مصر تستكمل ثورتها

عبد اللطيف مهنا

الهتاف بالدارجة المصرية، “دي مش حفلة..هيَّ ثورة “، الذي تردد عالياً في مختلف ميادين تحرير محافظات مصر التسعة عشر، خلال إحياء الجماهير الشعبية مناسبة مرور عام على إندلاع ثورة 25 يناير، يعني بكل بساطة أن هذه المظاهرات المليونية لم تحتشد أو تسيَّر لمجرد الإحتفاء بمرور الذكرى الأولى لإندلاع ثورتها، وإنما لإيصال رسالة هذه الجماهير المتظاهرة الى كل من يهمه الأمر… رسالة توجّهها، بدايةً للأوصياء على الثورة، أو المجلس العسكري الحاكم بأمره، من جهة، والفائز ين في الإنتخابات التشريعية، أوالسلطة الموعودة، والتي هي بعض مكتسباتها، من جهة أخرى، ثم للعرب، ومن بعدهم للعالم، بشقيه المتآمر والمتفرِّج، وإجمالاً، لهذه اللحظة التاريخية المصيرية التي تمر بها مصر وأمتها العربية، تقول للجميع، إنكم أزاء ثورة متجدِّدة، أوهى كما يقوله لكم شعارها الذي ترفعه لافتاتها ” ثورة مستمرة “… ثورة حتى إستكمال الثورة. حتى تتحقق كل أهدافها التي خطها بدمائهم في روزناما عامها الأول مصريوها المضحَّون من أجل التغيير والطامحين لصناعة مصر المستقبل. أهدافها التي رسمها ورفعها وناضل وسيناضل من اجلها شبابها المعتصمون الآن في ميادينها، أوهولاء الذين بدو بعد عام على تفجيرهم لها وكأنما هم وحدهم من باتوا يغردون خارج السرب أو من عزلوا عنه. أوهى مسيرة ثورية لازالت، كما يتندرالمصريون، مجرد ” سنة أولى ثورة “.

جماهير ميدان التحرير الرئيس، أوالقاهري، وسائر ميادين التحرير الأخرى في أربع جنبات مصر، أكدت أنها لم تخرج في هذه المناسبة إلا لتؤكد على ما سبق، أي لم تخرج لاحتفال كرنفالي يحاول تنظيمه الأوصياء، ومعهم من هم في مقدمة الفائزين بالسلطة الموعودة، أو من أصبحوا قاب قوسين أو أدنى منها. ولعله في هذه المرة كان خروجاً مختلفاً، فكان محفزاً في بادي تأثيره ومشجعاً لأن تخلفه دعوةً ل” جمعة غضب ثانية “، بدا وكأنما هوكان بمثابة تحضير لها، والتي دعى اليها ستون حركة وحزباً…

لقد كانت، وكما أرادها الداعون لها وابتغاه مسيِّروها، مشاركةً شعبيةً واسعةً فاقت حشودها المليونية الزاحفة حشود “جمعة الغضب” السابقة لها، حيث شهدت قاهرة المعزّ وحدها عشرين مسيرة زاحفةً باتجاه ميدان التحرير لتصب فيه وتفيض منه لتملاء تلك الشوارع العديدة من حوله. كان من السائرين في شلالاتها المتدفقة، التي فاقت، وفق بعض التقديرات، المليونين، من ارتدوا أقنعةً تمثل تصاوير الشهداء الذين سقطوا على امتداد عام الثورة الأول. غاب شعار “الشعب والجيش يد واحدة “. كانت الرسالة الجلية غير القابلة للتأويل، التي أرسلتها مصر الميادين التحريرية، أن لا من قوة أو عائق بقادرعلى الحؤول بين مصر25 يناير واستكمال ثورة لا تريدها ناقصةً وتصُّر على تحقيق كامل أهدافها، وبالتالي كان إعلان شعبي صريح دوَّى في كافة ميادين الخارطة المصرية بفشل فاقع للإحتفالية المراد لها رسمياً أن تكون مسك ختام الثورة ونهاية مشوارها مع بدء أولى مكتسباتها المتمثل في بدء الحياة النيابية بانتظار وعد تسليم العسكر للسلطة… تبارى هذه المرة مع شعار ” عيش. حرية. كرامة. عدالة إجتماعية ” شعارات أخرى إرتقت إلى مصاف ما يشبه المسلمات، من مثل، القصاص، وسقوط كل من العسكر والإعلام الرسمي… شعارات يختصرها مطلب إسترداد الثورة من الإنتقاليين، وتعلن : الشارع هو الشرعية، ووحده هومانحها وحاجبها…

