في اللجنة المركزية ضد القومية العربية
عادل سمارة
دائماً لتفسير ما يحدث من المحيط إلى الخليج، إبحث فيه عن فلسطين: ستكون إما الهدف أو المستهدَف. هذا ما تبينه بوضوح رغم رخاوتها وتظليلها بالعباءات.
أثنوا عليها الكثيرون، ممن لم يروا خطورة الجزيرة باكراً، وخاصة بعد أن غطت العدوان الصهيوني على غزة، وهي نفسها التي كانت تقدم للصهاينة فرصة الحديث المطول لتبرير العدوان. ولكن دور قطر كان أعمق.
لنبدا من أوسلو. فاتفاق اوسلو لم يخرج عن كونه تبديل النضال من أجل تحرير الوطن إلى الاستجداء للحصول على دولة. دولة غير محددة الحدود ولا ذات سيادة ولكن لها سلطة، وربما لهذا اسموها “السلطة الفلسطينية” وليس الدولة الفلسطينية.
تم استجلاب قيادات وكوادر من المقاومة إلى المحتل 1967 وتشكيل تلك السلطة، ولا غرابة أن الحكيم رفض المجيىء وهو ما كان يجب أن يشكل دليلاً للكثيرين بينما استمات حواتمة على ذلك وتم قبوله لولا أنه أخطأ في أحد الامتحانات. وبالتالي فإن جميع القوى التي شاركت في السلطة قد شاركت بموجب مضمون اتفاق أوسلو الواضح اي الاعتراف بالكيان الصهيوني مهما جرت من تلفيقات وتغليفات. وحيث تم الاعتراف، اي التنازل عن الوطن، وعدم إقامة دولة في بقاياه فقد تأكد تحويل الوطن إلى مكان لا أكثر ولا أعلى. وترتب تمويل هذا المكان من المانحين. وما زلت أعتقد أن الغرب لم يدفع، بل إن عرب النفط هم الذين يدفعون. وكان هذا الدفع مقبولاً لأنه امتداد لتاريخ تموُّل منظمة التحرير الغزير مما قاد إلى خرابها لتنتهي مستسلمة في اوسلو-ستان.
لعل الاستحقاق الأهم والأخطر في إقامة السلطة كامن في تبلور قوى وشرائح طبقية تطمع كل منها في تسلُّم السلطة بغض النظر عن ثمن ذلك وهو الاعتراف بالكيان وكون كل ذلك تحت يافطة أوسلو نفسها. وبالطبع تورطت فتح في ذلك وشاركتها منظمات صغيرة لزوم الديكور الذي كان يتقنه ابو عمار بامتياز.
لم تشارك حماس في الانتخابات الأولى لمجلس الحكم الذاتي ربما لأنها لم تكن على يقين باستمراره. وحين اتضح أن الأمر من بين “الجدِّيات” سارعت إلى المشاركة زاعمة أنها لا تشارك بموجب أوسلو لأن اوسلو انتهى! أي تخريج عجيب هذا ! وحصلت حماس على أكثرية ذلك المجلس. بدخول حماس “مطهر” اوسلو” اصبح معظم منظمات المقاومة في ذلك المطهر. وبالتالي حقق العدو المرحلة الأولى في تقويض المقاومة ليس بالضرورة كدور كفاحي بل الأخطر بمعنى الإيلاج في وعي ولا وعي الفلسطيني والعربي أن الكيان أمر قائم “وشرعي” بالفعل. ذلك لأن الكقاح المسلح أمر يمكن محاصرته وتقويضه او تحييده أو تنفيسه. اي صار الكيان وسياساته هي التي تحدد إطار النضال للكثير من الفلسطينيين.
ثم كان الانقسام. هل هو بتدبير أميركي، هل هو بتدبير قيادات من قتح، هل هو بتدبير قيادات من حماس؟ نترك هذا لمذكرات بعضهم يوماً ما.
أذكر بعد الانقسام بوقت قصير في ندوة محدودة في مركز باسيا في البيرة، كان جميع حضورها من مؤيدي سلطة رام الله بمن فيهم ممثلي الاعتراف بالكيان منذ عام 1948، وكان رأيي أن الانقسام نهائي، لأنه اساساً لا توجد وحدة أراضي لسلطة أوسلو-ستان ولا وحدة مواقف. والأهم أن قيادات كل من الطرفين وقواعدهما من نفس الأصل والوضع الطبقيين، اي أن المسالة هي انغماس الطرفين في الركض نحو السلطة وليس البحث عن مشروع وطني، وقلت إن الأمر سينتهي إلى شكل مشابه لباكستان الشرقية والغربية اللتين انتهتا إلى باكستان وبنغلاديش.
إن لم تكن سوريا …فلتكن غزة
قد ندين لسوريا أنها دفعت الجميع للعب على المكشوف بدءاً من دولة عظمى مثل روسيا والصين وصولا إلى دولة وكيلة مثل قطر. فما قامت به قطر والسعودية والإمارت هو إعلان حرب حقيقية على ليبيا ثم على سوريا. ولا يختلف موقف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرهن في تسليح ما تسمى بالمعارضة. على ان اللعب الأكبر على المكشوف هو موقف الأمم المتحدة التي غطت كل هذا الأمر الذي يقطع بأن الأمم المتحدة هي أداة لمن صنعها اي الغرب الراسمالي.
وصل اللعب على المكشوف إلى حركة حماس التي كانت قطر والأردن قد رفضت تواجد قياداتها في ارضيهما وكانت سوريا البيت المفتوح. قد يقول أحد بقايا المشاغبين: ولكن النظام السوري نظام قمعي دموي…الخ. لا باس، المهم أنه احتضن هؤلاء الناس.
