الجامعة الأميركية والعسكر

أنجزة وتجسس أكاديميا هناك وهنا!

عادل سمارة

لا تلبث منظمات الأنجزة (المنظمات غير الحكومية) أن يثير وضعها غباراً وجدالاً له خطابه المعلن وخطابه المخفي تماماً مثلها نفسها في خطابيها المعلن والمخفي. ولأنها هي حالة ملتبسة وطارئة فإن التباسها يعطي الكثيرين فرصة ومناخاً لاستخدامها بأكثر من وجه إلى حد تمكين من ليس أفضل منها (مثلا نظام مبارك وعسكر مصر الحاليين) بأن يستخدمها ويحقق من وراء ذلك رصيداً. ولكن ما أثبتته التجارب أن المركز الراسمالي وتحديداً مركز المركز أي الولايات المتحدة هي من يضبط إيقاع المعزوفة اللاعبية لهذه المنظمات نفسها (إيقاع التمويل وليس التنمية، واختراق المجتمع وليس تمكين مجتمع مدني، واختراق الأكاديميا وليس تطوير حوار وإبداع وفلسفة). وكل هذا قائم على واقع ملخصه أن الثورة المضادة مزروعة ومنزرعة في الوطن العربي وهي تقاتل اليوم محاولات الثورة بكل ما أوتيت. ومن بين اوتيت به نجد منظمات الأنجزة.

ذات وقت “تفرعن” د. سعد الدين إبراهيم في مصر المباركية قبل أكثر من عشر سنوات، حيث كان يُصدر مركز ابن خلدون الذي انشأه ربما كراسة كل يوم وتكون الصفحة الأولى بتقديم هذا السوسيولوج الذي ما حبل الزمان وولد مثله! إلى درجة وصل حجم هذه المقدمات إلى أضخم من مقدمة ابن خلدون نفسها.

حينها قرر مبارك تقليم بعض شعر لحيته اللبرالية فاعتقله وخلق هزة أطربت بسطاء الشعب المصري حيث بدا مبارك وكأنه قادر على هز اللجام للحصان الأميركي. وفي النهاية تبين ان اللجام هو في فم مبارك نفسه وأنه ليس حصاناً.

وكان أن اشتبكت في مصر منذ عام كل من الثورة المضادة والثورة. ولكن، الثورة المضادة مرتبة ومنظمة ومؤدلجة وعتيقة، وأما الثورة فهي مركَّبة فيها اندفاعات بريئة جريئة وفيها ألغام ومشبوهين وهي غير منظمة، بلا رأس استشاري أو استلهامي على الأقل، وبلا رؤية. وفي خضم هذا المناخ المزدوج، مناخ الحراك الشعبي الفقير والعمالي وبعض الطبقة الوسطى ، ومناخ الاندساس والتخريب من قبل نظام الهيدرا الذي مع قطع راسه أنبت رؤوسا عدة هي تحالف/تنافس: قيادة الجيش، وقيادة الحزب الحاكم، وقيادة الإخوان المسلمين، وقيادة أل سي. آي إيه (الطبعة المصرية). ولكنه في خدمة راس المال في التحليل الأخير.

بات واضحا أن هذا التحالف التنافسي، لا يريد أن تصل علاقته إلى تحالف/صراع. فلا العسكر يريدون تمرير السلطة للمدنيين بغض النظر إن كانوا من الدين الإسلامي السياسي أم لا، ولا الدين الإسلامي السياسي يريد مواجهة العسكر كي لا يقوى عود شباب الثورة، ولا الأميركي يريد الكشف عن أنه يحرك كل هؤلاء لأنه سوف يحرق حلفائه، ولا حزب مبارك راغب في مواجهة حلفائه طالما:

· شباب الثورة بلا رؤية أو مشروع أو برنامج أو حركة

· وطالما راس المال يشتغل دون تهديد حقيقي.

واضح انها سلسلة من التوازنات التي في نهاية المطاف تعيق نقل انتقال “الثورة” من مرحلتها الأولى اي الديمقراطية الشكلانية التي تدعك تصرخ حتى التفريغ لكنها لا تعبىء جيبك او حتى بطنك في النهاية إلى مرحلتها الثانية فما بالك بالثالثة.

ولكي يحقق كل طرف اختراقا ما ضمن الحفاظ على الحلفاء، صار لا بد لكل طرف أن يدير معارك لا تُورطه مع حلفائه. مثلاً فتح الإخوان المسلمون سلسلة ابواب مواربة:

· الإضراب يخرب أرزاق الناس!

· الموقف من كامب ديفيد يقرره الشعب!

· الولايات المتحدة صديقة يصافح قادة الإخوان سفيرتها دون أن “يُنقض” وضوئهم. فقط المرأة العربية/المسلمة تنقض الوضوء!

· لا استفزاز لشباب الثورة الذين اقتحموا سفارة الكيان ولا مشاركة معهم

الجامعة الأميركية:

أما المجلس العسكري، فيكرر تجربة مبارك حيث فتح ملف الجامعة الأميركية في القاهرة، وهو ملف يمكن أن يرشي شباب الثورة ويخفف من ضغطهم عليه. فقد أعلن إلقا ءالقبض على 43 أجنبياً من منظمات غير حكومية (الأنجزة) يعملون على إثارة الفتنة في مصر منهم 19 أميركياً. وهذه نسبة متواضعة بمعنى أن حصة الولايات المتحدة في التخريب على الصعيد العالمي هي أعلى من ذلك اللهم إلا إذا كان هناك غربيين مرتبطين بها كذلك).

