التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن، 18 شباط (فبراير) 2012

المقدمة:

تصدرت تغطية الازمة السورية وابعادها الاقليمية والدولية معظم اهتمامات مراكز الفكر والابحاث الاميركية، لا سيما لناحية تنامي اعداد القوى الاميركية المطالبة بالتدخل العسكري هناك بقيادة اميركا، على غرار ما قام به حلف الناتو في تدمير ليبيا؛ والتصدي بقوة اكثر تشددا للدور الصيني والروسي في اعقاب قرار الفيتو المزدوج للحؤول دون تدخل عسكري غربي في سورية. كما نالت ايران حيزا هاما من التغطية لا سيما في ظل الجدل الاميركي الصاخب حول دعم قرار اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية، ومعارضة الاجهزة الاستخبارية الاميركية الخيار المشار اليه في الوقت الراهن، لصعوبة تحقيق مآربه من ناحية، وللخشية من انفلات زمام الامور وتطورها الى حرب اوسع تهدد المصالح الاميركية الاستراتيجية في المنطقة. وذهب البعض الى مناقشة الخيارات السياسية “لمرحلة ما بعد المرشد خامنئي” في ايران. كما ربطت القوى المشار اليها بين تسارع الاحداث في منطقة الخليج العربي ومستقبل مقر قيادة الاسطول الاميركي الخامس في البحرين مما قد يترتب عليه من عدم استقرار النظام الملكي هناك.

مصر ايضا نالها بعض الاهتمام من باب التلويح بقطع المساعدات السنوية المقررة على خلفية تقديمها للمحاكمة مواطنين اميركيين بتهمة انتهاك قوانينها الانتخابية. ايضا، دور الانتربول الدولي في القاء القبض على صحفي سعودي في ماليزيا وتسليمه لبلاده شكل احد محاور الاهتمامات من زاوية انتهاك حرية التعبير التي مارسها المتهم وما ينتظره من عقوبة قاسية في بلد لا تعترف بحق الانسان في التعبير عن آرائه.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

حذر معهد بروكينغز Brookings Institution الولايات المتحدة من مغبة التدخل العسكري في سورية خشية “التداعيات غير المضمونة” نتيجة لذلك على مجمل المصالح الاميركية في المنطقة. ونبه الى مخاطر المغامرة بأن “سورية ليست ليبيا… اذ ركزت السياسة الاميركية جهودها، في الغالب، على الاطاحة بالديكتاتور (الحاكم) دون الاخذ بعين الاعتبار تداعيات الفراغ السلطوي الناجم عنه.” كما حذر المعهد القوى المطالبة بالتدخل العسكري بان النتيجة ستصب “في صالح تشبث موسكو وطهران (بالرئيس) الاسد… ويتعين عوضا عن ذلك بذل جهود افضل لانشاء معارضة اكثر تماسكا من شأنها الاطاحة بالاسد واستبدال نظامه بقوى حليفة للولايات المتحدة. انشاء قوى معارضة (للنظام السوري) قد يكون ذو اهمية اكبر لسورية ولمصالح الولايات المتحدة من مجرد الاهتمام الاحادي للاطاحة بالاسد… الفشل في سورية سيعرض المصالح الامنية الاميركية لنكسة ويسدد ضربة للنظم الديموقراطية الوليدة في المنطقة.”

بينما تناول معهد جيرمان مارشال فند German Marshall Fund ازداء النصح للادارة حول كيفية التعامل مع سورية، وهو المركز المعني اساسا بالعلاقات الثنائية بين اميركا ودول اوروبا الغربية بالدرجة الاولى. وقال “الطريقة الوحيدة لوقف انحدار سورية نحو الهاوية هي في انشاء تحالف عبر دول شطي الاطلسي للتأكيد على صيغة سياسية واخلاقية للزعامة. فخطة الجامعة العربية الاصلية – تخويل الاسد صلاحياته لنائب الرئيس – قد حققت نجاحا في تخفيض سقف مطالب المعارضة الى ثمة اجراء صوري، لكنها اصطدمت بحائط معارضة منسقة بين روسيا والصين. ينبغي تشجيع الجامعة (العربية) على طرح مبادرة اكثر جرأة، وخطة تظهر مبدأية اكبر في نصوصها لتخدم الاهداف الاساسية.”

