خليل قانصو
مسائل كثيرة تشغل البال في هذا الزمان العربي الذي تُطلق عليه أبواق الدعاية في الغرب تسمية ربيع الشعوب، تيـمناً به عله يُفضي إلى ذوبان الكينونة العربية، مثلما أدى تعاقب فصول الربيع على جمهوريات المعسكر السوفياتي نهايات القرن الماضي إلى الإنحلال والإلتذاع بنار النظام الرأسمالي الليبرالي في طور تغوله وعولمته .
يعرف (ثوار هذا الزمان) و(كتبة السلاطين) أن هذه النار يصلي بها الفلسطينيون، في وطنهم المحتل وفي المخيمات التي لجأوا إليها، وفي قطاع غزة بوجه خاص، و ليسألوا إن شاؤوا الجزائريين والفلسطنيين وسكان الجولان وجنوب لبنان عن عيشة (الأصلانيين) في ظل الإحتلال ؟
تبحث عن (الربيع) حيثما زعموا أنه أستهل فلا تجد إلا أقواما تتحارب وبنى تتهاوى . يقولون هكذا هي ” الثورة” . و لكن يأخذك العجب عندما تسأل عن (الثوار) وأهدافهم وعن الذين يؤيدونهم بالأموال والمعدات و يمدونهم بالسلاح ويرسلون إليهم الخبراء ويرسمون لهم الخطط . الثورة تسجن أيضا في تونس الصحافيين وتحاول فرض النقاب في الجامعات.
أما في مصر، فلقد سمعنا بعد الثورة عن عقوبة قطع الأذن ، و عن أخرى تقضي بالكشف عن بكارة الفتيات وتعريتهن في الساحات، وعن الثورة في سورية فحدث و لا حرج ، الأقاويل تنهمر دون إنقطاع عن ( فعل نظام الحكم) ما يبرر (ردة فعل الثوار) . و مهما يكن فمن المرجح أن هؤلاء قتلوا أناسا أبرياء لكونهم ليسوا (على مذهب الثوار)، وتنامى إلى العلم أنهم بدأوا بإدراج المغضوب عليهم على (لوائح سوداء) . من المؤكد أنهم إغتالوا رجل دين مسيحي ورجل دين مسلم أيضا لانهما دعا سلميا بالكلمة ، إلى الحذر واليقظة حيال الأخطار التي يجلبها الثوار(الذين يريدون الإنتصار بأموال الأمراء السعوديين والخليجيين من جهة) وعساكر الدول الإستعمارية الغربية من جهة ثانية لم يتغير شيء إذن !
لقد حضّرت حكومات الدول الغربية أموالاً مودعة في مصارفها ،على أصحابها من الرؤساء الذين شاء سوء حظهم ان يكنسهم (ربيع الشعوب) بإستثناء نظرائهم من حكام العرب وحجة هذه الحكومات أن الواجب يحتم عليها النفور لإعانة ثوار العرب على التخلص من الطغاة .
وكأن مصادرة أموال الحاكم قبل خلعه تـُضعفه، أو التصرف بها بطريقة كيفية بعد إنتصار (الثورة)، لا يعد إبتزازاً .
ولكن هل يــُعـقل أن نظام زين العابدين بن علي في تونس كان أشد ظلما وأكثر رجعية من حكم الأمراء السعوديين ، الذين أستضافوه بعد عزله؟، و هل تجوز المقارنة بين القادة السوريين الحاليين رغم عللهم ومساوئهم ، ومشايخ الخليج الذين إقتحموا (ربيع العرب) وتحولوا إلى مدافعين عن الحريات ودعاة للديمقراطية إلى درجة تجعل المرء يعتقد أن رصيدهم في مقارعة الإستعمار ومقاومة الإحتلال يضعهم في مصاف رجال كمثل مانديلا وهوشي مين، وأنهم نموذج يحتذى به في مجال الأخلاق والورع و العدل؟
كيف نزاوج بين شرطة الأخلاق المعروفة في السعودية وبين حرية التعبير؟ ماذا تعني الديمقراطية في مفهوم الإخوان المسلمين وغيرهم من المتاجرين بالدين ، إذا كان بالإمكان إستخلاص القوانيين والشرائع ، مرة واحدة وإلى الأبد ، بإتباع نهج في التأويل يدّعون أن الله (خصهم به دون سواهم من المسلمين)، ولكنهم في الواقع (يُحـَرّفون الكلــِمَ عن مواضعه).
