الدكتور امين محمد حطيط
قبل البدء بالحديث عن المستقبل المجهول – المعلوم لليبيا كما باتت ارهاصاته تتشكل و تقتحم الواقع، لا بد من التذكير باننا لم نر في معمر القذافي يوما الحاكم العادل، او القائد العربي المناضل من اجل قضايا الامة لا بل كنا نراه من الفئة التي عملت على تسفيه حلم الامة العربية بالوحدة، الحلم الذي تعامل معه بخفة و مزاجية جعلت الحلم سخرية لا يتوقف عندها الجادون في البحث عن مصير مشرق لامة كابدت و تكابد من الاستعمار بوجهيه القديم و الحديث. و بالتالي فاننا عندما كنا نقف موقف الحذر مما اسمي ثورة في ليبيا خاصة بعد تنطحت الجامعة العربية للشأن و طلبت تدخل مجلس الامن عسكريا من اجل الاطاحة بعمر القذافي، راينا في قرارات الجامعة خيانة للقضية العربية و تسليم بلد عربي و بيد عربية لقوى اجنبية من اجل قتل ابنائه و اغتصاب ثرواته و تقسيم اراضيه حتى لا يتبقى له قدرة او امكان لامتلاك مصدر من مصادر القوة يمكن ان يستعملها سعيا لامتلاك سيادته بشكل فعلي و تحقيق استقلاله الحقيقي، بعيداً عن اكذوبات الاستقلال الشكلي التي تتغنى بها مستعمرات اميركا في الخليج و المشكلة تحت تسميات ممالك او امارت او مشيخات عربية مستقلة.
لقد كان على المرء العاقل ان يدرك ان الغرب وضع للعرب خطة مستقبلية تقوم على تقسيم بلدانهم و تحويل الدولة الواحدة الىثلاث او اربع دول في الحد الادنى لا تملك احداها مقومات الحياة بمفهوم حياة الدولة المستقلة القادرة على تأمين متطلبات شعبها و سيادتها و استقلالها، و كثيرا ما كتب و تمت مناقشة الخطط الموضوعة بايد غربية صهيونية، خطط رأت ان النموذج الامثل للكيانات السياسية العربية هو النموذج الخليجي حيث تقوم المدينة – الدولة على غرار قطر و الكويت و سواها، اما ما تعدى حجمه او ساحته مساحة قطر فيجب ان يقسم لان دولة قطر بمساحتها هي الاساس الذي يجب ان تفصل عليه الدول المستقبيلة ( و لهذا نجد كيف ان قطر تستميت في انجاح المشروع الغربي الذي توهمت بانه سيجعلها قائدة للامة العربية، و لم يكن من فراغ تسمية قناتها الفضئية باسم الجزيرة فاتسمية تخفي الطموح ) فاذا نجحت الخطة يكون المشهد في الشرق الاوسط قد انقلب الى دويلات ضعيفة متهالكة متناحرة، تدور في فلك دولة فعلية واحدة هي اسرائيل التي تسارع الى وضع اليد على تلك الدول او تقدم نفسها حامية و راعية للدويلات المنشأة بشكل اصطناعي يعتمد خلافا للتاريخ و خلافا للجغرافيا و معاكسا لطموحات الشعوب و مصالحها الحقيقية. خطة التقسيم العربي وضعت لتكون اسرائيل هي القائد الفرد الوحيد الذي لا ينازع و لا تشق له عصا طاعة.
و قد عملت اسرائيل و الغرب على محاولة تنفيذ الخطة بدءا من لبنان، باعتباره – حسب المخطط – الحلقة الاضعف في المجموعة العربية و ان فيه من عناصر النجاح ما يغري البدء فيه، كما ان نتائج العملية ستكون مريحة جدا لاسرائيل لتعلق الامر بكيانها مباشرة لجهة التخلص من عبء حق العودة عبر فرض توطين الفلسطنيين في لبنان. لكن التقسيم فشل لاسباب محلية حيث واجهت المشروع قوى لبنانية وازنه، و اقليمية حيث تدخلت سوريا بكل ثقلها السياسي و العسكري و منعته، لكن بقيت القوى اللبنانية الاخرى العميلة لاسرائيل تناصب العداء لسوريا و للمقاومة و تحلم و تعمل للتقسيم رغم المآسي التي تسببت بها للمسيحيين بتهجيرهم من الشمال و البقاع و الجبل و بعض الجنوب.
و اتجه المخطط بعد ذلك الى العراق الذي كان العمق الاستراتيجي الهام لجبهة المواجهة مع الصهيونية في فلسطين المحتلة، و بعد الاحتلال الاميركي للعراق تمكن المحتل من فرض دستور على البلاد اسقط الدولة من واقع الدولة البسيطة الواحدة الى الدولة الفيدرالية المركبة من 3 مناطق قابلة لاعلان استقلالها في اية لحظة و قد سارعت اسرائيل الى الاقليم الكردي – شبه المستقل الان عن الدولة العراقية و وضعت اليد عليه سياسيا و امنيا و اقتصاديا، و تعمل مع اميركا لمنع استقرار العراق على قاعدة الدولة الواحدة.
