العميد الدكتور امين محمد حطيط
ماذا تريد اميركا من مجلس الامن ضد سوريا رغم علمها بواقعه ؟
سؤال يطرح لان المعطيات المتوفرة كلها تشير و بشكل قاطع بان مجلس الامن لن يفوض اميركا بشن حرب على سوريا كما فعل في افغانستان ، و لن يفوض احدا بالتدخل العسكري باي شكل من الاشكال في سوريا سواء في ذلك فرض الحظر الجوي على غرار ما فعل في العراق و ليبيا او اقامة المناطق العازلة او الممرات الانسانية الخ … لان روسيا و تدعمها الصين صرحت بوضوح ان الفيتو بالمرصاد لاي قرار دولي يعيد تجارب الماضي و اخرها الليبية التي ادت الى تدمير البلاد و دخولها في نفق مجهول بعد مقتل اكثر من 130 الف بنار الاطلسي المباشرة او بهوجها ابان تدخلها لفرض الحظر الجوي الذي تخطى تفويض مجلس الامن و تحول الى هجوم هجوي كاسح اقتلع نظامها . و اميركا تعلم ان روسيا لا تناور في مواقفها هذه لان المسالة السورية من منظار روسي لا تحتمل المناورة لتعلقها بالمصلحة الروسية المبشرة و ارتباطها العضوي بالامن القومي الروسي اي انها غير قابلة للمسامة و غير خاضعة لمنطق التبادل و الصفقات . و مع هذا تصر اميركا على قرع باب مجلس الامن مستعملة ادوات عربية و غربية و ممنية النفس بشيء ما ضد سوريا .
في العلوم الاستراتيجية هناك مبدأ متفق عليه ، يقول ” على من يملك قوة او فرصة ان لا يستنكف عن استعمالها من اجل تحقيق هدف يبتغيه ” ، و في التطبيق العملي ، يتجه اصحاب القدرات الى وضع االخطط و السعي لاستثمار قدراتهم ، و ان فشلت خظة لهم يكون عليهم وضع الخطة البديلة طالما لم يفقدوا القدرات ، و يقودنا هذا عند اسقاطه على السلوك الاميركي تجاه سوريا و ملاحظة نتائج التدخل الغربي فيها بان سوريا التي صمدت طيلة ما يقارب السنة و افشلت كل الخطط الهادفة لاسقاطها بدءا من “مقولة التظاهر السلمي ” مرورا بمحاولة “شق الجيش” و معها محاولات اقتطاع الارض و اقامة المناطق الخارجة عن سلطة الدولة و صولا الى افشاء الارهاب على نطاق واسع و انتهاءا بالافصاح عن تنظيم المعارضة المسلحة و تسليحها و تمويلها من الخارج .
سوريا بمواجهتها الصامدة افشلت الهجوم عليها خطة تلو خطة و لكن القوى المعتدية لم تتجرد من امكاناتها بل لا زالت تمتلك الاعلام و المال و القدرة على التأثير الاقتصادي و تجنيد المرتزقة الارهابيين و زج كل ذلك في معركة الانتقام من سوريا ، تفعل ذلك مع يقين بات لديها ، ان سوريا شعبا ونظاماً و جيشاً اصبحت في منعة و حصانة تمنع اسقاطها . و ان النظام قرر استعادة امن المناطق التي تسبب الارهابيون في زعزعتها و بدء بالتنفيذ مستفيدا من الفرصة التاريخية التي جاءته من تقرير المراقبين العرب الذين شهدوا على ارهاب و اجرام ضد الدولة و المواطنيين السوريين ، كما اكدوا ان اعلام العدوان من فضائيات التحريض هو جزء اساسي من العدوان و التخريب في سوريا .
ان اميركا تدرك الان انها خسرت في الميدان السوري ، و لا يوجد بيدها شيء يغير النتائج عسكريا او سياسيا ، لكنها تعرف ان الاستسلام للهزيمة لن يكون ممكنا في سنة حرجة لرئيسها و هو يستعد لخوض انتخابات التجديد له ، و انه – الاستسلام – سيكون كارثيا على نتائج حققتها في استيعابها للحراك و نتائجه في كل من تونس و مصر و ليبيا ( حيث فتحت الطريق الى السلطة لمن ابرمت معهم اتفاقات الاعتراف باسرائيل و ضمان امنها و وجودها ) ، و انه الاستسلام و الاعتراف بالهزيمة سيكون فاجعة استراتيجية لاميركا على المسرح الدولي لانه سيعيد روسيا لتكون مع حلفائها ندا قويا للمنظومة الغربية بالقيادة الاميركية.
