الفلسطينيون والعرب وقناة الجزيرة

الياس حسن سليم

يافا ـ فلسطين المحتلة

شقت قناة الجزيرة القطرية طريقها إلى النجومية وفيما بعد إلى التأثير على الرأي العام من خلال تغطيتها المباشرة والحية لما يجري في المنطقة من أحداث وتطورات وبشكل خاص التركيز على الموضوع الفلسطيني والذي يتبوأ على الدوام مكانة متميزة لا ينافسه عليها أي موضوع أخر. ومن حسن طالعها أيضا قيامها بتغطية العدوان البربري الذي قادته الولايات المتحدة ضد أفغانستان(2001) والعراق (2003) والعدوانيين الإسرائيليين ضد جنوب لبنان وقطاع غزة. وإذا أضفنا إليها مجموعة برامج حوارية قوية كانت تبث على الهواء مباشرة وما تضمنته من أقوال جريئة وصريحة مع هامش واسع من الحرية في نقض ممارسات وسلوكيات الأنظمة العربية الرسمية كشخوص أو كمؤسسات، فقد ساهمت جميعها في شهرة القناة وباتت حاضرة بكل السهرات المسائية والنقاشات اليومية في كل بيت وخاصة أنها استقطبت وجوها إعلامية نشطة عرف عن العديد منها الوطنية والمهنية والكفاءة، مما دفعها لتتصدر كافة المحطات الفضائية الخاصة والرسمية على حد سواء. وقبل هذا وذاك الإمكانيات المالية الضخمة والهائلة التي خصصت لها مما مكنها من استخدام التقنية العالية الجودة والسرعة في نقل الخبر، وإذا أضفنا إليها تشوق وعطش وحاجة الشعب العربي إلى محطة فضائية يتعرف ويشاهد من خلالها الفساد الرسمي لحكامه والإطلاع على ما يجري في أروقة صناعة واتخاذ القرارات، لتبين لنا كيف تمكنت قناة الجزيرة في تثبيت اسمها في برامج وأجندات ويوميات وحياة وذاكرة المواطنين العرب من الخليج إلى المحيط بدون وجود منافس حقيقي لها، حتى تاريخ انكشاف دورها المشبوه فيما فعلته وقامت به – وما زالت – خلال ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، مع انه بدأ وانتهى في الشتاء في كل من مصر وتونس، كما بدأ في الشتاء في كل من ليبيا واليمن وسوريا وانتهى في الصيف بليبيا واليمن وما زال مستعرا في سوريا حتى تاريخه. فقد لعب الموضوع الفلسطيني على الدوام الدور الأهم والرئيس في شهرة ورفع شأن هذا الشخص أو ذاك أو هذه الدولة(المؤسسة) أو تلك. فالطيب أردوغان على سبيل المثال،اكتسب شعبية واحتراما وتقديرا فاقت شعبية أي ملك أو رئيس عربي حالي جراء اتخاذه موقفين علنيين من إسرائيل،الأول في مؤتمر دافوس ضد بيرس حيث ما زال مشهد تركه القاعة حاضرا في الأذهان والثاني ما تم خلال الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي كان متوجها لفك الحصار عن قطاع غزة. فقد ارتفعت أسهم هذا الرجل وزادت شعبيته إلى حد كبير بسبب وقوفه مع القضية العادلة للشعب الفلسطيني.وهذا ما حصل مع قناة الجزيرة حينما ركزت في بداية بثها على الاحتلال الإسرائيلي والعدوان الأطلسي على العراق وأفغانستان. وبالمقابل فإن العديد من الرؤساء والملوك العرب فقدوا ثقة واحترام شعوبهم جراء قيامهم بمهاجمة الثورة الفلسطينية إعلاميا أو عسكريا أو اتخاذهم مواقف غير تضامنية وغير مؤيدة للشعب الفلسطيني كما حصل مع حسني مبارك والعديد غيره.

