قراءة “لا نقداً” في رواية

“إمرأة عائدة من الموت”

رواية المرأة والتاريخ والسياسة

عادل سمارة

مركز السلام[1]، بيت لحم 30 كانون ثانٍ 2012

المرأة عائدةٌ من الموت، أو هي التي لا تموت. من يهب الحياة لا يفقدها.

شدني عنوان الرواية، ودفعني  إلى فضاء الوجود والعدم، دفعني إلى ذلك القلق الذي رافق الإنسان بحثاً منه عن الخلود. ألم يَخلق الإنسان كل شيء من أجل البقاء؟ وما  البقاء ، أليس هو تواصل الإنسان عبر الإنسان؟ ومن الذي يحمل استمرار الوجود في أحشائه إلاّ هِيَ.

هل هي المرأة أم بلادي أرض الموت والحياة هنا؟ أم كلتيهما، أليست الأرض هي الأم وهي واهبة الحياة كذلك؟ هذا سؤال الرواية وهذا ما لم يسعفني الوعي للإجابة عليه، ولكنني سعيد إن كنت فهمته. إن كنت فهمت ذلك التواصل الفلسفي بين الموت والحياة، وصولاً إلى أن الحياة هي الحياة ، الحياة مقاومة، والموت هو الاستثناء. ولكن، هذا فقط إذا قرأنا الزمان بروح الجماعة وليس بلحظات وجود الفرد.

الأدب ضوء الحياة في الجماعة وللجماعة، ربما اكثر من اي فعل إنساني، وربما لهذا ابدع الإنسان الرواية فهي روح الفريق، هي كما يقدم الرفاعي ورشة شغل لأعداد  متكاثرة من الناس، بل كل الناس. ليست مقالة في السياسة من صنع فرد، وليست قصيدة، رغم جمال الشعر حيث لا يشترك مع الشاعر غير خياله أو شيطانه ،. هل الرواية تليق إذن يا عزيزي نافز بالأدب الشيوعي الذي لكل الناس، آمل أن توافقني.

المكان، الفضاء والزمان هي مسرح الرواية والراوي، بل الرواة المتعددين هم الذين يعطوا هذا المسرح روحه وحياته، تماماً كما فعلتَ،  فريق متدفق من الرواة يقدمون لنا واقع أعداد لا تحصى من الناس، فنكون بين هذا كله.

على لحظة كنتُ وما زلت أخشاها، داهمني هذا الشقي أن أقرأ عمله وأن اقول فيه ما أرى. هو كمن يقول لي، اُخرج كما الناس إلى متعة الأدب،  إلى الحلم الحقيقي وإلى بناء الحلم من الوعي وحتى من رشقات سلاحهم وصرخات نساء بلادي الجميلات في كل شيء. أخالُ أنك كمن اكتشف جبني امام المتعة، نحن الذين اعتدنا حمل الجبال على الأنامل والدمع المالح في الجفون.

فَعَلها من هو اشقى منك ومني، الصديق فوزي البكري قبل ثلاثين حولاً، قال لي : أنصفني لأكتب مقدمة لديوانه صعلوك من القدس القديمة، كتبت وكنت  حينها رهين جراحة للجيوب الأنفية في مستشفى المقاصد الخيرية. عوملت حينها كسجين من الدرجة الثانية حيث أُعفيت من رسوم المستشفى وليس من أجرة الطبيب، فأجرى العملية د. إبراهيم اللدعة الذي رفض تقاضي أجرة.

قد لا تعرف يا رفاعي فوزي البكري عن قرب، ولكن عملك الجميل تسلل إلى القدس التي يحرسها فوزي البكري، كيف لم تلتقيا. هل هو تداعي الأرواح، أم أن القدس التي لا تموت، ليست عائدة وحسب من الموت، بل واقفة في جفنه كما قال المتنبي لسيف الدولة:

وقفتَ وما في الموتِ شك لواقف       كأنك في جفن الردى وهو نائمُ

في عملك تمسك بالقدس كطفلة صغيرة تتحسس كل مسامات جسدها، أو كمحب عذري يقضي العمر ولا يمل من اللمس المقدس. بين صفحة وأخرى كنت ترسم القدس لمن لم يدخلوها انتظاراً ليوم التحرير والعودة. هذا اليوم الذي يكاد يفلت من بين اصابعنا

لَمْ تُعِدني إلى الأدب  وإنما إلى القدس كذلك، ولنا جميعاً في القدس ما لها فينا، ولا مجال لأقول لك أن فتاتك ذات القبعة الحمراء هي تارنتا التي كنت وإياها في سبعينات القرن الماضي في ليل القدس ونهارها، وقد جمعنا ما خلق روايتك، بدأنا باستشهاد لينا النابلسي.

