درس إيراني

عبداللطيف مهنا

كثر محللو وقارءو  كف الإحتمالات التي قد يؤدي لها إحتدام الأزمة المتعلقة بالملف النووي الإيراني والتي مسرحها الراهن مضيق هرمز. هناك من ادهشتهم نبرة التحدي الإيرانية الموجَّهه لمن لاتزال تعد القوة الأعظم المهيمنة ٍفي العالم، وآخرون من دب فيهم الذعروهم يسمعون بحكاية الخطوط الحمر الأميركية التي لن يُسمح  بتجاوزها، وهناك من طفقوا يعدون الساعات والأيام التي قد تسبق لحظات الإنفجار المقترب. كما لم نعدم من شكك في جدية التهديدات الإيرانية، وحتى من كان يتحدث عن صفقة ما محتومة تقترب بين اصحاب الخطوط الحمر ومن يتوعَّد بتجاوزها.  حتى الآن لم يتراجع الإيرانيون عن مواقفهم ولم يتزحزحوا عنها. لم يعبئوا بتحذيرات بانيتا، ولا يبدو أنهم يأخذون خطوطه الحمر في حسبانهم، بل ينصحونه بعدم إعادة حاملة طائراته وتوابعها الى الخليج بعد مغادرتها، كما لم يلتفتوا كثيراً لإدلاء البريطانيين بدلوهم عبر إرسال حاملة طائراتهم الفخورين بها “ديرينغ” وتوابعها إلى المنطقة… لا زالوا يؤكدون أنه في حال منعهم من تصدير نفطهم فلن يتوانوا عن إغلاق مضيق هرمز فمنع تدفق 17 مليون برميل نفط تمر عبره يومياً بإتجاه عالم يعاني أزمة إقتصادية كونية ويرتعد لمجرد تصورإنقطاع شريان الطاقة هذاعنه… فالمناورة البحرية الإيرانية الأخيرة المستعرضة للقوة في الخليج ومضيقه وما تخللها من إطلاقات صاروخية متعددة المديات المستهدفة الردع. والمناورات البرية التي تلت على مقربة من الحدود الأفغانية وما يعنيه إختيار مسرحها. ولاحق الإعلان عن مناورات أخرى قادمة  مسرحها  يتسع من مضيق هرمز وحتى مضيق باب المندب مروراً ببحر عمان وخليج عدن… والإعلان عن بدءٍ لتخصيب اليورانيوم بدرجة العشرين في المئة في مفاعل فوردو المستجد المتحصن تحت الأرض في جبال قم…

… بالمقابل، حتى الآن يوالي الأمريكان إرسال رسائلهم عبر الطرق الديبلوماسية، والمرسال التركي،  ييتغون تهدئةً لا تصعيداً، ورغم  كل ما نسمعه من ضجيج  في كل الغرب المنذر المتوعِّد، نسمع في البنتاغون من يقول: “إن كلام الإيرانيين متشدد جداً ولابد من تهدئة الأمور، نريد بالفعل تهدئة التوتر حول مضيق هرمز المعبر البحري المهم “، ويتساءل ليجيب، ربما مبرراً جنوحه للتهدئة، “هل يقومون بإنتاج سلاح نووي ؟ لا، لكننا نعلم أنهم يسعون الى إمتلاك قدرة نووية وهذا يشعرنا بالقلق “… ومع هذا القلق، يمضون مهدئين بالإعلان عن أن حاملة طائراتهم ومجموعتها التي غادرت الخليج لن تعود اليه، لكنها ستراقبه من المحيط الهادىء، ولاحقاً عندما أعلنوا عن توجه حاملتي طائرات أخريين مع ما برفقتهما من سفن الحرب الى بحر العرب لم يفتهم  التأكيد على أن جولتهما “روتينية ولا علاقة لها بالتهديدات الإيرانية”… ترى ماهوسر هذا التحدي الإيراني وما يقابله تهدوياً  ؟!

