عبداللطيف مهنا
من أولها… يكفي حكماً على آخر المصالحات الفلسطينية الفلسطينية، في متوالية جاري ما عقد منها حتى الآن بين كلٍ من حركتي فتح رام اللة وحماس منذ أن تمت القطيعة بينهما، ما وصفها به واصف من الفريق الأول، حين قال بأنها عنده تعد “إستجابة” لإشتراطات” الرباعية الدولية! كما ويكفي أيضاً لأن يجعلنا لا نتوقع لمصالحة الدوحة حظاً أوفر من التنفيذ قد يزيد عن ماحظيت به سابقاتها، القاهريات، والمكية، والصنعانية، اللواتي كن قد ظفرن باحتفاليات، أوأُحطن بضجيج أوحى بعراض من الآمال ما فاق ما كان لها، أن غزة سرعان ما أبدت عدم الرضا عنها!
بيد أن القول الفصل الذي ظل له اليد الطولى في البت في مصير مثل هذه المصالحات عادةً، او ما درجت رام لله دائماً على أخذه في حسبانها، جاء دون توان من نتنياهو، عندما قال إن “على عباس أن يختار بين السلام والتحالف مع حماس”!
إنه لا من مسوِّغ يدفعنا للظن بأن نتنياهو قد أخطأ فتوهم بأن هناك فعلاً احتمال لتحالف ممكن بين “عباس وحماس” قد ينسج على أثر مثل هذه المصالحة، التي هو أكثر من يعرف حدودها، أو الأقدر على وضع حد لها. إذ أنه بعد مصالحة القاهرة الكرنفالية المدوِّية الأخيرة، أو التي بنيت مصالحة الدوحة هذه على بقاياها، لم يزد نتنياهو حينهاعلى قطع أموال “السلطة” التي يتحكم في قطارتها عنها، واطلاق ما يلزم من التحذيرات متوعداً رام الله بعواقب جنوحها التصالحي، وأن يراقب من ثم بدء ذبول أوهام تلك المصالحة، حتى قبل عودة قوافل وفودها بعد إنفضاضها الى من حيث أتت. لذا ما كان منه هذه المرة هو عدم التواني في بعث رسالته التي حملتها عبارته التحذيرية التي أشرنا اليها راسماً حدوده لمثل هذه المصالحة التي لا يشك في أن رام الله المحتلة سوف تأخذها، كما جرت العادة، في حساباتها…
نتنياهو يعلم ما لا يجهله سواه، وبرهنت عليه حصيلة هذا المسلسل من المصالحات الموسمية غير الجادة، بل والمستحيلة موضوعياً، بالنسبة لكلٍ من طرفيها، والتي هى كم توالت ولم تمكث أصداؤها أكثر من مكوث بروقها الخلبية. وهو يدرك، مثلاً، أن تحرك سلطة رام الله المحتلة التصالحي يتحكم فيه دائماً هاجس محاولة ترميم شحيح اوراقها التفاوضية المهلهلة، أوفي سياق محاولاتها تحسين شروط معاودة إنخراطها مجدداً في مهاوي ” المفاوضات حياة “، أو هذا المسار الذي إعتمدته خيارها “أولاً، وثانياً، وثالثاً”، ودرجت على التأكيد على كونه خيارها المصيري الذي تؤكد وتؤكد أن ماثم لديها سواه!
كان الكلام في رام الله، الذي يرى فيما جرى في الدوحة إستجابةً لإشتراطات الرباعية المعروفة، ماهو إلا دفعة من محاولة تطمينية توجه لنتنياهو أو إجابة سريعة على تحذيره. وإذا قلنا الرباعية، فكلنا نعلم ماهي إشتراطاتها المعلنة والتي هى لاتجافي جوهرإشتراطات نتنياهو التصفوية المعروفة. وإلا ماذا تعني توضيحات رام الله تلك ؟!
