محمد شريف الجيوسي
في معزل عن إخوان الأردن.. ومشددة على ضرورة انتهاج سياسة وطنية سيادية استقلالية مناهضة للسياسات الأمريكية والصهيونية التي تستهدف الأردن وفلسطين والأمة العربية، وعلى اعتماد سياسة تكاملية عربية تؤكد على العمق العربي والالتزام بقضايا الأمة
الاحزاب القومية واليسارية الوطنية الأردنية المعارضة تعلن قيام إئتلاف الأحزاب القومية واليسارية ” في الأردن ” وتعلن رؤية سياسية سياسية واقتصادية واجتماعية وخارجية شاملة
عمان ـ 28 كانون ثاني، محمد شريف الجيوسي
اعتبرت الاحزاب القومية واليسارية الوطنية الأردنية المعارضة، في تصريح صحفي لها اليوم، أنه في ظل غياب الإرادة السياسية الجادة للإصلاح والتغيير الحقيقي فإنها ترى أن المرحلة تتطلب العمل على إبراز الدور الحيوي للتيار القومي اليساري بمضمونه الوطني الديمقراطي التقدمي.
وعليه بحسب تصريح الأحزاب القومية واليسارية فقد أقرت هذه الأحزاب بعد سلسلة من اللقاءات والحوارات رؤية سياسية لها كوثيقة عمل مشترك، وتفعيل دورها وحضورها في الحراك الشعبي، وقررت إشهار الإطار الذي يضم الأحزاب القومية واليسارية باسم ( إئتلاف الأحزاب القومية واليسارية ).
وقالت الأحزاب القومية واليسارية أنها تتقدم بهذه الوثيقة للعمل المشترك لجماهير الشعب ولكل القوى والهيئات والشخصيات التي تتماثل رؤاها السياسية ومواقفها حيال تطورات الاوضاع المحلية والعربية والدولية، وتؤمن وتؤيد هذا التوجه، للعمل سويا لبناء الإطار القومي واليساري والذي يضم القوى والهيئات والمؤسسات والشخصيات التي تؤمن بذات المبادئ والبرنامج الذي يكفل تفعيل دورها وحضورها في المشهد الوطني، والمساهمة في عملية المراجعة للأطر القائمة على المستوى القومي باتجاه بناء جبهة وطنية عربية شعبية في البعد القومي والديمقراطي.
وأعلن إئتلاف الأحزاب القومية واليسارية رؤيتها السياسية، التي تتضمن انتهاج سياسة وطنية سيادية استقلالية مناهضة للسياسات الأمريكية والصهيونية التي تستهدف الأردن وفلسطين والأمة العربية، واعتماد سياسة تكاملية عربية تؤكد على العمق العربي والالتزام بقضايا الأمة.
ودعت الأحزاب القومية واليسارية الأردنية إلى تحديد العلاقة مع دول العالم على ضوء مواقفها من قضايانا الوطنية والقومية وفي مقدمتها القضية المركزية للأمة العربية قضية فلسطين، ورفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله في الشؤون العربية الداخلية.
ودعت الأحزاب في رؤيتها إلى التصدي لكل المشاريع والبرامج والسيناريوهات الأمريكية الصهيونية التي تسعى لخلق الوطن البديل، والتأكيد على التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينين الى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها قسرا.
وأكدت على حق جماهير الأمة العربية في بناء مجتمعات تسودها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية..
كما اكدت على إعلان بطلان معاهدة وادي عربة والعمل على تفعيل مجابهة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله.
وفيما يتعلق بالإصلاحات الدستورية فقد أكدت الحزاب في رؤيتها على ضرورة استكمال التعديلات الدستورية وذلك من خلال تفعيل المبدأ الدستوري الذي يؤكد بأن الشعب مصدر السلطات، الأمر الذي يقتضي ؛ إلغاء النصوص القانونية المقيدة لهذا النص الدستوري.
والفصل بين السلطات الثلاث واحترام القوانين والحقوق والحريات التي كفلها الدستور. وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة التنفيذية بتكليف الأغلبية البرلمانية حق تشكيل الحكومة. وتكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا مسؤولية فوق المحاسبة. وإخضاع مجلس الأعيان للإنتخاب وإلغاء مبدأ التعيين.
