مجلس الأمن

تآخي اللصوص وتراخي التوابع

حرب باردة/ساخنة

عادل سمارة

من كان غافٍ فليصحو الآن. وإذا كان ما يُدار ضد الأمة العربية وضد سوريا خاصة هو مناوشات، فستبدأ الان الحرب الحقيقية. وستكون إحدى تمظهراتها تحالف عربي رسمي إسرائيلي غربي بهجوم على سوريا (كانت مسودته عام 2006 ضد حزب الله) مما يعيد للوعي أن تصفية سوريا ضرورية لتصفية فلسطين.

لقد فتح موقف روسيا والصين أمس في مجلس الأمن باب مرحلة عالمية جديدة، ينكرها العملاء ولا يراها الأغبياء. فإذا كان العدوان على العراق بعد تحرير الكويت 1991 قد نقل العالم من الحرب الباردة إلى الساخنة كما كتبنا في كنعان حينها، فإن معركة سوريا قد تنقل العالم إلى حرب مزدوجة: تواصل الساخنة وبدء الباردة بزخم أكبر.

إن الثور الذي يحمل العالم على قرنه ينقل الكرة الأرضية إلى القرن الآخر، (البريكس). لقد اتضح أمس في مجلس الأمن أن روسيا والصين ومجموعة البريكس، وهي جميعاً دول وطنية تستشعر مصالحها وتحترم شعوبها وليس لها تاريخ استعماري وتقيم علاقاتها الإقليمية والدولية على اسس المنافسة الدولية والمنفعة المتبادلة (رغم أنها لا تخلو من الرجحان للقوي مقابل الضعيف تجارياً-وبالطبع، لماذا تبقى ضعيفاً يا سيدي!).

والمهم أن هذه الدول تستشعر تغوُّل الدول الغربية من الوحش الولايات المتحدة وأخواتها حتى البُغاث السويد والنرويج والدنمارك، وتآخي هؤلاء اللصوص (حسب ماركس)، لا سيما وجميعها تتخبط في أزمة مالية اقتصادية وبالطبع أخلاقية، هذه الحالة المريضة سوف تعتدي أكثر، ولن يكون الهجوم على سوريا بقصد سوريا وحدها بل يبدا من سوريا، لشطب فلسطين وتهديد موسكو وبكين.

وفي اذيال تآخي اللصوص يقف تراخي التوابع العرب الذين منذ أن بدأ تراخي قبضة لصوص العالم في التراخي النسبي نتيجة الأزمة الاقتصادية المالية، تطوع هؤلاء ليُقدموا كل مل لديهم لإسعاف اقتصادات السادة المتوحشين سواء بالتبرع بالصناديق السيادية أو شراء اسلحة لا يقصدون استخدامها وصولاً إلى تكريس الهيمنة الثالثة اي التحول إلى رأس حربة للهجوم على الأقطار العربية التي يطمع اللصوص في نهبها (ليبيا) والممانعة سوريا، وعليه قدمت دول النفط المال والسلاح والمرتزقة (العرب من جماعات الدين الإسلامي السياسي) ضد النظام الليبي والنظام السوري بينما قام اللصوص الكبار بتدمير ليبيا من الجو ويجهزون ذلك ضد سوريا.

إن تحالف الدين السياسي مع الإمبريالية طبيعي جداً، فالأرضية الراسمالية المتوحشة تجمعهما وراس المال يحتاج إلى السلطة ليجمع القوة والسلطة معاً. وإذا كانت الصورة مصابة ببعض الغباش في حالة سوريا فقد أوضحها رئيس تونس الذي اصطف ضد سوريا باسم الدين السياسي (الثوري) وذلك بعد أن عقد الغنوشي الصفقة التحالفية في واشنطن. فالمصالح والعقائد هي التي تفرز طبيعة الاصطفاف.

