الدين السياسي:

نفهم الغنوشي وبديع وكيران، فماذا عن مشعل!

بادية ربيع[1] وعادل سمارة

سيرُد موقع او مواقع حركة حماس بالقول: هذان كافر/ة وشيوعي/ة …الخ لا يهم ايها السادة. قولوا ما تريدون، وما تربيتم عليه. واسمحوا لنا بجر القول إلى الحقيقة.

لم يخطىء القائل ان الثورات قاطرات التاريخ، فهي تختصر العصور في ايام. كما ان الثورات المضادة قاطرات للتاريخ ايضاً، فهي تكشف في لحظات عن حقيقة مخزون عمره قرونا كذلك. والثورات المضادة هي جزء من الزمن، والزمن أو التاريخ هو قابلة الثورات الحقيقية.  فحركة التاريخ ليست خطيَّة  بالمطلق، بل تعتورها ردات إلى الوراء، إلا أنها في المحصلة الزمانية إلى الأمام.

ما الذي نفهمه من هذا التورط، أو كشف الذات او التورط في كشف الذات من قيادات قوى الدين السياسي باسم الإسلام. هذا الانكشاف العلني بلا حدود ولا قيود إلى درجة فاقت في سرعتها وتسارعها وعلانيتها تورط أنظمة النفط وطبقة الكمبرادور.

يكشف هذا في ما يكشف عن فهم هؤلاء للديمقراطية. هذا الفهم يعني أن على الشعب أن يقبل هؤلاء مهما فعلوا طالما انتخبهم؟ اي ان الانتخاب يعني أن هؤلاء قد اشتروا من الناس انفسهم وأموالهم وضميرهم وطنهم وحتى وطن غيرهم.

لنبدأ من مؤتمر دافوس، ذلك المكان الدافىء في بلاد الثلج والمافيا البنكية سويسرا. الكثير من اموال الأمم المنهوبة متراكمة هناك في بنوك سويسرا.

موقف مسرحي طريف: الغنوشي وبن كيران يستجدون المال من الراسمالية الغربية بينما اموال المغرب وتونس بجانبهم في بنوك سويسرا! بل اموال الأمة العربية والمسلمين جميعاً وكل بلدان الخليج. إن صراخ الغنوشي وبن كيران، بأهم مرنين ومعتدلين وأن بلدانهم فقيرة فعلى الغرب أن يسعفهم وإلا قضوا نحبهم، هذا الصراخ لدى اللصوص هو مشاركة في اللصوصية.

فاولاً: إن دافوس هو ملتقى طواغيت المال والسياسة بلا إخفاء او رتوشز في نفس المقاعد كان مبارك وبن علي. كل ما فعله الدين السياسي الإسلامي هو تبديل الأشخاص  ولكن بنفس الموقف.

وثانياً: كان يمكننا فهم الأمر لو وقفوا هناك كما وقف أبي ذر، وطالبوا بأموال شعبهم المخزونة في سويسرا وغير سويسرا بدل المطالبة الذليلة. ولكن من اين لمن يعيش على الربا والمضاربة ورشى الريع النفطي  الوهابي أن يطالب بتحرير الأموال وتأميمها!

إخوان تونس هرولوا بقيادة الغنوشي إلى واشنطن وتحديداً إلى جماعات ال Think Tank، بيوت التخطيط لإذلال الأمم وليس فقط نهبها، بل إذلالها لاستمرار نهبها. هل الحجيج إلى هناك سوى أنه حجيج الدين السياسي؟ إن كان الأمر طلب المال فالغرب يستغل ويغتصب وينهب ولا يتبرع، وإذا تبرع يكون قد اخذ الأضعاف. لماذا لم يذهب هؤلاء السادة لمطالبة السعودية (طُحال الخلايا الرسمية الميتة) بما نهبه بن علي؟ ولم يطالب الإخوان في مصر بنوك الغرب بما نهبه مبارك والمباركيون؟

اجعلوها معادلة اقتصادية بحتة بلا ماركسية وبلا إسلام. طالما فقر مصر وتونس من نهب هؤلاء، ناهيك عن نهب الغرب الراسمالي، فاسترداد المنهوب من الحكام يحل المشكلة وأكثر فلماذا اختيار الاستجداء من العدو؟ ولماذا الاحتفال بصندوق النقد الدولي ليواصل توريط البلدين في الديون وفوائدها واقساطها وتثبيت الديون القديمة التي لو كانت ثورات لشطبتها؟  ألا يعني هذا أن هؤلاء يحكمون بتوجيهات الراسمالية الغربية العالمية حتى وهي مأزومة؟

وثالثاً: نفهم جوع الإخوان للسلطة، ولا نقبله. ولكننا لا نقبل تصهين هؤلاء. لقد ذهبوا إلى البيت الأبيض علانية واستقبلوا رجال ونساء البيت الأبيض والإليزيه وكل نظام راسمالي غربي  علانية وباسم الإسلام. وتحدثوا مع قنوات وإعلام الكيان الصهيوني علانية. لا باس. ولكن أن يتحدثوا نيابة عن فلسطين بما يُهديها للكيان فهذا أمر يدعو لتفكير عميق: اين يذهب هؤلاء؟ بل اين يأخذهم الجوع للسلطان!

