شباب مصر: من خديعة الإطراء

إلى الرئاسة فالثورة الثانية

عادل سمارة

اختصاراً للجدل، لنسمِّ ما حصل في مصر الثورة الأولى بما هي لا تزال على السطح السياسي والديمقراطية الشكلانيين، بينما الثانية هي استعادة البعد والدور القومي لمصر لتتجاوز كامب ديفيد والارتهان السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري للمركز الراسمالي المعولم، والثالثة البدء بالقطاع العام والتوجه للاشتراكية.

وقد يكون من أفضل ما تأكد في الوعي العام أن الثورة الأولى، هي إرهاص للثورة أكثر مما هي ثورة حقيقية، لا سيما وأن نتيجتها حتى الآن إسقاط رأس النظام بمعنى أنها حراك شعبي مدني سلمي، ولكن نتيجتها إنقلابية، “حراك شعبي أعطى نتيجة انقلابية!”  ليس اكثر أزاح شخص وأتى بمثيله وبقيت بنية النظام وتحالفاتها كما هي: اي:

·        بقاء مواقع قيادة مفاصل المجتمع والدولة بأيدي رجال الحزب الوطني- الحاكم سابقاً.

·        بقاء راس المال الطفيلي والكمبرادوري والفاسد دون مسائلة

·        اتضاح التداخل/التشابك المصلحي  بين راس المال هذا وبين قيادات الدين السياسي وخاصة جناحه ذي الثروة المالي والعقيدة الوهابي الخليجيتين.

·        بقاء العلاقة وبالتالي دور الولايات المتحدة في مصر على حالها

·        بقاء العلاقة بالكيان الصهيوني على حالها بل حتى إرسال تطيمنات

·        غياب مبارك الإسم وظهور فريق من جنرالاته

 

خلفيات خطاب إطراء الشباب

حمل  “الثورة” الأولى الشباب من الطبقات الشعبية والوسطى كحراك شعبي غير متحزب ولا منظم ولا صاحب رؤية ولو على شكل مسودات وأوليات وهو ما كتبت عنه باكراً. ونظراً لهذا الخلل الجوهري بالذات قطفت ثمار اندفاعة الشباب  وبسهولة تنظيمات الدين السياسي المتحزب والذي لديه رؤية وأهداف وإمكانات وعلاقات داخلية وخارجية.

لعله  أمر جميل أن أهل الدين السياسي لا يجادلون في أنهم لحقوا بركب الشباب ولم يكونوا طليعته. وهذا يعيد إلى الأذهان أنه دائماً في مراحل اتصفت بالتجويف والتجريف تسبق الناس القوى المُتعبة، وهو ما حصل في الانتفاضة الأولى في الأرض المحتلة مع فارق ان التنظيمات الفلسطينية زعم كل منها أنه فجر الانتفاضة، وهذا ليس صحيحاً، وإنما هو صحيح بان التنظيمات لحقت بالانتفاضة وقادتها لفترة كقيادة داخلية جيدة. ولكن تبعية قيادات داخل الأرض المحتلة لقياداتها في الخارج أعادت هيمنة القيادة اليمينية في الخارج على الداخل وجرى استحلاب الانتفاضة لتُنتج “دولة” لا لتكون بداية ثورة شعبية في المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والتنموية، وهو الامتطاء الذي كان وليده إجهاضاً هو أوسلو-ستان.

لقد انهالت كتابات وتنظيرات عديدة تكيل المديح لغياب الأحزاب في حالة من هذيان تصفية الحساب مع الأحزاب من كُتاب لم يكونوا في تناقض أو حتى اشتباك مع الأنظمة مما ورطهم لصالح خطاب الأنظمة دون ان يدركوا ذلك. فهم لم يُعانوا القمع من الأنظمة كما كان حال الحزبيين، وبالتالي ليسوا في حالة تصفية حساب مع الأنظمة. لقد دخل هؤلاء الكتاب في حالة هستيربا الشعور بالانتصاروية على الأحزاب وخاصة أحزاب اليسار مما أكد أن وقوفهم ضد الأحزاب منذ عقود لم يكن نقداً لضعفها وفقرها …الخ بل لأنهم لا حزبيين بالقناعة! وهذا ما يسمح بتصنيفهم في خانة التكنوقراط الثقافي.

ويرتد الخطاب الضد-حزبي إلى تاريخ طويل للأنظمة العربية ضد الحزبية بما فيها النظام الناصري نفسه الذي الغى الأحزاب إما بالقمع أو عبر دعوتها للذوبان في حزب الدولة. وربما كانت سياسة الناصرية هذه هي التي اسست لفريق كبير من ظاهرة  التكنوقراط الثقافي حين حصرت الحزبية في حزب واحد للبلد الواحد مما برَّر لكثير من المثقفين إما الدخول في هذا الحزب أو البقاء على حواف المجتمع، وهو ما تراضت عليه الأنظمة الحاكمة بما فيها أنظمة البرجوازية الوطنية ذات التوجه القومي الإنتاجي كالنظام الناصري وأنظمة البعث في العراق وسوريا حيث أنظمة الحزب الأوحد أو الواحد بينما التحالفات مع جبهة وطنية لم تقم على تعددية حقة.

