عبد اللطيف مهنا
واقعة إختطاف ملف الأزمة السورية من الحضن العربي المفترض وتسليمه لمنتظريه من أعداء الأمة، على النحو الذي جرى وتابعناه في مجلس الأمن الدولي، تكشف لنا عن مشهد سوريالي غير مسبوق في متوالية فصول عبثية اللامعقول العربي. مشهد ربما كان يستحيل، حتى على متخيل من هواة متابعة قصص خيال الزمن العربي الرديء، تخيله سابقاً.
نعم، ومنذ البداية، كانت سيناريوهات معالجات الجامعة وتوجُّهات مقارباتها للأزمة لا تخفي النية المبيَّتة لأخذ الملف الى مكانه غير الصحيح بغية تسليمه هناك الى منتظريه من غيلان من ينتحلون عنوةً وزوراً صفة “المجتمع الدولي”. تاريخ الجامعة، الذي هو محصًلةً موضوعية لواقع الأنظمة المنضوية تحت مسماها، حافل بكل ما يدعو الى توقُّع مثل هذا المآل. تسهيل حصار العراق الإبادي ومن ثم غزوه وتدميره وهدم كافة أسس وركائز الدولة فيه. تغطية تدمير ليبيا ووضع اليد على نفطها وقذفها الى غوائل مهاوي التمزيق والإحتراب الأهلي. إدارة الوجه وإغفال الواجب القومي في صون وحدة السودان ومنع تقسيمه. تجاهل إستمرارية خراب يضرب أطنابه لعقدين خليا في الصومال الممزق المعذَّب. اما عن خبر الجامعة وفلسطين، اوما كانت تدعى ذات يوم القضية المركزية للأمة العربية فيها، فيطول الشرح وينكأ المزمن من الجروح، إلى أن نصل الى تهويد القدس وجاري تهويد ما تبقى من نتف فلسطين وراهن الحصار الإبادي المستمر بإسهام عربي مشهود لغزة الصامدة… لكن اللامعقول العربي بلغ مداه وتخلى عن آخر وريقات التوت التي لا تستر عورته أصلاًعلى الخشبة التي تشهد جاري إصطفافات المعركة الكونية حامية الوطيس التي دارت وتدور على مسرح الهيئة الدولية وما يرافقها من محتدم المناورات والتجاذبات والمساومات… المعركة التي تدور رحاها تحت العنوان السوري بين من هو مع ومن هوضد مبدأ التدخل ومحاولته والشروع فيه في شأن داخلي يخص دولة مستقلة عضو في النادي الدولي الذي تدور على مسرحه هذه المعركة.
المفارقة مدعاة الإستغراب ومبعث الإستهجان لدى بسطاء الأمة تكمن في موقع عرب الجامعة في اصطفافات المنخرطين في الجبهتين، واللتين يختصرهما ويعبرعنهما هذان العنوانان المصطرعان : الولايات المتحدة الأميركية، وغربها وإسرائيلها والمؤلفة قلوبها من أمم الأرض الدائرة في فلكها، مع التعزيزات المطلوبة التي يوفرها إلتحاق جامعة دول العرب الهارعة إلى هناك التماساً واستدراجاً لهذا التدخل وتهافتاً في طلبه. والفريق الثاني، أو المقابل، هو روسيا الإتحادية، التي كانت تبدو للمتابع لما يجري هناك وكأنما هي وحدها العربية الوجه واللسان أو كادت في زمن تخلى فيه عرب الجامعة عن ما تستوجبه عروبتهم منهم حيال قطر شقيق بات في حاجة لمن يساعده من اشقائه على تضميد جراحه لاالإمعان في نكئها والتواطؤلإدامة نزفها. يعززالجبهة الروسية المدد الصيني وتعاضد يأتي من قبل ما يعرف بدول البراكس.