ثم كان دور السودان، اذ بعد افتعال ازمة دارفور و فتح الطريق للتدخل الدولي في الشأن الداخلي السوداني وصولاً الى ملاحقة رئيس الدولة امام المحكمة الجنائية الدولية – رغم الملاحظات الكبيرة على تلك الملاحقة و تلفيق ملفها و عدم مشروعيتها – و مع هذا التدخل فرض على السودان التقسيم و انشاء دولة الجنوب التي شكلت و بكل المعايير “اسرائيل افريقيا”، و باتت شبه مستعمرة غربية تديرها اميركا و اسرائيل، و لم تنته المسألة هنا اذ ان هناك مشروع دويلة ثالثة في الغرب السوداني قيد التحضير.
و الان و يا للسخرية و بعد ان ” انقذ الحلف الاطلسي ” ليبيا من معمر القذافي وفقا لما طلبت جامعة الاعراب، و” حررها ” حسب زعمهم يطل التقسيم برأسه مجددا – و هو ما كنا نراه منذ لحظة التدخل الاطلسي في ليبيا – و سيؤدي الى تفتيت الدولة ذات الثروات التي تتعدى حاجات سكانها اصلا، و التي كان يمكن ان تكون لو قيض لها الحكم الوطني العاقل الصالح دولة غنية قوية، ترفد مصادر القوة في الامة كلها، لكنها مع التقسيم الاتي ستتحول الى بؤر ضعف و تناحر و تستعين كلها بالغرب و باسرائيل حتى تتقوى الواحدة على الاخرى.
و في الخطة ذاتها سيكون لليمن دوره الذي بدأت تتشكل حيثياته انطلاقا من الخطة الخليجية الخبيثة التي ترجمت بانتخابات “ال99 % ” و باعتراض الجنوب و الحوثيين حيث سيشكل او سيددفع المعترضون الى عدم الاعتراف بالرئيس المنصب برعاية خليجية غربية، و يتجهون الى الانفصال عنه و انتاج دولة ثانية او ثالثة في اليمن.
و حدها سوريا بصمودها تكسر هذا المشهد العربي الكئيب، المشهد الذي انتجته ايد عربية عميلة للغرب، قدمت للصهيونية بلاد العرب الواحدة تلو الاخرى لتقسمها و تضعفها من اجل ان ترتاح اسرائيل و تستقر كدولة قائدة في المنطقة.
ان المخطط التقسيمي التفتيتي فيما لو استمر سيطال حتما احدى اهم الدول المشاركة فيه و العاملة على انجاحه، سيؤدي حتما الى تقسيم المملكة العربية السعودية التي ترى ان فكرة تسليح المعارضة في سوريا “فكرة ممتازة “، السعودية التي تقود الان مع قطر حربا على سوريا من اجل اسقاطها كدولة قوية موحدة و تقسيمها خدمة للمشروع الغربي الذي سيبتبلعها لاحقا. و لكن و من غريب المفارقات ان نجد في السياسة الوهابية السعودية التي تقوم على فكرة تسليح القاعدة و السلفية للقتل و التدمير، نجد فيها مع السلوك السوري القائم على المواجهة من اجل افشال المؤامرة الغربية المرتكزة الى قاعدة التقسيم و التفتيت، نجد في هذا المشهد تطبيقا حرفيا للمثل القائل ” اريده حياته و يريد قتلي ” نعم ان سوريا بافشالها مؤامرة التفتيت و الشرذمة تكون تعمل على تحقيق حماية السعودية من التقسيم الذي ينتظرها، لكن السعودية في الوقت نفسه تعمل على تدمير سوريا.
و الان و بعد النجاح السوري في انقاذ وحدة سوريا كما انقذت وحدة لبنان سابقا، نطرح السؤال هل سيستفيق بعض من عرب، و يعودون الى سوريا المنتصرة على المؤامرة و يعملون معها من اجل انقاذ وحدة ليبيا، ثم و حدة اليمن و سواها؟
نطرح السؤال رغم علمنا بفشل الرهان على منظومة الانطمة الاعرابية المتحلقة اليوم في جامعة يديرها برنار هنري ليفي الصهيوني و جيفري فيلتمان الاميركي، و مدير مشاريعها صاحب قصر في ” اسرائيل “، لذلك نسأل مع اننا لا نأمل من هؤلاء خيرا و يبقى الامل قائما في منظومة المقاومة و الممانعة التي على اقدامها تتحطم المؤامرات و التي نرى فيها وحدها السبيل لاستنقاذ ما سقط و حماية ما تبقى، كما تمت حماية سوريا و لبنان.
::::
نشر في جريدة البناء