فلسطين. والأمة … وما لابد من قوله !

عبداللطيف مهنا

واقع الحال في راهن الساحة الفلسطينية، وما وصلت اليه اليوم قضية قضايا الأمة العربية، قضيتها المركزية في فلسطين، لايسُّر إلا أعداءالأمة العربية وفلسطين. حال يدعو إلى وقفة مع الذات. لاتحتاج الى كثيرٍ من التفكُّر، بيد أنها تستوجب ما لابد لنا من قوله

قد يندر أن نعثر على شعبٍ من شعوب هذه الأرض قد قدَّم من أجل قضيته الوطنية ما قدَّمه الشعب العربي الفلسطيني. وطيلة رحلةٍ مديدةٍ من نضاله الصعب، وعلى مدى عقودٍ قاسيةٍ من العذابات والمعاناة الممتدة لما ينوف على القرن، في مواجهة المستعمرين الغزاة البريطانيين ومن بعدهم الصهاينة، سطَّر هذا الشعب المكافح العنيد ملحمته النضالية الفريدة الحافلة بالبطولات الإسطورية التي قل نظيرها لدى سواه من الشعوب، ولم تتوقف مقاومته يوماً، واستمرت في ظروفٍ قاهرةٍ اقل ما يقال فيها هو إنعدام التكافؤ ومالت فيها موازين القوى كلياً لصالح عدوه، حيث ظل يواجه ويصمد، وظهره إلى الحائط، أعتى وأشرس وأبشع صنوف الإستعمار الإستيطاني الإحلالي واكثرها وحشيةً وبطشاً، ولم تتوقف طيلة صراعه التناحري المزمن هذا وحتى اللحظة قوافل تترى من شهدائه في مسيرته النضالية  التي حفلت بمحطاتها العديدة المختلفة، التي تواصلت هبَّات وثورات وانتفاضات. وصمد طيلة كل هذه العقود قابضاً على الجمر عاضاً على الجراح متمسكاً بثوابته النضالية ومسلماته الوطنية، التي كانت لحمتها وسداتها وتظل حقه غير القابل للتصرف في إستعادة كامل حقوقه المستلبة المتمثلة في تحرير كامل تراب وطنه التاريخي وطرد الغزاة نهائياً منه والعودة اليه.

وبالتوازي، لم تبخل أمته العربية يوماً ونحن إذ نتحدث عن الأمة هنا نستثني منها غالب أنظمتها وأغلب نخبها ونقصد فحسب شارعها وعامتهالم تبخل بدعمها واحتضانها الشعبيين لنضاله مااستطاعت، باعتباره، ومن موقعه المتقدم في مواجهة أعدائها، إنمأ هو يدافع عنها وينوب في المواجهة، بل يمثل رأس حربة كفاحها المفترض المستوجب من أجل تحريرفلسطينها، التي هي مهمتها أولاً وأخيراً وليست مهمة الشعب الفلسطيني وحده ولاهى بمقدوره، أي باعتبارفلسطين كانت وتظل قضيتها المركزية وبوصلة انعتاقها ومعيار تحررها الحقيقي وسبيل وحدتها الغائبة ومؤشر بدء نهوضها المؤجل، و حيث الفلسطينيون ليسوا سوى خندقها المتقدم المديم للإشتباك مع عدوها حتى يحين أوان هذا التحرير واستعادتها لهذا الجزء أو القلب المغتصب من وطنها الكبير. وعرفت ساحات النضال الفلسطيني جميعاً، في مدها وجذرها، ومنذ أن بدأ وفي كل مراحله، القاده والمناضلين العرب من مشارق الأمة ومغاربها، وعلى تراب فلسطين ومن حولها سقطت القوافل من الشهداء العرب وإمتزجت دماؤهم الزكية مع الدماء الفلسطينية، كما وتحملت اقطار الأمة المحاذية لفلسطين ماتحملت، وهو ليس بالقليل، في الحروب التي خيضت مع أعدائها إذن، لم هذا الحال، وماهومكمن المشكلة ؟؟!!

