متغيرات دولية … ثبات روسي. وايراني.. وسوريا الى الحسم؟

الدكتور العميد أمين محمد حطيط

فرضت تطورات الايام الاخيرة على المعنيين بالشأن السوري او المتدخلين فيه الاختيار بين الاستسلام او الحسم ان امكن و باي طريقة…، وقد حشد الفريق المعتدي على سوريا كل ما يمكن ان تصل اليه يده بما في ذلك من ادوات غير مشروعة – وهي الاعم الاغلب من الوسائل المستخدمة في العدوان – وانطلق مستميتاً لتحقيق غايات المؤامرة باسقاط سوريا التي تدافع عن نفسها موقعاً استراتيجياً، وحقوقا وطنية وقومية ونظاماً مقاوما وممانعاً.

· لقد بدا الفريق المعتدي كانه يشعر بنفاد الوقت فينطلق لاهثاً في سباق مع الزمن مصرا على انجاز الملف خلال شهرين اثنين (حتى نيسان المقبل) ولذا نراه وتنفيذا لاوامر اميركية يتجه الى :

· اجهاض مهمة فريق المراقبين العرب الذين جاؤوا اصلا بناء لاصرار هذا الفريق و تهويله اجهاضاً يبتغونه بعد ان خذلهم المراقبون و جاء تقريرهم بتوصيفٍ لبعض الحقيقة اذهل منظومة الكذب والتلفيق، فارادو الان الاجهاز عليه حتى لا يكون دليلا اضافيا على قوة سوريا وشرعية سلوكها وضعف المتآمرين و عدوانيتهم عليها.

· تصعيد في وتيرة الاعمال الارهابية لتضخيم المآساة الانسانية للمواطنيين السوريين، ثم استعمال هذا الامر ضد النظام الذي سيحرجونه و يدفعونه برأيهم الى واحد من اثنين : اما الرد العنيف والتسبب برأيهم بارتكاب المجازر، او الاحجام عن الرد و تقبل خروج المناطق من يده.

· اسقاط دور الجامعة العربية بعد ان تبين عجزها عن التأثير الفعلي على سوريا وقد ثبت انها تستعمل اوراقا جوفاء لا تحرك شعرة في هامة سورية، فلا تعليق العضوية افقد سوريا موقعها، ولا العقوبات الاقتصادية ادت الى انهيار الاقتصاد السوري – رغم انها اثرت على حياة الشعب السوري الذي يدعون ان العقوبات جاءت لنصرته، واذ بها تعاقبه – ولا التهويل بقوات ردع عربية اثر على الموقف السياسي او الامني السوري.

· محاصرة الموقف الروسي الذي يشكل صمام امان لسوريا في مجلس الامن يمنع اي قرار عدواني عليها، والضغط عليها بمقولة ” هل ان مصلحة روسيا تكمن في نصرة دولة عربية في مواجهة 21 دولة عربية اخرى مجتمعة “. محاصرة يبتغون منها شل الدور الروسي في مجلس الامن لفتح الطريق امام القرارات التي تصب في مجرى انفاذ المؤامرة لايصالها الى اهدافها.

· التحضير الجدي للاعتراف الرسمي بقيادة سورية بديلة تفرض على الشعب السوري، و تنصيب من يؤدي وجوده الى واحد من اثنين : اسقاط النظام السوري من الداخل ثم الترويج لمرحلة انتقالية تشارك في قيادتها نظريا هيئة مختلطة من المعارضة و “بعض شخصيات النظام ” وتكون حقيقة تحت سيطرة قيادة المؤامرة، او اجراء قفزة بعيدة عبر الاعتراف بسلطة او حكومة في المنفى والاتجاه الى تشديد العقوبات و العزل و المحاصرة للنظام حتى يستسلم كما يحلمون.

· التوجه الى مجلس الامن ضمن استراتيجية “القرارات الناعمة ” التي تتجنب التلويح او التهديد بالتدخل العسكري الاجنبي في سوريا و هو امر تشكل شبه اجماع دولي على استحالته او من المسلمات بانه مرفوض دولياً، و لكن تعتمد آلية اسقاط سلمي للنظام تحت شعارات مزيفة كاذبة من قبيل ” الحل السلمي ” والانتقال السلمي للسلطة ” والخيار الديمقراطي للشعب الخ….. عبر اصدار قرار كالقرار 1559، يعين له ناظر يكون بمثابة المفوض السامي الذي يتدخل في الشأن السوري.

· وفي المقابل نجد ان سوريا و من يهمه امرها و مستقبلها يخوض معركته الدفاعية ليعطل على المعتدين خطتهم عبر القيام بما يلي :

· التمسك بمهمة المراقبين العرب، والتمديد لهم شهرا اضافياً مع ما يستلزم هذا التمديد من عمل بالبروتوكول الموقع مع الجامعة العربية خاصة لجهة السماح لوسائل الاعلام الاجنبي بالدخول وتغطية الاحداث من غير مراقبة، والاستمرار في اطلاق سراح الموقوفين على خلفية الاضطرابات الاخيرة.

