نواف الزرو
يجمع الاسرائيليون اليوم من اقصى يمينهم الى اقصى يسارهم على شعار”الاستيطان اولا”، وعلى ان “الاستيطان اليهودي هو الكتاب المقدس لهم”، وعلى”ان المستوطنين هم طلائع الدولة الصهيونية” و”نواة اسرائيل من النيل الى الفرات”، لذلك لا احد في “اسرائيل” اليوم من كبار قادتهم السياسيين والعسكريين ينتقد الاستيطان او يطالب بوقفه مثلا، بل هم يجمعون على مواصلته وعلى انهم في سباق مع الزمن من اجل زرع كل الاراضي المحتلة بالمستعمرات التي لا يمكن ان تقتلعها من وجهة نظرهم رياح المفاوضات او التسويات او القرارات الدولية ان حصلت، اذ ستكون “حقائق امر واقع لا يمكن اجتثاثه”ن ولذلك تلجأ سلطات الاحتلال للانقضاض على الفلسطينيين وعلى أراضيهم، وتقوم بمصادرة المزيد والمزيد من الاراضي يوميا، وبناء المزيد والمزيد من البؤر الاستيطانية، وتحوبل البؤر القائمة الى مستعمرات، وتقوم بتكريس مخططاتها الاستيطاتية وفرض الوقائع على الأرض.. وتقوم حكومة نتنياهو بتشن أكبر واوسع هجمة استيطانية على الأراضي الفلسطينية منذ توليها الحكم، والهجوم الاستيطاني هنا يحمل كل عناوين ومعاني وتطبيقات الحرب الشاملة ضد الارض والانسان الفلسطيني..
وفي هذا السياق تفيد احدث التقارير الفلسطينية حول الخرائط والقرارات والتعليمات على سبيل المثال:
“ان طاقما من الباحثين الاسرائيليين قدم دراسة الى المستوى السياسي في اسرائيل، يوصي بضرورة ان تقوم الحكومة الاسرائيلية بخطوات عاجلة تعزز سيطرة اسرائيل على غور الاردن”.. والدراسة حملت عنوان “غور الاردن.. اسرائيلي الى الابد”..وجاء فيها”ان الاحتفاظ بغور الاردن يمنع تطور دولة فلسطينية وتمددها، ويحافظ على العمق الجغرافي الاستراتيجي ويمنع من قيام محور يمتد من طهران وحتى ابواب تل ابيب”.
اما عن معطيات التهويد الشامل لفلسطين48 وللضفة الغربية تحت مظلة الاوضاع العربية والدولية…فحدث بلا حرج وبلا حدود…
فمن كامب ديفيد 1979…. الى مدريد 1991… الى اوسلو 1993…. الى وادي عربة… فالقاهرة وواي ريفر وشرم الشيخ وطابا.. ثم الى كامب ديفيد 2000… فشرم الشيخ الثانية…ثم الى مؤتمر لندن..وصولا الى جولات المفاوضات الراهنة..فكل محطات ومؤتمرات مفاوضات “السلام العادل والشامل والدائم” لم توقف ساعة واحدة فقط الهجوم الاسرائيلي الاستراتيجي على فلسطين والمنطقة كلها معها..
والهجوم على فلسطين يحمل عناوين الاغتصاب والمجازر والاقتلاع والترحيل والتهويد والغاء الاخر العربي الفلسطيني تماما…
فحسب المشاريع والنوايا المقروءة لدولة الاحتلال وبلدوزرها الاستيطاني، فان هذا الهجوم لن يتوقف ابدا وهذا الاستخلاص ليس اجتهادا سياسيا او فكريا تحت الجدل وانما هو حقيقة كبيرة راسخة تتكرس على الارض مع مرور كل ساعة من ساعات الاوضاع الفلسطينية والعربية والدولية العقيمة.. وهي حقيقة معززة مدعمة بكم هائل من الوثائق والمعطيات والوقائع الموثقة الملموسة..
اما عن خرائط الاستيطان والجدران والتهويد ومناطق العزل والمصادرة فقد كشف الدكتور جاد إسحاق مدير معهد الأبحاث التطبيقية اريج – القدس عن الخطة الإسرائيلية الرامية الى مصادرة مساحات واسعة من جنوب الضفة الغربية وعزل الجنوب عن الوسط والشمال اضافة الى تهويد المدينة المقدسة واكمال جدار الفصل العنصري خلال الخمسة عشر شهراً القادمة بضم أكثر من 14.4 % من الضفة الغربية عملياً وعزل أكثر من 38 % منها وخاصة في الواجهة الشرقية ( غور الأردن ).