يا إلهي، هل كل ما فينا ولنا هو الرصاص والقتل والاستشهاد؟ هذا نحن.

وضعتَ انت روايتك هذه قبل أن يجمع بيننا التعارف والحديث العالي ل د. محمد فرحات حين تحدث عن عمل د. عبد الرحيم الشيخ، في رام الله. كنت اصغي لحديثه الهادىء الساحر قبل أن يمنَّ عليَّ بذكر اسمي في الحضور.

لا تعتبرني متطفلاً على عالمكم معشر الأدباء، فانا متمتع متواضع لا غير. ألا يحق لي ذلك، أزعم أنني  أحد المواطنين! ولي حق الاستمتاع؟

عالم الأدب هو الأقرب من عالم الأرواح. هل توافقني. خلال حديث فرحات عدت إلى الوراء خمسة عقود إلى محمد فرحات الذي علمني في الجامعة اللبنانية. هل هذا تناسخ. لست ادري، وإيليا ابو ماضي ليس يدري.

في الاقتصاد، يقول لنا المفكر ما هي المعادلة التي يريد حلها، الموديل الذي يصوغه، ويجمع عقله وقواه حتى الجسدية ليحل المعادلة ويركِّب الموديل. فأي علم نكد هذا! وفي الفلسفة يرمي علينا الفيلسوف فرضيته ، وفي الشعر يكون الحلم. اما انت فرميتنا بفيض من الحوار والقضايا والصراع والتناقضات والاشتباك والحب والحرب، والألوان وتْشي جيفارا لنقضي زمن الرواية نتخطف ماذا تريد لتُطلَّ في النهاية قائلاً…ها قد قرأتم.

اقول لك، هنيئاً لكم في بيت لحم انتزعتم بعض حقكم من سادة رام الله الجميلة في الوجود والطارئة في الدور.  كان جميلاً ان تُمسك بعنان المكان وتحصره بقوة ساعدك الفكري بين المدينتين العتيقتين حيث التاريخ والقداسة لتقدم لنا درساً في التاريخ العتيق. لا رطانة في اللغة والسياسة. مشيت اليوم في بيت لحم  قاربت الجامعة ولامست المهد والمسجد العمري، وحارة الفواغرة التي ذكرتها، وكدت اتجاوز طرفها الجنوبي، وهو ما كشف لي تعلقك بالمدينين.

جميلٌ وأنت تستدعي روح الشرق الوادعة، اُلفة الشرق التي سرقوا عبقريتها كمكان، ولم يروا فيها سوى الألفة الأخرى التي وصفها صاحبنا عبد اللطيف عقل بقوله في مسرحية العرس التي قدمها هنا في جامعة بيت لحم: “ايتها الألفة الوادعة كالأفعى، ايها الحب النامي على جدران المذبحة”.

الم تقدم لنا حباً نمى على جدران مذابح، على جدران المهد، أليس مثيراً حقاً أن يجري الموت في المهد! فاين السلام يا صديقي؟ صدقني إنني أبحث عنه في عتمة الاقتصاد وتضوُّر ابناء الفقراء. دعني أقل لك أن أكثر ما شدني صوت طفل يطلب من أمه لعبة يوم وقفة عيد الأضحى فتجره بقوة كي لا يحرجها. كم وددت أن اشتريها له، فخفت أن تخالني أغازلها. ربما لولا هذا العدو لما كانت هي فقيرة.