وذهب معهد واشنطن Washington Institute بعيدا في تصوراته المعادية وتأجيج الصراع لصالح الكيان الصهيوني منوها الى ان “هناك عدد من الاساليب لايصال الدعم العسكري لجيش سورية الحر ان تعذر اعتماد التدخل العسكري… (احداها) اقدام المجتمع الدولي على تعطيل شبكة الاتصالات العسكرية للنظام، مثل استهداف نظم المعلومات او قطع وفصل خطوط الاتصالات. وتقديم التقنيات والاسلحة، مثل الالغام والعبوات الناسفة الاخرى، لتعطيل حركة المواصلات على الطرق. ومن اجل التصدي للمدرعات والعربات التابعة للنظام، باستطاعتها تزويد الاسلحة المضادة للمدرعات وقذائف المورتر.”

وشاطره الرأي، وان بصيغة اكثر حصافة، ايضا مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations مناشدا “المجتمع الدولي تعزيز الضغوط على الاسد ونظامه.”

في الشأن الايراني، اقدم معهد واشنطن Washington Institute على دراسة الخيارات التي قد يوفرها غياب المرشد الاعلى علي خامنئي عن الساحة، قائلا الصراع على خلافته “سيتيح فرصة نادرة لواشنطن كي تخفف من موقف النظام العدائي نحو اميركا، او، في حالة فشل ذلك، ارساء الضمان لعدم تعريض طموحات الحرس الثوري الدول الاقليمية للخطر.”

في الشأن المصري، اعرب مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations عن اعتقاده باستبعاد اقدام الولايات المتحدة على قطع المساعدات الاميركية بشكل تام، بل ” سيعمد (الادارة والكونغرس معا) الى اقتطاع جزء معين من المساعدة والافصاح عن نية استعادتها الى سابق عهدها عندما تتخذ مصر خطوات محددة… لكن بالنظر الى المناخ السياسي الراهن في مصر، قد يكون له مفعول عكسي وتصعيد حدة التوتر بين الطرفين… الاسلوب الامثل للابقاء على علاقة جيدة مع مصر هو التخفيف التدريجي لبرنامج المساعدات على المدى الابعد.”

وحث معهد كارنيغي Carnegie Endowment الطرفين، الاميركي والمصري، على التراجع واتخاذ خطوات من شأنها “ايقاف تدهور العلاقات بينهما… ان لم تستطع الولايات المتحدة اصلاح علاقاتها مع المؤسسة العسكرية (المصرية)، ستجد نفسها معزولة ولن يقف الى جانبها سوى نفر قليل من المصريين… من السابق لاوانه اقدام واشنطن على انهاء المساعدات العسكرية. لكن يتعين على الولايات المتحدة المطالبة بتسريع الاجراءات في (قضية المواطنين الاميركيين) المنظمات غير الحكومية قدر الامكان… كذلك على الطرفين الاقرار بأن مستقبل العلاقات الثنائية بينهما اهم بكثير من مستقبل المنظمات الاميركية غير الحكومية في مصر.”

في الشأن السعودي، اعرب مركز السياسة الأمنية Center for Security Policy عن معارضته لتسليم الصحفي السعودي، حمزة كشغري، لبلاده متهما ادارة الرئيس اوباما بـ “التواطؤ مع السعودية واللوبي متعدد الجنسيات الذي ترعاه ومقره في جدة، منظمة التعاون الاسلامي،” ومعربا عن اعتقاده بأن الخطوة تمثل “تشريعا لقوانين الشريعة التكفيرية.” وطالب الكونغرس التدخل لممارسة دوره التشريعي في ابطال مفعول “المرسوم الرئاسي 13524” الذي استخدم ذريعة لتقييد حرية الرأي.

في الشأن البحريني، وفي الذكرى السنوية الاولى للاحتجاجات الجماهيرية هناك، انضم معهد واشنطن Washington Institute الى الاصوات الاميركية المطالبة باعادة النظر في العلاقة الراهنة مع النظام الملكي البحريني، لا سيما ما ورد على لسان نائب قائد الاسطول الاميركي الخامس المرابط هناك، مارك فوكس، الذي اعرب عن شكوكه في جاهزية الولايات المتحدة للتعامل مع “اضطرابات شاملة في المنطقة.” واعرب المعهد عن اعتقاده بان لجوء النظام البحريني للخيار العسكري في التعامل مع المحتجين قد يعرض العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة للخطر، خاصة “ان تم استخدام الاسلحة اميركية الصنع” في قمع الاحتجاجات. كما ان “الجهود الجارية للجم النفوذ الايراني في المنطقة وعرقلة برنامجها النووي ستكون في وضع حرج خاصة اذا اقدم البحرينيون على التساؤل حول ضرورة تواجد الاسطول الخامس على اراضي بلادهم.”