وتضمنت الرؤية ضرورة إقرار قانون انتخاب ديمقراطي يعتمد مبدأ التمثيل النسبي على اعتبار أن الوطن دائرة انتخابية واحدة، بما يمثل الإرادة الحقيقية للشعب الأردني. وإعادة النظر بالقوانين الناظمة للحريات العامة (الأحزاب – البلديات – الجمعيات – المطبوعات والنشر) وإلغاء كافة البنود المقيدة للحريات والمعيقة للمشاركة الشعبية.
كما تضمنت رؤية الأحزاب القومية واليسارية إصلاحات اقتصادية واجتماعية تشتمل على وقف سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام وتبديد مقدرات الوطن والتأكيد على ملكية الدولة للموارد الطبيعية والمرافق العامة. واستعادة المؤسسات والشركات التي تمت خصخصتها إلى ملكية الدولة كونها حقوقاً وممتلكات عامة. وتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية تعتمد على الذات بإقامة المشاريع الاستثمارية وإعطاء الأولوية للنهوض بالقطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية ضمن رؤية تصوب التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، والانتقال إلى الاقتصاد المنتج.
وتضمنت الرؤية الاقتصادية معالجة قضايا الفقر والبطالة بتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، وإعداد وتدريب العمال وتأهيلهم. ورفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع معدل إنفاق الأسرة، بخاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وربط الأجور والرواتب في القطاعين العام والخاص بالأسعار. وإلغاء قانون ضريبة الدخل النافذ وإصدار قانون يضمن تحقيق إصلاح ضريبي ينطلق من تفعيل مبدأ الضريبة التصاعدية المنصوص عليها في الدستور، وتقليص ضريبة المبيعات تدريجياً وصولاً إلى إلغائها، وانتهاج سياسة تحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
كما دعت الأحزاب القومية واليسارية للتصدي لسياسة التطبيع الاقتصادي مع العدو الصهيوني، وإعادة النظر في برامج وسياسات وتوجهات المناطق الاقتصادية المؤهلة التي لا تحقق مكاسب اقتصادية للبلاد، وتحصين قانون المناطق التنموية المطورة بما يكفل عدم تسرب مستثمرين من الكيان الصهيوني وتفعيل مقاطعة البضائع الصهيونية والأمريكية.
ودعت إلى إصدار قانون عمل ديمقراطي يسهم بتطوير الحركة النقابية العمالية وإشاعة الديمقراطية بين صفوفها وبما يمكنها من اختيار قياداتها العمالية بشكل ديمقراطي وضمان الحق في التنظيم النقابي العمالي. وإلى إقامة الاتحاد العام لطلبة الأردن كهيئة نقابية طلابية مستقلة تمثل الطلبة وتدافع عن حقوقهم وتتبنى قضاياهم، وإقامة الاتحاد الوطني لشباب الأردن الذي يمثل هذا القطاع الواسع ويدافع عن همومه وحقوقه.
وشددت الأحزاب القومية واليسارية على تعزيز دور المرأة ودعم حق مشاركتها في النضال الوطني الديمقراطي وتطوير التشريعات التي تحمي حقوقها المدنية والاقتصادية والاجتماعية.
وضرورة إحداث إصلاح ديمقراطي للمؤسسة الأمنية، وكف يدها ووقف تدخلها في الحياة السياسية والمدنية وكافة مؤسسات المجتمع النقابية والمجتمعية والحقوقية، وإعادة تأهيلها مهنيا بما يضمن التزامها بمهام وواجبات قوانينها في حماية الوطن والمواطن.
وبيت الأحزاب في رؤيتها أهمية وضع إستراتيجية شاملة لمحاربة الفساد ومظاهره بإيجاد التشريعات والأطر القانونية المؤسسية القادرة على التصدي لهذه الآفة باقتدار وكفاءة.
وبينت ضرورة إجراء إصلاح شامل للنظام القضائي يكرس استقلالية السلطة القضائية، ويعزز سيادة القانون، ونزاهة القضاء، وحماية الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور.