لكن قيادات حماس أُرغمت على اختيار التوقيت المفضوح لطعن سوريا. ففي الوقت الذي حصلت الحرب المعولمة على سوريا البلد وليس النظام كما يزعم من يكتبون كل كلمة بحفنة دولارات، غادرت قيادات حماس سوريا وتوجهت إلى قطر وتركيا. ووصل الأمر بالسيد اسماعيل هنية إعلان موقفه ضد سوريا ومن على منبر الدين السياسي في مصر الجديدة.
والطريف أن قيادات حماس غادرت سوريا إلى قطر، وقياداتها في غزة التقتهم في قطر كذلك. هناك قبَّل اسماعيل هنية يد القرضاوي ربما لإفتائه بسحق سوريا، وهناك وضع عبائته على كتفي السيدة قائدة جمهورية الموز-النفط[1]. وقبل ايام وصل خالد مشعل إلى قطر ليعقد صفقة التمويل العلني لحكومة غزة. وليؤكد ان نور قطر سيضيء غزة مجاناً. والله يعلم وحده رقم صفقة التمويل هذه؟ وعليه، فهل كان العدوان الأخير على غزة بهدف تليين القُساة من حماس، أم بهدف اختبار قدرة حركة الجهاد الإسلامي، أختبار يطلبه أكثر من طرف!.
لا بأس، إن على العرب مساعدة الفلسطينيين، وعلى المسلمين مساعدة بعضهم. كيف لا، الم يقم الاتحاد السوفييتي والصين بدعم فيتنام؟ ألم يقم عبد الناصر بدعم ثورة الجزائر وجنوب اليمن وغيرها؟ لا غرابة في الدعم بل هو واجب.
ولكن السؤال من هو مصدر الدعم ومن أجل ماذا؟ لقد جاء هذا الاحتضان القطري العلني لحماس في لحظة لم يعد بوسع شريف أن يدافع عن قطر. حتى أن مؤيدي أو موظفي قطر حين يدافعون عنها، يقومون بالهجوم على النظام السوري. فليس في قطر ما يمكن الدفاع عنه. وهذا يعيد لنا السؤال التاريخي الذي سُئل فيه البغل. والبغل هو من جماع سفاح بين الحمار والفرس:
– من هو اباك
– فأجاب خالي الحصان
ربما يصح السيناريو التالي: بتوجيه من القيادة الصهيونية والقيادة الأميركية تم ضرب غزة مؤخراً ضربة لم تكن متوقعة. وكأنها تقول لقيادات حماس أننا نحن الذين نصوغ السياسات في المنطقة. وهل على هذا ترتب ذهاب مشعل إلى قطر بعد أن زار تركيا ومصر. فكما يبدو عُقدت جلسة “للجنة المركزية” ضمت أمير قطر ومشعل والقرضاوي وفهمي هويدي[2] (الإسلامي المتخابث) وممثلا عن غليون وبالطبع سفير الكيان عزمي بشارة. وكان القرار، أما والأمور في سوريا قد تجاوزت ما نريد، فلنتكاتف من أجل سلطة غزة تحت شعار مساعدة غزة.
جوهرياً معنى هذا أن غزة سوف تتمتع بإمكانات مالية تستغني بها عن سلطة رام الله. وحتى هذا ليس المشكلة، إنما المشكلة ما ثمن هذا وما الهدف منه؟ الهدف هو تحول غزة إلى دولة ممولة من قطر، على أن تغادر وضعية ودور المقاومة. وبالتالي يتحقق أمران:
- تقويض الكفاح المسلح كحامل لحق العودة، فلا يمكن لقطر الأميركية أن تحتضن حماس كمقاومة، إلا إذا كانت في سياستها عبقرية لا يراها سوى الراسخون في العلم. لكنه لنيكون تقويضاً علنيا ومباشراً.
- وتاكيد وتكريس انقسام أوسلو-ستان لتكون غزة دولة الدين السياسي.
وهنا يصبح السؤال: من هو من حماس أو فتح الذي سيقف ويغامر بوضعه ليقول: إن الانقسام هو النتيجة الطبيعية لاتفاق اوسلو، وأن لقاءات المصالحة هي حقيقة لترتيب أمور الانقسام، بحيث يظل هناك تواصل في القضايا المخصصة ضد القومية العربية. وقد يكون اوضح مؤشر على ذلك أن (دولتي فلسطين) شاركتا ضد ليبيا وتشاركان على الأقل إعلامياً ضد سوريا بكل الشراسة الممكنة!
[1] من العادات العربية أن يرمي رجل عبائته على امرأة بمعنى حمايتها، فمن الذي يحمي الآخر؟
[2] في زيارة للسعودية كتب هويدي مقالة مديح هائل لها، بل لم يجد ما ينتقده هناك فانتقد سوريا! وكأن مستمعيه مجرد اصنام، حيث كتب: “وضربت مثلا بالحاصل في سوريا حين انتفض الشعب في عام 2011 ولكن النظام فيها تعامل معه بعقلية الثمانينيات، حين سحق الأسد الأب التمرد في حماة عام 1982، وقتل أكثر من 15 ألف شخص ودمر المدينة، ثم نسي الجميع ما جرى بعد ذلك”. مجمل مقالته غزل في الحريات في السعودية. قبل عدة أعوام قال عزمي بشارة في محاضرة في عمان: “إن الدول العربية ديمقراطية أكثر من إسرائيل”. يحسد المرء هؤلاء كيف يواجهون الجمهور! صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 27 ربيع الآخر 1433 – 20مارس 2012 . أنظر مفاجآت زيارة للسعودية – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2012/03/blog-post_20.html