التحليل:

نظرة فاحصة: دور سلاح الصواريخ المضادة للسفن في الخليج العربي

مصداقية وفعالية التهديد الايراني باغلاق مضيق هرمز تعتمد بشكل كبير على نوعية الصواريخ المضادة للسفن في ترسانتها. اذ وبالرغم من ان ايران اقدمت على تصميم وانتاج صواريخها ذاتيا، فان الجزء الاكبر من الترسانة الصاروخية هو اما روسي المصدر او مشتق من التصاميم الروسية. وعليه، فان آلية استخدام ايران لتلك الصواريخ سيعتمد الى حد بعيد على النظرية الروسية في التصدي الفاعل للسفن، لا سيما وان صاروخ “ظفر” الذي تنتجه ايران بشكل واسع يعتمد ايضا على المفهوم الروسي للتصدي البحري.

ان تطوير صناعة الصواريخ المضادة للسفن في الزمن الراهن تركت بصمات هامة على مستقبل الحروب البحرية. اذ ومنذ تدمير مصر للمدمرة الاسرائيلية، ايلات، مستخدمة زورقا سريعا مجهز بصواريخ مضادة للسفن من طراز SSN-2، عام 1967، الذي اعتبر التهديد الاخطر لاي قوة بحرية. منذئذ، تم تسجيل اغراق او اعطاب عشرات من السفن الحربية ونحو 200 سفينة مدنية نتيجة استخدام تلك الاسلحة. ومن ابرز النجاحات في أداء الصواريخ المضادة للسفن الحربية إصابة المدمرة الإسرائيلية ” ساعر-5″ في حرب 2006 التي شنتها “اسرائيل” على لبنان، وتمكن مقاتلي حزب الله من توجيه ضربة صاروخية مباشرة لها أخرجت سلاح البحرية الإسرائيلي من الحرب.

من نافل القول ان تطوير الصواريخ المضادة للسفن برز كرد دفاعي من منظور الطرف الضعيف. فالتصاميم الاولية كانت المانيا مصدرا لها ابان الحربين العالميتين من اجل بسط سيطرتها على البحار وانتزاعها من ايدي البريطانيين والاميركيين. وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لعدم قدرة الاتحاد السوفياتي بداية تشكيل ند للتفوق الاميركي وحلف الناتو لسلاح حاملات الطائرات والقتال البري، اقدم على الاستمرار في تطوير التقنية. وكانت ولادة صاروخ “ستيكس SSN-2” ثمرة تلك الجهود والذي حقق تحليقا بلغ مداه نحو 26 ميلا بحريا وبسرعة 600 ميل في الساعة، بنظام توجيه متطور يشمل التحكم به في مدى الاطلاق المتوسط. كما ان قوته التدميرية كانت كبيرة نسبيا وكفيلة بتدمير اي جسم باستثناء السفن الحربية الضخمة. كما ان حجمه الاجمالي الصغير اتاح للزوارق سريعة الحركة، من طراز كومار واوساس، التسلح به. ومضى السوفييت في جهودهم التطويرية للصاروخ الى ان تمكنوا من التوصل لطراز SSN-7، والذي تميز بانه اول صاروخ حربي بمقدوره التحليق فوق سطح الماء. بناء على ذلك، اضحى الاتحاد السوفياتي رائدا في عالم تقنية الصواريخ المضادة للسفن.

في نطاق الحرب المائية كان الغرب على دراية بتهديد الصواريخ لتجهيزاته، وبشر اغراق المدمرة ايلات اعادة النظر الجادة لخطر الصواريخ المضادة للسفن وكيفية مواجهتها. ومضت فترة زمنية طويلة نسبيا قبل ان يحقق الغرب نجاحا في هذا الشأن، اذ دشن عقد الثمانينيات ظهور نظامي الدفاع ضد الصواريخ، ايجيس وفالانكس، ودخولهما الخدمة لاعتراض الصواريخ سوفياتية الصنع.