وأولت رؤية الأحزاب القومية واليسارية التعليم اهتماماً بالغاً داعية لجعله مجانياً في كافة المستويات انطلاقاً من مبدأ واجب الدولة تجاه مواطنيها وتكافؤ الفرص حسب النص الدستوري، وإلغاء كل الاستثناءات في أسس القبول الجامعي.
وكذلك ضمان الحق في الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية المجانية لكافة المواطنين ضمن برنامج شامل للتأمين الصحي.
و انهاء احتكار الحكومة للمؤسسات الإعلامية والثقافية والعمل على تحويلها الى مؤسسات وطنية تخاطب ثقافة العقل وتحترم وتعبر عن الرأي والرأي الآخر.
وقد وقعت بيان إعلان قيام الإتلاف والرية السياسية الأحزاب القومية واليسارية التالية :
حزب البعث العربي الإشتراكي الأردن ـ حزب البعث العربي التقدمي ـ حزب الحركة القومية للديمقراطية المباشرة ـ حزب الشعب الديمقراطي الأردني ( حشد ) ـ الحزب الشيوعي الأردني و حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني ( وحدة )..
يذكر أن التصريح الصحفي لإئتلاف الأحزاب والرؤية السياسية المعلنة للإئتلاف لم تشر بشكل واضح إإلى مستقبل تنسيقية أحزاب المعارضة الوطنية الأردنية التي تضم إضافة لأحزاب الإئتلاف حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يعتبر امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
وكانت العلاقات بين أحزاب الإئتلاف والعمل الإسلامي قد تراجعت في الشهور الأخيرة يأتي في جملة أسبابها انخراط الحزب في الحوار مع الحكومة الأردنية وأطراف أخرى دون تنسيق مع هذه الأحزاب وعدم اتخاذه مواقف نقدية ورافضة لمواقف اتخذتها الجماعات الإسلامية في مصر والمغرب وتونس وسورية من قضايا قومية مركزية.
وفيما يلي النص الكامل للرؤية السياسية للأحزاب كما وردت :
ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية
رؤية سياسية
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، لم يؤد انتصار الحلف الإمبريالي في الحرب البادرة وتوحشه وتسيّده كقطب أوحد في السياسة الدولية إلى عالم أكثر أمناً واستقراراً، بل على عكس ذلك تماما فهو قاد إلى مزيد من التجاذب والصراع، كما ادى إلى العودة للنظام الاستعماري القديم بفعل انفلات غرائز السيطرة والهيمنة والنهب الإمبريالي، وتفجيره أشرس الحروب العدوانية المدمرة، وخلقه لأبشع أشكال الفوضى والركود والمجاعة والبؤس والمافيا والبطالة والفقر وحرمان الشعوب من حقها في الاستقلال والحرية والتنمية الحرة وفرض التخلف الحضاري والاجتماعي على شعوب بأكملها على نحو غير مسبوق منذ عقود، الأمر الذي شكل الحاضن الموضوعي والتربة الخصبة لتنامي الاحتجاج والنقمة والتوترات الاجتماعية، الأمر الذي ادى الى بروز حركات التحرر الرافضة لكل أشكال الهيمنة والتبعية والاحتلال، وتفجرت في أنحاء مختلفة من العالم بأشكال متعددة بالبعدين الاجتماعي والوطني بما فيها الوطن العربي، حيث شكل الاتجاه القومي واليساري جزءا رئيسيا منها انطلاقا من دوره ورؤيته في المواجهة وعملية التغيير، ومن هنا برزت الأهمية لفكرة اللقاء بين أطراف هذا الاتجاه لإجراء عملية مراجعة وقراءة للواقع والعمل على بلورة صيغة تكفل إبراز وتعزيز حضوره في المشهد الوطني والعربي.
لقد كان للأمة العربية، النصيب الأكبر من ويلات التوحش الإمبريالي الأمريكي وحروبه تحت شعار نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وصون الشرعية الدولية، وذلك بسبب الموقع الجغرافي الإستراتيجي للوطن العربي، واحتوائها على خزان النفط وغيره من الثروات الطبيعية، ووجود الكيان الصهيوني وضمان تفوقه على كافة الصعد وبكل السبل وأعنفها، باعتباره شريكا وحارسا في عملية النهب الإمبريالي المتواصلة لمقدرات الأمة العربية ولجم نهوض شعوبها وتوحدها.
