في رثاء المناضل بهجت ابو غربية

يوسف شرقاوي

كان يعلم كباقي رفاق دربه، جورج حبش، أنيس صايغ، شفيق الحوت، أن موازين (السلام) المسموم لن تمكنه من أن ينعم برحيل هاديء ليخلع قلبه هناك تحت زيتونة في القدس قصته وغصته، بعد أن يستر جسده بأغصان برتقال يافا.ودوالي الخليل.

شيخ الثوار كما سماه رفيق دربه الأب ابراهيم عيّاد خاض أشد المعارك في القدس وفلسطين، وعاش أشد الليالي حلكة، أيام جهاده المقدس ضد الانتداب وصنيعته الاحتلال الإسرائيلي، ولم تأخذه عزّة إثم البنادق غير المسيّسة،  والطلقات الطائشة، بالإثم، لأن من أخذته العزّة بالإثم انتهى الى حيث انتهى قبض على الريح وخسر الوطن، أي كمن خسر الدنيا والآخرة.

ثقافة الراحل وقامته الوطنية انعكس سلوكا ثوريا قلَّ نظيره، اهله ان يحدد عدد السنابل فوق ضريحه، رغم التراجيديا السوداء ما آلت اليه القضية الوطنية، فكان حبه القاسي لفلسطين ينير له الطريق حتى انه حاز على احترام الذين اعتبروه عقبة ايدولوجية في طريقهم، فبواكير الراحل حددت خواتيمه، لأنه كان يفرق بين خرائط الوهم ومفاهيم الثوابت، وليس كمن استند الى ثقافة هشة، كشفت ركاكة وعيه وتجربته.

رغم الشتات والمعاناة كان قابضا على جمر قدسية القضية، يقرأ روايته ووصاياه الرؤيوية بلغة الواثق، وبذاكرة مشعّة، دون ان يخضع لسطوة موازين القوى وشهوة حب الذات، وكان كلما اغرورقت عيناه بالدموع يبتسم ليدخل السكينة الى قلوبنا، رغم ان قلبه كان يصارع شوك المرض.

كم كان يحلم برحيل وهو يمتطي صهوة جبال القدس، عشقه السرمدي، لكن تلك هي سنّة الحياة، لا تدري النفس ماذا تكسب غدا ولا بأيّ ارضٍ تموت.

كان ينام في كف الحلم، ويلتحف بالأمل، في حله وترحله، كما كان كذلك في رحيله، وكان لا يلقي بالحلم في غياهب الغيب والغيبوبة كي يصل الى شواطيء الوطن.

انتظرنا يا شيخ الثوّار على سفوح القسطل، واقبض على جسدك الجمر كما عهدناك، واصعد معنا الى الكرمل لتطل منه على القدس، واشهد على عودة المشردين لبَّ القضيّة، فأنت القادر على التحكّم بالمسار، والمسيرة، والسيرة، والقادر على ضبط نبضات السير نحو الهدف.

كنت وإن اشتد الخطب، واحلولكت الليالي، تغزل من صبر الألم، وعيا فذّا في مقارعة الأسباب والمسببين

تغادرنا يا شيخ الثوار لكنك لم ولن تغادر وعينا، لِأن ما يجمعنا معك وبِك، الوطن،  ووجع الغياب.

إنها إرادة الحياة ان تجعل من النهايات بداية.

ولِأنك عرّيت ضحالة وعي من لم يسبر غور عدوه، وغرق في تفاصيل (الوطن) المستعار، ولِأنك كنت تقرأ بعيون الماضي، والحاضر، لِإستشراف المستقبل، ولِأنك كنت تقاوم جرعات الخذلان.. سينصفك التاريخ.