نعم ان اميركا الان في مازق لا تستطيع الخروج منه بالانتصار في سوريا ، و لا يمكنها الانسحاب منه باعلان الفشل . لكل ذلك يبدو ان اميركا تبحث الان عن الحل الممكن الذي لا يعد هزيمة لها ، و يكون بتأجيل بت الملف الى فترة يعاد فيها خلط الاوراق و ترجيح الامر لمصلحتها ، لهذا يبدو ان اميركا تتجه الان الى اعادة التجربة اللبنانية عندما اصدرت القرار 1559 و وضعت لبنان تحت وصاية دولية مع ناظر للقرار يبقي لبنان ملفا مطروجا بشكل دائم امام مجلس الامن يتيح لها التدخل اليومي تحت عنوان اكذوبة الشرعية الدولية …
اميركا تريد اذن قراراً يشبه القرار 1559 لفرض انتداب دولي ما على سوريا ، يصادر حقها باختيار رئيسها ، و يصادر حقها بالعلاقات الدولية ، فضلا عن حقها بامتلاك القوة لدفاعية . و تمني اميركا النفس بالنجاح في هذا المسعى الذي تستطيع ان تروج له بانه انجاز يخرج سوريا من محور المقاومة و الممانعة ، كما اخرج لبنان من موقعه و علاقاته مع سوريا في العام 2005 و عكسها الى الجفاء ثم العداء .
هذا ماتبقى بيد اميركا الان و تريد فعله فهل تستطيع تحقيقه؟.
لقد نجحت اميركا في العام 2004 و اصدرت القرار 1559 باكثرية 9 اصوات ( الحد الادنى المطلوب لاعتماد قرار في مجلس الامن ) في ظل بيئة استراتيجية دولية تناسبها ، و كانت يومها مزهوة باحتلالها للعراق ، و تفاخر بانها في الطريق الى السيطرة الكاملة عل افغنستان كما بسطت سلطتها في الخليج ، و لم يكن في موجهتها احد من الدول في مجلس الامن يجرؤ لاعتبارات ذاتية و دولية ، يجرؤ على معارضتها ، اما اليوم فكل شيء تغير ، و بات مجلس الامن محكوماً بتوازن يمنع اميركا من السيطرة على قراره ، ما يعني ان صدور القرار اقرب بات شبه مستحيل . ثم ان القرار 1559 و رغم صدوره ، فان اميركا لم تستطع ان تنفذ منه شيئا بمعنى التنفيذ الفعلي ، حيث بقي العماد لحود في رئاسة الجمهورية الى الدقيقة الاخيرة من ولايته ، و بقيت المقاومة المستهدفة بالقرار 1559 و لا زالت على سلاحها تراكم قوتها التي هزمت بها اسرائيل في العام 2006 و باتت تسخر من اصحاب هذا القرار و لا تعيرهم اهتماما بل تهزأ من تقارير ناظره الدورية ، اما خروج الجيش السوري من لبنان و هو البند الثالث في القرار فانه لم يحصل تنفيذاً للقرار بل كان نتيجة قرار استراتيجي كبير اتخذته القيادة السورية بعد متغيرات ضربت الساحة اللبنانية امنيا و جعلت الخروج االعسكري السوري مصلحة لسوريا و لامنها الوطني .
لكل هذا نرى ان اميركا التي احترفت القتل و الارهاب ثم حصدت الفشل ، ستكون هذه المرة عاجزة في مجلس الامن و لن تنقذها ادوات جوفاء كجامعة المستعربين التي علقت مهمة المراقبين في سوريا للضغط على روسيا و للحؤول دون الشهادة على ارهاب ما يسمى “المعارضة السورية ” ، فالظروف تغيرت و العالم بات امام عهد جديد من العلاقات الدولية ليس لاميركا فيه حصرية القيادة و القوة ، و روسيا تعلم انها مستهدفة ايضا في سورية و عليها ان تدافع . ما يعني ان سوريا لن تجد نفسها امام قرار 1559 جديد ، و لن تضظر الى بذل عناء في عدم الانصياع له كما فعل لبنان، فموازين القوى كفت سوريا شر ذلك ، و يبقى امامها ان تجتث الشرالميداني بقمع الارهاب، و هذا ما يبدو انه في الطريق الى التحقق ، عندها لن تجد اميركا الا ان تسلم بالواقع ولن يجد عربها في جامعتهم ما يفعلوه بعد ان فرغت جعبتهم من السهم الاخير و سلمو الامر الى مجلس الامن الذي لن يلبي طموحاتهم .