مرام في روايتك هي المرأة الإسبرطية، هي المرأة الممتدة كالتاريخ، بل هي التاريخ الذي نحن نصنعه، ولكن المرأة هي التي تحمله في أحشائها. أليست هي الأصل. ولماذا لا تكون الرسَّامة في روايتك أفضل من بيكاسو صاحب الجيرنيكا، اليست مذبحة وطننا ممتدة ومشتدة ولا تتبدى لها نهاية؟ ثم، اليست هذه الرسامة هي وليدة كل فن سبقها، هذا يا صديقي الجميل تلاقح الثقافات وليس صراع الحضارات والثقافات كما كتب هنتجتون الذي وقف عمره مبشراً بموت لا يعود الناس منه كما عادت امرأة روايتك. أنت ترش مهد يسوع بعطر الأنثى الحانية العاشقة، وهو يجمع السيوف لمذبحة مجدو.

عليَّ أن أنتبه، ها قد مضيت معك في اللغة،  صرت أراك لئيما كأنك تحاول نزع العلمانية والتحليل المادي التاريخي من رأسي.

وإذا كانت مرام تمثل تواصل الإنسان في الشرق والغرب، فإن كثيرين في الغرب السياسي وحتى الأدبي يرون القدس التي اقمت روايتك في حضنها، يرونها ذات عيون زرقاء وشعر اشقر، تماماً كما رسموا يسوعاً بعد أن سرقوه. طيبة الشرق لا تكفي لتحميه يا صديقي، فما بالك بسحره.

ربما كان من أجمل ما وضعت هو قراءة المرأة السياسية عبر الأدب من زنوبيا إلى شجرة الدر، إلى امرأة الانتفاضة، هذه التي لا تموت.

إن النقد  لاستظلال المرأة بالرجل (إن اردت ص 9) موقف اساس وعليه يمكن أن يكون التأسيس. فالرجل الحقيقي لا يجعل منها ظلاً له. كما أن الرجل القوي ليس الديكتاتور، وليس الذي يؤنث المرأة. هذا مضمون كتابي الأخير تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء. وهذا يفتح على مسألتين معاً:

·       ليس ما نريده تحرير المرأة بل حرية المرأة، ليس ما نريده حرية الفكر بل التفكير الحر.

·       وليس مانريده المرأة التي تعيش مجرد سنَّادة لسيطرة الرجل،  المرأة التي اسميها “النسذكورية” بل المرأة التي ترفض الاندماج والاحتواء ضمن مملكة الرجل.

من اين اتيت بقولك: فتاة القبعة الحمراء كالشرق؟ هل أنت من عشاق ماو تسي تونغ، هذا العظيم الذي حين رحل طيروا قمراً اصطناعياً يبث جملة واحدة: “الشرق أحمر…لقد غابت الشمس”.

لقد تابعت خيط السباعيات في روايتك على تعددها، فاسمح لي أن اقل لك او اضيف إن شئت، أن الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش أفاض باليوم السابع على المرأة كي تُبقي على هذا الكون حياً، ولكن الرجل وقد سبقها إلى أداة الإنتاج البدائية فخلق الملكية الخاصة وهزمها منذ تلك اللحظة وما زال. كانت تلك هي الهزيمة التاريخية لها وما تزال. هي لم تمت، ولكنها هُزمت ولذا ترى كل عذابات الفقراء اليوم، وكيف نعيش جميعاً في مقلاة راس المال من تلك العائلة في وول ستريت إلى برنامج سلام فياض الضريبي.

في البدايات وقبل أن تنقل حواريتك ذات القبعة الحمراء إلى سيدة الوعي والحب، ذكرتَني حين اشرت إلى استخدام جيفارا والسيجار كمجرد زي،  لم تتوقف هي عند  المعاني والدلالات، ذكَّرْتني بما كتبتْه احلام مستغانمي بحرقة عن احتفاء لبنان بالغلام الخَصِي الذي يغني بوس الواوا، بينما لا يعرف المحتفين به لا أحلام مستغانمي ولا جميلة بوحيرد.  آه كم هو الإعلام والمظهر والاستهلاك والسطحية مَقاتل للأمم. فهل من عجب حينها إذ لم تجد السيدة العذراء مكاناً في المدينة كي تضع حملها.

هل تعلم يا سيدي أن المدينة من صنع الرجال، بينما الريف والزراعة والقرية من صنع النساء؟ بل أدوات الحياة الأولى، لذلك قالوا صُنعت أواني الشرب والطعام على نحو استدارة نهد المرأة.