ورغم غروب الحرب الباردة عن المسرح الدولي، تستمر روسيا بتصدر وريادة تقنية الصواريخ المضادة للسفن وآليات استخدامها، وغياب عامل التصادم والمنافسة المباشرة مع الولايات المتحدة عن افق العلاقة بينهما لم يردع الجهود الروسية من المضي في تطوير تقنية الصواريخ المضادة لاختراق قوافل حاملات الطائرات الاميركية، والتي من شأنها ان تترك اثرا مباشرا على الوجود البحري الاميركي في الخليج العربي.

يعتمد المفهوم الروسي للصواريخ المضادة للسفن على نظرية الهجوم متعددة الابعاد. اذ شرع الاستراتيجيون الروس الى اطلاق تلك الصواريخ بكثافة من منصات اطلاق عدة وباوقات متزامنة من الطائرات المقاتلة والقوات الارضية والغواصات لارباك دفاعات الخصم. الاعتماد على الصليات المتزامنة مع دقة المعلومات الاستخبارية والحرب الالكترونية وابطال مفعول الدفاعات الجوية ومراكز القيادة والتحكم للخصم من شأنها مجتمعة ضمان نجاح الهجوم.

تطوير نظم دفاعية ذكية للصواريخ دفع بروسيا اعادة النظر بمفهومها للصواريخ المضادة للسفن. اذ ولحتى تلك اللحظة، اعتمدت التقنية المذكورة على مدى ادنى من سرعة الصوت بسبب الكلفة المنخفضة للتصميم والانتاج. كما انها اصغر حجما واطول مدى من التصاميم الخاصة بالتقنيات الاسرع من الصوت. وهذه الميزة اتاحت استخدام اوسع للصواريخ وتقنيتها المرافقة في اماكن متعددة خاصة في التطبيقات التي تأخذ بالحسبان الاحجام الكبيرة والاوزان الثقيلة مثل الغواصات.

وقد ادرك الاستراتيجيون الروس ان تقنية الصواريخ بطيئة السرعة نسبيا تتيح للهدف فترة زمنية اكبر للمناورة واضطرار الصاروخ الموجه لاستهلاك كمية اكبر من الوقود خلال تعديل مساره اثناء التحليق. وبناء على ذلك، فان المديات الفعالة للصواريخ الابطأ من سرعة الصوت بلغت اقل من نصف المديات المعلنة. كما ان تلك الصواريخ تبقى عرضة للاستهداف عبر الطائرات القتالية التي باستطاعتها الاغارة من 4 ال 5 مرات لكل طائرة باستخدام المدافع والصواريخ الجوية لاعتراضها.

في اثناء تأمل حلف الناتو تطبيق تقنية مزج مديات السرعة في نظام واحد، لما فوق وما دون سرعة الصوت، شرع الروس الى تطوير تقنية للصواريخ تعتمد اعتمادا كليا على مبدأ اسرع من الصوت، وانتاج صاروخ يطلق على مرحلتين يصل الى سرعته المرغوبة التي تفوق سرعة الصوت في المرحلة الثانية، بعد التغلب على الثغرة التي تجعل اجهزتة الالكترونية عرضة للتشويش من قبل الخصم. وبناء على المبدأ الروسي باطلاق صليات صواريخ مكثفة ومتزامنة عدة ضد هدف محدد، فالتشويش الفعال من شأنه ابطاء مفعول سرعة الصواريخ الى ما دون سرعة الصوت والحد من فعاليتها، الأمر الذي يتيح للدفاعات المنصوبة على السفن فترة زمنية كافية لتشغيل نظمها والتصويب باتجاه عدة اهداف دفعة واحدة.

