه – لارسن – ليضغط على لبنان و يطالبه بالمزيد من التنازل عن سيادته و حقوقه بما يرضي اسرائيل و يريحها. فهل سيخضع لبنان للضغط خشية غضب ” المجتمع الدولى ” الاميركي –الصهيوني ام يكون لديه الجرأة لقول ال “لا ” و يذكر بان كي مون ب:
1) ان القرار 1559 هو قرار غير شرعي وفقا للميثاق وهو بات اليوم منتفي الموضوع و لا حاجة لناظر يتابعه و يتدخل في الشؤون اللبنانية.
2) ان “المحكمة الخاصة بلبنان” هي اصلا اعتداء على سيادة لبنان و ان اعتمادها تحت الفصل السابع فيه غلو فاضح لان الامر لم يمس بالامن الدولي و ان استمرارها يعتبر تدخلاً في شؤون لبنان خاصة وانها لا تعمل الا من اجل اسرائيل ضد المقاومة، و ان بروتوكول التعاون معها لا يمكن تمديده الا بقرار و موافقة لبنان.
3) ان اسرائيل لم تنفذ القرار 1701 فبقيت محتلة للغجر و مزارع شبعا و منتهكة للسيادة اللبنانية جوا و برا و بحرا.
4) انه امين عام للامم المتحدة و ليس سفيرا للولايات المتحدة و لاسرائيل، و عليه قول الحقيقة حتى و لو اطاحت بمركزه كما اطاح نشر التقرير الدولي حول المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل في قانا في العام 1996 ببطرس غالي ارضاءً لاسرائيل.
:::::
نشر في جريدة البناء اللبنانية بتاريخ 1312012 – الصفحة الاولى