عبداللطيف مهنا
العدوانية الدموية الإسرائيلية الإخيرة على غزة سارت تماماً على درب سابقاتها ، لم تخالفهن و كانت على ذات الشاكلة . البداية تنفيذ جريمة إغتيال في منتهى الوحشية ذات التقنية المتطورة تستهدف قادةً فلسطينيين مقاومين، تستوجب بالتالي، ووفق منطق وضرورة ممارسة حق مقاومة العدوان، رداً مباشراً من فصائل المقاومة، والذي يكون عادةً بما تيسره لها ظروفها الصعبة من سبل مواجهة، هى عادةً وقياساً بموازين القوة مع عدوها، وفي ظل الحصار العربي والدولي المضروب من حولها ، تعد في منتهى البدائية. هذا الرد في الواقع الغزاوي الراهن ليس بأكثرمما قد يتوفر للمحاصرالمستفرد من صواريخ أكثرها من البدائي أوالمصنَّع محليا تطلق على المستعمرات المحاذية في المحتل من فلسطين في العام 1948.إثر ذلك وتذَّرعاً به، تسارع آلة الموت الإسرائيلية بإرسال طائراتها الحربية بطيار ومن دونه لحفلة قصفٍ دموية منتقاة أهدافها ومبيَّتة سلفاً يسفك فيها الدم الفلسطيني بلا حساب وتدمَّر البنى التحتية في هذا المعتقل الكبير أمام عالم يشيح بوجهه تواطؤاً وتجاهلاً. يتلو هذا كالعادةً وساطةً عربية بين العدوالمعتدي والشقيق المستفرد به، هى في كل المرات وساطة إستخباراتية مصرية، تنتهي دائماً إلى الإعلان عن تهدئةٍ يكثر الجدل وتتناقض الأقوال حول شروطها ومدى صمودها والتزام الإسرائيليين بها … تهدئة تنتهي في واقع الحال الى “تهدئة مقابل تهدئة”، أو كما يريدها الإسرائيليون عادةً، إلى أن يقرروا ،وفق ما يصفونه ب”حق القيام بعمل وقائي”، خرقها … وهذا مايؤكدونه في هذه المرة نافين الزعم القائل بأنهم قد إستجابوا لإشتراطٍ فلسطينيٍ بوقف إستهدافهم لقادة المقاومة ، وزادوا على هذا فخصَّوا هذه التهدئة بمزيدٍ من الغارات في يومها التالي والذي تلاه…لعل التساؤل المنطقي والمستوجب الذي يرد هنا هو، وما الذي تغيَّر؟! لم لاتنتهي هذه الحفلة العدوانية الدموية الى مانتهت اليه سابقاتها؟!
إغتيالات . رد منطقي على عدوانٍ وحشيٍ . رد مبيَّت أكثر وحشيةً على الرد. صمت عربي مطبق . وساطة مصرية تناشد الإسرائيليين التهدئة وتضغط على الفلسطينيين لقبولها، أو على الأقل تنصحهم بها، أوترشوهم لقبولها… في هذه المرة، ووفق ماقاله القيادي في حركة حماس يونس الأسطل، عرضت المخابرات المصرية على غزة إمداد محطتها الكهربائية المتوقفة بالوقود االلازم مقابل موافقتها على التهدئة! وكان الرد هو، “من بدأ التصعيد عليه وقفه” … واوقفوا تصعيدهم ، وخرقوه، وأفهموا القاصي والداني أن ايقافهم له أنما هو الى حينٍ يستنسبون فيه معاودته لاحقاً … واستطراداً، ولماذا لايكون الحال هو هذا الحال في ظل هدوء يفرضه تنسيق أمني مع المحتل من قبل سلطة أوسلو في الضفة المحتلة، مع مواصلتها لحديث الإفك إياه المتصل بعبثية “المسيرة السلمية” واحتمالات العودة الى ملهاة التفاوض … وحيث السيدة كلنتون تسارع إلى إدانة الصواريخ الفلسطينية المعتدية “بأشد العبارات”، ولايجد أمين عام “الشرعية الدولية” مايقوله سوى أن إطلاقها أمر “غيرمقبول”، ويطالب النفاق الأوروبي المتواطىء “بضبط النفس”، أما “الرباعية الدولية”، التي لم تجتمع منذ نصف حولٍ، فلم يفتح الله عليها بأكثر من التعبيرعن قلقها ومناشدة كلٍ من الضحية والجلاد “الإمتناع عن القيام بإستفزازات” !!!