وهذا الاصطفاف بالمناسبة يكمن وراء المصالحة بين عباس ومشعل (وهذا يؤبد سيطرة فياض!!!) حيث يجمعهما حمد وحمد ليقل لهما لقد قمنا بدعمكم لمثل هذا اليوم، فعليكما الانضمام إلى فريق الهيمنة الثالثة العربي الذي وقف نفسه لخدمة تآخي اللصوص. الا يتضح هذا من بيع سلطة اوسلو لدورها في رئاسة الجامعة العربية لقطر كي تنتظر دوراً آخر بعد 22 سنة، وربما 66 سنة إذا ما نجحت إعادة تجزئة الوطن العربي؟ وما معنى بدء هروب مشعل من دمشق إلى عمان (مع الاعتذار للأصدقاء من حماس الذين أحبهم ولكن أُشفق عليهم لأنهم يرفضون الرؤية أو يُمنعون منها ) دون حفاوة من الأردن؟ وما معنى سعي اسماعيل هنية من اسطنبول إلى قصر تونس الرئاسي إلى قطر؟ هل سيجرؤ هناك تكرار ما قاله: (إن عدونا هو العلمانية واميركا…اميركا يا أبو العبد!!! وهل قطر هي عربية؟)

لقد وضع الفيتو الروسي ـــ الصيني كل الأطراف في مواضعها الطبيعية هذه المرة:

· ليس أمام الغرب سوى العودة لجوهر الرأسمالية، اي الحرب كصناعة راسمالية

· سيكون الكيان الصهيوني مقدمة هذه الحرب سواء بدأت ضد سوريا أو إيران

· ستقوم معظم الأنظمة العربية وخاصة الخليجية بالمشاركة بكل ما أوتيت في هذه الحروب لأن مصيرها قد انتهى فانتصار سوريا كارثة عليها ومشاركتها ضد سوريا وإيران والمقاومة كارثة بفضيحة.

· وفي اذيال الجميع ستكون المعارضة السورية سواء المسلحة في الداخل أو التي في الخارج، وحينها لن يتبقى من غليون سوى دخانه.

لقد أوضح الطلب الروسي قبيل التصويت في مجلس الأمن تحدً أرغم اللصوص (التآخي والتراخي) على دفع مشروعهم إلى التصويت الفاشل حيث طلبت روسيا تطبيق الديمقراطية المطلوبة من سوريا على جميع الأنظمة العربية. كان لا شك شرطاً مهيناً.

لكن الشرط التاريخي المهين أن يكون هناك 22 دولة عربية لا دولة واحدة وأن تكون معظمها بين أنظمة عميلة أو أنظمة مرتعبة أو مرشية من عشائر بدوية نفطية تتخذ شكل دول في القرن الواحد والعشرين. وأن يحج إلى قطر قادة الدولتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة!

وعلى المستوى الثقافي فالإهانة للقلم والورق والشاشات أن يكون هناك لهذه الدول مأجوري الاستكتاب، ينهشون القومية العربية وخاصة في الأرض المحتلة بينما قياداتهم ودافعو رواتبهم يخططون في هرتسليا ومع برنارد هنري ليفي (المسلم العريق) لتصفية القضية، ويرفد هؤلاء جميعاً مثقفو اللغة والخطاب. كم هم مساكين مأجورو الأقلام، لأن جيوبهم لن تمتلىء.

بقي أن نقول، إن الصراع بين الثورة والثورة المضادة في الوطن العربي يضطرم ولن يتوقف، ومن هنا، ليس وجه الوطن لا الأنظمة ولا الجامعة العربية ولا مثقفي كل كلمة ببرميل نفط، بل الطبقات الشعبية التي نزلت جزئياً بعد إلى الشارع.

ملاحظتان للعقل النظيف: مشادة كلامية وقعت بين وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم والمندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين قبيل التصويت على مشروع قرار قدمته المغرب حول الأزمة السورية، حيث وجه حمد الحديث للمندوب الروسي قائلا: أنا أرفض تقديم أي تنازلات أخرى وعليكم تحمل مسؤولياتكم تجاه الشعب السوري وإن كان هناك فيتو روسي فإنه لن تجدوا لكم أصدقاء عرب، وهنا قاطعه المندوب الروسي بأنه لن يكون هناك ما يدعى قطر ان تحدثت مرة أخرى بتلك النبرة، أنت ضيف على مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد لحجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث باسم روسيا العظمى مع الكبار فقط.

وفي فنزويلا وقفت في البرلمان سيدة من اليمين التابع للولايات المتحدة هناك وشتمت تشافيز واتهمته باللصوصية، وخلال حديثه رد عليها بهدوء: النسور لا تصطاد الذباب.