في الرد على سمير أمين

عادل سمارة

فلسطين المحتلة

رد المفكر العزيز سمير امين على حواراتي معه كما ورد في كتابه (ثورة مصر 2011 ص 225) والذي عثرت عليه صدفة عام 2012. ما كتبته له ليست مقالة بل ست حلقات (محاورتي مع امين في كنعان الإلكترونية الأعداد: 2344 و 2348 و 2352 , 2359 و 2366 و 2371 من عام 2010)، والتي لست أدري إن كان قرأها أم لخصها له بعض خبثاء القوم “بتصرُّف” كما ورد في كتابه ثورة مصر وقد عثرت عليه صدفة:

(1)

تعليق سمير أمين على مقال “عادل سمارة”

من كتابه “ثورة مصر 2011 ” ص 225

مع كل احترامي للزميل المناضل “عادل سمارة” ، لم اجد في تعليقه ما يضيف إلى ما سبق كتابته عند معظم “القوميين” وقد قدم “سلامة” إجابة على هذه الأقوال في كتابه (الهزيمة والطبقات المهزومة)، ص 89، وهي إجابة لا تختلف عن إجابتي!

وما أخشاه هو أن الخطاب القومي بصفة عامة (اي اقوال معظم القوميين إن لم يكن جميعها فرداً فرداً) يحل قصة عروبية خرافية محل القصة الخرافية الأخرى الأوروبية التمركز، فهذه الأخيرة في تعبيراتها المتطرفة تُسقط ملاحظاتها لظواهر حقيقية خصَّت الدولة العثمانية المنحظة على ماضي العرب، و”الشرق” بصفة عامة. علماً بأن أهم ما كُتب في أوروبا لم يشارك هذه الرؤية السريعة والخاطئة. بل على العكس من ذلك، فقد ركزت دراسات علمية هامة (ولو أوروبية!!) على مجد الحضارة الإسلامية العربية في مرحلة ازدهارها الحقيقي، ولو لفترة قصيرة تلت الفتح الإسلامي، وامتدت فقط إلى أن سيطرت القبائل التركية على السلطة في بغداد، انطلاقا من القرن العاشر الميلادي، وعلماًايضاً أن الإمبراطورية الإسلامية في عصر مجدها كانت اشبه واقرب إلى ما كانت عليه الإمبراطورية الإسلامية في عصر مجدها، وأقرب إلى ما كانت عليه الإمبراطورية الرومانية والهلنستية السابقة، وذلك من حيث التنوع الديني واللغوي والمجتمعي، منها إلى “تصورات ” الخطاب القومي حول المرحلة، فالعروبيون يتجاهلون هذا الواقع، يكررون الخرافة “الإسلامجية” المروجة حول “العروبة الأصلية” (أخت الإسلام الأصلي). وتحول هذه القصة دون فهم أسباب التدهور السريع الذي اصاب مجد الإمبراطورية المعنية.

وربما يرجع هذا النقص في تناول واقع التاريخ إلى خوف “العروبيين” من “نقد الدين” (هنا الإسلام)، لأنه يمثل “عنصراً أصيلاً هو الآخر” على نقيض ما فعله الأوروبيون الذين انطلقوا من نقد الدين (هنا المسيحية) – كما أن مفكري النهضة الصينية انطلقوا من نقد ماضيهم، لا “الافتخار” به، هذا هو مصدر التباين بين النهضة الأوروبية الناجحة، والنهضة الإسلامية العربية الفاشلة!

فأرجو أن القوميين يوجهوا نقدهم (وهو مرحب به) إلى ما كتبته، ولا إلى ما “نسبه” إلي العروبيين. فالقومية العربية بالنسبة إلي هي مشروع يسعى إلى إنجاز الوحدة العربية القادرة على مواجهة تحديات العصر، وليست “واقعاً موروثاً”. هذا هو التباين الحقيقي في تناولنا للمشكلة.