بعد اجراء عدة تجارب لاختبار القدرات الدفاعية ضد الصواريخ المضادة للسفن، لجأ الفنيون الروس لاعتماد المهمة الاصعب في تطوير صواريخ مضادة للسفن تتميز بمدى اطول وتفوق سرعتها سرعة الصوت، وتوصلوا الى تقدم تقني هام يتيح للصاروخ المذكور اختراق الدفاعات البحرية متعددة الطبقات بفعالية بلغت ضعفي المعدل السابق لافضل صاروخ مضاد للسفن متوفر في الترسانة. واستطاعوا التغلب على معضلة الفترة الزمنية المتاحة للدفاعات المنصوبة على السفن وتحييد قدرتها على المناورة كذلك، واثبت تقصير المدة الزمنية الناتجة عن مسار تحليق الصاروخ الى مستوى ادنى على قدرته حرمان نظم الدفاع المضادة من منحها فترات زمنية خطيرة ضرورية لتصديها الفعال. كما ان السرعة الفائقة الجديدة للصواريخ عطلت قدرة مدافع نظام فالانكس لاصطياد الصواريخ القادمة حتى بتوفر عامل رصد وتتبع الصواريخ لها. ففي تجارب عدة اجريت للتصدي لنظام الصواريخ الروسي Sunburn فشل النظام الدفاعي الاميركي في التصدي للصاروخ خلال الفترة الزمنية الحرجة البالغة 2.5 ثانية والتي دخل فيها الصاروخ المضاد الاسرع من الصوت مجال الاطلاق للمدفع المركب على السفن.

بناء على ما تقدم، فان اي استعراض للنظرية الايرانية في تقنية الصواريخ المضادة للسفن ينبغي ان تأخذ في الحسبان النظرية الصينية الخاصة بذلك، والتي وان جاءت بموازاة مواصفات التقنية الروسية فانها مضت في تحقيق خطوة اضافية لاعتراض حاملات الطائرات الاميركية بفعالية، لاسيما في اية مواجهة مرتقبة من الصراع حول تايوان. كما ان التكتيكات الخاصة بذلك يمكن تطبيقها في مضيق هرمز ايضا.

نجحت الصين في تطوير نظام صاروخي مضاد للسفن من طراز DF-21D وادخاله الخدمة، والذي يرجح ان فعاليته تكمن في استخدام صليات عدة من الصواريخ لاستهداف حاملات الطائرات وهي في طور المناورة. النظام المذكور مبني للانطلاق على مرحلتين مستخدما الوقود الصلب مسلح برأس حربي مركب على صاروخ باليستي لاستهداف السفن مداه المتوسط يبلغ نحو 3,000 كلم. وبدأت الصين في جهودها لتطوير النظام الصاروخي في اواخر عقد الستينيات من القرن الماضي، وانجزته بحدود عامي 1985-1986، ولم يدخل الخدمة الا في عام 1991. تم تصميمه للاطلاق من الغواصات محمولا على صاروخ من طراز JL-1، ويعد الصاروخ الاول للصين الذي يعمل بالوقود الصلب، والذي صمم اساسا كسلاح استراتيجي وادخل عليه عدة تعديلات منذئذ ليصبح باستطاعته القيام بمهام نووية وتقليدية. والى جانب تسليحه برأس نووي زنته 300 كيلو طن، يحمل ايضا رأسا حربيا تقليديا للاستخدام في مهام مضادة للسفن.

من ميزات هذا الطراز من الصواريخ القدرة على نشرها في اماكن مكشوفة تدخل في نطاق نظم الدفاع الجوية، السرعة العالية للمرحلة النهائية من التحليق، القدرة على البقاء خارج نطاق ومديات النظم الدفاعية متعددة الطبقات المعدة على السفن لحين الثواني الاخيرة من مرحلة التحليق. نظام صاروخي بميزات شبيهه بما تقدم قد يتم نشره بسهولة في ايران ويهدد حاملات الطائرات المرابطة في المياه الدولية البعيدة عن مضيق هرمز وكذلك مهاجع الطائرات القتالية.

كما ان للنظام المذكور بعض نقاط الضعف، منها صعوبة مجال المناورة للرأس الحربي بعد دخوله مجال التصويب على الهدف نظرا لشحنة الطاقة العالية المرافقة لدخوله. ايضا، تمتلك البحرية الاميركية نظام ايجيس للدفاع الصاروخي الذي باستطاعته استهداف وتدمير الصاروخ في مرحلة انطلاقه الحرجة.

الصواريخ الاسرع من الصوت في الخليج العربي

على الرغم من توفر الصواريخ الحديثة في الترسانة الايرانية، الا ان معظم مخزونها يتبع التصميم التقليدي القديم للصواريخ الاسرع من الصوت. مع الاخذ بعين الاعتبار السرعة الفائقة الاسرع من الصوت للصواريخ المضادة وكذلك عامل ضيق مساحة المناورة في الخليج العربي، بالامكان القول ان الصواريخ الحديثة ستؤثر على الكيفية التي سيتم بها نشر القوات البحرية في المنطقة.

