الضريبة المالية “وليد” الضريبة السياسية

تحليل ومقترحات

(الحلقة الأولى)

عادل سمارة ـــــ رام الله المحتلة

هل الذي أسس ألعجز في ميزانية الحكم الذاتي هو المؤهل لمعالجته؟ هذا ممكن فقط إذا اعتمدنا نظرية المؤامرة بمعنى أن د. فياض صمم هذا الخلل الاقتصادي لاستثماره كوسيلة ضغط وإرباك في تمرير سياسيات سياسية معينة هو امتدادأ لها ولكن جيءبه ليرفعها إلى أعلى منزلة عشرية بما هو عالي التأهيل في سياسات الصندوق والبنك الدوليين التي تتخصص في إرهاق الشعوب كي تركع سياسيا بالمزيد. والحكم في هذا الأمر راجع لقراءة الواقع كلٌ بمنظوره ومعطياته.

لكننا نرى أن توقيت تفجير قنبلة الضرائب أتى متوازياً مع لفيف من التعقيدات التي لكل واحدة منها دورها في استقطاب اهتمام قطاع اجتماعي طبقي مما يقلل من تآلف القطاعات الاجتماعية حول مسألة محددة قد تكون الأكثر أهمية والأحق بالاستقطاب وبالتالي النضال من أجلها. هذه القضايا هي :

· تورط منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة الحكم الذاتي في المخطط الراسمالي الغربي بدءاً باحتلال ليبيا والتمهيد لاحتلال سوريا وذلك بالتخلي عن دورها في رئاسة مجلس وزراء الجامعة العربية كي تسمح لقطر (والسعودية والإمارات بالطبع، وربما دول عربية لم نراها بعد) بالتآمر والهجوم على بلد عربي بغض النظر عن طبيعته التي هي افضل من طبيعة هؤلاء برأي كل من يحترم عقله ونفسه. أي اصطفاف المنظمة وسلطة الحكم الذاتي في المعسكر المعادي للقومية العربية.

·بدء مفاوضت مع الكيان في الأردن في شكل مناورة تُغري حماس بالركض للحاق الركب كي لا تنفرد سلطة رام الله ومنظمة التحرير باتفاق ما مع الكيان، علماً بأن هذا الكيان يأخذ فقط، وهو يزعم الغضب من تصالح حماس وفتح وهي مصالحة نتيجتها للاحتلال كمصير خراج غيمة هارون الرشيد.

·الانعطاف السريع من حركتي فتح وحماس إلى المصالحة دون مقدمات تشي بأصالة ذلك ووضع بصمة قطر على هذه المصالحة في مساهمة لتضخيم دور نظام قطر بمعزل عن جوهر هذا النظام وارتباطاته ومعرفة اين ينام في نهاية النهار.

· وصول التطورات العربية إلى تولي الدين السياسي السلطة في أكثر من بلد عربي وقيام هذا الاتجاه الذي وصل الحكم او لم يصل بالتقرب من الولايات المتحدة كبديل للأنظمة المخلوعة وضمن هذا التقرب التلميح وأحياناً التصريح بأن الاعتراف بالكيان الصهيوني صار حقيقة واقعة. ولعل ما قاله وزير خارجية قطر مؤخراً بأن الاعتراف بإسرائيل آت قريباً.

· صدور تصريحات ومواقف واتصالات عن قيادات من حركة حماس منسجمة مع مغادرة المقاومة والاعتراف بالكيان.

· وأخيراً تركيز الانقسام الفعلي بين غزة والضفة، دون إعلان ذلك، على اساس مملكتين تقيمان حكومة فدرالية مما يُبقي لفتح وحماس كلٍ مملكته. وفي هذا الحين لن تُضار الولايات المتحدة من بقاء حماس  طالما انخرطت يف التسوية ومشروع الدولة…الخ.

تلعب هذه التطورات  دوراً اساسياً في سحب فتيل الرفض الشعبي للسياسات الاقتصادية عموماً والضريبية على وجه الخصوص بهدف شل الحراك السياسي للشعب الفلسطيني. وبالطبع يترافق هذا مع الحفاظ على بل وزيادة المخصصات التمويلية لسلطتي فتح وحماس من مصادرهما:

· فتح عبر السلطة من مصادر التمويل الأجنبي (والعربي)

· وحماس التي سوف تُموَّل من قطر والسعودية بدل إيران

· ولا ننسى تواصل تمويل مثقفي التسوية والأنجزة سواء من الغرب الراسمالي أو من قطر والسعودية[1].