تطور موقف الجزيرة

أدركت قناة الجزيرة، بأن شهرتها مرتبطة بأمرين أساسيين هما الأول: الاقتراب من هموم ورغبات المواطن العادي والابتعاد ما أمكن( عدا ما يخص نظام حكمها) عن الأنظمة العربية الرسمية جميعها لكونها مكروهة وفاسدة وظالمة ودكتاتورية ومتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية، بما يتعارض مع مطالب ورغبات وتطلعات شعوبها والثاني: استخدام التقنية العالية الجودة والبث المباشر للأحداث ونقلها فورا إلى المشاهدين وإيجاد قفشات إعلامية مثل خبر عاجل يصاحبه البث المباشر لتفاصيل الخبر واستضافة عدد من المختصين والمهنيين للتعليق والتحليل والشرح والتوضيح. وقد أدركت القناة مبكرا ضرورة عدم وجود خطوط حمراء للبث والنقل. وكان من المتوقع أن تصطدم في البداية مع حكام وشيوخ دول الخليج العربي ذات الأنظمة المتخلفة والجاهلة بالإضافة بالطبع إلى الأنظمة الجمهورية المستبدة والملكية وتشاجرت معها جميعها بدون استثناء تقريبا، بل وحتى مع بعض الأوساط الأميركية خاصة أثناء العدوان على العراق وأفغانستان وفي سبيل ذلك قدمت أكثر من شهيد ومعتقل في العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها لترسيخ اسمها وبناء شهرتها بين المواطنين. ومن البديهي بعد كل ذلك أن تنال إعجاب وتقدير المواطن العربي على مواقفها الظاهرة للعيان. فقد أصبحت ضالة وقبلة السياسيين والإعلاميين، الكل يتطلع إليها وينشد رضاها وخاصة من قبل المسئولين وصناع القرار ومتخذيه من الحكام والمسئولين.لقد تم استخدام شبكة الجزيرة بمهارة عالية لتحقيق أهداف وغايات تبين لاحقا بأنها ليس فقط شريرة وإنما تساوقت مع كل خطط أعداء الأمة العربية وبخاصة تسويق لفكرة تجزئة وتقسيم الدول العربية وتقبل الدويلات ( السودان مثال صارخ على ذلك ) وخلق أرضية وأجواء يتقبل به الشعب العربي وجود دولة إسرائيل كأمر عادي وطبيعي من خلال استضافتها لمسئولين إسرائيليين عسكريين ومدنيين وخاصة في ذروة العدوانيين على لبنان وقطاع غزة. كما سوقت المحطة مقولة حق كل دولة عربية في إقامة قواعد عسكرية على أراضيها وعقد تحالفات مع دول حلف الناتو حتى لو كانت تضر بالأمن القومي العربي (القاعدة الأميركية في قطر والقاعدة البحرية الأميركية في البحرين والفرنسية في الإمارات والأميركية في الظهران والتواجد الإسرائيلي في جنوب السودان وشمال العراق وعقد التحالفات مع دول شمال حلف الأطلسي والتدخل العسكري المباشر في العديد من الدول العربية،ليبيا واليمن وسوريا ) بالإضافة إلى ربط الاقتصاد العربي مع الدول الاستعمارية من خلال استئثار الشركات الأميركية والغربية باستخراج وتسويق النفط العربي وإيداع أثمانه في المصارف الأميركية والأوربية بدلا من استثمارها في مصر والسودان والأردن وسوريا واليمن والمغرب وموريتانيا والقرن الأفريقي واستخدام جزء منها في دعم التواجد الفلسطيني في القدس وفلسطين عموما.