وشهادة د. خليل نخلة
عادل سمارة
في الاعتصام أمام المجلس الثقافي الفرنسي وتوأمه الألماني يوم امس 2 شباط 2012 سألني مراسل فضائية فلسطين اليوم عن هدف الاعتصام، وكنت أود عدم الحديث كي لا أتوسع في دوافع الاعتصام) وبالطبع متفق تماماً مع اعتراض الشباب والصبايا على صفقة السلاح بين عدويْنا فرنسا الرسمية (وكثير من يسارها كذلك) والكيان. ولكن لأنني أرى في فرنسا الكثير مما يجب رفضه بشدة وغضب. والمهم، أن علينا ربط القضايا مع بعضها والنظر إليها حزمة واحدة وليس بمعزل عن بعضها البعض. فالغرب الاستعماري الراسمالي يحاربنا بشكل متواصل ويربط كافة قضايانا معاً ليكون ويظل عدو لنا دوماً. أما نحن ففي كثير من الأحيان نتعامل معه حسب كل حدث بشكل منفرد مما يُشعر البعض منا أن إنهاء قضية ما يعني انتهاء الإشكالات مع عدو يعادينا من المهد إلى اللحد وفي كل مجال.
لذا قلت للفضائية نحن هنا ضد صفقة السلاح، ولكنني كمواطن هنا:
لأن فرنسا قتلت مليون ونصف جزائري، ولأن فرنسا شريكة لبريطانيا في سايكس –بيكو وأعطت وطننا للمستوطنين اليهود وأعطت الكيان اول مفاعل نووي ولا شك أنها سوف تساهم في تدمير مفاعل إيران.
ولأن فرنسا قتلت جميع أعضاء البرلمان السوري إلا واحدا عام 1945 حينما قصفت المبنى وهم فيه.
ولأن فرنسا شاركت في مذبحة ليبيا الجارية وبدأت تنهب الماء والنفط من هناك.
ولأن الحزبين الاشتراكي والشيوعي الفرنسيين يقيمان اليوم مهرجاناً عن “الثورات العربية” يُسقطان فلسطين منه ويضعان الكيان) هذا اليسار فما بالك باليمين!!!
ولأن فرنسا أكثر واسوأ.
إنما سؤالي الأساسي من شقين:
الأول: لماذا لا نربط كل هذه القضايا معاً حين نفكر في فرنسا أو الغرب الرسمي الاستعماري؟
والثاني: لماذا يذهب اي فلسطيني، بل اي إنسان كإنسان إلى مراكز كهذه تبث التطبيع والتبعية والخضوع الثقافي والسياسي؟
ليس هذا مجال الحديث عن المجلس الألماني (شريك الفرنسي في المبنى والمعنى) المتستر وراء جوتة. فالمانيا الرسمية فعلت الكثير ضدنا ومنه أنها تقدم لنا بعض الوظائف في مركزها، وهو أمر تافه، وتعطي الكيان غواصات نووية. ألا يخجل من يذهب إلى هذه المؤسسة؟
المجلس الثقافي البريطاني:
منذ شهر وانا اشاهد على ال فيس بوك إعلان من المجلس الثقافي البريطاني متعلق بتعليم الإنجليزية. دعاية يبدو معها هذا المقر الاستعماري كأنه فاعل خير! وكنت قد كتبت عنه أكثر من مرة، وآخرها مقالة في كنعان الإلكترونية العدد 2442، 25 كانون الاول (ديسمبر) 2010. وهذا المجلس كما هو معروف هو مؤسسة بريطانية مرتبطة بالسلطة السياسية/الطبقية/الاستعمارية البريطانية. أي السلطة/الدولة/القوة (سلطة راس المال ) التي تعادي شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية وكل بلدان العالم الثالث. لكن عدائها لنا متواصل وعلني ومتعدد الجوانب، بل إن اشكال عداء هذا النظام لنا تتجدد وتخلق كل يوم مجال عداء جديد.
وعليه، فهذا المجلس ليس من نوع الأنجزة (اي المنظمات غير الحكومية)، بل إن هذا حكومي مباشرة. فما المستور فيه؟ لا شيء.
وهذا المجلس لا يقصد تعليم الإنجليزية لمن اصبحوا في العقد العاشر من العمر، بل في العقد الأول من العمر. إنه مشروع مقصود به اقتحام الصبية في ريعان الطفولة اقتحاماً ثقافياً يغرس فيهم الدونية والتطبيع والانبهار بالغرب الراسمالي، وهي امور تعني بالضرورة وبشكل غير مباشر وربما مباشر أن الفلسطينيين والعرب امة متخلفة فقيرة دنيئة ودونية.
قد يجد البعض في هذا الحديث بعض المبالغة!