هذا بالمنحى العام للتمويل مع احتمال تغير طفيف هنا أو هناك.

ليس هذا مجال قراءة إن كان ممكناً تسمية ما يدور في السوق هنا اقتصاداً أم لا. ولكن رغم ذلك هناك أموالا وسوقا ومواقع عمل وسلطات إدارية بوسعها التحكم في الحياة اليومية للناس  حتى الإرهاق، بل بإرهاق لا يختلف عن فترة الاحتلال فيما يخص ركض المواطن من مكتب لمكتب ومن إدارة لإدارة، وأدوار المحاسبين في عقد صفقات بين الضريبة والمواطنين وتعقيدات الحصول مثلاً على رخصة تاجر…الخ. وكل هذه تصب في خان الإخضاع النفسي للمواطن كي لا يرى من حوله شيئاً. وهي سياسة بيروقراطية اسس لها الصندوق والبنك الدوليين لتمرير ما يسمى سياسات التقشف.

لكن هذه الضغوط المهلكة للمواطن لا تنسجم مع تبريرات السلطة وخاصة رئيس وزرائها الذين حين لا يجدون تبريراً لقضية معينة يقولون هذه المشكلة سببها الاحتلال على اعتبار أن الاحتلال هو قدر رباني! أي بمعنى أنه طالما لا سيادة للسلطة ولا حدود ولا عملة[2] فلماذا  لا يطبق في البلد سوى القرارات  “والقوانين “المهلكة للمواطن؟

هناك مستويان لمواجهة هذا الوضع المتردي إلى درجة الخطورة وهما:

· اختيار الحياة مقاومة لا مفاوضات باعتبار هذا دفاعاً عن الوجود

· والعمل على إعادة بناء البلد بالنضالات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية كدفاع عن الحياة.

وهذا يتطلب العمل المقاوم بمختلف الأشكال من جهة، ويتطلب مواجهة هجمات الفساد والضريبة والمحسوبية والإثراء غير المشروع لأنها مخاطر تهدد لقمة عيش الناس وبقائهم في الوطن. وقد لا نبالغ بالقول إن بقاء الكثيرين في الوطن هو بحكم انغلاق فرص الرحيل فكيف يمكننا تحويل بقائهم إلى  عوامل الانتماء.

مقترحات ابعد من ضريبية

إننا نواجه في الأرض المحتلة 1967 تحدٍ من طبقة تقوم بدور الدولة خدمة لمصالحها وتدفع مقابل ذلك ثمناً على حساب الوطن والشعب عموماً.

لا يسعنا حصر موقفنا في المسألة النظرية والسياسية المجردة، وهذا ما يوجب تقديم قتراحات لا يحتملها الموقف النظري والمبدئي وإنما تمليها براجماتية الحياة ومتلطبات حياة الناس وصولا إلى تحقيق المواقف  المبدئية وبالطبع دون طعنها. فهناك قضايا يومية لا بد من التعاطي معها.

لقد انتهت لعبة السياسات المالية لسلطة أوسلو المتمثلة في تمويل السلطة للميزانية ب: المساعدات الأجنبية، ومقتطعات المقاصة وتشجيع الاستيراد كي تزداد عائدات هذه المقتطعات ، وصلت مأزقها الحالي، أو هي جرى تصميمها لتصل إلى هذا المأزق.

ولا يمكننا تجاهل أن كل من شارك في مشروع التسوية أو حكومات أوسلو المتعاقبة أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هم شركاء ساهموا في إيصال شعبنا إلى هذا المأزق ونقصد المأزق بشعبتيه السياسة والاقتصادية الحياتية اليومية. وحين يتشاورون ويستدعون الخبراء والباحثين…الخ، الآن او يتخاصمون فيما ما يجب عمله، إنما يحاولون ترقيع خطاياهم الناتجة عن تقاسماتهم بغض النظر عن حصة الأسد وحصص القطط.