(2)

رد عادل سماره على الأستاذ المفكر سمير امين

· لم يغادر أمين برزخ التورط في الخطاب المركزاني الغربي. فرغم نقده للمابعديات يتورط في اجترار أطروحة اندرسون “الأمم المتخيَّلة” ليصف الأمة العربية بالخُرافة معتمداً على التقطعات في التاريخ العربي الذي لم أصفه قط بأنه متواصلاً ولم أُلامسه بمفاخرة! ولأنه مأخوذ بالمركزانية الأوروبية رأى أن وجود دولة عربية 3-4 قرون هي فترة عابرة.

· تؤكد قراءة التاريخ أن تقطعات التاريخ العربي حتى لو كانت أطول من تواصلاته هي بعدوانات خارجية وهو ما يتهرب منه أمين بقوله: “لقد انفجرت هذه الوحدة فيما بعد إلى كيانات سياسية اقليمية ثابتة نسبياً لم تجر إعادة توحيدها إلا في ظل النير العثماني وبصورة سطحية في كل حال“(ص 14 من كتابه الأمة العربية والقومية العربية وصراع الطبقات). هل انفجرت ذاتياً أم فُجِّرت بعدوانات خارجية؟ وبين الحالتين مسافة وعي، فهل عجز أمين أم تخابث في عدم التوضيح، أليس هذا طرحاً إيديولوجياً وليس فكرياً!. العثماني لم يوحد العرب بل استعمرهم وقسَّمهم إدارياً بما هو أعمق من تجزئة سايكس-بيكو. إن اعتبار العثماني محض نير هو إصرار من أمين على نفي العروبة لصالح الدين اي اعتبار العرب رعايا إسلام، جزء من أمة إسلامية هو من متخيليها، وليسوا أمة مُخضعة! ناهيك عن وقوعه في خطيئة أن “الإسلامجية تروج للعروبة الأصلية!” والحقيقة أن جميع أهل الدين الإسلامي السياسي “يروجون” ضد العروبة تماماً كما فعلت الستالينية والتروتسكية والإمبريالية والصهيونية والتي جميعها تُخضِّب كتابات أمين في هذا الأمر حتى لو أخفاها بمهارة لافتة! وهنا أُحيله الى نقدي للدين السياسي الذي يرفض العروبة بالمطلق. وطريف هنا أن يُقدِّم الإسلام لنفي العرب، ثم ينقلب مؤخراً ً رافضاً نضالات أي إسلام، حزب الله على سبيل المثال وهو هنا يتقاطع مع برنارد لويس وأحفاد الشيخ القتيل “يهودا الصغير”.

· أنا لا أتحدث باسم جميع القوميين وأنا عروبي، ولا بإسم جميع الشيوعيين وأنا شيوعي بريىء ونقي تماماً من اي ماضٍ موسكوفي أو عضوية الشيوعية الأوروبية ، الفرنسية مثلاً التي انتقلت من الستالينية إلى المركزانية الشيوعية الأوروبية ، ناهيك عن استمرار تصهينها (كما حصل في مؤتمر السينما في باريس قبل شهرين) ولكنني مع العلمانية تماماً وخاصة فيما يتعلق بالدولة والقانون والحياة الفردية والعامة.

· رغم اقتراب أمين النسبي “مؤخراً” من المشروع القومي العربي، إلا أنه ينفي وجود أمة عربية، مثلاً كالأمة الفارسية، قبل القرن العشرين. فلمن المشروع القومي الذي يتبناه اليوم إذن؟ إن الإقرار بوجود أمة أو شعب هو إقرار علمي وأخلاقي بوجود بشر. أما هل هم متطورون، عباقرة بسطاء، فهذا أمر آخر.

· هذا التعامل باستخفاف مع الأمة العربية دون غيرها من الأمم القديمة، هو تقاطع مع المركزانية اللبرالية الأوروبية عن أمم بلا تاريخ، ومع المركزانية الشيوعية الستالينية التي تصر على أن “الأمة العربية أمة في طور التكوين”، ومع الجناح الصهيوني من الأممية الرابعة الذي يعتبر الصهاينة أمة يهودية في فلسطين.