وأكد المجلس العسكري أن الجامعة الأميركية في القاهرة هي مركز لإدارة ونشر الفتنة في مصر. وهذا يعني أن التعاون أو العمل المشترك بين الأنجزة المشبوهة والأكاديميا المشبوهة ايضاً هو أمر قائم وطبيعي ولا يقوم على تهم وتخرصات كما يزعم البعض لا سيما وأن مصدر المعلومات هو المجلس العسكري المصري اي حليف الولايات المتحدة وراس المال المصري بالطبع.

يكون من الجهل والجهالة بمكان من لا يقتنع أن أية دولة، وخاصة الولايات المتحدة تقيم جامعات خارج بلادها لخدمة شعب بلد آخر. لا يمكن إلا أن يكون إلى جانب الأكاديميا خدمات سياسية اقلها القيام بالاختراق الثقافي إن لم يكن التجسسي فكل شيء مراتب كما هو كل مجتمع طبقات.

نشرت الصحف البريطانية ذات مرة أن الحكومة تطلب من رؤساء الجامعات موافاتها بتقارير عن الطلبة الأجانب الدارسين هناك. طبعا لا يقوم بهذا العمداء بل شبكة من الطلبة الإنجليز والأجانب. وحين يقوم الطالب بهذا ألا يصبح جزءاً من شبكة إخبار ومن ثم “يرتقي” إلى التجسس؟

فلماذا لا تقوم الجامعة الأميركية في القاهرة بهذا؟

ثم هل هناك أفضل لمنظمات الأنجزة الأميركية من الجامعة كي تعشش هناك وتقوم بالتنسيق وتجميع المعلومات ووضع الخطط؟ لا شك أن المناخ الاجتماعي/السياسي اليوم في مصر مؤاتٍ لنشاط هذه المؤسسات سواء الأكاديمية أو الأنجزة .

إن دور الجامعة الأميركية في القاهرة أوسع من هذا. فهي نفسها التي تشرف على توزيع طلبة الدكتوراة في (الشرق الأوسط) على جامعات أخرى في العالم. اي هي مركز تخطيط وتوزيع اين يذهب الطلبة الممنوحين للدراسة وأحياناً اي موضوع ومكان يقوموا فيه ببحثهم الميداني. فهل هذا لوجه الله أو بلا هدف؟

على خلفية ما أكتشف في هذه الجامعة شهدت الأيام الحالية حالة من الشد والجذب بين عسكر مصر والولايات المتحدة. هذه المرة كما الأولى تغضب الولايات المتحدة علانية وتأمر بالإفراج عن جواسيسها. هكذا بوضوح. هل لم يحسب العسكر حساب ذلك؟ هل يُعقل أن أحدا لم يشرح لهم أهمية هذه الشبكات للولايات المتحدة؟ هل قرر العسكر الاكتفاء بالجيش كشركة تسيطر على 25 بالمئة من الاقتصاد المصري ومن ثم حكم مصر تشاركا مع راس المال المحلي الطفيلي والكمبرادوري، اي باستقلال نسبي عن إشراف وصدقات الولايات المتحدة (1.3 مليار دولار)؟ هل هذا ممكن طالما أن الجيش لن يحارب في عهد الإخوان كما كان في عهد مبارك، ولذا يمكن لشركة الجيش الاعتماد على الذات إضافة إلى حصة الدفاع من الميزانية العامة؟ هل يتحول قادة الجيش إلى “الوطنية” الهادئة وترك العلاقات السياسية لقيادة الإخوان وعلاقات الإنتاج للراسمالية الطفيلية للحزب الوطني وشبكته؟ والميادين للشباب! اي تقاسم عمل طريف وما بعد حداثي هذا!

كل هذه الأسئلة برسم الإجابة وبرسم التفاعل في الساحة المصرية. فإن حصلت فهي في اسوا أحوالها مهارشة بين العسكر والولايات المتحدة ولكن الأشد سوءاً أن “يلحس” العسكر تمردهم هذا ويذهبوا إلى المستشار طارق البشري ليُقدم تخريجة لترقيع الموقف كما فعل في الدستور المصري.

ملاحظة: كتبت قبل عامين تقريبا إلى ممنوحين/ات فلسطينيين اشتكوا بحرقة بأن منحهم لا تكفيهم لمعيشة الحد الأدنى في الغرب، إلى أن عرفت أنهم حصلوا على اكثر من منحة في نفس الوقت!! على أن ما اثار البعض منهم/ن ليس فقط انكشاف المنحة المدوبلة، بل لأني كتبت لهم بأن الجامعة الأميركية في القاهرة هي التي توزع المنح والممنوحين على جامعات هي تحددها وتحدد المواضيع والأماكن. وما أدهشني أن البعض استشاط غضباً وأطلق تهديدات بأنه سوف يتحرى كيف تسربت المعلومات!! نترك للقارىء استنتاج سبب الخوف والاستشاطة هذه؟

The Egyptian NGO 6th of April movement”,
admits openly receiving
US financial help !!