النتيجة البارزة للعيان هي ان السرعة الفائقة الصواريخ تؤثر سلبا على نظم الانذار والتفعيل السريع للنظم الدفاعية الخاصة بالسفن، وذلك بحكم المسافة القصيرة المتاحة. لكن من غير المرجح ان يتعرض ميزان القوى الراهن في الخليج لاي تغيير طالما ابقت الدول الخليجية والغربية على اولوياتها والتركيز على النوعية في مجالات نشر السفن وطواقمها والمباديء الاساسية للحروب البحرية.

تزخر اسواق التسلح بوفرة نظم الدفاع الصاروخي المصممة خصيصا لمكافحة الصواريخ الهجومية الاسرع من الصوت. على سبيل المثال، نظام “سي رام” للدفاع المضاد للصواريخ البحرية المضادة، الذي تنتجه شركة رايثيون الاميركية، يعمل على التغلب على ميزة السرعة الاعلى من سرعة الصوت للصواريخ المذكورة عبر الابقاء بالعمل لنظام فالانكس للمراقبة، وتعزيزه باستخدام صواريخ تعمل بالاشعة تحت الحمراء (RAM) لتدمير الصواريخ الموجهة القادمة. اجريت 10 تجارب عليه لاعتراض صواريخ حقيقية مضادة للسفن بلغت سرعته 2,5 ماخ حققت فيها صواريخ RAM نجاحات باهرة اذ اصابت اهدافها جميعا، من ضمنها تلك التي حلقت على سطح الماء واخرى للمناورة وبعضها لهجمات فردية واخرى لهجمات مستخدمة صليات صاروخية. وبلغت نسبة نجاح التصويب ما ينوف عن 95%، حسبما افادت المصادر الاميركية. ومن الميزات الاخرى للنظام الدفاعي انه يعد تطوير لنظام فالانكس الذي اثبت جدارته الفنية ودخل الخدمة الفعلية لعدد من الاساطيل البحرية العاملة.

SeaRAM anti-ship missile system

بالطبع، يمكن خداع الصواريخ المضادة للسفن لتتبع اهدافا وهمية يبلغ اقصى مداها نحو 14 كلم عن الهدف الحقيقي، عبر التأثير على اجهزة الرادار المركبة عليها التي تستشعر الاهداف الوهمية ذات المدى المتوسط كما لو انها اهدافا حقيقية وتثبيتها في مرماها بدل التصويب على السفينة الهدف الحقيقي. الاهداف الوهمية متوسطة المدى عادة ما تستخدم لاغراض الخداع، وهي مصنعة من نفايات الصواريخ خفيفة الوزن على متنها ساعة توقيت الكترونية مبرمجة لتوليد اهداف شبيهة بالاهداف الحقيقية، وحجمها بالغ الدقة تحلق بمديات تبعد عن المصدر الام ما بين 500 الى 2000 متر.

تفعيل لحظة الاغواء تتم في اللحظة التي تصوب فيها الصواريخ القادمة هدفها على السفينة المعنية، وتنطلق هذه الاهداف الوهمية بصورة غمامة ازهار متفتحة لكنها نفايات على ارتفاعات محددة مسبقا محدثة نقطة كبيرة لهدف وهمي يستدرج الصاروخ الموجه ويحرف مساره عن الهدف الحقيقي. فالصواريخ قصيرة المدى من طراز BT-4 تولد اهدافا الكترونية ضخمة، بعضها يبلغ حجمه عدة آلاف من الامتار المربعة، تظهر دفعة واحدة. تحتوي هذه “الاهداف” على اجهزة مولدة للحرارة توفرها الشراك الخداعية (هيتراب)، تعمل بالمديات القصيرة جدا التي تبلغ من 50 الى 600 متر لحرف الصاروخ الموجه عن هدفه الحقيقي.