من الآن بدأ الحديث عن وجوب تأجيل الإنتخابات، التي هي واحدة من البنود التي توافق المتصالحون عليها في القاهرة. ومن الآن ضج المتبرمون وعلت اصواتهم في كلٍ من رام الله وغزة تحفظاًعلى حكومة “تكنوقراط” برئاسة رئيس السلطة… في رام الله كان هذا اشفاقاً مزعوماً على رئيسها لتحميله اثقال مسائل إدارية الى جانب السياسية وكل ماله علاقة بالتفاوض، واللذين هما من إختصاص المنظمة حصراً لا السلطة، أوهاتين اللتين هو من يرأسهما معاً. وفي غزة يعد تشريعوها ذلك التفرُّد بالأمرين معاً خرقاً “دستورياً” يخالف القانون الأساسي للسلطة الأسلوية، تلك التي من المفترض أنهم أصلاً ضد المعاهدة التي أوجدتها مع قانونها… الأمر الذي يذكرنا بالخطوات التنصلية التي تواترت من قبل كلا الطرفين غداة الفروغ من الهمروجة التصالحية الأخيرة في القاهرة، بل وما كانت منهما بعيد كل واحدة من مثيلاتها اللواتي سبقنها!
والسؤال هو، ماهو فعلاً موقف نتنياهو من تصالحية الدوحة هذه، وماهو موقف الرباعية الدولية، التي نذكِّر بإجتماعها الأخير في عمان، الذي تلى مصالحة القاهرة وكان تقييمه لها انها كانت “عصفاً تفاوضياً ” ليس إلا ؟! واستطراداً، ماهو موقف ما يطلق عليهم المانحين الغربيين، ورعاة التصالح الإعتدالي من العرب ؟! وأخيراً، وماذا عن المر جع الأعلى للمسيرة التسووية التصفوية، الولايات المتحدة الأمريكية ؟!
أقل ما يقال في حدث الدوحة، على إفتراض أن النوايا في هذه المرة لا تجافي كعادتها المعلن، إن ذهاب حماس الى الدوحة وتسليمها لرام الله بالإدارة بعد تسليمها لها باحتكارالسياسة وإقرارها لها بامتياز التفاوض، وفي غياب برنامج حد أدنى وطني مقاوم مجمع وطنياًعليه، وحيث التوافق على ما سمي في مصالحة القاهرة بالمقاومة المدنية، أي إقتصار النضال على الطريقة البلعينية المعروفة، مايعني بوضوح أن حماساً هى من التحقت موضوعياً بركب
رام الله، أي ليس هناك من داعٍ لقلق نتنياهو المزعوم من تحالف يزمع بين “عباس و حماس “، لاسيما وأن الرجل لايترك مناسبةً تمر دون التوكيدعلى ثوابته التسووية ومواقفه السياسية ونهجه التفاوضي واعتماده له خياراً أوحداً…أي موضوعياً هو لم يتحالف مع من التحق به وإنما قبل بالتحاقه فحسب!
هناك فريق آخرا ظل دوره التصالحي ديكورياً، أي كشاهد زور، أو أقله كما قال قائل منه، “شاهد ما شافشي حاجة”! نعني الفصائل التي تدعى عادة للمشاركة في هذه الكرنفالات التوحيدية الإحتفالية، أو التي توعد بدعوتها في قادم المصالحات، ومن هذه من لا ينفك يتوسط لكي يفي واعديه بما وعدوا، والكل، السابقة أو المرشحة لأن تكون اللاحقة، تساوتا في عدم دعوتها هذه المرة للدوحة… هذه الفصائل جميعها، وعلى طريقة القائل، أوسعتهم شتماً وفروا بالإبل، إما ترفع الآن عقيرتها تحفظاً أوتصدر بياناتها إحتجاجاً أو تسجل مواقفها إعتراضاً، وجميعها في مجالسها تقول في ما جرى في غيابها ماقاله مالك في الخمر، لكنها في نفس الوقت تستعد إذا ما دعيت لأن تخف مسرعةً الى القاهرة زرافات ووحدانا لمعاودة مهمتها، أي الهروع لذات المشاركة الديكورية إياها في قادم الملتقى المزمع إستكمالاً تصالحياً لما شهدته الدوحة… وكل مصالحة وانتم بخير!!!