فلسطين هي الدليل على الثورة ……. و المؤامرة لتصفيتها

العميد الدكتور امين محمد حطيط

يغتاظ دعاة ما يسمى ثورات في العالم العربي ، عندما لا يقرون على تسميتهم ، و يشتد غيظهم عندما توصف بعض الحالات بالانقلاب ، و حالات اخرى بالمؤامرة (الحالة السورية ) ، و هنا يطرح السؤال اين الحقيقة حتى لا يخدع الناس و يساقون في طريق منتهاه عكس ما يوعدون به ؟.
ان حسم الامر لا يكون الا بالعودة الى معايير ثابتة تحدد الثورة بانها انفجار شعب ما بوجه حكامه الذين سلبوه حقه الفردي و همشوا طموح الامة ، فينجر الشعب ليسقط ما هو قائم خلافا لارادته و مصلحته ، و ليقيم ما يمكنه من تحقيق طموحه في الوجود و الفاعلية . انفجار ياتي بعد ان تتحقق عوامله بدءا بظلم يقع من حاكم مغتصب ، يليه شعور بعدم مشروعية هذا السلوك الظالم و عدم القدرة على الاحتمال ، وصولا الى تشكل استعداد لتقبل التضحية بعد ان يشعر المظلوم بان الموت افضل مع الحياة متمثلاً القول ” لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما ” ، فاذا تشكلت البيئة الملائمة يحدث الانفجار لتبدأ الثورة.
و بالتالي يكون المحرك الاول للثورة هو الظلم الذي يمييز فيه بين الفردي و المجتمعي و ظلم الامة ، و تبقى العلاقة بين الامرين تبادلية مترابطة عضوياً يكون احداها صدى او سببا للاخر ، و في واقعنا العربي و الاسلامي بات من المسلم به ان الظلم الرئيس الذي لحق بالامة يتمثل في العدوان عليها باغتصاب فلسطين و اقامة كيان اجنبي عليها ” اسرائيل ” من اجل اغتصاب ثروتها و تهميش موقعها و دورها ، و قد استتبع هذا الظلم باقدام الظالم الغربي على اقامة نظام حراسة المصالح الاجنبية في بلادنا فانتج الملوك و الامراء و المشايخ الذين تابعو المسار و احدثوا الظلم الفردي و المجتمعي الذي تجلى بحرمان الفرد من حقه بالمواطنة و حقه بالحريات العامة و ما اليه . ما يعني ان الغرب انتج اسباب الظلمين واداتهما الفردي و الجماعي ثم عقد العلاقة الوثيقة بين اركان انتاج الظلمين حتى يحمي احدهما الاخر ، فكانت العلاقة الحميمية بين منظومة الملوك و المشايخ العرب من جهة و اسرائيل و رعاتها الغربيين من جهة ثانية .
و بتأثير من هذا الواقع قامت حركات تحررية عربية و اسلامية لرفع الظلمين بدءا من الاول – ظلم الامة – فوضعت فلسطين في رأس اولوياتها لانها هي الاساس و المصدر الاخطر ، و تجلت هذه الحركة في العقدين الاخيرين بمحور المقاومة و الممانعة الذي ربط ايران بسوريا و المقاومات الشعبية التي قاتلت اسرائيل بعد ان اتخذ المحور من تحرير الارض العربية و الاسلامية هدفه و قضيته الاولى فناصب الغرب و مجموعة المشايخ و الملوك التبعين له العداء .
و استمرت المواجهة متقلبة في مستوياتها الى ان تحرك الشارع العربي بدءا من تونس في حراك اختلفت تسمياته و ضاع الدليل عليه لتوصيفه ..و جاء التحالف غير المقدس بين الغرب و مشيخات و نظم عربية عميلة من اجل وضع اليد على الحراك الذي اسقط نظما خدمت اسرائيل و الغرب ، لمنع قيام النظم التي تلتحق بمحور المقاومة . و كان التدخل بذريعة تقديم العون للشعب لاستعادة الحقوق المغتصبة من حاكم ظالم ، في الوقت الذي يتخبط الشعب في دول تلك الانظمة بافظع انواع الظلم و الهوان .
و جاء تدخل الحلف غير المقدس من اجل اشغال الناس بهموم داخلية مترافقاً مع خطة لعدم المس باسرائيل و لابعاد الحراك عن فلسطين ، في مرحلة اولى ، ثم العمل ضد من قاتلها او دعم من احتضن القضية ، و استعمل لهذا الامر من اسمي ثائرا و تغطى بالاسلام و كان غريبا ان يقبل “دعاة االثورة و الحرية و الديمقراطية ” التوجيه و الدعم ، او يطلبوا ذلك ممن قهر شعبه ، و صادق اسرائيل و رهن نفسه لراعي اسرائيل ، و هنا نسأل الفريق المتغطي بشعارات اسلامية سؤالاً شرعيا بسيطا ” هل يصح الوضوء بماء مغتصب ؟ و هل يصح بناء مسجد باموال زانية ؟ ” .