أنجزت أقطار الوطن العربي المرحلة الأولى من الاستقلال، لكن موجة الاستقلال التي تمت منذ خمسة عقود ويزيد، لم تؤد الى بناء دولة قومية ولا الى بناء دول يحكمها القانون والمؤسسات والديمقراطية، ولم يتم استعادة الحقوق العربية في فلسطين، ولم يتم حماية العراق من تعرضه للاحتلال الأمريكي الغربي المدمر، ووصل المشروع القطري إلى طريق مسدود في عدم قدرته على بناء دولة وطنية ديمقراطية ذات سيادة مستقلة سياسيا واقتصادياً، بل وزاد الاستقلال الوطني تبعية وارتهاناً.
وفي العقدين الأخيرين، وفيما شهد العالم ظهور تكتلات كبرى، فإن العرب ينتقلون من التجزئة القطرية إلى الطائفية والمذهبية، في الوقت الذي تقوم به إمبراطورية الاحتكارات متعددة ومتعدية الجنسية بقيادة أمريكية باستهداف جغرافية العرب وحقوقهم وثرواتهم، وفي المقدمة “قضيتهم الأولى فلسطين”، والعدوان على العراق واحتلاله وتدميره كدولة.
في ظل هذه المقدمات جاء الحراك الشعبي العربي ليشكل حدثا تاريخيا كبيرا كسرت فيه الجماهير حاجز الخوف، وهبّت تمسك بزمام المبادرة من جديد لاستعادة حقوقها وكرامتها وسيادتها، باعتبارها مصدر السلطة ومرجعها الأصيل، بدأت بالانتفاضة الشعبية في تونس وتلتها مصر بما تمثله من موقع ودور على الصعيد القومي العربي، التي فاجأت الجميع بسرعة التغيير الذي حصل بما في ذلك الدوائر الأمريكية والغربية والتي عملت على حرف مسار الحراك الشعبي العربي الذي تفجر في ليبيا عبر تدخل حلف الناتو، وما نشهده الان من محاولات استهداف سورية والتدخل في شؤونها.
وعلى المستوى الوطني فإن مرحلة الانفراج الديمقراطي التي بدأت عام 1989 لم تستمر طويلاً، ولم تستكمل حلقاتها الأساسية، بل تم الانقضاض عليها، وتفريغها من مضمونها، حيث أخذت الحكومات المتعاقبة بالتراجع الممنهج عن كل الخطوات التي تمت، بدأتها في عام 1993 بإصدار الحكومة قانون الانتخاب ( الصوت الواحد المجزوء ) قانونا مؤقتا، وبلغت أوجها بتوقيع معاهدة وادي عربة مع الكيان الصهيوني عام 1994، وانعكاسها السلبي على حالة الانفراج الديمقراطي الذي شهدتها البلاد، وتوالى هذا التراجع مع الحكومات المتعاقبة التزاماً منها بما فرضته المعاهدة من إملاءات على الأردن، واستكملت لاحقاً بإصدار سلسلة من القوانين المقيدة لحرية التعبير والحريات العامة، وتزوير الانتخابات، مارست خلالها الحكومات المتعاقبة سياسة الإقصاء والتهميش للقوى الفاعلة في المجتمع من أحزاب ونقابات ومؤسسات وطنية، وتشديد السطوة الأمنية، وبذات الوقت فإن التحالف الطبقي بين الكمبرادور والبيروقراطية، عمل على بناء وتكريس نهجه الاقتصادي عن طريق تفتيت المجتمع وضرب البنى الاقتصادية المنتجة، في أجواء من تفشي الفساد المالي والإداري، وغياب الحريات وتكميم الأفواه، ومحاولة احتواء القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وتكريس دور سياسي قمعي للأجهزة الأمنية لقطع الطريق على قوى التغيير من إحداث التحول الضروري في ميزان القوى الساعية لخلق آفاق تغيير سياسي اجتماعي تقدمي بحيث أوصلت البلاد إلى أزمة عامة.
وقد كان من أبرز ملامح هذه المرحلة :
_ تعميق التبعية للمركز الرأسمالي العالمي، بالإستجابة لاشتراطات واملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، وانتهاج سياسة الخصخصة، وبيع القطاع العام وتبديد مقدرات الوطن.
