بركة الحاخام عوباديا يوسف!

عبداللطيف مهنا

قبل أن يصدر حكماً بحقه من محكمةٍ ومحاكمةٍ يدور من حولها جدل كبير، أصدر غالبية المصريين، ومعهم غالبية العرب، حكمهم المبرم وغير القابل للنقض على الرئيسس المخلوع حسني مبارك. أدانوه سلفاً ولم يشغلوا أنفسهم كثيراً أو قليلاً في البحث عن الأدلة التي توفِّر لهم أسباب هذه الإدانة. كان الرجل قد أعفاهم مشقة ذلك، إذ وفَّر منها خلال ثلاثين عاماً من حكمه ما يكفي لإدانته بعدد أيامها. نحن هنا لسنا بصدد تعدادها وتكفينا مجرد الإشارة ألى بعضها، من مثل، أن مصر التي ثارت على آخر فراعنتها، وفق عنوان لكتاب صدر بعيد الثورة بأشهر قليلة للكاتب والإعلامي المصري المعروف عادل الجوجري، والتي قدمت قبيل 25 يناير ومن بعده ولا تزال دماء شهدائها الأبرار قرابينَ غاليةً من أجل الخلاص منه ومن نظامه وبقايا فلوله… مصر هذه، كان من أبرز شعاراتها وأعلى هتافاتها “عيش حرية كرامة إنسانية”.

أما المحكمة، التي شكلها لمحاكمته من خلفوه في نظامه الذي لا زال المصريون لا يفتقدون الإحساس بأنه يحكمهم من بعده، ومحاكمتها، التي تسعى في وقائعها جاهدةً لتخفيف حكمها على الماثل مسجىً على سريره من وراء قضبانها، والتي لا يستبعد غالبية المصريين منها ذلك بل يرجحونه، وبعضهم يحذر حتى من محاولاتها تبرئته، فقد حصرت ما تحاكمه بشأنه في الشق الجنائي فحسب، أو في هذا الجانب الذي من المفترض أن يأتي في آخر قاطرة ما يوجَّه له من التهم التي عليه أن يواجه عدالة الشعب المصري بشأنها، الأمر الذي وفَّر للمتشككين في عدالتها تصنيفها على هذا الأساس.

لكنما ما أهملته المحكمة وتجاهلته محاكمتها يتطوع لتذكير مصر به أعدائها، الذين ينبرون للدفاع عن محبوبهم بحماس ويسهبون في تعداد شمائله من زوايا نظرتهم هم اليه. في المقدمة من هؤلاء يأتي أصدقاؤه الإسرائيليين، الذين ما نفكوا يتحصرون على خسارتهم لسقوط من كانوا يعدونه “كنزهم الإستراتيجي”، وفق عديدٍ من التصريحات الرسمية التي توالت عقب سقوطه، أما إعلامهم المفجوع لهذه الخسارة فحول ولولته لفقدان كنزهم المفقود فحدِّث ولا حرج!

لعل أكثر ما يدين حاكم يحاكمه شعبه لارتكابه لما لن يسامحه عليه التاريخ، هو كيل المديح له والتحسرعلى فقدانه والدفاع عنه من قبل أعدأء تاريخيين لشعبه وأمته، ومن مثل هذا، كأنموذج، ما أفتى به نيابةً عن الإسرائيليين واحد هو من مثل الحاخام عوباديا يوسف… الأب الروحي لحزب شاس الصهيوني شديد العداوة للعرب، والمرجع الديني المتعصب والمؤثر للغلاة من اليهود الشرقيين “السفارديم”، وواصف العرب الشهير بأولاد الأفاعي، والمحرض الدائم على قتلهم عبر فتاويه ومن خلال دروسه التوراتية… يقول الحاخام العتيد:

إن ” مبارك جلب الشرف والإحترام إلى دولته مصر، ولكنه سقط الآن، لذا علينا أن نصلي وندعو الله أن يزرع في قلوب القضاة الحكمة والفهم والمعرفة وأن يوقفوا محكمته ويخرجوه بريئاً من التهم الموجهة اليه، وبعد ذلك أنا سأصلي وأدعو الله أن يمن عليه بالصحة وأن يكون معافى”!

قد يكون في منح المحكمة محامييه الموكلين الدفاع عنه حق المرافعة مدة شهر كامل في حين لم تمنح زملائهم من محامي ضحاياه بأكثر من يومين أثنين، ما قد ينبىء بأن قلوب قضاتها قد لا تخلو من “حكمة وفهم ومعرفة ” الحاخام، بيد أن أمنيته إيقاف محاكمته أمر، لاسيما والذكرى الأولى لإندلاع الثورة توشك هذه الآيام لأن تهل على ميادينها، سوف لا ييعني إن تحققت إلا تجدد هذه الثورة، أي أنه الأمر الذي لا يجروء ولاة الأمر الأوصياء على كلٍ من النظام والثورة معاً في الراهن المصري على الإقدام عليه… أما البراءة فكنا قد قلنا بدايةً أن هناك من المصريين من باتوا يخشون أن تؤول هكذا محاكمة لاحقاً الى اليها.

عدد الحاخام الكاره للعرب مزايا الرئيس المخلوع، ولم ينس أن يذكر له بالعرفان مأثرةً حرص على أن يحفظها له، تلكم عندما استجاب لتدخُّله معه لحرف طريق قيد الإنشاء كان سيمر بمقبرةٍ يهودية في مصرعفى عليها الزمن، ويروي الحاخام أن الرئيس، الذي خلعه “أولاد الأفاعي” لاحقاً ولم يسأله حينها من استجاب لتدخُّله أن يتوسط بدوره لدى صهاينته لإيقاف تجريف قبور الصحابة في القدس المحتلة، قد بادره يومها قائلاً: يا سيدي الحاخام، باركني فأنا أؤمن ببركتك”!

وعليه، ولبركته التي حلَّت على ناشدها، يضيف الحاخام عوباديا مفاخراً، “عندما يمكث رئيس مصري طوال هذه الفترة فهذا أمر غير إعتيادي بل ونادر الحدوث وهذا بفضل بركة الله التي باركته بها “… اي انه هنا يخبرنا بأن تلك العقود المباركية التي أبتليت بها مصر والأمة ما كانت إلا واحدةً من تلكم المعجزات العوبادية التي منَّ بها “يهوه” على مصر عندما استجاب لصلوات صاحبها وقبل تبريكاته التي خلعها على من خصه بها، تلك التي يرى الحاخام أن من حلت عليه يستحها لأنه ” رجل سلام ولايحب الحروب بالإضافة إلى أنه يحب إسرائيل ولكنه سقط الآن وأنا سأظل أدعو ربي أن ينقذه من أيدي أعدائه”، وهم هنا ليسوا سوى المصريين… لعل بركة الحاخام عوباديا يوسف وحدها كافية للتصديق على الحكم المبرم غير القابل للنقض الذي سبق وأن نطق به الشعب المصري بحق رئيسه الذي خلعه وحق نظامه الذي لازال ولم يتمكن من إزاحته بعد…!