 

استبدال أداة التحليل ب اللا-أداة!

من الضد-حزبيين هؤلاء تدفق المديح للحراك الشبابي على مدار عام 2011 وهو ما عبىء الشباب بفخار عالٍ جوهره أن ” لسنا بحاجة لمعلمين…الخ”!  وكأن العلاقة بتجارب الآخرين وخبراتهم الثقافية والفلسفية والسياسية والنضالية هي مسألة استذة. وكثرت الكتابات والأحاديث عن أن ” اللغة والأدوات” السابقة عفا عليها الزمن كما عفى على الأنظمة القمعية المسيطرة، وأن المطلوب لغة جديدة وثقافة جديدة وأدوات تحليل جديدة.

علينا أن نؤكد حقيقة تاريخية جوهرها إن محاولات توليد وتخليق الجديد هي أمر طبيعي وديالكتيكي في الحياة.   ولكن هذا لا يعني القطع السوريالي مع كل ما انتجته تجارب البشرية من ادوات التحليل فقط ولمجرد الزعم بأن جديداً سيخلقه هذا أو ذاك. وهذا من أنتج بدعة الثقافة الأكاديمية الغربية التي كي تنفي الماركسية تردد دائما: “أعطني فكرة جديدة” Creative Idea. والفكرة الخلاقة لا تأتي عند الطلب،  إلا إذا كان الإنتاج الفكري والنظري سلعة تبادلية يتم تصميمها حسب الطلب، حسب السوق. الفكرة الخلاقة هي خلق سياق تطور ثقافي اجتماعي اقتصادي تتبلور ضمن هذا السياق ولا تأتي كبضاعة على الرف حين يطلبها المستهلك.

لكن ما راج في سوق الثقافة العربية وخاصة الفلسطينية هو الترويج لنفي التحليل المادي التاريخي ومن ضمنه الاقتصاد السياسي، وهو النفي الذي جرى توظيفه لنفي الحزبية ومحاصرتها وربما حتى نسب ما كان عاشه الوطن العربي إليها أكثر مما هو للأنظمة الحاكمة في تحالفها  مع المركز! ولا شك ان هذه أفضل هدايا للأنظمة الحاكمة أو من أتت بعدها أو للأنظمة العربية بالطبع.

ليس من حقنا المصادرة بالقول أن الخطاب والأدوات واللغة الجديدة لن تأت بعد، ولكنها لم تات بعد. كما ليس من حقنا القول أن الأدوات الحالية هي مطلقات في صحتها، ولكن ربما ان صحتها ودقتها اقوى من طرق استخدامها وتطبيقها وكفاءات من حملوها.

 

الرئاسة كمدخل للثورة الثانية

مضى عام وأكثر على الحراك في مصر، واتضح أن التجربة لم تتجاوز مسرح النظام الثابت (شكسبير). فبعد طوفان الميادين وتنحي مبارك وجدنا أن النظام بقي كما هو. وربما يصح ما يُقال أن عمر سليمان الذي أعلن تنحي مبارك قد جلس حقاً في موقعه دون تتويج.

تحت إدارة الطبقة الرأسمالية نفسها ظل الاقتصاد، وتحت إشراف العسكر ظل الجيش وتحت إشراف الدين السياسي صار البرلمان وبإدارة هؤلاء جميعاً جرت المذابح وتغذية الطائفية والجهويات وابرز الجيش اسنانه كما لم يفعل في عهد مبارك! وكتب الكثيرون/ات مدائح في الجيش ودفاعاً بأنه ليس عساكر بل جيش وطني من الشعب…الخ. لكنه قام بالقمع المطلوب من أعلى!

السؤال الذي نطرحه ولا نجيب عليه هو: هل بعد اكثر من عام استنتج الشباب أن ال فيس-بوك أداة تحريك فعالة ولكن للحظة أي أنها تولج شحنة للحظة وتتلاشى مع دوام الوقت؟ هل توصلت كوادر شابة إلى الاستنتاج والضرورة أن المطلوب بنى تنظيمية ونشاط متواصل بين الناس اي فيس-تُ-فيس – وجهاً لوجه.

لقد تمت الانتخابات النيابية في لحظة من الفوضى والسيولة وتعدد المهام والاهتمامات وحتى أن قطاعات من المجتمع وخاصة من الشباب لم تقم بالانتخاب أو لم تكن جاهزة ولم تكن لديها بالطبع إمكانيات وخاصة المالية ولم يكن لها مرشحين. وربما كان التحالف الحاكم وأحزاب الدين السياسي هي التي خلقت الإشكالات الطائفية والرياضية كي تُربك خصومها فيعزفوا عن متابعة معركة الانتخابات النيابية؟

وقد تكون معركة الرئاسة أكثر سهولة أو ايسر للتغطية والتواصل والتحديد والتهديف. فكما نجح الشباب في شعار إسقاط الرئيس يمكن تكثيف اصواتهم لصالح شعار انتخاب رئيس معين. وهذا يعتمد بالطبع على اقتناعهم بمرشح ما؟