تقول أنت: ” اضافت: سأوصلك إلى مبتغاك، ساصطبحك اليوم وكلما نرى دورية أو نقطة شرطة ساسبقك وأتوقف امامهم أتفحص شيئاً ما لأصرف عنك اهتمامهم”. ص 15.

كثيرات  مثلها فعلن ذلك، واحدة في رام الله حينما رأت الجنود الذين وصفهم عبد اللطيف عقل: الأطفال يطاردون الجراد” حينما كادوا يمسكون بالشاب حذفت نفسها امام الجندي فسقطا على الأرض وهرب الشاب واعتقلت:

سالتها: ماذا كنت تفكرين حين وضعوك في سيارة الجيب؟

قالت: قلت اليوم يومك يا سمر حتى تثبتي حالك.

دائماً يُضحين من أجلنا، ولا ندري، أما الأوغاد منا فيرون ذلك واجبهنَّ.

في أكثر من موقف كانت ذات القبعة حجاباً افتراضيا لحمايته. هكذا كان حجاب المرأة الجزائرية،  لعل الفارق بين المستعمِر الفرنسي والصهيوني هو ان الأخير عجز عن التقاط الحجاب الافتراضي.

لم تتطرف حين رايت أن من هجر القدس فورا ومسبقا هم الأثرياء والأرستقراطيون والإقطاعيون. ليس عجيباً هذا ، فالوطن عند راس المال هو رقم الحساب في المصارف وليس الدونمات في يافا. لذا،  يرحل راس المال ، ألم يقل الراحل عاشق الجزائر الطاهر وطار: “ما يبقى في الواد غير حجاره”. أي كلام جميل حزين هذا!

لا يسعني الوقت لأحلل قولك: “نحن الوحيدون الذين ثورتهم لا تنتصر”. لكننا العنقاء التي كلما ماتت في اي عصر بُعثت، بل هي لم تمت، هي امرأة روايتك العائدة من الموت. واما انتصارها فهو في تواصل المقاومة.

كم سألت نفسي وأنا اقرأ الرواية لماذا يعيدني هذا الرجل إلى الأدب، بينما مشاغلي أكثر من أن  أنوء بها. والوقت مع المشاغل يزداد ضيقاً مثل وقت الميديا/ الإعلام  (مفيش فيه بركة). سألني صديق ذات يوم: إلفاهم ميت والساذج ميت، فما لزوم اللؤم المطالعاتي هذا؟ كنا في جنوب إفريقيا وكان يريد ان نسهر في البار كل ليلة. قلت له أحب أن أموت فاهماً، لأن في ذلك عند الله درجة حتى هناك توجد طبقات حسب الشغل.

قراءة الكف وجه آخر للاحتلال، فيه الذهاب إلى قاع الحياة الإنسانية. ولكن فيه الكشف عن القدر الذي يصل إليه تناقض الإنسان. حين قراءة الكف يخلع المحتل سلاحه متعرياً أمام قلق البقاء الفردي، لكن المحتل لا يلبث أن يطلق النار لأنه خُلق من اجل ذلك. فأي خطر على الإنسانية هذا؟ كتبت  ليلى علوش ذات مرة، قبل أن يطردها أهل الوطن:

يستفزني الجنود فهو مطايا كل عصر وهم حمير كل عصر.

وحدهُ الأدب الذي يُمكِننا معه الانتقال من استشهاد إيمان حجو إلى الليدي ديانا. في الحالتين اغتيال وفي الحالتين القاتل واحد. هذه من أجمل لقطاتك في الجمع بين الشرق والغرب عدو واحد واستهداف واحد. الم تُقتل ديانا المتمردة على عرش الإمبريالية الأقدم والأبشع  لأنها اقتربت من العرب؟ بلى. كلتيهما طفلتين، إيمان الطفولة المطلقة والليدي الطفولة السياسية التي لم تدرك كم هو أزرق عظمُ الراسمالية العنصرية الإنجليزية. هما ملحمتان، ملحمة اغتيال الطفولة وملحمة اغتيال التمرد على العرش ورياشه. كلما نظرت في ملامح ذاك الأمير الغبي كنت اقول: كيف طلعت الشمس على امبراطورية ولدت هذا…كان لا بد أن تغيب الشمس عنها.

