عادل سمارة
رسالة إلى د. إسماعيل ناشف
تذكرت اليوم أن أكتب لك في مسألة الاختراق لأنك تهتم بها وربما برأيي فيها. مرت قبل يومين ذكرى معركة الكرامة في آذار 1968، كنت يومها مأخوذا إلى المحكمة العسكرية برام الله . وبعد جلسة المحكمة اقتادني الجندي اليهودي الغربي هرتسل إلى المعتقل، كان هذا فاشياً بامتياز. لاحظت حركة طيران كثيفة جداً، نظرت إلى السماء كثيراً، فقال هل تعلم ما هذا؟ قلت لا، قال لقد ذهبوا كي يفتحوا عمان! هكذا بالحرف الواحد. لم اشعر بطعنة في كرامتي بقدر ما اثرت تلك الجملة؟ يفتحوا عمان! ونحن ما زلنا نناضل لتحريرفلسطين!
طبعا هُزم العدو وبمشاركة من سلاح المدفعية الأردنية الباسلة. أكتب لك لمسألة أخرى، فقبل المعركة ببضعة ايام ولما بعدها ببعضة ايام غاب ثلاثة اشخاص من المعتقل اي لمدة اسبوع . بعد المعركة قلت لنفسي لماذا غاب هؤلاء؟ وكنت أعلم أنهم كانوا يعملون كل واحد منهم “دليل” اي خبير طرق لدوريات الفدائيين من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية المحتلة. أوصلني الشك إلى أن العدو أخذهم ليرشدوا إلى قواعد الفدائيين. تحدثت للرفاق. وفي إحدى الليالي أخذنا احدهم إلى زاوية الغرفة وبدون ضغط حقيقي اعترف بذلك. وكان ذلك أول تحقيق مع أول “عصفور- هكذا كان يُطلق على العملاء في السجون حينها” وبعدها كان مسلسلاً في متابعة الساقطين والتحقيق معهم تراوح بين الحرص الوطني والكابوس. ربما تكون هذه المساحة من حياة المعتقلات موضوع دراسة شديدة الأهمية لطالب دكتوراة من طلابك.
وعليه، يا صديقي ، أرجو أن تتفهم لماذا اتابع الاختراق في ما اكتبه هذه الأيام، وهو كما اعرف أمر يثير اهتمامك من جهة وربما يثير تساؤلك، وهل يحتاج الأمر إلى هذه الدرجة من “الفوبيا”؟. ولكن، إذا كان بوسع العدو اختراق خلية فدائية الا يكون بوسعه اختراق تاجر أو اي شخص يتقدم هو باحتياج معين إلى الاحتلال!
والاختراق ليس محصوراً في العمل الإخباري، فالتواطؤ هو درجة من الاختراق، وهي درجة وإن كانت اقل من العمالة، فإن الشفاء منها ليس أمراً ممكناً، فهي سقطة وحين تحصل ينتهي الأمر. قد تستغرب هذا. ولكن، لك المثال التالي. قبل اكثر من عشرين عاماً عقد النظام السوداني بقيادة عمر البشير صفقة مع فرنسا ليسلمها المناضل الأممي كارلوس (شاجال) في سعي منه لينال رضى الإمبريالية وليثبت حسن نيته. وبماذا كوفىء؟ كوفىء بأن واصل المركز الرأسمالي والصهيونية دعمه لجنوب السودان حتى انفصل وتحول إلى دولة معادية للسودان وللعرب وللتحرر في إفريقيا.
ليس هذا سياق التفصيل في الاختراق، ولكن دعني اذكرك بأمر آخر. قبل يومين نشرنا في كنعان الإلكترونية مقالتك عن التواطؤ، ولعلني أتوقع ان يقوم أحد المخروقين بالاحتجاج كما احتج هو نفسه على نشرنا خبرا قبل ثلاث سنوات عن كتابك “العتبة في فتح الإبستيم” وسألنا كم قبضتم من اسماعيل ناشف! لنكتشف لاحقاً من خلال زوجته السابقة أنه يعيش في كيبوتس!
ليست العبرة التي توصلت إليها أن علينا متابعة المخروقين لخطورتهم، ولكن العبرة أعمق لأننا حتى حين ننام عنهم لا ينامون عنا! لا ينامون عن الوطن.