وعليه، فإن من رفض المشاركة، ابتعد أو أُبعد، عن مشروع التسوية في أوسلو وتمفصلاته وتجسيداته، عليه أن لا يشارك في الترقيع اليوم، لأنه ببساطة يمسح ماضيه. فمن الخلل والإصرار على الخلل أن يتشاور أحد مع حكومة تشكلت لتسيير الأعمال، وبقيت أطول من حكومات الدول الحقيقية والدول المستقرة حكومة اتضح فساد عدة وزراء فيها ولا مسائلة حقيقية لها[3]. فالمسؤول عن هذا التردي ليس مجرد مجموعة من الأفراد بل بنية ممتدة في المجتمع عاموديا وأفقيا تخرق مجمل الشرائح الطبقية الاجتماعية بدءاً من الوزير وصولاً إلى عضو تنظيم سياسي حصل على وظيفته البسيطة نظراً أو مكافأة أو مراعاة لكونه عضو في تنظيم معين. تبدأ من الأمين العام لفصيل في م.ت.ف وصولاً إلى موظف صغير من نفس التنظيم جرى توظيفه بناء على الكوتا.

من الخلل ان يشارك أحد من العمال واليسار الحقيقي واليمين الوطني في مشاورات للخروج من أزمة صنعها الكمبرادور بمكوناته السياسية والاقتصادية هذه المشاركة هي تعمية للطبقات الشعبية وتمرير لأجندة الصندوق والبنك الدوليين التي هي من صنع الولايات المتحدة في التحليل الأخير.  ولعله من الطرافة بمكان أن مدخل رئيس الوزراء لحل الأزمة، أو المساهمة في حلها هو في الإبقاء على تمويل العجز في الميزانية وعجز الميزان التجاري مع الكيان باغلاق الفجوة بإيرادات المقاصة التي تزايدت على حساب مساهمة قطاعي الإنتاج الرئيسيين –الزراعة الصناعة-  والتمويل الأجنبي مضيفاً لهما سياسة تقشفية جوهرها زيادة الضرائب على المداخيل دون تمييز بين المداخيل عموماً وبين الأرباح، اي بين المعتمدين على الأجور وبين راس المال الذي يجب أن توضع عليه ضرائب مختلفة. وكل ذلك في حالة من تزايد معدلات الفقر وارتفاع الأسعار دون ان توازيها زيادة ولو نسبية في الأجور.

أما الحديث عن وقف العمل بقانون الضريبة الجديد، علماً بأن حكومة تسيير العمال ليست مخولة بوضع قوانين، فهو أمر لا يمكن الاطمئنان له بأن يكون مجرد فخ أو خطوة إلى الوراء لنقضاض بخطوتين إلى الأمام. هذا إلى جانب الإجحاف إذا تم تطبيق هذا القانون لأن الجباية ستكون في النهاية من المستهلك حيث سيرفع التاجر أسعاره على الأقل بما يوازي ارتفاع الضرائب عليه.


[1] أعتقد وأنصح مخلصاً من اصبحوا على قوائم التمويل القطري والسعودي أن يتنبهوا جيداً والغربي بالطبع. فقد نشرت مؤخراً وثيقة في روسيا باسماء من تمولوا من الولايات المتحدة كمنظمات أنجزة ضد الأمة الروسية والنظام بالطبع. وهذا  يعني ربما وصول معلومات عن التمويل للكثيرين هنا في أرض “الرباط”!! ولروسيا خبرة في فضح المؤامرات. اليس لينين رحمه الله هو الذي كشف اتفاق سايكس-بيكو! قد يكون أشرف لمن به حرارة وطنية من هؤلاء أن يدلي بشهادته ويعتذر ويتوقف هذا كما اقترحنا على الذين عملوا في المجالس الثقافية لبريطانيا وفرنسا والمانيا والنرويج وغيرها أن يدلوا بشهاداتهم لوجه الله.

[2] مثلاً، حين يحاول مواطن فتح حساب باليورو أو الدولار عليه تبيان من اين الفلوس  وتقديم بيانات شخصية عنه كما او كان عضو مافيا، بل حتى مجرد طلب دفتر شيكات يُوقف ذلك إلى أن يقدم المواطن بيانات شخصية تفصليلة يجهل هو بعضها!

[3] هل يعلم اللبراليون الفلسطينون القدامى سلطة اوسلو واللبراليون الجدد (جماعة الدين السياسي) أن وزيراً  في بريطانيا التي هي قدوتهم قد استقال لأنه تجاوز على قانون مخالفات السير!