· التمسك بحق الدولة في فرض الامن على اقليميها و عدم الخضوع للتهويل والابتزاز، والتصريح علانية بان الحسم الامني حق من حقوق السلطة، لها ان تلجأ اليه لحفظ امن مواطنيها كائنا ما كانت المحاذير لان وحدة الوطن والشعب تبقى فوق اي اعتبار، وان التلكؤ عن هذا الحسم سيؤذي هذه الوحدة و هذا لم يفرط به. وهنا قد يقول البعض لماذا تاخرت الدولة في قرار الحسم والرد هنا بسيط جدا : قبل تقرير المراقبين العرب كان الادعاء بان “الثورة سلمية وان النظام يقتل شعبه” هو الرائج في الاعلام الدولي اما اليوم وبعد ان اثبت المراقبون وجود المسلحين ووجود مناطق خرجت عن سيطرة الدولة بسبب هؤلاء، فان اعتماد الحل الامني لهؤلاء يكون حتميا ولا يستطيع احد بعد الان ان يلوم السلطة على ممارسة حقها و هي اعلنت ذلك.

· التمسك بالمسيرة الاصلاحية التي افصح عن خطوطها العريضة وبعض تفاصيلها الرئيس بشار الاسد – الخطة التي سرقتها الجامعة العربية بكل عناوينها واضافت اليها عنوان واحد يغير من وجهتها وهو العنوان المتعلق بالرئيس – وتنفيذ هذه الخطة ضمن فترة زمنية اقصر من الفترة التي حاولت الجامعة العربية فرضها على سورية بعد ان تم تحريفها.

· الثقة بالدور الروسي و المحافظة على العلاقات بروسيا التي باتت تعلم وضوحا بان المؤامرة على سوريا ليست من اجل الاصلاح، بل من اجل تغيير الموقع والدور الذي اذا تم ستكون روسيا اول المتضررين منه. و هنا يبدو مضحكا كيف لجأ الفريق المعتدي الى تفسير كلام نسب الى النائب الروسي مارغليوف – رئيس اللجنة الدولية في الدوما- بحيث فسروه على اساس انها قامت بماعليها ولم يعد بمقدورها فعل اي شيء، حيث تبين ان الكلام جاء في سياق اخر و منذ شهرين و انه يعني ان روسيا قامت بما قامت به من اجل منع التدخل الاجنبي وانها تريد حلا سلميا يحفظ سيادة سوريا وهذا ما لا يريد الاخر سماعه، و اكثر من ذلك قال سفير روسيا في بيروت:” نريد الامن والسلام لسوريا و ان تتم الاصلاحات بقرارات داخلية و نرفض التدخل الاجنبي في الشأن السوري، اما الحرب اذا وقعت فانها لن تبق محصورة في سوريا وسيشارك فيها الجميع “.

· اما عن السلطة البديلة فان سورية تدرك ومنذ الاشهر الاولى للبدء بتنفذ المؤامرة عليها بان الخطة تقوم على تصنيع الادوات، وعندما صنع “مجلس الغليون الاستنبولي ” لوح وزير خارجية سوريا باجراءات تتخذ بوجه من يعترف بهذه الاداة المصنعة، وشهد الميدان على قدرة سورية في تنفيذ تهديدها، واعطى التلويح ثماره و لم يعترف احد بمجلس الغليون حتى الذين صنعوه.

· اما مجلس الامن فان تدخله بالفصل السابع او التدخل العسكري او العقوبات كلها امر اوصدت الابواب بوجهها، ولن يكون للبيانات الانشائية والادبية التي قد يصدرها اثر عملي على مسار الاحداث.

· ويبقى ان نتوقف عند التراجع التركي المبرمج عن السير كرأس حربة اقليمي ضد النظام السوري والعمل مع مجموعة الخليج، الى تحويل وجهة الارتباط نحو البحث عن صيغة ما مع ايران وروسيا تحفظ مصالح الجميع في المنطقة، ويكون اول الخاسرين في هذا التحول هو محور التآمر الاقليمي الدولي ضد سوريا. التي ستسفيد حتما منه لتسريع الحسم المطلوب.

وفي خلاصة القول نرى ان مسار الاحداث في سوريا رسم بعد ما يقرب السنة من بدء الاضطرابات مسار حسم داخلي و على وجهين يقودهما النظام : حسم امني في الشارع واصلاح سياسي يحسم مقولة التغيير و التطوير، وفي المقابل سيجد فريق المؤامرة يده تفرغ من الاوراق الواحدة تلو الاخرى، حتى ان ورقة الارهاب يبدو انها لن تخدمه طويلا، كما سيجد جمعه يتفرق.

:::::

نشر في جريدة البناء بتاريخ 2712012