هناك لا ريب العديد من العوامل التي من شأنها أن أوصلت الحال الفلسطينية والقضية الفلسطينية الى ما هما عليه، بل دفعت القضية على عدالتها وتضحيات شعبها وأمتها في سبيلها ألى ماهو قاب قوسين أو أدنى من مشارف التصفية، ونتحدث هنا عن الذاتي، الفلسطيني والعربي، أوألحال التي شارفت على شبه التسليم الرسمي بضياع فلسطين. بيد أن أهمها، إذ لا تسمح هذه العجالة بتعدادها كلها، مسألتان:

الأولى، هى أن مشكلة الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية كانت دائماً وظلت، وطيلة عقود كفاحه الغنية بتجاربها والحافلة ببطولاتها وانكساراتها، تكمن دائما في قياداته، التى يجمع الفلسطينيون قبل غيرهم على أنها لم ترتفع يوماً ألى مستوى تضحياته أوترتقي إلى مستوى قضيته، والتي، ومن أسف، لم يتعلم المحدث اللاحق منها من أخطاء وعثرات السالف أو السابق عليه، أو ينحو إلى المراكمة على ما أنجزه ويحيد عن ماوقع فيه من هناتٍ وحتى خطايا، في غمار رحلة حافلة من اشكال هذا النضال الثري بما شهدته محطاته العديدة المضيئة منها والمعتمة.

والثانية، إن هذه المشكلة الوطنية هي جزء من مشكلة هى أعم واشمل وامتداد لأخرى هى على الصعيد القومي، أي مشكلة الأمة بكاملها، هذه المتمثلة في أنظمتها القطرية البائسة، التي إما هى عجزت عن التعبير عن توقها وتطلعاتها والإنسجام مع روحها وما يعتمل في وجدانها، واما من سعت جاهدةً إلى توفيركل السبل التي من شأنها أن تكتم أنفاس الأمة وتسهم في تغييبها وتأبيد تخلُّفها والحؤول دون نهوضها. وكذا هو الأمر بالنسبة إلى غالب نخبها التي أقله لم تحسن التعبير عن همومها أو ترتفع ألى مستوى يوازي ما لديها من مخزونٍ كفاحيٍ تليدٍ ومجيدٍ حفل بحوافزه ومحصِّناته الحضارية والثقافية، التي جعلت منها، وعبر تاريخها العريق، فريدةً بين الأمم من حيث كونها قد شكَّلت مدرسةً دائمةً للشهادة في سبيل قيمها وكرامتها وسِفراً خالدً من الإيباء للضيم والرفض للإستكانة أو الخضوع.

واقع الساحة الفلسطينية في راهنها المتردي، وحال الساحات العربية، على الرغم من كل هذه الإرهاصات الثورية الواعدة التي تتبدى في التحولات الجارية ومخاضاتها العسيرة التي تعتمل صاخبةً في ساحات إنتفاضاتها المستعرة، يؤكد على ماسبق وأن ذهبنا اليه ولا ينفيهمصالحات التكاذب الفلسطيني الفلسطيني تتواصل مسلسلات عروضها التي شابهت حكاياتها المبتذلة حكاية “إبريق الزيت” الشعبية، ولازالت الساحة العربية، أنظمة،ً ونخباً، و”ميادينمنتفضةٍ، تفتقر جميعها قولاً وفعلاً الى ما يذكّرنا بأن قضية فلسطين لازالت هى القضية المركزية للأمة آن الآوان للإعتراف بأن كافة الآشكال النضالية التي جربها الشعب الفلسطيني على مدار ماينوف على القرن قد فشلت وشاخت أدواتها الماثلة المتبقية وعجز محدثها المستجدعن تدارك ماعجز عنه قديمها المهترىء، ولابد لشعبٍ مكافح مثل الشعب الفلسطيني من إبتكارأشكاله النضالية الجديدة المناسبة وهو أهل لذلك كما آن للعرب جميعاً أن يدركوا أن بوصلتهم هي فلسطين، التي بدونها لامن سبيل لهذه الأمة كفيل بأن يؤدي بمسيرتها إلى منشود إنعتاقها ومطمح تحررها الحقيقي وتقدمها، أواستعادها لمكانتها وكرامتها ومأمول نهضتها.