مبارك بـ (لحية)!!

دكتور رفعت سيد أحمد

كان يوماً مشهوداً فى تاريخ الإخوان المسلمين، ولاشك، لقد كان يوم الفتنة الكبرى، إنه يوم الأربعاء (10/1/2012) حين ذهب الصهيونى الأمريكى (بيرنز) مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية إلى مقر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين، وجلس إلى د. محمد مرسى ود. عصام العريان وآخرين، يوم مشهود ولاشك فى تاريخ الإخوان، فاليد التى صافحوها شاركت فى ذبح نصف مليون فلسطينى و2 مليون عراقى وضعفيهما فى 30 دولة إسلامية مارست واشنطن العدوان عليها، إنه يوم نحسبه يمثل انتكاسة كبيرة فى قصة الإخوان السياسية التى لا تنتهى أبداً، إذ أنهم فى هذا اللقاء الخامس مع الأمريكان منذ الثورة، أكدوا للجميع – للأسف الشديد – أنهم لا يختلفون كثيراً عن سياسات حسنى مبارك ونظامه المخلوع فى مجال العلاقات مع أخطر وأهم عدو لمصر (ونقصد به واشنطن) إنهم لا يختلفون سوى فى (إطلاق اللحية)، وإطلاق الكلمات الرنانة، الفخيمة، فارغة المحتوى، التى سرعان ما تذوب كقطع الثلج، ليصبح (الحفاظ على كامب ديفيد) وعلى العلاقات الخاصة مع واشنطن هو أصل اللقاءات والسياسات الإخوانية – الأمريكية ؛ وإذا كان هذا الأمر غير مستهجن من قوى وأحزاب علمانية أو إسلامية أخرى، فهو ليس طبيعياً، أبداً من جماعة كانت تعد أمريكا هى الشيطان الأكبر، فى كل أدبياتها، ومواقفها خلال الـ 80 عاماً الماضية، وأنها السند الرئيسى للعدو الصهيونى، وإذا كان الأمر – أيضاً – جائزاً فى مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير، فنحسب أنه لم يعد جائزاً بعد الثورة المجيدة التى أزالت الخوف والحسابات الصغيرة التافهة. إننا باختصار أمام إعادة انتاج لنظام حسنى مبارك ولكن (بلحية إخوانية)، تظهر العيوب أكثر مما تخفى للأسف ودعونا نسجل ما يلى لعله يفيد:

أولاً: هل يتخيل قادة جماعة الإخوان (ولن نقول شبابها لأن لهؤلاء كما تابعنا رأى آخر سلبى جداً فى اتصالات الإخوان بالأمريكان)، هل يتخيل القادة أن الأمريكان سيغيرون سياساتهم تجاه مصر والقضايا العربية (وفى القلب قضية فلسطين) لمجرد أنهم جلسوا مع الدكتور محمد مرسى ورفيقه د. العريان.. حباً وعشقاً فى سواد عيونهما!!، وإذا لم يتخيلون هذا التحول الكبير فى السياسات الأمريكية والذى لم يحدث للأسف ولو جزئياً، فعلام يراهنون إذن ؟ هل سألوا المسئولين الخمسة الكبار الذين التقوهم منذ بدء الثورة وحتى يوم 10/1/2012 عن حصار غزة، والـ 8 آلاف أسير فلسطينى وملايين الشهداء المسلمين فى أفغانستان والعراق بالأيدى الأمريكية ومئات الشهداء المصريين منذ 1948 وحتى ثورة 25 يناير وشهدائها الذين قتلوا بأسلحة وقنابل الغاز السامة (وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية الصادرة الشهر الماضى)!! بالطبع لم يحدث، وتعامل قادة الإخوان (حزباً وجماعة) مع زيارة الأمريكان وكأنه مكسب تاريخى يستحق الصمت على جرائمهم، أو على حد تعبير البعض كأن (النبى) زارهم فى دارهم!! رغم أن أصغر طفل فى جماعة الإخوان، يعلم أن أمريكا هى إسرائيل وأنها لن ترضى عنك حتى تتبع ملتهم، فهل نفهم من هذه اللقاءات الدافئة أن الإخوان قد اتبعوا ملة واشنطن وتل أبيب ولكنهم ينتظرون التوقيت المناسب لإشهار دينهم الجديد ؟! ثانياً: يعلم الإخوان أن هدف الزيارات الأمريكية والفرنسية لمقراتهم ليس من أجل سواد عيونهم – كما قلنا – بل من أجل إسرائيل وكامب ديفيد، فإذا كان الإخوان وحزبهم بما يضمه من قادة وكوادر واعية، لا يعلمون هذا فتلك مصيبة، أما إذا كانوا يعلمونه ويقبلون بالجلوس والحوار والاتفاق معهم فالمصيبة أعظم وهى تستلزم أن نسأل وبصراحة أضحت واجبة: هل يا ترى الإخوان قرروا الحفاظ على أمن إسرائيل والذى تصونه كامب ديفيد، وقرروا – كما ذكرت الجارديان البريطانية – دفع (حماس) لاستبدال الكفاح المسلح بالعمل الشعبى، ولتذهب فلسطين، والأقصى، إلى من يقدر على حمايتها من غير الإخوان ؟ ألا يعلم الإخوان أن ثمة مؤامرة أمريكية (وبالتأكيد إسرائيلية) لبناء شرق أوسط جديد هو نفس ذات الشرق الأوسط القديم إبان الحكام المستبدين (من عينة مبارك) بل ربما أسوأ منه – لأنه يسرق شرعية الثورات ويلعب بها – أو يتغطى بها – لأمد طويل. إنه شرق أوسط بلحية، أو بقشرة إسلامية، شرق أوسط تسقط فيه فلسطين والمقاومة، ويحل محلهم الصراعات الطائفية والمذهبية والمكاسب الصغيرة لجماعات إسلامية – للأسف – ولأحزاب ترطن بالدين والثورة وهما منهما براء!!.

ثالثاً: إن إصرار الإخوان وحزبهم على استقبال المسئولين الأمريكيين وإصرارهم على تطمينهم على (كامب ديفيد) والعلاقات الدافئة مع واشنطن رغم نصائح المخلصين لهم بألا بفعلوا خاصة وهم لم يتولوا أى مناصب سياسية بعد – أحسب أن هذا السلوك الانتهازى، مع كامل الاحترام للأشخاص وللقادة داخل الجماعة، يعد انقلاب على الثورة، وعلى مبادىء وقيم حسن البنا، بل واغتيال جديد له، وهو فى تقديرنا المتواضع، يعد قصر نظر وبرجماتية سياسية، قد تنقلب على الإخوان، وترتد بنتائج شديدة السلبية، سواء على مستوى ثوار 25 يناير الذين ثاروا ضد الفساد والاستبداد والتبعية لواشنطن والغرب، ولم يثوروا فقط من أجل الخبز والدستور، بل سيمتد الأثر السلبى إلى بنية (جماعة الإخوان)، ذاتها، والتى قد تتفكك على خلفية هذا التعامل المباركى – نسبة إلى حسنى مبارك – مع دولة عدو.

* إن من يتعامل بهذا العناد والإصرار مع واشنطن رغم الملاحظات والانتقادات الوطنية الموجهة لهم فى هذا الصدد، لن يمنعهم أحد، غداً من الحوار مع تل أبيب للأسف، إنهم بهذا يسيرون على خطى مبارك، خطوة خطوة، ولكن بلحية، وكان الله فى عون فلسطين، وقبلها مصر!!.

:::::

المصدر: مركز يافا للدرسات والأبحاث، القاهرة، 14 يناير, 2012

http://yafacenter.com/TopicDetails.aspx?TopicID=1558