لندع خطوط  بانيتا الحمر جانباً، وكذا العامل الإسرائيلي الفاعل تحريضياً ودافعه قلق حقيقي من تطورالقدرات  الإيرانية وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، فهو وإن كان المؤثر بلا منازع، ومهما تعالى تهويشه، يظل المنضبط الذي لايجروء على الخروج على الإيقاعات الإستراتيجية الغربية الرئيسة وثوابت المصالح الأمريكية أو ما درج عليه من التوائم معها، وعليه، لن تقدم إسرائيل على عدوان على إيران دون تنسيق ومباركة أمريكية، ولعله غيرالمتوفر راهناً لأسباب سنعرض لبعضها لاحقاً، كما لما إستخلصته من دروس من تجربتين مريرتين في حربيها العدوانيتين الأخيرتين على لبنان في العام 2006 وغزة في العام 2008… لندع هذا جانباً ولنعد لسؤالنا فنقول: لا يعزى هذا التحدي الإيراني المشهود إلا لأمرين، الأول: إن إيران، ورغم أنها المعتادة على شتى أنواع الحصارات منذ أن كانت ثورتها الإسلامية، لن ترى في خطوة بخطورة وتأثير منعها من تصدير نفطها أقل من إعلان حرب لا تملك إلا مواجهتها والرد عليها وبمستواها، دون إغفالها للحرب الآخرى الموازية التي لم تتوقف يوماً ولن تتوقف ضدها وستتصاعد، أي الإستخباراتية، والتي منها مطاردة علمائها إغتيالاً وخطفاً، كما جرى في الآيام الأخيرة من إستهداف للعالم الرابع خلال عام واحد في هذه السلسلة الجهنمية من العمليات الارهابية التي تشن لحرمانها من عقولها… والحروب المستهدفة لها عبر إستهداف حلفائها في المنطقة، الحرب على سورية، على حزب الله، وحماس وفصائل المقاومة الفلسطينية. والثاني: يدرك الإيرانيون ما بات يدركه كل العالم الذي كابد عقدين من العربدة الأميركية، وهو أن بدايات أفول زمن الهيمنة الأميركية الكونية قد دقت ساعته، وأن حدود قدرتها  الجامحة بات يفضى إلى عجز فتراجع كشفت عن مستوره  نتائج الحربين العدوانيتين على العراق وافغانستان ويعبر عنه قتاد حصادهما  بتجلياته المختلفة، العسكرية والإقتصادية والاخلاقية، وما تبع بالتالي من تخبط غدا من سمات سلوك الإمبراطورية المنكفئة الآفلة الهيبة. الأمر الذي حتام يسرِّع من إرتخاء قبضتها على عنق العالم، ليغري عديد القوى الصاعدة الطامحة لإنتزاع ادوارها التي ترى أنها تستحقها، أوالمشاركة في إدارة شؤون عالم ضاق ذرعاً ببلطجة آحادية القطبية الأميركية، لذا، فلم لا تسارع طهران كسواها للإفادة من فرص تتاح لملء الفراغات التي تنجم عن متوالية هذا الإفول ؟!

إلى هذين الأمرين، يمكن إضافة، دخول واشنطن لجة الإنتخابات الرئاسية بمزايداتها ومحاذيرها، ورفض المزاج الشعبي الأميركي للتورط في حرب مضافة الى فاشلتين سبقنها يعاش راهناً تداعياتهما وذيولهما، ثم ان الأمريكان يدركون عظم حجم ما راكموه من عداء تليد لهم ورفض لسياساتهم في العالمين العربي والإسلامي أسهم إزدياد منسوب حماقاتهم وعدوانيتهم في العقدين الأخيرين في إثرائه وتعميقه، وقد لايرغبون الآن،على الأقل، في المزيد.

وإذ بدأ الأمريكان، وفق إستراتيجية اوباما المعلنة مؤخراً، يستبدلون حروبهم المباشرة المكلفة والفاشلة بالقذرة التي لهم فيها تراث وباع طويل، واعتماد القوة ذات المنحى الإلكتروني والأبعاد التكنولوجية المتطورة والأقل إعتماداً على العامل البشري، والتركيز على تعزيز بحريتهم في المحيطات، وغدت إسرائيل تعد للعشرة قبل شن حرب عدوانية جديدة في المنطقة  تعلم أنها لن تنجو من عواقبها، ما الذي يمنع إيران من مزاولة التحدي، لاسيما وإنها تدرك أن جاريها الكبيرين، الروسي العائد من بياته الشتوي والصيني المتحفز لدورٍ يستدعيه وزنه الكوني المتعاظم، يلتقيان معها في المصالح ويباركان مواربةً تحديها. هذا التحدي الذي حمل الرئيس نجاد الى أفنية الحديقة الخلفية  للولايات المتحدة، أميركا اللاتينية، المائرة بنزعتها الإستقلالية  ونشدانها الإنعتاق من ربقة التبعية الأميركية… هل هناك من مواجهة لايريدها لا الأ مريكان ولا الإيرنيون ولادول المنطقة ولاعطشى الطاقة في الغرب والشرق ؟!

حتى الآن فرص التهدئة ومكره التعايش هما الأقوى… ويظل السؤال: وهل العرب في وارد الإفادة من مشهود الدرس الإيراني ؟؟!!