لنقرأ ما يلي اي ما قاله رجال الإخوان في دافوس[2]:”

“وأكدت إذاعة «صوت إسرائيل» عن موقعها الالكتروني الناطق بالعربية إن زعيم حركة «النهضة» الإسلامية التونسية راشد الغنوشي ورئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران، قال مندوب الإذاعة الإسرائيلية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن «على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسهم بشأن طبيعة علاقاتهم مع إسرائيل»، وذكرت الإذاعة أنهما «أكدا أن الحركات الإسلامية ستتصرف بموجب القرار الفلسطيني». ورأى الغنوشي أن «مستقبل علاقات بلاده مع اسرائيل يحكمه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية”.[3]

هذا الحديث يصل إلى حد الإسفاف.  ألم تقولوا حتى سحقتم اسماعنا أن “فلسطين وقف إسلامي”؟ ما هذا التلاعب بالخطاب وعقول البشر. الآن اصبحت فلسطين فقط للفلسطينيين! وأصبحتم مجرد عقلاء تسدون النصائح ومؤدبين لا تتدخلوا.

يبدو أن هذا القول هو اللازمة التي على كل عربي يصل الحكم ان يتبناها . هذه اقوال الكمبرادور والأسر الوارثة والمورثة. هذه سايكس-بيكو بلا مواربة، ولا تتمنى الصهيونية أكثر من هذا. بل هي في طبعتها الجديدة صياغة الولايات المتحدة. أنتم ايها السادة تعرفون كم ان شعار : “القرار الوطني المستقل” كارثة مقصود به التورط في التسوية وما ولده كان أوسلو-ستان!

والله لم نحب لكم هذا، ولم نحلم لكم به. نفهم تصهين الملوك والرؤساء المعينين والمفروضين على المة العربية، ونفهم تصهين الكمبرادور وتصهين مثقفين/ات وعضوية الكنيست لمثقفين فلسطينيين ومعايشة الكيبوتسات. ولكن لا نفهمه لا للإسلام ولا للقومية العربية بالطبع. فلماذا كل هذا وخاصة منكم أنتم الذين تزعمون الإيمان بالقضاء والقدر؟ هل ستلاقون الله صهانية!

خالد مشعل من المقاومة إلى الدين السياسي

شهدنا مساء 28 كانون الثاني 2012 نقاشا على فضائية المنار بين سامي ابو زهري الناطق باسم حماس ووليد محمد علي رئيس مركز الباحث في بيروت  وخاصة الجزء منه المتعلق بزيارة مشعل إلى عمان في معية ولي العهد القطري.

وبصراحة ومحبة للأستاذ خالد مشعل هالنا طرفا المعادلة الإخبارية:

الأردن: الاستقبال هو لولي عهد قطر

ومجيىء مشعل مع هذا الرجل

كان تبرير السيد أبو زهري خجولا مكسوفا، وهي نبرة لم نعهدها في كثير من طلعاته الفضائية. لم تكن لديه لغة ولا لكلماته محمولا ولا شحنة ولا عبوة. كان يعلم أن الموقف حزين محزن. لم يكن الموضوع ضد الكيان حتى يشتد ساعد كلمات ابو زهري، فجميعنا فلسطينيون وعرب نجد هناك فسحة بلا قيود.

قد يقول البعض هذه علاقات عامة، وتكتيك، وحماس تفتح علاقات مع كل الدنيا. لا ايها السادة، حين تفتح حماس علاقة مع كل الدنيا تنتقل من المقاومة إلى البحث عن القَبول في الأروقة البدلوماسية وفي البلاطات وبيوت المال. هو نزوع مؤسسة رسمية مدجنة لا حركة مقاومة. وهذا ثمنه، بل ثمنه الكبير. لم تصمد ولم تنتصر اية مقاومة أو ثورة عبر اي بلاط، إلا إذا كان مقاوِماً  وثورياً. هل استعانت ثورة الجزائر بالملك السعودي؟ هل استعانت ثورة جنوب اليمن بقطريات الخليج؟ أم بالنظام الناصري. طبعاً سيلعن كثير من الإخوان هذا النظام وينعتونه بالكفر جزافاً وغير ذلك. ولكنهم لا ينظرون لا إلى التأميم ولا السد العالي ولا دعم ثورة شمال اليمن. ولا إلى أن ناصر مات وفي حسابه 167 جنيه مصري. تملك بادية ربيع اضعافها! فمن الذي سوف يستقبله الله ببشاشة؟

وإذا كانت حماس بصدد منافسة فتح ومنظمة التحرير خارج ميدان المقاومة، فهي عملياً تُغرق نفسها ومنظمة التحرير أكثر في الحصول على درجة من رضى الغرب الرأسمالي وأنظمة النفط والتبعية وفي النهاية الكيان، فهؤلاء حلفاء. فلا مقاومة من قطر ولا من ريع النفط ولا من الجزيرة العربية بانظمتها وحكامها. وليس هذا كي نقول إن سوريا قلعة العرب والمقاومة. دعونا من هذا. ولكن لماذا اليوم يتم فتح الأبواب للسيد مشعل؟ وما حاجته لها؟ وهي ابواب حاجبها وساكنها وبانيها ومالكها أنظمة على الأقل ضد المقاومة.

