ما بعد الفيتو

د. حياة الحويك عطية

لا يعكس الفيتو الروسي الصيني حاجة سورية لروسيا والصين الا بقدر ما يعكس حاجة هاتين القوتين الى سورية. فالمسالة باتت ابعد من تغيير النظام في سورية بل انها المفصل التاريخي الذي سيحدد مصير تغيير النظام الدولي ومن ضمنه الاقليمي. لذلك لم نعد نسمع اية كلمة عن الاصلاحات المطلوبة، لا من جانب المعارضة ولا من جانب الدول الغربية والعربية السائرة في ركبها، بل ان المطلوب اصبح اعاقة الاصلاحات كي لا تسقط الحجة. خلع الجميع القناع وعبروا بوضوح عن معركة حامية بين امبراطورية تعيش قلق التراجع وتقاتل للدفاع عن عرشها، وامبراطورية اخرى حطم عرشها وتعمل الان على استرجاعه بعد ان نجحت في النهوض من الكبوة، وبينهما امبراطوريات قديمة تحلم باستعادة نفوذ ما وموقع ما في الخريطة الجديدة، يساعد – من جملة ما يساعد – في حل ازمة اقتصادية قد تودي بها الى صفوف عالم ثالث جديد، اضافة الى امبراطورية اخرى جديدة تسللت على جناح الاقتصاد الى حلبة القوى الاولى (ان لم تكن قد اصبحت القوة الاولى) مستغلة البعد عن اثارة الغبار السياسي، لتمرير هيمنتها الاقتصادية تحت ستار الصمت.
من هنا يأتي مصير الوضع السوري حاسما لكل هؤلاء:
روسيا تعرف ان اي هيمنة غربية على سورية، ستمنع عليها نهائيا الوصول الى المياه الدافئة، وهذا ما شكل جوهر حروبها التاريخية، وستقضي على اخر قاعدة لها على المتوسط، كما سيجعلها تخسر حرب الغاز التي تعتبر النقطة الاساسية في قوتها الحالية، والاهم، انها لن تجعلها تسلم من محاولات البلبلة الامنية والاضطرابات الدينية والعرقية، خاصة اذا ما اصبحت ايران الهدف الثاني بعد سورية. وفي حدث ذي دلالة نقلت الانباء اول امس ان جمهورية اذربيجان تعزز اتصالاتها مع الاذريين الايرانيين والروس، لتوظيف هذه العلاقة الاتنية حين تدعو الحاجة. اذا فموسكو لا تقف بين خياري العودة الى الساحة الدولية كلاعب مواز للولايات المتحدة او لا وانما بين هذه العودة او الفوضى وربما التفكك.
من جهة ثانية لا شك في ان الانتلجنسيا الصينية قرات بريجنسكي ونظرياته حول استراتيجية محاصرتها بهلال اسلامي، وسمعت باراك اوباما وهو يتحدث عن نقل الاولوية الامريكية الى المحيط الهندي والى الدول الاسيوية المحيطة بالصين، كما تعرف مجريات تسوية الوضع في افغانستان، وطبيعة العلاقات مع الدول الاسيوية الاخرى، ولا بد ان ذاكرتها لم تنس محاولات اثارة الفتن الداخلية في المقاطعات الصينية. ناهيك عن الدالاي لاما.
اما الولايات المتحدة فتريد تنفيذا واقعيا استراتيجيتها الجديدة، التي طبقتها في ليبيا قبل ان يعلن عنها صراحة باراك اوباما: اضطلاع الحلفاء الاوروبيين بالدور العسكري عند الحاجة للتدخل العسكري في منطقة ما، لان الميزانية العسكرية الامريكية لم تعد جاهزة لتحمل النفقات عن الجميع، والمعركة الرئاسية الامريكية لم تعد تحتمل زج الجيش الامريكي في حرب جديدة بعد العراق وافغانستان، فيما سيبدو وكانه محو لكل الاثار الايجابية التي نجمت عن تنفيذ الرئيس لوعده بالانسحاب من كليهما.
من هنا سارع ساركوزي الى اعلان قيام تجمع من الدول الصديقة ” للشعب السوري ” اي الداعمة للمعارضة، والتي قد تصل يوما الى تدخل عسكري بطلب من هذه المعارضة، خارج اطار مجلس الامن بعد اليأس من منع الفيتو المزدوج داخله. تدخل بدات فرنسا بممارسته على الطريقة الناعمة، اي الاستخباراتية وارسال وحدات خاصة للتدريب والتخطيط والتسليح الى شمالي لبنان، والتواصل الحميم مع المسلحين في الداخل الذي تعكسه وبوضوح تقارير المراسلين الصحفيين الفرنسيين الذين دخلوا البلاد بعد فتح الباب امام الصحافة الاجنبية. ولكنه – اي التدخل – قد يتجاوز هذه الطريقة، او بالاحرى يجعلها تمهيدا للتدخل العسكري الفعلي عبر الجو او البحر، وحاملات الطائرات الفرنسية ما زالت في المتوسط منذ حرب ليبيا.
بالمقابل سارع لافروف الى اعلان زيارته الى دمشق وذلك بهدفين : الاول معلن ويتمثل في تسريع الاصلاحات لان تمتين الجبهة الداخلية هو الحاجة الاكثر الحاحا الان. وربما بهدف غير معلن هو التصدي للمخطط الفرنسي – الامريكي المقبل.

:::::

المصدر” العرب اليوم”، 2012-02-06

الرابط:

http://www.alarabalyawm.net/pages.php?articles_id=18899