_ الارتهان لاستحقاقات معاهدة وادي عربة، التي شكلت قيداً ومانعاً لأي مشروع وطني للإصلاح والنهوض بواقعنا الوطني، وعزل الأردن عن محيطه العربي، وتهديد استقلاله ووجوده وسيادته ومستقبله المرتبط بأمته العربية وقضاياها العادلة.
_ مصادرة وتغييب المشاركة عبر فرض القوانين العرفية والقيود على حرية التعبير والحريات العامة وإصدار مئات القوانين المؤقتة في عمليات متسارعة ومتواصلة لإعادة صياغة المجتمع بعيداً عن روح الدستور ونصوصه والحقوق التي كفلها للمواطنين.
_ تغول الحكومات على السلطات الأخرى التشريعية والقضائية ومصادرة أدوارها.
_ استشراء الفساد والاستبداد، والإسراف في شراء الذمم والولاءات، وتوجيه المجتمع لولاءات فئوية ضيقة، وتفتيت النسيج الاجتماعي وإثارة النزعات العصبية وتهديد الوحدة الوطنية بما يتناقض مع المصالح الوطنية العليا وثوابت الأمة العربية.
وقد أدى تفكك بنى الدولة الريعية وتراجع دورها وتمسكها بنهج الخصخصة وبيع مقدرات الوطن، ودعمها لمنظومة القمع والفساد، ومصادرة الحريات والتغول الأمني على الحياة العامة والسياسية إلى تنامي وبروز حالة شعبية لاتختلف عن مثيلاتها في الواقع العربي تطالب بالإصلاح وتغيير النهج السياسي والإقتصادي القائم، وابتدأ الحراك الشعبي يأخذ أبعاده السياسية الجماهيرية في بداية عام 2011 نتيجة تراكمات احتجاجية مطلبية، وفي ظل انسداد سياسي عميق وأزمة اقتصادية طاحنة، فقد شكلت الانتفاضات العربية ونجاح عملية التغيير في تونس ومصر، أبعاداً معنوية حاسمة في تعزيز هذا الحراك وتوسيع حجم المشاركة فيه وتحديد شعاراته ومطالبه الشعبية، وتبلور الحراك وتصاعد بشعارات ناظمة تطالب بإصلاح مؤسسات الدولة، الا أن مصالح التحالف الطبقي الحاكم وارتباطاته التبعية إقليمياً ودولياً، دفعته لتجاهل مطالب الإصلاح وقمع قواه، والعمل على التهرب من استحقاقات الداخل الوطني، والرهان على تقطيع الوقت ومشاغلة الرأي العام والاكتفاء بخطوات جزئية، وأمام تصاعد الحراك الشعبي وتوسع قاعدته، وفي ظل تطورات الوضع الإقليمي والتحولات التي تجري، لم يغادر التحالف الطبقي العقلية الأمنية في رسم وتنفيذ الاعتداءات على قوى الإصلاح بهدف صرف الانتباه عن مسيرة الإصلاح وإعادة خلط الأوراق، من خلال نقل المجتمع من حالة صراع سياسي اجتماعي يهدف الى تحقيق تغيير ديمقراطي، إلى حالة من الصراع المفتعل بين فئات وشرائح مجتمعية، لتعميم سياسة التخويف والدفع باتجاه استقطابات وتجييش أعمى بما يشكله ذلك من خطر يهدد المجتمع ووحدة ومصير أبناء الوطن ومستقبلهم.
إن ما تحقق حتى الآن من خطوات لايلبي المطالب الشعبية ولا يستجيب للحاجة الموضوعية والضرورة الوطنية لإنجاز إصلاح سياسي واقتصادي شامل، ينقل الوطن الى مرحلة جديدة تفتح الطريق لبناء أردن وطني ديمقراطي، وهذا لن يتم الا من خلال تشديد النضال الوطني الديمقراطي، واستمرار الحراك الشعبي الضاغط على التحالف الطبقي الحاكم حتى تحقيق ذلك.