واوضح اسحق” ان مساحة منطقة العزل الشرقية تبلغ 1664 كيلومترا مربعا و تمثل 29.4% من المساحة الكلية للضفة الغربية (5661 كيلومترا مربعا) و تضم أيضا 43 مستوطنة إسرائيلية و 42 تجمعا فلسطينيا”
ويبين لنا تقرير نشرته حركة “السلام الآن”،”أن المستوطنين لا يتوانون لحظة عن توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية وتعزيز وتدعيم البناء القائم /المشهد الاسرائيلي “، وكشفت معطيات التقرير على سبيل المثال “ان العام المنصرم 2011 سجل ارتفاعا بنسبة 20% في البناء في المستوطنات محطما بذلك رقما قياسيا جديدا في حجم البناء الاستيطاني”، وتشير المعطيات الى تسجيل 1850 مباشرة بناء عام 2011، مقابل 1550 عام 2010، بينها 650 في مستوطنات عشوائية تقع خارج الجدار الفاصل، بالمقابل تواصل البناء في 3500 وحدة استيطانية بوشر العمل بها قبل عام 2011 “، وقال سكرتير حركة “سلام الان” ياريف اوفنهايمر، في تصريح نقله “موقع واينت” التابع لصحيفة “يديعون احرونوت-: 10/01/2012 –
“ان ما كانت تعتبر في السابق بؤرة استيطانية غير قانونية اصبحت اليوم قانونية في ظل هذه الحكومة، وان الأرقام الحقيقة هي اكبر من ذلك لأن المعطيات التي تستند الى صور جوية وزيارات ميدانية، جرت في الأشهر الثمانية الاولى من السنة الفائتة”، وافرد التقرير حيزا خاصا للاستيطان في القدس، حيث بينت المعطيات التي عرضت خلال مؤتمر صحفي “ان السنة الفائتة شهدت المصادقة على بناء 3690 وحدة استيطانية في حين ما زالت 2660 وحدة قيد اجراءات المصادقة، ناهيك عن الاعلان عن 2057 وحدة استيطانية أخرى ضمن لائحة المناقصات التابعة لوزارة الاسكان”، ومن بين المخططات البارزة للبناء الاستيطاني في القدس يندرج حي “هار حوما ج” في جبل ابوغنيم والذي يضم 983 وحدة استيطانية جديدة واقامة حي جديد يحمل اسم “جفعات همطوس” والتي من شأنها ضرب التواصل الفلسطيني بين القدس وبيت لحم وبالتالي احباط تسوية محتملة حول القدس، في حين يهدد استمرار الاستيطان بهذه الوتيرة أي حل يقوم على اساس دولتين.
الى ذلك كشف تقرير نشرته صحيفة “هارتس العبرية -07/01/2012 – ” عما وصفته بوسائل شرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، والتي تتضمن تزييف مستندات الملكية، الإستيلاء والبناء على اراض زراعية فلسطينية وتطويق الأراضي بواسطة جدران وكلاب حراسة وغيرها من وسائل السطو والإحتيال،مشيرة الى ان تلك هي بعض الخطوات التي يتم من خلالها شرعنة البؤر الاستيطانية
وهكذا وكما نتابع… في ظل عتمة الخلافات والصراعات والازمات الفلسطينية الداخلية من جهة…وفي ظل حالة انعدام الوزن والتوازن والتوهان وفقدان البوصلة العربية من جهة ثانية… وفي ظل الانشغال العربي بالحراكات الشعبية من جهة ثالثة… تواصل دولة الحرب والهدم والاستيطان الاحتلالية رسم خطوطها ووضع وتكريس بصماتها في جسم الضفة والقدس….؟!!
وتحت وطأة السطوة الامريكية على الامم المتحدة ومجلسها الامني، وتبني الرئيس الامريكي اوباما-على درب سلفه بوش- خطابا سياسيا وتوراتيا صهيونيا، تنتهز حكومة الاحتلال الفرصة والظرف بغية تكريس مخططها الرامي على نحو حصري الى عزل الغور وتهويده الى الابد من جهة..والى عزل المدينة المقدسة وتهويدها بالكامل واحكام القبضة الاسرائيلية السيادية عليها بلا رجعة من جهة ثانية، كما تعمل على تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني من جهة ثالثة..؟!
ما يستدعي خطابا فلسطينيا عربيا مختلفا ومسؤولية حقيقية وجادة في التعامل مع مشاريع الاحتلال والتهويد الجارفة…؟
:::::