ان الفقيه الحق منهم سيجيب حتماً بالنفي و لن يجد موردا لتطبيق قاعدة ” الضرورات تبيح المحظورات” و بالتالي ان اموال العملاء للغرب لا تصنع ثورات بل مؤمرات . و هنا نسألهم كيف يصدقون ان من قمع شعبه و حرمه حتى من حق المواطنية و فرض عليه التابعية للفرد ، و التبعية للدولة و افقدها استقلالها الحقيقي ، و رهن ثرواتها للغرب ، كيف لهذا ان يعمل من اجل حرية الاخرين و نيلهم لحقوقهم . و بهذا المنطق نرى ان كل من اطلق وعدا بالاعتراف باسرائيل او الاعتراف بحق ما لاسرئيل مهما كان حجم هذا الحق طفيفاً ، لا يمكن ان يكون ثائرا من اجل الشعب و الامة بافرادها او جماعاتها بل يكون في الحقيقة طالب سلطة و ساعي للالتحاق بمنظومة مجلس تعاون المشيخات و الممالك في الخليج ” القائم على صفقة مع الغرب قال فيها الحكام ” لنا سلطة الداخل و لكم السيطرة و السلطان علينا و على ثروتنا و قرارنا” ، و بهذا المنطق ايضاً عقدت صفقات ” مصادري الحراك الشعبي في الداخل ” مع مستوعيبه الخارجين بقيادة غربية . و هنا يكون السؤال التالي : هل ان الشعب يتحرك و يثور من اجل ان يسلم قياده لحارس جديد للمصالح االاجنبية .؟ و الجواب بالنفي طبعا ،و هنا لا يبقى من تسمية للحراك هنا الا القول بانه مؤامرة على الشعب و تزوير لارادته .
و لان هذا هو الحال فان من يعمل ضد سوريا و تحت اي عنوان سياسي او ارهابي اجرامي لن يجد حرجا بالتعامل مع اسرائيل و وعدها بالاعتراف و التنازل و التساهل لان حركته ليست ضدها بل من اجلها ، , و لذا فان توصيف فعله بانه انخراط في مؤامرة على بلده و شعبه ليس افتراءا على حقيقة ، و ان الذي كان ممتنا لعدالة الامم المتحدة التي قسمت فلسطين و سلمت مباشرة او بسكوتها اكثر من ثلاثة ارباع مساحتها لاسرائيل و كان استعمال 60 فيتو اميركي ضد حقوق الشعب الفاسطيني يطربه و يجعل من مجلس الامن محل ثقته ، فانه لا شك ستتزعزع ثقته بمجلس الامن عندما يستعمل الفيتو لمنع اجتياح اميركي صهيوني لدولة عربية ، لان هذا الطرف لا يعدو كونه احد ادوات المؤامرة و خدامها .
ان الثورة الحقيقية هي التي تغير الواقع لرفع الظلم عن الامة و عن الفرد معا ، و لا تكون ثورة اذا كانت من اجل الاطاحة بنظام يطالب بالعدالة للامة و منع ظلمها و يعمل لتحقيق العدل في مجتمعه بحركة اصلاحية . اما ان تتخذ الحقوق الفردية و المجتمعية ستارا لتثبيت الظلم على الامة و الظلم على افراد شعب عربي مسلم – الشعب الفلسطيني – فانه يكون تآمر على الامة و ثورة عليعا و ليس من اجلها . و هنا نسلط الضوء على امر بالغ الاهمية و هو ان ادعاء الحرية و الديمقراطية من قبل هؤلاء هو وعد فارغ لان السلطة التي قد تستقيم لهم بعد ان يعترفوا باسرائيل و يتنازلوا عن حقوق الامة لها لها لن تكون بمأمن من غضب الشعب و سترد على الرافضين بالقمع و كم الافواه كما بدأ الامر يحصل في بعض الدول التي ادعت الثوورات و اجرت الانتخابات و وعدت اسرائيل بالسلم و ثبات المعادات معها .
اننا نرى ان الثائر من اجل الامة و الشعب و افراده هو من يدعم المقاومة ليقترب من فلسطين لان حقوق الامة لا تنتزع الا بالقوة و من الباب الفلسطيني اولاً و بعكسه يكون من يسقط المقاومة و يشغل الامة في صراعات تغطي على صراعها مع الصهيونية بابتداع الصراع السني – الشيعي او العربي – الفارسي لانه بذلك يبتعد عن فلسطين .
و لان فلسطين هي القضية المركزية للعرب و المسلمين ، فانا نرى ان الثوار الحقيقين هم من يرفضون انظمة التعامل و الاستسلام و يبدلونها بانظمة حرة تلتحق بمحور المقاومة و الممانعة ، كما يساعدون دولهم من اجل النجاح في حركة اصلاحية ترفع الظلم الفردي و المجتمعي ، اما الاخرون الذين يتصدون لانظمة المقلومة و الممانعة و يحولون دون اجراء حوار وطني صادق من اجل الاصلاح الداخلي و يمتنهون القتل و التدمير في اوطانهم و يستعينون بالاجنبي الاميركي و الصهيوني ، فانهم و بكل بساطة خونة لاوطانهم و مرتزقة عملاء للاجنبي خاصة الاميركي الذي يحضر كما قال كيسنجر للسيطرة على سبع دول في الشرق الاوسط ليقيم الحكومة العالمية الماسونية ، و يعمل لتصفية القضية الفلسطينية.

:::::

نشر في جريدة الثورة – دمشق ، 1322012