ماذا يعني فشل ” مؤتمر اعداء سوريا” في تونس؟

العميد الدكتور امين محمد حطيط

عندما تداعى اطراف دوليون وعرب الى عقد مؤتمر لهم في تونس تحت عنوان مزور ” اصدقاء الشعب السوري ” و هو حقيقة مؤتمر “اعداء سوريا” كنا نعلم ان هذ المؤتمر لن يحقق نجاحا للمؤامرة التي حبكت ضد سوريا ونفذت كحرب كونية ضدها، و لن يعوض اخفاقاتهم المتتالية منذ اكذوبة “المظاهرات السلمية ” و”الثورة السلمية ” وصولا الى الاعتراف الفاجر بالعمل الارهابي المسلح و الدعوة للتدخل العسكري الاجنبي لتدمير سوريا وشطبها من المعادلة الاستراتيجية الاقليمية.

وكان مرد قناعتنا بفشل هذا اللقاء التآمري (كما فشل و سيفشل امثاله من الندوات والاجتماعات والمؤتمرات) عائد وبكل بساطة الى المنطق والمسلمات التي يفرضها و المتمثلة بالقول بان هذه المؤتمرات لا يمكن ان تحسم الوضع في سوريا اليوم الا بوجه من اثنين: تدخل عسكري خارجي او حل سلمي يقبله الداخل، خاصة بعد ان تبين عقم كل الوسائل التي لجأ اليها ارباب المؤامرة، سواء في ذلك المظاهرات المدنية بعد ان افتضح امرها و احجم السوريون بوعيهم الملفت احجموا عن الاشتراك فيها فاضمحلت، او الارهاب المنظم على الارض السورية و بمشاركة عربية و اروبية، حيث فشل في تحقيق اهدافه، و تمكنت قوات حفظ النظام و الجيش العربي السوري من معالجة معظم بؤره الى الحد الذي امكن القول اليوم بانه لم يعد يشكل تهديدا للدولة.

ان حسم الامر في سوريا اذن و كما يريد من يشن الحرب عليها لا يكون الا بالقوة العسكرية، او بالقرارات السياسية التي تقبل بها المكونات السورية، لكن الواقع المتشكل بعد سنة تقريبا على اندلاع الازمة يظهر بان كلا هذين الطريقين مقطوع:

فالتدخل العسكري الخارجي امر غير ممكن ليس فقط لان الفيتو الروسي الصيني اقفل طريقه في مجلس الامن، بل ايضا لان الميدان ينبئ باستحالة نجاحه في ظل وجود منظومة دفاعية متماسكة تمتد من ايران الى لبنان مرورا بسوريا. و قد بات الحديث عن العمل العسكري هذا و تحت اي صيغة و صورة مدعاة لاضاعة الوقت و السخرية من الذين يطلبونه او ينظرون له.

اما الحل السياسي بالصيغة التي يريدها المستهدفون لسوريا ( اي تعين السلطة الحاكمة بقرار خارجي وانصياع داخلي ) فهو امر مستحيل ايضا، لان سوريا لا يمكن ان تقبل ارادة خارجية تنصب لها حكاما، او تختار لها قادة، و كيف تقبل و هي قادرة على الرفض و قادرة على الدفاع عن قرارها المستقل. و لذلك قاومت الاملاءات في السابق و انتصرت و تقاوم الاملاءات اليوم و تحقق الانتصارات. لكن سوريا و كما يعلم الجميع تسعى الى حل سلمي يتم الوصول اليه عبر حوار داخلي يجري بين مختلف مكونات الشعب السوري و هو ما يشجعها عليه ايضاً حلفاؤها الحقيقون (خاصة ايران و الصين و روسيا ) لكن هذا الحل مرفوض من مجالس العملاء و رعاتهم الدوليين، او كما وصفه “كبير لهم” في التآمر على سوريا “لاجدوى منه “. و يعود رفض المتآمرين الى قناعة لديهم بان ترك الحرية للشعب السوري و قادته الحقيقين في ان يقرروا لبلدهم ما يريدون و عن طريق الحوار سيقود الى بناء سوريا القوية السيدة و المستقلة و الثابتة في موقعها الاستراتيجي و تحالفاتها ما يعني افشالاً لكل اهداف المؤامرة. لهذا فانهم لا يرتضونه لانه سيخرجهم من المشهد السوري اولاً ثم يشغلهم بالدفاع عن عروشهم التي بدأت تهتز بسبب المتغيرات ثانيا.