حينما كانت امبراطورية السوفييت تتساقط تحت ضربات خونتها الداخليين، كانت تتقيَّىء مستوطنين، لا مهاجرين، إلى فلسطين. أنت تُذكِّرني هنا بوجعين: طبقي، بخيانة السوفييت حيث دفعوا هذا الجراد إلينا، وقومي  بخيانة أنظمة العرب التي دفعت بقرابة نصف المستوطنين إلى القدس. هل خطر لأحد منا أن يكتب عن مساهمة العرب في بناء هذا الكيان؟ فما بالك بمساهمة قطر والسعودية اليوم في بقائه؟

كنت سوف اسأل أين المخيم، فهو الحضور في خريطة شقائنا واغترابنا. هو الوطن الافتراضي المؤقت، وهو حالة المقاومة ومقاومة الحالة معاً.

قد أخالفك القول في الانتفاضة بالسلاح البسيط، فقاتل الوطن لا ينتظر إطلاق نار كليلة حتى يُقتل. لست مع الانتحار المجاني ، ولكنني أخشى ممن ينظِّرون للمقاومة الشعبية من منظور شجب اي كفاح مسلح حتى لو مسلح بالعقيدة والنظرية. ما اكثر اصحاب الكفاح بلا اي سلاح في هذا الحين.

تابعت شخوص روايتك جميعهم، ورأيت الأستاذ اي المثقف الذي يلجأ للعقل دوما، ويُباعد ما بين نفسه والسلاح، وامتداد موقفه طوال عمر الرواية، لكن ذات القبعة الحمراء التي بدأت عابثة ذاتية انتهت اقرب إلى عمق القضية.

دعني اكرر ما قلته بداية، أنا لست ناقدا ادبياً، بل قارئاً وحسب، لقد شدني تعدد خيوط الرواة وتواصل حضورهم طوال زمن الرواية، تواصل حضور الجميع، دون تشابك في الخيوط. واترك لمحمد فرحات ليحكم إن كان هذا إبداع أم اضطرار للتعدد ناجم عن قِصر النفس الروائي للحالة الواحدة. هذا ليس شغلي.

لو قابلنا صورة إيمان حجو وصورة الطفلة الإسرائيلية التي حالت بابتسامتها دون عملية استشهادية، لراينا كم مليون دمعة من أطفالنا لم تحل دون مليون قتل. إنه الشرق ذي الروح مصلوباعلى سلاح الغرب الذي لاروح له هذا الغرب الراسمالي الزجاجي المعدني. إنها طيبة المستعمَر وعسف المستعمر. إن أدوات الغرب في كل شيء بحاجة لاختبار شديد لئيم كي لا تتحول إلى أدواتنا الوحيدة. إنسانيته المصطنعة ما تزال تغوص في دمنا ولم تثمُل.

بدأت بالشرق أحمر وانتهيت بالحياة الحياة الحياة، جميل أن نحلم بالحياة حتى لو كان ذلك مجرد حلم  على أن لا يكون عمرنا حلماً وحسب. ..لأنهم يا سيدي لا يناموا.

لو سألتني لقلت لك إنه الأدب لا السياسة إن كان لي الخيار، السياسة تموت كما رآها ميشيل فوكو الغربي ما بعد الحداثي، بينما الأدب والشعر  لا يموتان كما خلقهما المتنبي. اليس المتنبي عائدا من الموت ابداً؟


[1] على الطرف الشمالي لمهد السيد المسيح يقع مركز السلام، وفي خاصرته الشرقية الموازية والمحاذية للشارع مخفر صغير فيه شرطة الحكم الذاتي، حينما وصصلت بمحاذاته بعد أن مشيت في المدينة الجميلة لساعة وف توقفت عن 25 آذار 1965 حيث قضيت فيه ليلة ويوم إثر اعتقالي على السلك الفاصل بين شقي قرية بيت صفافا وأنا أحاول الدخول إلى هناك! كان قائد المقاطعة بسام الحْمود وفي اليوم التالي أُخذت إلى مخابرات القدس ند جنحو ومنها إلى المخابرات العامة في عمان.