حامل السّلّم بالعرض، الدكتورعادل سمارة
مشكلتي فكرية وثقافية ومحاولة مطابقة ذلك مع الواقع الحي. هذا ما اسميته حرب غُوار الثقافة.
إخلاصي للعروبة أخرجني من فلسطينيي التسوية وشيوعيتي وضعتني في تضاد مع أحفاد ستالين،
فما بالك بتمفصلات يهودا الصغير «تروتسكي»، ورفضي للتطبيع جعلني مصلوباً وفقيرا وحيّاً لا أُرزق.
لا يوجد اقتصاد فلسطيني ولا حتى اكتمال طبقات، كل شيء هنا شظايا حتى النضال مفتّت.
يحرجني الذين خلطوا بين ثوار ميدان التحرير وثوار الناتو.
الربيع الفلسطيني هو المقاومة، والربيع السياسي السلطوي هنا هو تكريس لأوسلو-ستان عبر انتخابات تحت الاحتلال، ديمقراطية مصهينة.
من طالب يفوز بالمرتبة الأولى في سباق الدراجات الهوائية في مجافظة رام الله إلى طالب في جامعة بريطانية يقدّم أطروحة الدكتوراه بالمنهجية الماركسية، فحامل لشهادة عليا مدفوع عن أبواب منظمات المجتمع المدني إلى صاحب مزرعة دواجن يقتات منها ما يكفيه بالمعروف.. إلى داعية لقومية عربية ماركسية.. تراه بعد هذا وخلاله يحمل سلّم التغيير بالعرض فلا يُبقي له صديقا ولا رفيقاً.. يعاديه الجميع إلا ثلّة من أمثاله ويتجنبه مسؤولو السلطة في اختياراتهم.. لكنه يصرّ على أنه الذي على صواب، وينافح بقوة حيناً وبقسوة حيناً آخر.. يرى في معركته مع التغيير معركة شخصية جداً وكأن مسؤولية العالم كلها هي مسؤوليته الشخصية.. فتحنا له باب أسئلتنا طالبينمنه فتح باب أجوبته بصدق، فكان لنا ما أردنا وكان هذا اللقاء.
عرفتك وأنت تهاجم، يقولون بأنك «تحمل السلم بالعرض»، ما هو السلم الذي ترى أنه يجب ان يُحمل السلّم له بالعرض ليصبح الوضع صحيحاً؟ وما هو الوضع الذي ترى أنت أنه لا بد من تصحيحه لتستقر الأمور كما ترى؟
مشكلة حامل السلَّم بالعرض هي مع متسلِّقي السلَّم! قالوا ذلك، وقالوا يهاجم اصحابه. سوف تسمع كثيراً ممن ليست لهم مواقف ولا شرف الموقف والقناعة. ذهبتُ بلا تردد بكثيرين/ات ممن أحببت، لأن المعيار هو الوطن، والموقف الفكري والسياسي. هنا الشعور مؤلم، ولكن تأنيب النفس أقسى. قالوا وسيقولون. إنهم يتكاثرون ويتناسلون مثل عديد الحصى. قد أبدوا كمن يحمل السلَّم بالعرض. وهذا يعني أن كثيرين لا تتعدَّل رؤوسهم بغير صدمتها بالسلَّم. أي بصدمة الوعي، بالموقف الواضح أو الإحراج الأخلاقي. فهل تتخيل مناضلاً يعيش من الأنجزة ويزعم أنه شيوعي! يعيش من أوسلو ويزعم أنه يرفضها! يعيش في رام الله ويقول عنها مدينة محررة. مشكلتي فكرية وثقافية ومحاولة مطابقة ذلك مع الواقع الحي. هذا ما أسميته حرب غُوار الثقافة يوم كرَّمني بيت الشعر مشكوراً. أعتقد أن ما أحمله هو حالة صدق مشحونة بحرص على الوعي وتطوير الذات، وهذا يخلق ثقة أكبر بالقناعات. إن وافقتك أنني أحمل السلَّم فهو محاولة الصدق، ودفع ثمن ذلك. هو أمر صعب، وبالمناسبة ليس عملا بطولياً، هو محاولة الحفاظ على قناعات الطفولة في الكهولة. هل يفجؤك هذا؟ هي الأصول التي تربينا عليها. يرى البعض أن الأصول أو أل Grundrisse تبيِّن ماركس أكثر من راس المالDas Capital. ألمهم، طالما أنت زاهد، صوفيّ غير استهلاكي، سوف تقول كلمتك وتمضي. الموقف أن لا تغادر ظهر الجواد حتى يكبو، أو تكون خائناً. ما أريده هو ما ابتدأت به مع فارق الوعي والعمر والاستعداد لدفع الثمن هو: فلسطين لنا، وليس كما أغوونا حين كنا يافعين شيوعيين بأن هذه مشاعر مِلْكية خاصة. كم من حفرة رمونا بها!. فلسطين ليست 7691، وسأهاجم بالموت من يقول ذلك. ونحن عرب، ولا بد من الوحدة، والطبقات الشعبية العربية قومية واشتراكية، ومن ليس عروبياً فهو مُباع او مُشترى. نعم أنا اكتشفت التلاقي بين القومية والشيوعية، واكتشفت أهمية المثقف المشتبك فهو أعلى من نقديْ. هل ترى كم هذه مكلفة وكم تجند من أعداء. إخلاصي للعروبة أخرجني من فلسطينيي التسوية، وشيوعيتي وضعتني في تضاد مع أحفاد ستالين، فما بالك بتمفصلات يهودا الصغير «تروتسكي»؟، رفضي للتطبيع جعلني مصلوباً وفقيرا حياً لا أُرزق، وحرصي على سوريا أفقدني أعز من أُحب. هذا ممتع بمقدار وموجِع بمقادير. لكنني أبتسم مع كل صباح حين أكتشف أن رأسي ما تزال في مكانها، ولذا فهو يوم عمل جديد، وحين النوم أفكّ وجهي وأضعه أمامي وأبتسم، لأنني لم أخن البلاد ذلك اليوم، وإن أغضبت هذا أو هذه. السُلَّم هو: العمل والحب والثورة. هل تحققت؟ كم أكره عبارة: ماذا أخذ معه؟ فالمهم: ماذا ترك للناس؟ بصراحة، هذا السُلّم الذي وضعته على كتفي يؤكد لي جملة موجعة: إنني بين الجميع ووحدي، رغم ذلك أحب هذا الجميع.
الاقتصاد عصب الوجود الإنساني والمحرك الأساس للتاريخ البشري في أي خانة يمكنك تصنيف الاقتصاد الفلسطيني، وما هي الكيفية او الطريقة التي ترى ضرورة اتباعها لتكوين اقتصاد يسير قدميه بدل هذا الكساح؟
اخترته رغم أهلي، كثير منه لم أفهمه بعد، وسأحاول. عِلم مظلوم يُنكر الناس قدره ويتنافسون عليه بوحشية. إنه تأكيد على أن ما وراء الأشياء هو الناس، وأن الناس طبقات. يزعم لصوص الحياة والسوسيولوجيون وعشاق تناسل اللغة من اللغة، ومرتدّو اليسار أن الطبقة لا تنفع للتحليل. لا يوجد اقتصاد فلسطيني ولا حتى اكتمال طبقات، كل شيء هنا شظايا حتى النضال. كي نتجاوز الكساح علينا فقط أن نؤكد أن الحياة مقاومة متعددة الأوجه. وهذا يشترط اقتصاد الحماية الشعبية، اقتصاد الحزب، اقتصاد الطبقة. أما الاقتصاد الوطني فكذبة برجوازية وسرديّة سوق. كبداية لسير الاقتصاد على قدميه لا بد من التعاونيات الإنتاجية التي ينشئها الناس ولا تموّلها الأنجزة، وصولا إلى التنمية بالحماية الشعبية. ولكن دون هذا خرق القتاد في مجتمع فيه فلتان تنموي، يستجدي المثقفون المال المسموم على ورق البروبوزال ليمارسوا التنمية بأبحاث (لا مواقع إنتاج) بلا رؤية وبلا مشروع أو استراتيجية. جيوش من الباحثين/ات ولا شيء على الأرض، ومع ذلك يزيد الممولون دفعاتهم كي يغادر الناس مواقع الإنتاج كمن يسكب لعدوه المزيد بعد أن يسكر. السلطة تتحدث عن التنمية ومراكز «الأبحاث» تطبع عن التنمية ولا ينمو سوى فساد اليمين واليسار والدين السياسي. هذا نمط تنمية استدخال الهزيمة حيث يتكاثر من يعتمدون على التموُّل من الخارج لا من مواقع الإنتاج. ما أخطر العيش على المال المسموم واقتصاد الفتاوى.
كتبت عن المرأة بلغة تقدمية ذات مضمون واضح، عن اي امرأة تتحدث، وعن اي رجل؟ واين هما في الوسط الفلسطيني في ظل نفاق مستحكم من سلوك الرجل عندنا فيما يتعلق بالمرأة؟
سؤال جميل مثلها. أنا أحببت كل النساء وأحبني منهن القليل. عرفت قدر المرأة من أمي. المرأة الإنسان، كل امرأة إنسان. أما المرأة الثورة فلم توجد بعد. دعني أمدح نفسي، حاولت خلق بعضهن ولم أُفلح، اكتشفت أنني أحلم… هي لم توجد بعد، لن تأتي إلا مع الإنسان الشيوعي الذي تحدث عنه جيفارا. كل الرجال وكل النساء اليوم مسوّدات لما يجب أن يكون، وانا منهم. أتحدث عن المرأة التي تعاندني ولا تلجأ للمواربة، تعي التحرر وترتفع فوق استجداء الكوتا والمساواة. أتحدث في اللحظة عن المرأة التي تناضل وطنياً وطبقياً واشعر بالتقزز من النساء المتفذلكات اللائي يُقحمن «الجندر» حتى في البسملة. الأخطر هو تلكم الكثيرات من نساء أل Feminism لأنهن في الغرب متواطئات مع السلطة ويأتين هنا مبعوثات استعمار، هن ضحايا وأدوات معاً. وأكره أكثر المرأة «النسذ كورية» اقصد المرأة التي تشارك في سلطة الذكور وراس المال والبطريركية حسب كتابي الأخير: «تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء». أبحث عن المرأة التي ترفض وتواجه لا التي تكتفي بالاستماع والموافقة الغنوج، المرأة التي تعي قيمتها ولا تنخّ للرجل كي تأوي إليه حتى لو يعصمها من السوق.
ما زلنا نذكر المقولة الماركسية الهامة حول انهيار الراسمالية؟ ما رؤيتك للقادم في ظل أزمات الراسمالية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة؟
ما زالت الراسمالية تتحرك على مقعد مرن يدور بها على محورها ويعصمها من الهبوط للأسفل بعد. مقتل المركز يجب أن يأتي من المحيط. لسنا جاهزين بعد. الثورة المضادة هنا تحمي المركز سواء بالدين السياسي او المخترَقين اللبراليين أو الكمبرادور السياسي والاقتصادي والثقافي والنسوي. حين نفك الارتباط مع المركز بالثورة ويتوقف تبرعنا بالدم له، يتهاوى النظام العالمي. لاحظ حينما تتراخى قبضة راس المال المركزي يُنقذه رَيْع الخليج! نفط يحرق الربيع قبل أن يصبح قشِّاً. نفط العرب هو أقوى أوتار شد خيمة رأسمالية المركز. حين نعي خطورة دورنا كمحيط في خدمة رأس المال يبدأ التحول. لذا ليست الرأسمالية جاهزة الآن للسقوط إلا بانفجار اجتماعي كبير لا أنفي اقتراب، ولكن لا أؤكد متى. لذلك، الشيوعية وعي ومن ثم مشروع ثورة. تماماً كالمرأة هي قوة إنتاج كل شيء ولكن بغياب الوعي لن تتحرر وتخلق مشروع الإنسانية الجديد. وعي الإنسان هو التحدي الأكبر له، هو وازع الثورة. هل يُحرجك شيئٌ بقدر ما يحرجك وعيك؟ هذا هو السلم بالعرض. اليس جميلاً!
الربيع العربي وعلى هامشه تقدم الإسلاميين مع تفاقم مقولات التخوين لهذا الحراك الجماهيري أدل برايك في هذا الأمر.
منذ قرن ونحن نتعذب بالثورة المضادة، منذ عام بدأ حراك وثورة فتصدت لها الثورة المضادة. الأمر ليس سهلاً. فالأنظمة القومية عجزت عن التحرير والدقرطة والتنمية، فكان الاختراق الغربي للدين السياسي حيث طوَّعه ليخدمه عدة عقود مقبلة. الشباب سقطوا في اندفاعة الصدر وفراغ الرؤية في مجتمعات أهلكها تجويف الوعي بالقمع وتجريف الثروة بالفساد والشرطة والعسس، بعد سنة وجد الشباب انفسهم على الهامش يغنون لوهم حرية السوق والسوق إيديولوجيا. يقودهم ثلاثي: أولاد هيلاري، شيوخ الدين السياسي وراس المال. لم تُحسم المعركة بعد. كم أخشى القول: لا باس فإن ما هو قادم افضل. يحرجني الذين خلطوا بين ثوار ميدان التحرير وثوار الناتو. والحرج الأكبر أن هناك يساراً يتحدث ويفكر يميناً، وحتى إمبريالياً لأنه لا يقرأ كي يحدد مواقف ويطرح تقييمات واعية لكل ساحة عربية كي لا يسقط في مديح تدمير سوريا وليبيا باسم الراديكالية. أما المهزلة فهم أولئك المثقفون الذين بينما تضج الشوارع بالناس ينشغلون في شتم التحليل المادي للتاريخي والبحث في روث الراسمالية عن علاج.
هل سيكون لفلسطين ربيع؟ أم أن خريفنا دائم الإصفرار ولا يتغير بتغير الفصول؟
لا تغضب مني! فلسطين لا شيء دون الوضع العربي، إن غرقوا غرقنا وإن نهضوا نهضنا. إرم عنك «القرار الوطني المستقل» دعك من هذه العصبية. لولا الاستعمار الاستيطاني لرفضتُ القول إنني فلسطيني. حذار من اقتلاع هذه الأرض من العمق العربي لأننا سنضيِّعها فعلاً. الكيان الصهيوني يعرف صحة هذا القول، والمطبعون يرفضون هذا القول من أجل متاع وضيع. يتباكى الكثيرون على عدم مجيىء ربيع فلسطيني! هؤلاء مضمخون بالتسوية والمساومة. لأن الربيع السياسي السلطوي هنا هو تكريس لأوسلو – ستان عبر انتخابات تحت الاحتلال، ديمقراطية مصهينة. في وطن مغتصب، الربيع هو المقاومة فقط.
عن القومية العربية والأفق البعيد، هل سيقفز عنها الإسلاميون كما تجاوزها القطريون، أم ستنهض كما عادتها، ورقا ومشاريع أم حضورا واقعاً كما لم يكن من قبل؟
القومية العربية مظلومة من أهل لم يفهموها ومن حكام يخونونها، ومن الخارج لأنه يتهمها بالشوفينية ومن الدين السياسي لأنه متورط ضدها دون مختلف القوميات، بل هو اليوم يركع لأكذوبة وجود قومية يهودية. القومية العربية أوجاع أمة تحت الاستهداف. الأمة وجود موضوعي تاريخي لا يخلقها التحدي بل يحركها للدفاع كقومية. التطورات الأخيرة لصالحها فهي تكشف أن العالميات الثلاثة: الدين السياسي والعولمة الراسمالية والشيوعية المتصهينة تصطف ضد الأمة العربية. هذه التحديات تكشف للأمة وجوب حضورها كفاحياً. تجربة سوريا هنا فاصلة. ومن هنا دفاعي عن سوريا. ليس كما قالت لي صديقة قديمة: أنت عميل لسوريا! يجب أن نحمي سوريا وأن نرغم النظام على التحول الثوري. لست متشائماً في هذه المسألة لكنني أعلم أنها بحاجة لشغل هائل لا مهرجاني. تحرير فلسطين مرهون بالصعود القومي للطبقات الشعبية العربية. أليس هذا دور تاريخي للقومية العربية، بل تحدٍّ تاريخي. كان عنوان مؤتمر هرتسليا الصهيوني 8002 إن عدونا الفعلي هو القومية العربية. لم يقولوا الدين السياسي، وبالطبع، يؤكدون ذلك اليوم.
:::::
“الهدف”، يناير 2012
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.