كما لعبت قناة الجزيرة دورا ملموسا عبر الترويج لمناخ عام يقوم على تقبل تطبيع العلاقة مع أعداء الأمة العربية والإسلامية تحت يافطة التعرف على الرأي الأخر، مما سمح للعديد من أعداء الأمة ببث سمومهم وتشويه الثقافة العربية الأصيلة والتركيز على توافه الأمور والابتعاد عن جوهر الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية الداعمة الرئيسة لإسرائيل، ليس في تكريس احتلالها للأرض فحسب وإنما لمنع إصدار أي قرار من مجلس الأمن والهيئات الدولية لإدانته. فحينما تعتبر استخدام الفيتو الروسي الصيني الأخير اشمئزازا ويضعف الثقة بالمنظمة الدولية فإنها تتجاهل بالمقابل وبشكل كامل قيام الولايات المتحدة الأميركية باستخدام الفيتو أكثر من 60 مرة لصالح إسرائيل وضد العرب والمسلمين. فالترويج للعلاقة مع الولايات المتحدة في ظل دعمها اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي يعني عمليا القبول التام بكل السياسات التي تتبعها واشنطن وحلفائها ضد الوطن العربي.لقد أظهرت الأحداث الأخيرة مدى التطابق بين قناتي الجزيرة والعربية في توزيع الأدوار والتسابق فيما بينهما في الدفاع عن وجهة النظر الأميركية ضد كل ما هو عربي قومي وإسلامي حقيقي. لقد لعبت القناتان دورا سيئا في تأجيج الصراع المذهبي بين السنة والشيعة وجعلت من إيران العدو الأول والرئيسي للعرب وتجاهلتا المخاطر الناجمة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والعربية والسيطرة الأميركية على مقدرات الوطن العربي والموارد الطبيعية فيه.لقد ساعدها في بث سمومها وشرعنة توجهاتها بعض شيوخ السلاطين المرتشين والذين أفتوا لحلف الناتو بغزو الأرض العربية وقصفها وتدمير البنية التحتية لها ونهب مواردها.لقد حلل هؤلاء الشيوخ دماء المواطنين العرب واستجاروا بحلف الناتو لتحقيق مآربهم الشيطانية ضد كل ما هو عربي. لقد تمكنوا من وضع العروبة في عداء مع الإسلام وكأن العروبة تتعارض معه، متناسين ومتجاهلين عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد بان رسول البشرية محمد بن عبد الله هو عربي قريشيُ قح وأن القرآن الكريم نزَل باللغة العربية وان لغة أهل الجنة، والتي لن يدخلوها بإذن الله، هي العربية. فلولا العرب لما انتشر الإسلام وازدهر وعمَ المعمورة.لقد نسيَ الإسلاميون الجدد مجازر حلف الناتو ضد كل الدول العربية والإسلامية واتجهوا لعقد تحالفات مع زعيمة الحلف لمحاربة العروبة وكل القيم والتاريخ والحضارة والقومية العربية.قناة الجزيرة وشقيقتها الخليجية وبعض القنوات الصفراء الأخرى ما فتئت تروج وتسوق لإحلال “الفكر الإسلامي الجديد” بعد أن انتزعت منه روحه الجهادية والقتالية والتي كان لها الدور الأبرز في نشر الإسلام ومحاربة الأعداء والتصدي للغزوات المغولية القديمة والأطلسية الاستعمارية الجديدة في بداية القرن العشرين، ليحل محلها روح التداعي والمهانة والاستسلام والقبول بالوجود الأطلسي فوق أرض العرب والمسلمين كل ذلك مقابل بقاء حكام الخليج على كراسيهم.قناة الجزيرة وشقيقتها الخليجية تروج ليلا ونهارا لوضع إيران في صدارة الأعداء وتطبيع العلاقة مع إسرائيل كنقطة لا بد منها نحو شطبها من حلف الأعداء.فمن يضع حلف الناتو في خانة أصدقاء الإسلام والعرب ليس غريبا عليه أن يستبدل إسرائيل بإيران. لقد استباح حلف شمال الأطلسي الأمن القومي العربي وهو في طريقه لإضعافه عبر تقسيمه وتجزئته إلى دويلات متخاصمة متناحرة لصالح حماية إسرائيل أولا ومصالحه ثانيا. القوى الوطنية والقومية العربية والإسلامية الحقيقية مطالبة بإنهاء عصر تحكم الرويبضة في مستقبل الأرض العربية. قناة الجزيرة وشقيقتها الخليجية تروج للتحالف مع حلف الناتو البغيض عدو الشعوب رقم واحد. اللهم أشهد إنني قد بلغت وكتبت وحذرت من قناة الجزيرة القطرية.