لم يفلح المجلس العسكري، أو الوصي ثقيل الظل على مصر الراهن المائرة بتحولاتها العميقة، في محاولاته الرامية إلى التخفيف ما أمكن من زخم يوم الخامس من ينايروما يتوقع أن يتبعه من مستجدات في أيام تلحق على شاكلة ” جمعة الغضب الثانية ” قد تكون الحبلى بالتداعيات. الغى المجلس على أعتاب هذا اليوم قانون الطوارئ، وإن فرَّغ هذا الإلغاء من مضمونه باستثنائه مادعاه ” مواجهة البلطجية “، أو هذا العنوان الملتبس وحمَّال الأوجه، أو القابل عند الضرورة للمراد من التفسير المرغوب. أَّكَّد على إلتزامه بما دعاه “خطة تسليم السلطة ” والعودة ألى الثكنات. وحيث لم تجد لا هذه ولا تلك من يقبضها في ميادين التحرير الغاضبة، أردفهما بوعد منه سوف لن يجد قطعه له فى جنبات الميادين الثائرة حظاً اوفرمصداقيةً منهما، وهو نية الكشف عما دعاه “حقائق ما قبل 25يناير” التي كان قد ناور عاماً كاملاً لحجبها ! أما الفائزون بالسلطة المرتجاة في الإنتخابات، أو “المبشَّرون ” باستلامها وفقما تعد خطة التسليم العتيدة، فحاولوا من جانبهم ما استطاعوا الإ حتفال بالذكرى التي مرت بعيداً عن مضامين هتافات جماهيرميادينها، لاسيما هتافها الأكبر الذي أشرنا اليه بدايةً، والذي يمكن ترجمته بالعربي الفصيح ” الشعب يريد إستكمال الثورة “. عجزوا فيما حاولوه فالتحقوا مكرهين وعلى إستحياء بالميادين وأهلها مكتفين بمشاركة خجولة تنبئ أكثر فأكثربأن الشارع بعد حين لن يبق كما بدا سابقاً أنه شارعهم…والآن، هل وصلت رسالة ميادين الثورة، ألى سائر أطراف من يهمهم الأمر داخلاً وخارجاً ؟

داخلاً، مصر 25 يناير ماضية باتجاه واحد لا غير، هو تحقيق كامل أهداف ثورتها، هذه التي قدمت من أجل إنتصارها دماءً زكيةً للشهداء الذين سقطوا في ميادين الحرية من خيرة شبابها، وعليه، فعلى هذا الداخل التكيف مع هذه الحقيقة شاء من شاء وأبى من أبى…

أما الخارج، الغرب وإسرائيله وامتداداته بين ظهرانينا، فتآمره التليد، ليس على مصر فحسب وإنما على الأمة بكاملها، تاريخ مديد ولن يتوقف، لاسيما على قوى المقاومة ومراكزالممانعة وبؤر النهوض أينما وجدت وحيثما كانت في ربوعها… سيوالي محاولاته المستميتة سراً وعلناً للألتفاف على راهن الحالة الثورية التغييرية العربية ما ستطاع بغية إجهاضها وحرفها وتشويهها وركوب موجاتها… في مصر العرب، يبقى الرد… “دي مش حفلة… هيَّ ثورة “!