فاذا كان العمل العسكري غير ممكن، و اذا كان الحل السياسي بالاملاء مرفوضاً، فاننا نسأل هؤلاء الذين ينفقون الاموال و يبددونها في الاجتماعات و اللقاءات و السفر و… لماذا تبذلون كل هذا الجهد الذي لو امتلك المرء ذرة من منطق لرفض القيام به عملاً بالقاعدة:” من الحمق ان تقوم بعمل تعرف مسبقاً انه عقيم ” او ” ان تطلب طلبا تعرف مسبقا و بشكل قاطع بان جوابه سلبي”.

لماذا يستمرون في العمل التآمري اذن ؟

أهي المكابرة ام هو الحمق ؟ ام هو الوهم ؟ و المنطق السليم يفرض كما اشرنا ان يقتنع هؤلاء بانه طالما ان هذين الطريقين الوحيدين للحل مقطوعين فان الفشل سيبقى حليفهم في حلهم و ترحالهم. خاصة ( رغم انهم باتوا مدمنين للفشل المتلاحق ) ان لفشلهم في تونس طعم و دلالات اخرى بالغة الاهمية، لانه فشل فتح باب اليتم امامهم بعد تراجع فرنسا من الصفوف الامامية للمؤامرة بتأثير من فضيحتها الارهابية في حمص (ظهور ضباط فرنسيين يقودون عمليات ارهاب ) و بعد ظهور الموقف الضبابي و المتقلب لاميركا و امتناعها عن مجاراة اصحاب الرؤوس الحامية (عربا او سوريين ) الذين ظنوا ان الحلف الاطلسي بامرتهم او ان القيادة العسكرية الاميركية ملحقة بمجلس تعاونهم الخليجي.

مواقف فرنسية و اميركية صعقت الادوات السورية و العربية فجعلتهم يطلقون التصرفات التي لن تغير واقعا رسم من قبيل القول ” بان تسليح المعارضة فكرة ممتازة” او سوى ذلك ( و كان التسليح لم يحصل، و كان ارهابيوهم لم يفشلوا). و لا يبدو ان الصعقة ستجعلهم يدركون بان الامور تغيرت و ان المؤامرة تلفظ انفاسها الان و ان فرنسا كما اميركا بعد تونس لن تكونا كما قبلها وهو تغير يعزز قولنا السابق بان اميركا اقتنعت مؤخراً بعجزها في سوريا و بدات تنسحب بشكل ممنهج و محسوب و هادئ حتى لا تسجل الهزيمة في خانتها و لا يغير من هذا التقييم ما صدر من مواقف ترضية جاءت على لسان اوباما او كلينتون لجهة الايحاء بامكان اعتراف ما بمجلس استنبول، او البحث عن ادوات اخرى ( و هو يعلم ان ليس هناك ادوات كما قلنا ) مواقف جاء الاميركي بها لتهدئة خائب هنا او غاضب هناك من منظومة الادوات.

و الان و مع هذه القناعات و النتائج نرى ان سوريا تستطيع ان تتابع مسيرتها الامنية و الاصلاحية مطمئنة الى عجز المتآمرين عن النيل منها مهما علا عويلهم، والى قدرة الحلفاء و اخلاصهم في السير معها لتثبيت النظام العالمي الجديد الذي ولد من الرحم السوري كما سبق و قلنا منذ اشهر، و بدأت ارهاصات حرب باردة جديدة تظهر لتكرس التوازن الدولي بين منظومة دولية دفاعية تستند الى الاقتصاد القوي ( الصين ) و السلاح الرادع (روسيا) و القدرات و الموقع الاستراتيجي المتحكم بالطاقة (ايران )، في مواجهة منظومة الاستعمار الجديد التي يترنح اقتصادها (اروبا ) و تئن جيوشها بعد ان ارهقتها الحروب الخاسرة (اميركا ) و يسيطر القلق على ادواتها قلق من مستقبل مظلم يتهدد العروش و الثروات ( دول الخليج).