الجامعة التي ما جمعت كان هذه المرة منها أن زادت مكرماتها ففرقت، ولم تكتف بما فعلته، بل تطوًّعت لأن تغدو أداةً تدخل أعداء الأمة في شؤونها. وهنا تأتي المفارقة، هي ترفع لواء التدخل في شأن عربي وتتحالف مع المتدخلين، في حين يرفع الروس المنسجمون مع مصالحهم، مقابل هذا، شعار الحل الداخلي ويرفضون التدخل الخارجي بكافة اشكاله! والمضحك المبكي ان محتدم التجاذبات التي جرت في نيويورك كانت تقع بين مشروعين مقدمين، واحدهما تدخلي والآخر رافض للتدخل. الأول مغربي، أو عربي غربي، والثاني روسي. الأول مثل هجمةً غربية عربيةً، الثاني كان حسماً روسياً يعززه موقف صيني، لم تنجح الضغوط والوعود والمساومات والمناورات في فل تصلُّبه حتى أعاد الأزمة مرة أخرى عربيةً من حيث أتت، ذلك، وفقما يرشح، بجنوح المتدخِّلين وطالبي التدخُّل وقد عجزوا عن زحزحة العقدة الروسية لمشروع حلٍ وسط يستجيب لللاءات الروسية… لم يعد ما يجري في سوريا المستهدفة شأناً داخلياً بات إقليمياً وإنما غدا كونياً يأخذ موقعه موضوعياً في لجة صراع يغير خرائط النفوذ وأمكنته حيث تصطدم الإستراتيجيات الكونية المتناقضة… لم يعد الموقف الروس والصيني، اللذين حتى البارحة عرضة لحملة تشكيك مدروسة، يقرءان إلا على هذا النحو.
ما فعلته الجامعة، أو متنفذيها الجدد في حقبة السيولة الخطرة الحبلى بالإحتمالات التي تعيشها الأمة المنتفضة بتحولاتها المائرة، والتي غدت عرضة للراكبين لأمواجها اللجبة والمتآمرين عليها لحرفها أو اجهاضها، لا ينم عن حرص يُزعم على الدم السوري ولا يشي بأدنى غيرة على المصلحة القومية للأمة، بل كان تساوقاً وتواطؤاً لضرب ما تمثِّله ومثِّلته سورية تاريخياً، وبغض النظر عمن يحكمها، من دور قومي ممانع مواجه لمخططات أعداء الأمة، وما تعنيه الشام من دافىء الحضن الدائم لمقاومات الأمة المستمرة لمختلف الغزاة والمحتلين والمتربصين… ما كان منها في مجلس الأمن، الى جانب كونه خطوة تتخلى فيها عن واجبها المفترض، وهو رعاية وتشجيع الحل الداخلي السوري السوري، هو بمنزلة التواطؤ المشين مع قوى التحريض الخارجي على إدامة النزف السوري وتغذية الصراع الأهلي في مثل هذا القطر العربي المستهدف تاريخياً.
أما العروبة الروسية في زمن تخلى فيه اليعاربة عن لزوميات عروبتهم، فليست ظرفية ولا علاقة لها بسواد عيون العرب، وإنما لمصالح إستراتيجية لدولة عظمى أفاقت من غيبوبة ألمت بها بعد إنهيار إتحادها السوفيتي وبدأت في إستعادة سالف حجمها ودورها الكوني الذي فقدته. لم تزد على الدفاع عن مصالحها والإنسجام مع حساباتها في المنطقة، وشأنها شأن الصين والقوى الدولية الصاعده، على إختلاف الأساليب، لا يوجد ما يمنعها من ملاحقة النفوذ الأميركي المنحسر في العالم… تعلَّم روس بوتن من درس روس مدفيدف الليبي المر، اعتبروا من وقوعهم في ذاك الشرك الأطلسى المهين… ترى هل سيعتبر عرب الجامعة من حصاد دروس تغريبتهم النيويوركية البائس ؟! لامن ما يوحي بمثل هذا… اما الأمة فليست في حاجة لمن يسألها رأيها في كل ما يجري. اجابت عنها غزة هاشم الصامدة حين لاقت أمين عام الأمم الأميركية المتآمرة بان كي مون بأحذيتها!