ولكن، ليقل لنا هذا البعض: من اين اتى المثقفين/ات الذين يروجون في الجرائد والجامعات والتجمعات السياسية وحتى بعض الحزبية للثقافة الغربية؟ اين تعلم وتربى هؤلاء المخروقين بالغرب إلى درجة ترويج الثقافة اللبرالية الراسمالية التي يتكاثر من يحتقرونها في الغرب نفسه؟ من اين أتى الفلسطينيون والعرب الذين يستقبلون توني بلير وهو حفيد السلطة التي منحت وطننا للاستيطان الصهيوني وذبحت مع الولايات المتحدة مليون ونصف عراقي ومئة وخمسين الف ليبي؟
كيف يمكن لإنسان فيه ذرة ضمير أن يجالس هؤلاء؟ فكيف حين يُسلِّمهم ابنه ابنته الصغار[1] كي يُعيدوا عجنهم وخلقهم كأدوات مخروقة بالبنية لصالح هذا الغرب العنصري وخاصة البريطاني؟
لقد أثبتت حالات كثيرة أن من تم اختراقهم حتى حين يدركون ذلك ويحاولون التخلص من هذا الإرث يكتشفون (أو نكتشف نحن) انه صار في بنيتهم، فينتقلون من خدمة مركز ثقافي بريطاني إلى مركز آخر، أو مؤسسة أخرى لدولة غربية أخرى. لا بل إن هذا المركز تحديداً يُخرِّج خبراء لخدمة أنظمة الغرب الأخرى.
مطلوب شهادات من لم تجنبوا الاختراق
وباختصار، أكتب هذا كي اقترح التالي:
بوسع المرء تفهُّم أن البعض اشتغل في هذا المجلس الثقافي البريطاني أو اشباهه الغربية المعادية بالطبيعة والدور. فللناس حاجاتها وظروفها وعوْزها، وعدم توفير لا الفرص البديلة ولا الوعي بمخاطر هكذا اماكن. لذا، لا نتوجه للعاملين في هذه الأماكن سوى بملاحظة واحدة: على الأقل وأنتم في جلسات بعيدة عن سيطرة ورقابة هذه المؤسسات، قولوا للناس حقيقتها. ومن كان منكم بوسعه الفعل أفضل فليفعل.
أما السؤال الأساسي فهو إلى الذين عملوا في هذه المؤسسات كالمجلس الثقافي الفرنسين الألماني، البريطاني،…الخ، وتقاعدوا أو حصلوا على “حقوقهم أو بعض حقوقهم/ن” المهم أن العلاقة قد انتهت. لماذا لا يقوموا بما قام به د. خليل نخلة، اي نقل التجربة للناس، توعية الناس بكشف المستور.
فمن عمل مع مؤسسة كهذه عمل وقدم جهداً ولولا أنهم كانوا مستفيدين منه أكثر مئات المرات من استفاده/ته لما ابقوا عليه. أي ليس لهم عليه معروفاً كي يحمله كجميل في عنقه. فلا جميل من مؤسسات لأنظمة ذبحت من الأمم بما يعيد امتلاء الكرة الأرضية بالناس، ذبحت بلا حساب وبلا رادع من ضمير أو ملامة.
لماذا لا يكتب كل من عمل/ت في هذه المجالس شهادته ماذا رأى وماذا طُلب منه. ولا نريد اكثر. إن بعض شهادات هؤلاء سوف تكشف لشعبنا وأمتنا والعالم كنوزاً لا تقدر بثمن، وهي بالطبع ليست كامل حقيقة هؤلاء.
حين صدر كتاب الصديق د. خليل نخلة سالني أكثر من شخص، ونقدني أكثر من صديق كتابة ومشافهة: لماذا تمتدح الكتاب والرجل كان يعمل مع هذه المؤسسات؟ وكان ردي ولا يزال: يجب أن لا نتعاطى مع هذه القضايا بروح الثأر. فماذا نريد من شخص نقد تجربته ونقلها للناس كي لا يقعوا في ما وقع فيه.
لو كان الرجل مقيداً بسقطات شخصية سياسية قومية لما كتب. أي ليس لديهم ما يدينوه به او يهددونه به.
[1] يذكرني هذا بدفاع أحد كبار المطبعين في مؤسسة ثقافية محلية حين قررت أكثرية اعضاء مجلس بلدي رام الله “تأجير” القصر الثقافي للموسيقار الصهيوني دانييل بيرنباوم، حيث قال ذلك الرجل: نريد لأولادنا أن يتمتعوا بالموسيقى! أُحيل الأمر للحركة الوطنية فوافقوا جيمعا باستثناء الجبهة الشعبية وحزب البعث. بيرنباوم ايد العدوان على غزة وحين توفي عرفات كتب: “مات الطاغية عاش الشعب”.