… ولماذا لاتكون هذه المرة كسابقاتها ووزيرالشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي الجنرال موشيه يعلون يقولها باستعلاء، “لانخشى من أن تمس جولة التصعيد الحالية باتفاقية السلام مع مصر. فجميع التهديدات من أن الوضع الداخلي لمصر يكبل أيدي إسرائيل من القيام بما هو مطلوب كرد على ما يجري في قطاع غزة ثبت مرة أخرى أنه خاطىء” … وللمتحدثين عن شروطٍ قبلها الإسرائيليون مقابل قبول الفلسطينيين للتهدئة يقول : “بالنسبة لنا فإن هؤلاء يمشون اليوم وهم ميتون فلايوجد أحد في قطاع غزة يتمتع بالحصانة” … لم التصعيد، ولم التهدئة ؟! الإعلام الإسرائيلي ، أو مايسرَّب له، لم يبق مستوراً لايكلف كشفه صاحبه ما يخشاه . إعترفوا بأن تصعيدهم كان مدبَّراً، وأجملوا أسبابه كالتالي :
العدوان على غزة أعقب عودة نتنياهو من واشنطن مع ضوءٍ أخضرٍلشنه كجزءٍ من حربٍ بديلةٍ أو مؤجلةٍ على إيران ، تلك التي تشحذ إسرائيل همم الغرب صباح مساء ليشنها نيابة عنها أو معها وتبتزه ملوحةً بإحتمال أن تفعلها فتورطه في شنها . الأمر الذي لايريده الغرب الآن لاسباب معروفةً لايتسع المجال هنا لسردها … نتنياهو ربط الأمر بالأزمة مع إيران، قال في الكنيست : إن كل”ما يحدث في غزة من إيران”! ، وهنا يذهب بعض محلليهم الى إعتبار العدوان على غزة “نوع من التدريبات الصغيرةعلى سيناريو اليوم التالي” لضربة ستوجه الى إيران … بعد هذه، تأتي مسألة ضرب عدةعصافيربحجر وأحد:
ضربة إستباقية لتطورقدرات المقاومة، تجربة قبتهم الحديدية في مواجهة صواريخها، فرصة متاحة لوزير الحرب الجنرال باراك لفرض زيادة موازنة وزارته … لدى الإسرائيليين كل ما يشجِّعهم على الولوغ في الدم الفلسطيني قيد الإستفراد، ووقتما يشأون أو يرون أن الوقت يناسبهم … تنسيق أمني أوسلوي معهم في الضفة، وحصار عربي يساعدهم في خنق غزة، ووساطة مصرية هى عادةً غب الطلب حتى بعد ثورة 25 يناير، صمت قبور عربي معتق، ضوء أخضر أميركي ، نفاق أوروبي تليد متواطىء معهم ، ولامبالاة دولية معهودة … إذن، مالذي تغير ؟! لديهم كل مايدعوهم إلى المطالبة بأن تنتهي كل جولة عدوانية من جولاتهم إلى مجرد معادلة وصفها نتنياهو في الكنيست ب “تهدئة مقابل تهدئة”… تهدءة مؤقتة، أي إلى أن يقررالإسرائيليون أنه قد حان الوقت الذي يرونه مناسباً لاصطياد من يأتي عليه الدور من هؤلاء الذين ليسوا في نظرالجنرال موشيه يعلون إلا من هم “يمشون وهم ميتون”!!