قد يزعم البعض أن حماس بحاجة إلى المال. وهذا غير دقيق وفيه خصي لوعي الناس. فالمقاومة في العادة ليست باذخة بل متقشفة، وإذا كان أمام المقاومة خياراً أن تلجأ لأعداء المقاومة أو تجوع فعليها بالجوع الشديد. لأن غير ذلك هو التحول إلى نظام رسمي وحينها تنتهي، ولن تنتهي القضية.

وطالما أن حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين، فبوسعهم الإنفاق على ثورة بحجم قارة آسيا. إن إمكانات هذه الحركة واصدقائها ومريديها هائلة. ولا نقصد فقط إخوان مصر الذين نقلوا إلى مصر تريليونات ريع النفط وإسلام الوهابية بل حتى إخوان الأرض المحتلة، فهم التجار والكمبرادور والبازار…الخ. أم أن ما تملكون هو ملكية خاصة لكم؟ ربما، ولكن بالمقابل إذا كنتم لا تنفقون، فلا تجروا البلاد إلى مذبح الراسمالية الغربية.

الأمر اشد خطورة من هذا! الأمر مثير للحزن والقلق. الأمر أن القيادة المتنفذة في الإخوان قررت مقايضة السلطة بالموقف مقايضة السلطة بالإيمان فظهرت حقيقة الدين السياسي.

لم يعد الأمر قيد التخطُّف والتحليل والتنبؤ. فمن فلسطين وقف إسلامي، إلى فتح ابواب قيادات إخوان مصر للسفيرة الأميركية ولنائب الرئيس الأميركي وهذا المعلن! وتصريحات رجال الإخوان بأن الموقف من اتفاقية كامب ديفيد سيتم عرضه على الشعب للاستفتاء؟ يا إلهي؟ من سمح لكم أن تعرضوا الوطن على الاستفتاء؟ هل قال الدين هذا؟ أخشى ان يكون السيد مشعل تحت هذا الضغط. وإن كان ذلك كذلك، فلماذا لا يقول كلمة الحق واللحظة ويترك إن لم يكن بوسعه حماية موقفه.

بكلمة أوضح، سيكون سباقاً بين أكبر فصيلين على… نيل الرضى الغربي الرأسمالي والنفطي الريعي. لا باس اين تذهب القضية إذن؟

لو تتبعنا اقوال فلاسفة العالم منذ آلاف السنين وحتى اليوم لوجدنا إجابات لا نقاش فيها عن خطورة وهج السلطة وتوظيف النضال او الفكر تقرباً من السلطان أو للوصول إلى مواقع السلطة.

إن صح تقديري، قال ابن حنبل: “السلطان هو من لا يعرف باب السلطان” ما معنى هذا؟ معناه أن المثقف إذا التحق بالسلطان صار أداة له. فما بالك بالثوري؟ هل يجهل ابو الوليد ما هو أمير قطر وولي عهده، ووزير خارجيته؟ بل من اين لهم أن صار لهم عهداً، واي عهد؟ اليسوا مغتصبي سلطة وبلد ونفط؟ حين يذهب مشعل إلى قطر الا تزكم أنفه رائحة طائرات الناتو وزيت دباباتها؟ اليست هذه العلاقة هي التي وضعته ملحقاً بولي عهد قطر؟ ألا يبدو الإذلال في هذا؟ واذلاّه للمقاومة!

كان شكسبير شاعر بلاط، ولكنه هو الذي كتب: “العلاقة بالسلطان هي حالة أشبه بأن تركب قربة منفوخة وتعوم ثم يقوم الحاكم بفتح فوهتها لتغرق” هذا الرجل لم يكن زعيم تنظيم سياسي ومع ذلك التقط غدر السلطان.

أليس أحمد شوقي هو الذي نُفي إلى الأندلس بعد ان كان في بلاط الخديوي، فكتب هناك روائعه؟

خالد مشعل ليس مجرد فرد أو مثقف او شاعر، هو قيادي في حركة سواء بقي سكرتيراً عاماً أم لا، وعلاقته بقطر تمثل علاقة حركة حماس، وإذا صح أن حماس إبنة طيِّعة لقيادات في الإخوان المسلمين، فإن الآتي قاتل ومر.


[1] تتابع الرفيقة بادية مواقف الذكور من مدخل نسوي لا راديكالي ولا لبرالي بل اشتراكي طبقي أمام إلحاحها في متابعة الذكورية كان علينا أن نكتب.

[2] ترى هل صافحوا النساء السافرات هناك؟ وهل اصروا على اللحم الحلال وشرب الماء بدل النبذ الفرنسي المسروق من دوالي الجزائر؟.

[3] عن السفير 28 -12-2012