إن الاحزاب القومية واليسارية والتي كانت وما زالت جزءا اصيلا من الحراك الشعبي وإدراكا منها لطبيعة المرحلة والاستحقاقات التي تفرضها، وفي ظل غياب الإرادة السياسية الجادة للإصلاح والتغيير الحقيقي ترى أن المرحلة تتطلب العمل على إبراز الدور الحيوي للتيار القومي اليساري بمضمونه الوطني الديمقراطي التقدمي، والذي يضم كل القوى والهيئات والمؤسسات والشخصيات التي تؤمن بذات المبادئ والبرنامج الذي يكفل تفعيل دور هذا التيار وحضوره في المشهد الوطني، إن أحزاب وقوى التيار اليساري والقومي طالما طرحت في برامجها المطالب التي طرحها بقوة الحراك الشعبي الأردني، وفي ضوء ذلك نعتقد أنه آن الأوان لاطراف هذا التيار أن تأخذ قضاياها بأيديها وأن توحد طاقاتها وجهودها لتجسيد هذه المطالب بقوة أكبر والنضال بزخم أشد من أجل تحقيقها.
إن العمل على ايجاد إطار يضم أحزاب وقوى وشخصيات التيار اليساري القومي ليس موجها ضد أحد، ولا يزاحم أحدا، ولا يسعى لإقصاء أحد، إنما الهدف هو تأطير لقوى بينها تقارب، إن لم تكن تتماثل رؤاها السياسية ومواقفها حيال تطورات الاوضاع المحلية والعربية والدولية، إطار يساهم في عملية مراجعة للأطر القائمة على المستوى القومي باتجاه بناء جبهة وطنية عربية شعبية في البعد القومي والديمقراطي.
إن قراءة الأحزاب القومية واليسارية لعملية الإصلاح والتغيير تنطلق من اعتبارها للمهمة النضالية الرئيسية في المرحلة الراهنة، ولذلك فإنها تتقدم برؤيتها لتحقيق ذلك من خلال:
أولاً: إصلاحات دستورية وتشمل:
1_ استكمال التعديلات الدستورية وذلك من خلال تفعيل المبدأ الدستوري الذي يؤكد بأن الشعب مصدر السلطات، الأمر الذي يقتضي تمكين الشعب الأردني من ممارسة هذا الحق الدستوري بشكل كامل وحر، وإلغاء النصوص القانونية المقيدة لهذا النص الدستوري.
2_ إحداث تعديلات دستورية تفضي إلى:
أ_ ضمان الفصل بين السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) لضمان احترام القوانين والحقوق والحريات التي كفلها الدستور.
ب_ إقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة التنفيذية بتكليف الأغلبية البرلمانية حق تشكيل الحكومة.
ج_ تكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا مسؤولية فوق المحاسبة.
هـ_ إخضاع مجلس الأعيان للإنتخاب وإلغاء مبدأ التعيين.
ثانياً: إصلاحات تشريعية وتشمل:
1_ إقرار قانون انتخاب ديمقراطي يعتمد مبدأ التمثيل النسبي على اعتبار أن الوطن دائرة انتخابية واحدة، بما يمثل الإرادة الحقيقية للشعب الأردني.
2_ إعادة النظر بالقوانين الناظمة للحريات العامة (الأحزاب – البلديات – الجمعيات – المطبوعات والنشر) وإلغاء كافة البنود المقيدة للحريات والمعيقة للمشاركة الشعبية.
ثالثا: إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتشمل:
1_ وقف سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام وتبديد مقدرات الوطن والتأكيد على ملكية الدولة للموارد الطبيعية والمرافق العامة.
2_ استعادة كافة المؤسسات والشركات التي تمت خصخصتها إلى ملكية الدولة كونها حقوقاً وممتلكات عامة.
3_ تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية تعتمد على الذات بإقامة المشاريع الاستثمارية وإعطاء الأولوية للنهوض بالقطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية ضمن رؤية تصوب التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، والانتقال إلى الاقتصاد المنتج.
4_ معالجة قضايا الفقر والبطالة بتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، وإعداد وتدريب العمال وتأهيلهم.
5_ رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع معدل إنفاق الأسرة، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وربط الأجور والرواتب في القطاعين العام والخاص بالأسعار.
