نضال حمد*
الشهيد زاهر السعدي، ابن مخيم عين الحلوة، رفيق الطفولة والمدرسة الابتدائية، رفيق النضال والميادين والمواقع والمدرسة الثورية..
كان زاهر حيويا وعمليا، عرف أن فلسطين لا تعود بغير الكفاح المسلح.
سبقنا نحن أبناء جيله الى حمل البندقية والعيش في القواعد وعلى خطوط النار.
اغتاله قتلة مأجورين في مدينة صيدا اللبنانية أواسط الثمانينات من القرن الماضي هو وشقيقه الشهيد منير السعدي.
ولد زاهر السعدي في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان سنة 1963 من عائلة فلسطينية تعود اصولها الى بلدة طيطبة الجليلية المحتلة في شمال فلسطين المحتلة وهي بلدة غير بعيدة عن بلدتي الصفصاف. في مدارس المخيم تعلم زاهر ولم يكن ميالا كثيرا للدراسة والعلم في المدرسة. أقول ذلك بحكم أننا في مدرسة قبية الابتدائية في المخيم كنا في صف دراسي واحد من أول سنة حتى ترك زاهر لمقاعد الدراسة وتوجهه للعمل الفدائي.
من ذلك الوقت بدأ حياته الثورية النضالية شبلا في معسكرات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فعرف قواعدها ومعسكراتها في الجنوب اللبناني.وكان من المرابطين الأوائل على خطوط النار المتقدمة في مواجهة العدو الصهيوني. طور الفتى زاهر نفسه وقدراته العسكرية والحزبية والتنظيمية حتى وصل الى مواقع متقدمة في القطاع العسكري والأمني التابع للجبهة.
أثناء الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982 أسس زاهر السعدي مع مجموعة من رفاقه ورفيقاته مجموعة محكمة الشعب التي اهتمت بتصفية عملاء الاحتلال الذين تساقطوا وعملوا مخبرين لصالح الاحتلال الصهيوني. وكانت المجموعة تطمح للعمل العسكري ضد قطعان الاحتلال في منطقة صيدا وفي المخيم وجواره.
وجد زاهر نفسه أسيرا ومعتقلا في معتقل أنصار الذي أقامه الصهاينة على الطريق الواصل بين مدينتي صور والنبطية جنوب لبنان سنة 1982 وأقيم المعتقل خصيصا لإيواء آلاف الأسرى والمعتقلين من الشعبين الفلسطيني واللبناني.
يقول المناضل عبد اللطيف حمد وهو أحد أبناء المخيم ويعرف زاهر جيدا أنه لن ينسى طوال حياته قصة زاهر مع المحقق الصهيوني، فقد سمع القصة أثناء اعتقاله في السراي الحكومي حيث بالصدفة سمع بعضا من التحقيق مع زاهر. واليكم القصة كما كتبها عبد اللطيف على مدونتي في فيس بوك:
” اذكر موقفا لزاهر لن أنساه ما حييت حينما كنت معتقلا في السراي ( الحكومي اللبناني تم تحويله لمقر للحاكم العسكري الصهيوني* ) كنت في الممر وكانت غرفه التحقيق بجاني سمعت ضابط المخابرات الصهيوني يقول لزاهر: إذا انقلبت الأيام وكنت أنت مكاني هل تقتلني ؟
قال زاهر: أعطني المسدس من جانبك وسأقتلك في الحال..”.
هنا تنتهي رواية عبد اللطيف التي يصدقها ويؤمن بها كل من عرف زاهر السعدي خير المعرفة، لأنه كان رجلا منذ صغره، أسداً على هيئة شبل، قامته قصيرة لكن عزيمته صلبة ولا تنكسر. فكم رجل يعد بألف رجل و كم ألف تمر بلا عداد.
إنها شهادة رائعة عن بطولة وعنفوان زاهر السعدي فقد كان لا يعرف المساومة وكان بعضنا أطلق عليه لقب (وديع*) الصغير.
تحرر زاهر من السجن الصهيوني في تبادل للاسرى سنة 1985 بين فتح والجبهة القيادة العامة من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى. وعاد الى مخيم عين الحلوة ليمارس العمل الفدائي من جديد. لكن مجهولين نصبوا له ولشقيقه الأكبر منير السعدي كمينا مسلحا في حي الأمريكان قرب مخيم عين الحلوة، حيث أطلقت عليهما النيران بغزارة مما أدى الى استشهادهما.
يوم نشرت بعض صور الشهيدين زاهر ومنير السعدي عرفت بأنها ستنكأ جراح الأهل، جراح الذين أحزنهم طويلا غياب البطلين منير وزاهر. وجراح فاطمة ابنة الشهيد منير الوحيدة، هذه الطفلة التي لا تتذكر وجه أبيها أو وجه عمها زاهر حين غادرا المنزل لقضاء حاجة ولم يعودا أبدا. كانت فاطمة طفلة والآن أصبحت شابة جامعية. فاطمة التي رأت صور عمها ووالدها عن طريق بروفيل عمها وعمتها في فيس بوك، سرعان ما وضعت تعليقا باللغة الانجليزية تحت صورة والدها وعمها قالت فيه: ” العم نضال أشكرك كثيرا على نشر هذه الصور وتعريف الآخرين بما تعرف عن الرجال العظماء. أنا فخورة بكل من والدي وعمي زاهر.”.
وفي تعليق آخر سألت فاطمة ببراءة من قتل أبي وعمي؟
اجابها أحدهم وهو على حق لأنه عرف زاهر وعمل معه في المقاومة تحت الاحتلال: ” انهم سفلة القوم يا فاطمة، العملاء الذين تاجروا بالقضية وما زالوا يتاجرون بها هم قتلة والدك وعمك وشهداء آخرين. “.
ومن ضمن ردود الأفعال والتعليقات على الصور جاء تعليق شقيقة الشهيدة حيث قالت: ” زاهر البطل الشهيد، سيدي، قلبي، الله يرحمه ويرحم الشهيد منير. أنا فخورة بشقيقي الشهيدين. نضال أنت تقوم بعمل جيد من خلال تكريمك للشهداء.”. وأضافت في تعليق آخر: ” لقد نكأت جراح كثيرة يا نضال. لكن فلسطين تستأهل أكثر وأكثر! مع أنني ما نسيت شقيقي زاهر ومنير وكل الشهداء. المجد والخلود لشهداء فلسطين الأبرار،هم السابقون ونحن اللاحقون انشالله. وأتمنى عليك نضال نشر المزيد من صور الشهداء التي لديك“.
كنت اعرف زاهر من خلال الصف الأول الابتدائي في المدرسة فقد تعارفنا هناك. ثم تعارفنا أكثر من خلال انخراطنا في منظمة الشبيبة الفلسطينية، ثم من أزقة وحارات المخيم، ثم من خلال خطوط المواجهة والقتال لأجل فلسطين. كان شخصا صامتا قليل الكلام لكنه كثير العمل. لا اذكر آخر مرة رأيت فيها زاهر. لكنني أذكر آخر مرة التقيت بها هذا الفدائي القدوة، كانت في استنفار تحسبا لعملية إنزال صهيونية في منطقة بالجنوب اللبناني قبل الغزو وحصار بيروت بثلاث سنوات. ولم يدم اللقاء طويلا لان زاهر ذهب فيما بعد الى جنوب الجنوب ولم نعد في تلك الفترة نراه إلا نادراً.
:::::
* رئيس تحرير موقع الصفصاف