· يصف امين أطروحتي بوجود عربي قبل الإسلام وقبل المركزانية الأوروبية بأنها تعلقاً بموروث ويزعم أنه مع مشروع قومي عربي، فيخلط بين الوجود الموضوعي تاريخياً لشعب وبين ما يسميه موروثاً (كان أجدر بأمين أن يكون دقيقاً، وهو الأكاديمي والمفكر ومستشار دول…الخ) فلا ينسب لي أنني اعتبر العروبة خطاً ممتداً وعرقا نقياً وموروثا…الخ وهنا يقع في موقف إيديولوجي). هذا دون أن يشرح لنا ما العلاقة بين المشروع القومي العربي الذي يحاول لصق نفسه به وبين العرب كأمة! وإذا كانت العروبة خُرافة فما معنى المشروع القومي الذي يتبناه أمين؟ اللهم إلا إذا كان مأخوذاً بهرتسل الذي اخترع “أمة”يهودية” ، وهذه حافة أربأ بأمين أن يصل إليها.

· أمين يتهمني وغيري بالإسلامجية بينما هو يقلب التاريخ فيكتب: “الحضارة الإسلامية العربية” منكراً وجود عرب قبل الإسلام، اليس واضحاً هنا أنه ينكر العرب كوجود بشري ويروج للدين، مع أنه يتفاخر، بأكثر من الضروري، بعلمانيته! فهل الذين بنوا صنعاء وسد مارب مسلمين أم يابانيين؟ ولماذا يذكر العرب طالما الإسلام هو البداية؟ ولماذا لا يسمي أمين الإمبراطورية الرومانية بأنها مسيحية مثلاً؟ بتقديمه الإسلام يغدو هو الإسلامي، على غير رغبة منه.

· يضع أمين كل القوميين في سلة واحدة كي ينكر على عروبي مثلي أنني شيوعي. وهنا أستغرب كيف يضع نفسه في موضع مُصدِر الشهادات، لا توجد يا رفيق “فاتيكان” ولا “ولاية الفقية” في الشيوعية. وآسف للقول أنني من الشيوعيين القلائل الذين لم “ينخُّوا” بعد تفكك الاشتراكية المحققة، بينما تحللت أحزاب من ما زعمت لعقود أنه نَسَبها الشيوعي ووقف كثيرون في منطقة رمادية.

· ليس جميلاً أن يحصر أمين القومية العربية كمشروع في كتاباته وحده! وبالتأكيد ليس هو مُبدع ذلك.

· أغمض الرفيق عينيه عن أن أطروحتي بوجود قومية حاكمة (زائفة) وقومية كامنة ،لا ماضوية ولا موروثة، وهي قومية الطبقات الشعبية التي هي جوهريا وطنية ووحدوية واشتراكية ، كما تجاهل الدور التحرري للقومية العربية كقوة دفاع عن امة مستهدَفة.

· ليست هذه مساحة سجال مع اطروحات امين، بل ليس السجال معه اصلاً، ولكن اللافت ان الكثير من اليسار العربي يشدد هجومه على الأمة والقومية العربية متواقتاً مع تشديد هجمات الإمبريالية والصهيونية (فترة الوحدة 1958، واليوم)! لماذا؟ هل لي أن اقول لأن هناك وشائج إيديولوجية موروثة من جهة، وإقامة اعتبار تقرُّبا وزُبفى من اليسار الغربي (وحتى منظمات الأنجزة التي زعم الكثير منها أنهم ضد الحرب بينما يتمولون من المرابي/المضارب اليهودي الصهيوني جورج شورش) ! واسمح لي يا رفيق أن اؤكد لك، انني معني بعلاقة مشتبكة مع هذا اليسار الذي اصطف لجانب جيوش الغرب الراسمالي (في محاولة من فرنجة راس المال لإنجاز ما فسلت فيه فرنجة الإقطاع ) التي دمرت العراق ولذا أسمِّيه “إبن السكرتيرة- ابن السفاح” الذي لا يظهر إلا ليصطف إلى جانب والده في الملمات.