6_ إلغاء قانون ضريبة الدخل النافذ وإصدار قانون يضمن تحقيق إصلاح ضريبي ينطلق من تفعيل مبدأ الضريبة التصاعدية المنصوص عليها في الدستور، وتقليص ضريبة المبيعات تدريجياً وصولاً إلى إلغائها، وانتهاج سياسة تحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
7_ التصدي لسياسة التطبيع الاقتصادي مع العدو الصهيوني، وإعادة النظر في برامج وسياسات وتوجهات المناطق الاقتصادية المؤهلة التي لا تحقق مكاسب اقتصادية للبلاد، وتحصين قانون المناطق التنموية المطورة بما يكفل عدم تسرب مستثمرين من الكيان الصهيوني وتفعيل مقاطعة البضائع الصهيونية والأمريكية.
8_ إصدار قانون عمل ديمقراطي يسهم بتطوير الحركة النقابية العمالية وإشاعة الديمقراطية بين صفوفها وبما يمكنها من اختيار قياداتها العمالية بشكل ديمقراطي وضمان الحق في التنظيم النقابي العمالي.
9_ إقامة الاتحاد العام لطلبة الأردن كهيئة نقابية طلابية مستقلة تمثل الطلبة وتدافع عن حقوقهم وتتبنى قضاياهم، وإقامة الاتحاد الوطني لشباب الأردن الذي يمثل هذا القطاع الواسع ويدافع عن همومه وحقوقه.
10_ تعزيز دور المرأة ودعم حق مشاركتها في النضال الوطني الديمقراطي ودعم تطوير التشريعات التي تحمي حقوقها المدنية والاقتصادية والاجتماعية.
11_ إصلاح ديمقراطي للمؤسسة الأمنية، وكف يدها ووقف تدخلها في الحياة السياسية والمدنية وكافة مؤسسات المجتمع النقابية والمجتمعية والحقوقية، وإعادة تأهيلها مهنيا بما يضمن التزامها بمهام وواجبات قوانينها في حماية الوطن والمواطن.
12_ وضع إستراتيجية شاملة لمحاربة الفساد ومظاهره بإيجاد التشريعات والأطر القانونية المؤسسية القادرة على التصدي لهذه الآفة باقتدار وكفاءة.
13_ إجراء إصلاح شامل للنظام القضائي يكرس استقلالية السلطة القضائية، ويعزز سيادة القانون، ونزاهة القضاء، وحماية الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور.
14_ ضمان التعليم المجاني في كافة المستويات انطلاقاً من مبدأ واجب الدولة تجاه مواطنيها وتكافؤ الفرص حسب النص الدستوري، وإلغاء كل الاستثناءات في أسس القبول الجامعي.
15_ ضمان الحق في الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية المجانية لكافة المواطنين ضمن برنامج شامل للتأمين الصحي.
16_ انهاء احتكار الحكومة للمؤسسات الإعلامية والثقافية والعمل على تحويلها الى مؤسسات وطنية تخاطب ثقافة العقل وتحترم وتعبر عن الرأي والرأي الآخر.
في السياسية الخارجية:
_ انتهاج سياسة وطنية سيادية استقلالية مناهضة للسياسات الأمريكية والصهيونية التي تستهدف الأردن وفلسطين والأمة العربية، واعتماد سياسة تكاملية عربية تؤكد على العمق العربي والالتزام بقضايا الأمة.
_ تحديد العلاقة مع دول العالم على ضوء مواقفها من قضايانا الوطنية والقومية وفي مقدمتها القضية المركزية للأمة العربية قضية فلسطين، ورفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله في الشؤون العربية الداخلية.
_ التصدي لكل المشاريع والبرامج والسيناريوهات الأمريكية الصهيونية التي تسعى لخلق الوطن البديل، والتأكيد على التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينين الى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها قسرا.
_ التأكيد على حق جماهير الأمة العربية في بناء مجتمعات تسودها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
_ إعلان بطلان معاهدة وادي عربة والعمل على تفعيل مجابهة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله.
عمان في 25 كانون الثاني 2012
ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية
_ حزب البعث العربي الإشتراكي الأردني
_ حزب البعث العربي التقدمي
_ حزب الحركة القومية للديمقراطية المباشرة
_ حزب الشعب الديمقراطي الأردني
_ الحزب الشيوعي الأردني
_ حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني