الرأسمالية وصلت إلى نهايتها والعالم يبحث عن نظام جديد

زينب الطحان

جان زيغلر”، وهو عالم اجتماع وسياسي أوروبي، يصف الرأسمالية المالية المعولمة “بالمجتمع القاتل”، وهذا ما تكشفه حروب الغرب الماضية والنفقات المتصاعدة على التسلح، التي وصلت إلى 1,6 بليون دولار، هذه هي النزعة الحربية المتأصلة في الرأسمالية. وألم تثبت أحداث العالم أن هذه القدرة المفترضة على السلام لا أساس لها، كما هو حال الاعتقاد بأن تحرير السوق وخصخصة الممتلكات العامة سيؤدي إلى ظروف عمل عادلة ورواتب تقاعدية مجزية ونظام اجتماعي آمن؟!.

الوضع في اليونان، المهددة بالإفلاس، يعكس لنا بوضوح الفشل الاجتماعي الكبير للرأسمالية في أوروبا، حيث جرى، في أعقاب الأزمة المالية، تقليص حاد للأجور والرواتب التقاعدية والنفقات الاجتماعية، ولا يبدو الوضع، أفضل من ذلك، في ايرلندا والبرتغال واسبانيا، وبعد فشل إصلاح النظام التقاعدي الذي نفذه الليبراليون الجدد فيها. برامج التقشف في أوروبا يلاحق احدها الآخر، وحتى ألمانيا لم تكن بمأمن من برامج التقشف الاجتماعي، ولهذا لم يعد يوجد سبب معقول للإشادة بهذا النظام. وهذا ما أكدته تصريحات عديدة لأعضاء في الاتحاد الأوروبي في المدة الأخيرة، خصوصا في منتدى دافوس الذي عقد مؤخراً. عن الرأسمالية وسقوطها، الذي طرحها منتدى دافوس الأخير، أعددنا هذا الملف من الأسئلة الإشكالية التي طرحناها على كل من الخبراء : غازي وزني، غالب أبو مصلح، وميخائيل عوض.

أزمة الرأسمالية الليبرالية فقدت القدرة على استنباط الحلول وتهدد العالم بالانهيار :


موقع المنار: بعدما افتتح كارل شواب منتدى دافوس، وهو مؤسسه، قال إن الرأسمالية بشكلها الحالي لم تعد ملائمة لعالمنا المعاصر ، أتى هذا الاعتراف بعدما مرّت الرأسمالية بمراحل تاريخية كانت تتكيف فيها مع أزماتها، اليوم أين تقع أزمتها تحديدا؟!.

الخبراء: الخبير ميخائيل عوض، أجاب باختصار مؤكدا سقوط الرأسمالية وحقبها وأدوارها وأنها لم تعد قادرة على توليد الحلول، وقال : “هي بكل تاكيد أزمة كيانية وأزمة نمط إنتاج، والان تبزغ شمس الشرق ونمط الانتاج الاسيوي ليقدم بدائل تحت الاختبار. والحل يكمن، كما راى الخبير عوض، في تطبيق الأية الكريمة “ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين..”

الخبير غازي وزني، يرجع فشل الرأسمالية إلى العام 2008 وذلك مع وقوع العالم في أزمة مالية خطيرة، حيث بدأ الناس يطالبون بوضع قواعد جديدة للنظام الرأسمالي السائد المبني على الجشع، والربحية، وسطوة المصارف على الاقتصاد، وهيمنة الاسواق المالية على الاستثمار، وتسهيل القروض العقارية التي تسببت بالافلاسات والحجوزات العقارية، والحث على الاستهلاك، نظام رأسمالي مبني على العلاوات الضخمة للمدراء، وانعدام المساواة في المداخيل، وتزايد البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، وغير موّلد لفرص العمل.

أما الخبير غالب أبو مصلح، فقد أسهب لنا في تبيان مشكلة الرأسمالية الحالية، بأنها في مرحلتها الأكثر إحتكارية وعولمة “هي أزمة بنيوية دورية يمر بها النظام الرأسمالي بين فترة وأخرى. أما هذه الأزمة الحالية للنظام الرأسمالي في مرحلة الليبرالية الجديدة ربما تكون أكثر حدة وأبعد أثراً من أزماته الدورية الماضية، فقد أسقطت هذه الأزمة فلسفة الليبرالية الجديدة التي تقول بعقلانية الأسواق وعدالتها وقدرتها على تلافي الأزمات الدورية، وبأنها تملك آلياتٍ ذاتية للتصدي لأي خللٍ فيها بعيداً عن تدخل الحكومات؛ فهي تقدّس حرية الأسواق، وأثبتت التجربة أن هذه الرأسمالية الليبرالية سارعت إلى طلب النجدة من الحكومات لانتشالها من أزماتها النقدية والمالية الحادة، والتي هددت النظام بأسره بالإنهيار. ويضيف “أبو مصلح” أن هذه الليبرالية أدت إلى تفاقم المديونية العامة والخاصة، إذ إن الإستهلاك شكل قاطرة النمو. وعندما تشكلت فوائض مالية ضخمة في النظام أدت إلى انخفاض مردود رؤوس الأموال، عمِلت الليبرالية الجديدة على فتح أسواق الدول الناشئة أمام تدفقات السلع والخدمات من دول المراكز الرأسمالية لزيادة الطلب على رؤوس الأموال، وخلقت سوقاً إفتراضية لتشغيل رؤوس الأموال بعيداً عن التوظيف المجدي في الإنتاج، وحوّلت السوق المالية العالمية إلى نادٍ ضخمٍ للمقامرة، ورفعت الطلب في أسواقها بتمويل الإستهلاك بالديون، مما راكم ديوناً كبيرة في القطاعين العام والخاص؛ أدى ذلك إلى أزمات في النظام على أكثر من صعيد، مثل نمو الفروقات الطبقية، مما يهدد السلم الإجتماعي، نمو المديونية، مما جعل المراكز الرأسمالية تقف على جبلٍ من الديون يهدد إنهارها، نمو المضاربات، مما رفع أسعار السلع والسندات إلى معدلات مرتفعة جداً، وشكل فقاعات أدى انفجارها إلى انهيار العديد من المؤسسات المالية. كما أدت هذه السياسات إلى هجرة المؤسسات في مراكز النظام إلى دول العالم الثالث حيث الأجور متدنية، وكذلك الضرائب، مما رفع مستوى البطالة إلى حدود خطرة، وفاقم عجز موازين المدفوعات وموازين الحسابات الجارية في تلك الدول. وبالتالي، فإن هذه الأزمة الشاملة للنظام الرأسمالي تفرض متغيرات عميقة في النظام، ستنجلي مع تفاقم الأزمة وطولها.

أميركا الوحيدة التي ترفض الاعتراف بفشل الرأسمالية وموتها :

موقع المنار: كارل شواب نفسه فاجأ الحضور، في نهاية منتدى دافوس، بإعلانه المفاجئ “أن النظام الرأسمالي انتهى”، برأيك هل يشكل هذا الاعتراف شكلا رسميا لفشل الرأسمالية الليبرالية فعلا؟!.

الخبراء: أبو مصلح، يضيف لنا بأن ليس كارل شواب أول من أعلن أن النظام الرأسمالي بصيغته الحالية قد انتهى. “فمنذ سنتين، وفي مؤتمر دافوس، أعلن كل من ساركوزي وميركل ضرورة التخلي عن هذا النظام والإنتقال إلى نظام آخر مثل إقتصاد السوق الإجتماعي، وهذا البديل يعيد الإنسان إلى مركزية النظام كهدف للنشاط الإقتصادي، بدل هدف الربح الذي تدعو إليه الليبرالية الجديدة. كما دعوا إلى العودة إلى شرعة حقوق الإنسان التي أسقطتها الليبرالية الجديدة. وقول كارل شواب، بالتالي، هو ترداد لهذه المقولات التي ترفضها الولايات المتحدة بشكل خاص. وفي توضيح مهم يتابع أبو مصلح أن “الولايات المتحدة هي التي بَنَت النظام الرأسمالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية حسب حاجاتها الخاصة وواقع العالم الإقتصادي والسياسي في ذلك الحين، ثم قفزت إلى الليبرالية الجديدة بعد أزمتها في السبعينات من القرن الماضي، لتحل مشاكلها على حساب دول العالم الأخرى، ودول العالم الثالث بشكل خاص، وهي ما زالت المستفيدة الأولى من هذا النظام الذي تهيمن عليه وتدافع عنه بكل الوسائل المتاحة.”

الخبير “عوض” يؤكد على ذلك ويقول :”هو اقرار بفشل النظام الرسمالي برمته وليس فقط الليبرالية فقد اختبرت الاشكال الاخرى وانتهت الى الليبرالية وبنهاية الليبرالية تنتهي قدرة النظام على الاستمرار المطلوب توليد بديل وهذا ما تبحث عنه الانسانية بعد سقوط نموذج روسيا راسمالية الدولة الاحتكارية ونموذجها وسقوط النظام الراسمالي على الشرق ان يولد هذا الجديد“.
أما الخبير “وزني” فإنه يوافق على ما طرحناه ويرى أن العالم أصبح يطالب “بنظام رأسمالي اخلاقي، انساني، يهتم بالشؤون الاجتماعية، يخلق فرص عمل، ويوجه الاستثمارات نحو القطاعات الاقتصادية الحقيقية الصناعة والزراعة، كذلك اصبح العالم يطالب بتعديل النظام الاقتصادي الليبرالي المفرط بالحريات، الذي يسمح بالسيطرة والهيمنة وتحقيق ارباح خيالية، وغير منطقية للافراد والمؤسسات، الى نظام ليبرالي مقيد له ضوابط واطر قانونية، يسمح بتدخل الدولة في الاقتصاد لحماية المجتمع وتحقيق العدالة“.

انتقال الثقل إلى دول العالم الثالث .. والعالم بحاجة للوقت لبلورة نظام جديد

موقع المنار: برأيك كيف يتجه العالم ليتخطى الأزمة الأخيرة للرأسمالية، وهل بمقدروه أن ينحو باتجاه نظام جديد؟.

الخبراء: الخبير غازي وزني يرى أن العالم بدأ “ينحو بإتجاه نظام جديد فيه شيء من الأخلاق، ولكن ببطء بسبب ممانعة الاسواق المالية والمصارف العالمية وقدرتها على التأثير على القرارات السياسية، فضلا عن رفضها التغيرات السريعة إن على صعيد نشاطها او دورها الاقتصادي، اوسياستها الضريبية او توزيعها الارباح والعلاوات… ويوافق الخبير “عوض” على ذلك،  وبرأيه أننا حكما ” نحن على عتبة نظام أخر بديل جوهريا ومختلف جذريا، اما ما هو البديل فغير منظور حتى الان، ولن يستيطع النظام الراسمالي معالجة الازمة لأنه لا يفهمها ولا يحاول فهمها ولا يملك أليات وطرق وقدرات وفرص للحلول، والحل الوحيد هو اندثار الغرب وانفراط عقده وتشظي دوله واتحاداته”. أما غالب أبو مصلح فله رأي موافق لـزميله “عوض”، ولكنه يزيد : “يتجه العالم اليوم إلى تغيير كبير في مراكز الثقل الإقتصادي العالمي. وينزاح هذا الثقل من المركز الأميركي الأوروبي إلى دول العالم الثالث التي حققت معدلات نمو إقتصادي خلال العقد الأول من القرن الحالي يزيد بأكثر من ثلاث نقاط مئوية عن معدل نمو مراكز النظام الرأسمالي الأساسية. ولكن أبو مصلح يلفت إلى أن أزمة النظام العالمي الحالية، رغم حدتها، لمّأ تمس بعد أطراف النظام كما مسّت مراكزه. فهذه الأزمة تعجّل بلحاق العديد من الدول الناشئة مثل الصين والهند بمراكز النظام السابق، بل بتخطيها على أكثر من صعيد. أما بلورة النظام الجديد، فتحتاج إلى مزيد من الوقت لتفكيك بنية النظام الحالي، وبناء نظامٍ جديد ومؤسساتٍ جديدة على الصعيد العالمي، أو إجراء تعديلات أساسية في بنية المؤسسات الدولية الحالية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، منظمة التجارة العالمية، مجلس الأمن، والمنظمات الملحقة بهيئة الأمم المتحدة. وهذه التعديلات ستوزع السلطات حسب موازين القوى الدولية القائمة حالياً، وليس حسب ما أنتجته الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من ستة عقود“.

رغم الآمال الغربية المعقودة على المال العربي فهو غير قادر على “الإسعاف” :

موقع المنار: قيل أن مديرة الصندوق الدولي “كريستين لاغارد” جالت شوارع دافوس بحثا عن مسعفين للصندوق، فوجدت وعدا سويسريا متواضعا، ولكن كل أملها معقود على مساهمة الدول العربية وعلى رأسها السعودية، لماذا المال العربي اليوم يمكن أن يفك إحدى عقد الرأسمالية؟.

الخبراء: ميخائيل عوض لم يجد حرجا في أن يعلل السبب لأنه “مال سائب”، ويوضح ، “وبكل حال، استنفذ ولن يستيطع انقاذ الغرب الاطلسي بضفتيه من الازمة. فهي قادرة على ابتلاع الخليج بناسه ونفطه وجغرافيته، وأوروبا على لسان ميركل تستجدي الصين للمساهمة في المعالجة لكن المشروع الامريكي يستعدي الصين وروسيا ويحاول تأزيمها فلن تهبا لنجدة النظام الراسمالي الغربي“.
غالب أبو مصلح يوافق عوض بهذا الرأي، ولكن من جانب آخر، إذ إنه يعتقد أن المال العربي اليوم لن يستطيع أن يحل أزمة النظام الرأسمالي العالمي. فأموال النفط الفائضة في السعودية وغيرها تم توظيف معظمها في أميركا وأوروبا، وفي إطار التخفيف من أزمة النظام القائمة. مثلاً، عندما اشتدت أزمة سيتي بانك، تم دفع الموظفين العرب إلى شراء أسهمه بالرغم من أن أسهمه كانت تنهار بسرعة. كما تم التوظيف الكثيف لفوائض النفط العربي في سندات الدين الأميركي، على سبيل المثال، وفي أسواق المال المنهارة. أدى ذلك إلى خسائر عربية بمئات مليارات الدولارات. ويتابع “أبو مصلح” تحليله بأن الفوائق المالية الحالية لن تستطيع إنقاذ النظام، أو بالأحرى مراكز النظام في أوروبا وأميركا. ولو كان ذلك ممكناً، لتم تنفيذه منذ أمدٍ طويل. فأميركا هي التي تتحكم بهذه الفوائض، وتوجهها حيث تريد لمصلحتها الخاصة، وليس لمصلحة شعوب المنطقة وبناء مستقبلها. وبالتالي، فالقول إن المال العربي يمكن أن يفك إحدى عقد الرأسمالية هو قول إفتراضي وغير واقعي، فالدين العام الأميركي مثلاً يبلغ الآن حوالي ستة عشر تريليون دولار، ومجمل المديونية الأميركية للقطاعين العام والخاص تتجاوز الخمسين تريليون دولار، وكل الفوائض المالية العربية لا تتجاوز تريليون دولار”. أما “وزني” فقد قدم توصيفا للأزمة فيقول إن صندوق النقد الدولي يواجه مشاكل مالية بسبب تأخر بعض دول الاعضاء من سداد استحقاقاتها ( الولايات المتحدة الاميركية ) وبفعل تزايد مشكلات دول اخرى اوروبية ونامية… تراهن مديرة الصندوق على مساهمات بعض الدول مثل الصين والدول النفطية ( السعودية ) لتحسين اوضاعها المالية ولكن هذه الدول تطالب بالمقابل بإصلاحات في الصندوق وتعديل نظامها الداخلي على صعيد الحصص وحقوق التصويت

أحد وجوه الثورات العربية تعبير عن فشل الرأسمالية لذلك شنت “ثورة مضادة

موقع المنار: قيل في مؤتمر دافوس أن الربيع العربي أتى بعد أن عانت الشعوب من أنظمة رأسمالية متخلفة صنعت الجهل والفقر وخلقت مافيات نهبت البلدان، وما حدث في الربيع العربي يعد أوضح تعبير عن رفض الرأسمالية قبل أن ترفض في منتدى دافوس، إلى أي مستوى هذا الكلام صحيح؟.

الخبراء: الخبير “وزني” يوافق إلى حد ما على هذا التوصيف، ويقول إن “الربيع العربي جاء لأسباب اقتصادية واجتماعية وبطالة مرتفعة وفقر وهجرة ونهب المال العام كما جاء لاسباب سياسية وامنية”… ويحمّل “وزني” الربيع العربي المسؤولية في تطـّوير مفاهيمه الاقتصادية الرأسمالية بشكل يكون منسجما مع طموحات الشعوب عى صعيد العدالة ومكافحة الفقر وخلق فرص عمل ومحاكمة النهب والسرقة. ميخائيل عوض، يوافق على هذه الرؤية ويضيف :”كلام صحيح، فالثورة العربية الجارية بالتقسيط والتي بدأت في تونس ومصر تاسست عناصرها الثورية ونضجت ظروفها بسبب هيمنة الليبرالية المتوحشة والاولغارشية والنهب المنظم للثروات وعرق الشعوب…. هي نذير بسقوط النمط الاقتصادي العالمي الرسمالي ولهذا انطلقت تظاهرات احتلوا وول استريت ولندن ترفع الاشارات والشعارات نفسها“.

اما “غالب أبو مصلح”: فإنه يرى في حقيقة الأمر أبعاداً تزداد خطورتها، مع تمسك دول الممانعة بخطها المقاوم، ويقول :” صحيح أن معاناة الشعوب العربية، الناتجة بمعظمها عن سياسات الليبرالية الجديدة التي فُرضت على الحكومات التابعة لأميركا والتي أدت إلى نمو الفروقات الطبقية وتساقط الطبقات الوسطى إلى صفوف الطبقات الدنيا، إلى خط الفقر أو دونه، وعممت البطالة التي بلغت في صفوف الشباب أكثر من 35%، كما أجهضت التطلعات الوطنية للشعوب بخضوعها للإملاءات الأميركية الداعية إلى قبول الكيان الصهيوني وإنشاء علاقات معه، كل ذلك أدى إلى ما يسمى بالربيع العربي. وبعد إنتفاضتي مصر وتونس بشكل خاص، إستفاقت أميركا وأتباعها، كما الرجعيات العربية الرابضة على منابع النفط، إلى خطورة ما يجري، فشنت ثورة مضادة بغية قطع الطريق على التغيير الجذري في تونس ومصر، وشن هجوم شرس على الأنظمة المقاومة للصهيونية والرافضة للهيمنة الإمبريالية الأميركية. ذلك شوّش رؤية الجماهير لما يجري، وأربكها إلى حدودٍ بعيدة، مع تدفقات أموال النفط لشراء وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، وشراء العديد من أشباه المثقفين الذين تحولوا إلى أبواق لتضليل الجماهير وخداعها بشعارات براقة كالحرية والديمقراطية، ومن المضحك أن يكون حَمَلة هذه الشعارات من الذي يدوسون كل يوم على أفواه المثقفين الحقيقيين ويقمعون شعوبهم ويرهبونها تحت حماية القواعد العسكرية الأميركية في بلدانهم“.

النظام العالمي الجديد سيولد من رحم التغيرات الدولية ومن ضمنها العربية

موقع المنار: هل من الممكن أن يؤثر هذا الصوت العربي فعلا في الصياغة المنتظرة لنظام اقتصادي عالمي جديد؟.

الخبراء: يؤكد أبو مصلح “إن النظام الإقتصادي العالمي الجديد سيولد من رحم المتغيرات الدولية. سقوط نظام الليبرالية الجديدة ومُثلها “الأخلاقية”، مثل تحرير سوق العمل، أي تعرية الطبقات العاملة من المؤسسات الحامية لها، مثل النقابات، ورفض تدخل الدولة في الصراع الدائم بين الأجور والأرباح، ورفض فكرة الحد الأدنى للرواتب والأجور، ورفض الضمانات الإجتماعية التي تشكل العمود الفقري للفصل الثاني من شرعة حقوق الإنسان”. ويرى أبو مصلح أن “هناك قضية ملكية وسائل الإنتاج أيضاً، إذ أن العقد الراهن أثبت أن رأسمالية الدولة أكثر قدرة على التنمية الإقتصادية من رأسمالية القطاع الخاص، وأن التخطيط الطويل المدى أقدر على إنتشال دول العالم الثالث بشكل خاص من تخلفها وتوطين التقانة فيها، أي دفعها إلى اللحاق بدول العالم الأول. والصوت العربي المنتفض على الوضع السياسي والإقتصادي الراهن بحاجة إلى سنوات ليبلور رؤيته التنموية والتحريرية حتى يتمكن الوطن العربي من النمو والتطور، وبالتالي المساهمة في بلورة رؤية جديدة لمستقبل العالم”. أما ميخائيل عوض، كان أكثر تفاؤلا، لأنه يرى أن ” العرب عموما والشرق العربي خاصة، وأسيا الاسلامية ولاّدة، وكانت على مدى الدهر بلسم الشعوب والانسانية، تقدم حلولها للازمات التاريخية المستعصية.. هكذا كانت الديانات السماوية في هذه الارض وبين هؤلاء الناس. وهم اليوم في موجب المساعدة في صياغة الحلول وتوليد الجديد الانساني على المستوى الاقتصادي الاجتماعي كما ولدوا على الصعيد الاخلاقي والقيمي والعقيدي“.

:::::

المصدر: موقع المنار