ولأعد من بعد ، إلى موضوع ودائع أمراء وملوك العرب في مصارف الغرب و ما يحتقبونه من أسهم في الشركات و البورصات العالمية ، لاطرح السؤال عن الأسباب التي تدفع دول الغرب إلى أن تعفُّ عن وضع اليد عليها ، لا سيما و أن هؤلاء الحكام يرتكبون الإثم علانية و يمارسون سياسة لا تضاهيها سياسة في أي مكان من هذا العالم و في هذا العصر بالذات ، عسفا و أستبدادا ، هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فهل من المحتمل أن تزول هذه الأسباب بتبدل الظروف ؟
لا أظن أن مخالطة الطغاة تزعج قادة الغرب الإستعماريين، بل أكاد أن أقول أنهم يفضلون عشرة هذا النوع من الحكام ويدعمون وصولهم إلى السلطة لسبب بسيط هو أن نظم الحكم الإستبدادية هي إستمرار وتكملة لسلطة المستعمرين بواسطة اشخاص محليين .
وتأسيسا عليه ليس تجنيا القول بأنه لو قامت ثورة ضد الأمراء السعوديين والخليجيين بمشيئة خفية، و لو أغرقَ هؤلاء الثوارَ في بحر من الدماء لأمتنعت الولايات المتحدة الاميركية عن إدانتهم وعن تجميد أموالهم في مصارفها. ومن نافلة القول أن حقوق الإنسان وحقوق المرأة تحديداً، فضلا عن حقوق العمال الأجانب تنتهك في ممالكهم وإماراتهم دون أن يثير ذلك حفيظة حكام الغرب. و لا تسل عن الديمقراطية، إذ يكفي أن تذكر أميراً أو ملكاً عربياً حتى يفهم السامع أن الناس مغيبون تحت سلطته .
تلزم الإشارة في هذا السياق إلى أن ملوك و أمراء العرب ، يمولون من حصتهم في عائدات النفط الحروب والسياسات لأميركية والغربية عموما . وليس أدل على ذلك من دورهم في أفغانستان و العراق وسورية على سبيل المثال لا الحصر. بمعنى أنه توجد بين أمراء العرب و قادة النظام الرأسمالي الليبرالي الغربي علاقة عضوية ، و أكاد أقول أن دول مجلس التعاون الخليجي هي قواعد بمعنى الإستيطان ، لهذا النظام العدواني ضد الشعوب ومن بينها وربما تكون في المقام الأول، الشعوب العربية .
فأغلب الظن أن أرصدة أمراء العرب في المصارف الغربية لن تمس ، لأنها تستخدم كرأسمال بالإضافة إلى الدين، للإتجار بقضايا العرب وكينونتهم ، لعلهم يتخلون عنها بثمن بخس. فالتكامل بين أمراء العرب والمهاجرين في بلاد الغرب من أصول عربية الذين يحلمون بالسلطة هؤلاء ينتظرون دبابات الحلف الأطلسي وأولئك يمهدون للغزو بأموالهم وفتاواهم . يكون الحاكم المستبد و طنيا أحيانا، و لكن أمراء العرب سماسرة ، ولاؤهم لمُعتقهم و ليس لوطن أو لأمة أو لعقيدة .
:::::
المصدر: “عربي برس”
http://www.arabi-press.com/?page=article&id=26952