كما انه يمكن تحييد فاعلية الصواريخ المضادة للسفن العاملة بسرعة فوق سرعة الصوت عبر استخدام مهارة تعطيل قوة الدفع لاطلاق الصواريخ ضمن ظروف معينة. على سبيل المثال، احد المكونات الحساسة للنظرية الروسية في هذا الشأن هو الاعتماد على نظام استخباراتي منظم جيدا من شأنه فسح المجال امام تصويب ادق للهدف المراد واعطاء جهاز التحكم المنصوب على الصاروخ قدرا اكبر لتحديث المعلومات وتتبع الهدف. بما ان لحظة اتخاذ القرار المتاحة امام ذاك النمط من الصواريخ الموجهة تتضاءل مدتها خلال مرحلة التحليق والاضطرار لاستهلاك قدرا اكبر من الوقود، تتضاعف اهمية دقة معلومات التصويب قبل الانطلاق، خاصة في المدى الاطول. وعليه، باستطاعة القوات البحرية المسلحة بمعدات الكترونية متطورة مضادة حرمان نقطة الانطلاق من استكمال المعلومات الضرورية لتنفيذ المهمة بنجاح.

المصادر الروسية تؤكد ان الاستخدام الناجح للصواريخ المضادة للسفن يكمن في قدرتها على شن هجوم متعدد الابعاد على اهداف بحرية وجوية معا، وتشير الى الادراك المسبق للمصممين على ضرورة حرمان الطيران المعادي من السيطرة الجوية مما يؤدي الى القضاء على القدرة لاستخدام سلاح الطيران لاغراض هجومية، واضطرار السفن الى اطلاق قذائفها من مسافات ابعد، الامر الذي يتيح للطرف المدافع فترة زمنية اطول لتصويب دفاعاته. ومن ابرز الامثلة على ذلك حرب جزر الفوكلاند التي جرت عام 1982. اذ بالرغم منن تسلح الارجنتين بصواريخ اكزوزيست المضادة، انفردت بريطانيا بالسيطرة الجوية على منطقة انتشار اسطولها البحري مما اضطر سلاح الجو الارجنتيني اطلاق قذائفه من مسافات بعيدة حرمته من القدرة على التصويب الدقيق. نتيجة الامر ان الانجاز الوحيد للارجنتين ضد السفن الحربية البريطانية، السفينة شفيلد، تحقق عندما تعرضت السيطرة الجوية البريطانية الى الاختراق. بناء على ذلك، فان اية قوة بحرية في الخليج العربي تستطيع السيطرة على الاجواء الجوية تكون قد حققت انتصارا اوليا بموجب ذلك.

النظم الالكترونية الفعالة تلعب دورا حيويا في حرمان الطرف المهاجم من استغلال الظروف لنجاح مهمته بالصواريخ الموجهة، كما ان للهجمات المنسقة مسبقا دور حيوي لنجاح الهجمات الصاروخية المضادة للسفن كونها الوسيلة المثلى لارهاق انظمة دفاع الخصم. هذا بدوره يتطلب اتصالات فاعلة والتي يمكن اعتراضها وتعطيلها من قبل الطرف الاخر. علاوة على ذلك، النظرية الروسية تعتمد ايضا على عنصر المفاجأة كعنصر حيوي لنجاح الهجوم بالصواريخ المضادة، خاصة اثناء الليل حينما تتقلص مجالات الرؤية. وللتغلب على ذلك، بالامكان تسليح القطعات البحرية بنظم الكترونية متطورة للترصد وتعقب التهديدات المحتملة.

بما ان سلاح الصواريخ المضاد للسفن العامل بسرعة تفوق سرعة الصوت قد يغير تركيبة القوى البحرية المنتشرة في الخليج، الا انه لا يعد سلاحا لا يقهر. فالدفاعات الصاروخية تتغير تقنياتها بسرعة كبيرة. كما ان الطرف المدافع يملك ميزة حساسة لنشر واستخدام النظم الالكترونية المنصوبة على السفن الحربية. وبذات الاهمية، فان شن حرب ناجحة بالصواريخ الموجهة يعتمد ايضا على عدد من المكونات الحيوية للحرب الحديثة وعلى رأسها المعلومات الاستخبارية والتفوق الجوي والقيادة والتحكم. هذا يعني ان القوة البحرية التي تولي اهمية عالية للمباديء الاساسية للحروب البحرية تتميز بتفوق نوعي بالرغم من ترسانة سلاح الخصم.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

يمكن مطالعة النص الكامل للتقرير في موقع المركز بالعربية والإنكليزية: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com