قمة بغداد …….و فرصة التصحيح

 

العميد الدكتور أمين حطيط

 

رغم ان القمم العربية لم تقدم الكثير مما يفاخر به خدمة للمصلحة العربية ، و هي نادرة القمم التي اتخذت 

قرارات استراتيجية لمصلحة العرب (لكن سرعان ما كان يحدث التراجع عنها جماعة او فرادى ) ، فان قمة بغداد المقررة في 29 اذار الحالي (2012) سيكون امامها فرصة لتقديم شيء ما رغم ما يواجهها من تحديات:

أ‌. فمن حيث التحديات يبدو اولاً تحدي الانعقاد بذاته ، خاصة و ان فريقا من الذين التزموا و غرقوا و اغرقوا العرب في الرهانات الخاطئة و السلوكيات العدوانية على هذا البلد العربي او ذاك ، لا يريدون للقمة ان تنعقد . فهم لا يستطيعون تجرع صورة يكون فيها نوري المالكي – رئيس الوزراء العراقي الذي يكرهون – هو الذي سينتزع من القطري “بيدق الريادة العربية ” (رغم ان القطري خرج ظاهرا منذ اسبوعين ) و ان يفرض جدول اعماله على القمة بما لا يتوافق مع المؤامرة التي نفذها الاعراب بالقيادة القطرية – السعودية لمدة عام كامل خلال ما اسمى زورا ” ربيع العرب ” و في هذا الامر نعتبر ان مجرد انعقاد القمة نجاحا بذاته للعراق و للعرب حتى و لو لم يصدر عنها اي قرار لان في هذا الانعقاد دلالات بالغة منها :

1) اعتراف خليجي و عربي اجماعي بالنظام القائم في بغداد و الحكومة التي تتولى السلطة و هو ما عملت مجموعة النفط الخليجي بالقيادة السعودية على التنكر له من ابواب شتى بدافع من التعصب الوهابي االذي يرفض الاخر اولاً و يعمل للسيطرة و الاستئثار دائماً ، و في هذا الاعتراف دلالة على ان السعودية باتت تخسر و تتراجع مذعنة للانكسار ولم تعد ارادتها هي التي تفرض و الاخر يذعن كما كان زرع في الذهن العربي العام.

2) اقرار عربي بان حكومة بغداد و رغم الهجوم الارهابي الذي تتعرض له العراق و الذي يذهب ضحيته الابرياء من العراقيين و زوار العراق ، قادرة على تنظيم مؤتمر اقليمي دولي وتأمين حماية ضيوفها ، و هذا ما يعطي الحكومة العراقية دفعا معنويا للسير قدما في تثبيت سلطتها و تفعيل العمل الامني مستقبلاً .

3) التأكيد على ان العرب و مهما عصفت الخلافات بينهم ( و هم الان في الوضع الاسوأ من تاريخهم الحديث ) قادرين على اللقاء في مكان واحد و لديهم الرغبة بالتحاور رغم ما تخفي النفوس ، و ما يحيط بهم من ظروف و تهديد متعدد العناوين .

4) العودة الى البيت العربي بشيء من التوازن بعد ان رفض حضور مسؤولين من “ترك او غرب” كانو قد وجهوا الجامعة العربية و تحكموا بقراراتها ابان الرئاسة القطرية و تسببوا بما هو معلوم من مآسي للعرب . و ان في غياب اردغان التركي عن قمة بغداد دلالة بالغة لتصويب المسار خدمة للجامعة العربية .

و لا يخفف من النجاح في الانعقاد غياب هذا الرئيس او ذاك الملك أ و الامير ، لان المعول عليه هو تمثيل الدولة بذاتها طالما ان الممثل لن ينطق الا بما تعتمده الدولة و يعبر عن سياستها . (نرى تفسيرا منطقياً لغياب البعض عن قمة بغداد ، لجهة القول بانه غياب الخائبين في التأمر على العرب ، و اللذين لن يحتملو ان يسمعوا من احد تحميلهم مسؤولية انهيار الجامعة و تحولها عن اهدافها) و كذلك لن يخفف من الاثر الايجابي لانعقادها القول بان من اجل 3 ساعات هي مدة المؤتمر انفقت الحكومة العراقية ملايين الدولارات على الامن و تسببت بمعاناة للعراقيين بسبب التدابير الامنية لاسبوع كامل .

ب. اما بالنسبة للفرص فان امام القمة اهم فرصة تتطلع اليها الشعوب العربية و هي فرصة تصحيح مسار الجامعة ، هذه الجامعة التي حولها “مثلث الشر ” و التآمر على العرب و المتمثل بالسعودية و قطر و تركيا ، الى اداة تدمير و فتك بالعرب كما حصل في ليبيا و تكررت المحاولة في سورية ، و هنا و رغم فشلهم و تمكن سوريا من التفلت من مكائدهم و حقدهم ، فان فعلهم يبقى وصمة عار لن يمحوها تاريخ او اعتذار .لذلك سيكون مطلوبا من الجامعة في قمتها البغدادية :

1) التراجع عن كل القرارات التي اتخذت خلافاً لميثاقها ، و اعتدت بها على سوريا من غير تمييز بين قرار طفيف او جسيم في خطورته و دلالاته. نقول هذا مع ان الزمن تخطى هذه القرارات ، و مع ان الصمود السوري و الاحتضان الاقليمي و الدولي لسوريا عوض كثيرا عن مأسي العدوان الاعرابي عليها ، و ان هذه القرارات ليس لها محل اليوم في عالم الاحترام و الفعالية لدى احد فاعل ، و مع هذا يجب و من اجل الجامعة و انقاذها ان يتم التراجع عن هذه القرارات التي اعتمدتها الجامعة الاعربية بعد ان “تسعودت و تقطرت “.

2) العودة الى الاصول و المبادئ التي قامت عليها الجامعة العربية و المحددة في ميثاقها و المتمثله في شكل خاص باحترام سيادة الدول الاعضاء و عددم التدخل في شؤونها الداخلية ، و هو الامر الذي خرقته “الجامعة المسعودة – المتقطرة ” ثم وضع الية للطعن باي قرار يفرضه المال او التهديد ، عبر التحصن بهيئة قانونية قضائية عربية يجب ان تنشأ لتشبه المجالس او المحاكم الدستورية في الدول الديمقراطية لمواجهة طغيان السلطة التقريرية او التشريعية فيها .

3) الالتحاق بسوريا التي انتصرت على المؤامرة التي شاركت الجامعة الاعرابية في حبكها و تنفيذيها ، حتى تعوض الجامعة بعضاً من خطاياها تجاهها و تحجز لنفسها مقعدا و لو منخفضاً في قطار حل الازمة السورية الذي انطلق بعد ان تمكنت سوريا من معالجة المظاهر الاساسية للعدوان الارهابي المسلح عليها و تتابع بثبات معالجة ما تبقى و بعد ان اطلقت عمليتها الاصلاحية التي تفتقدها على الاقل 15 دولة عربية في طليعتها دولتا العدوان المباشر على سوريا( السعودية و قطر) ، نقول هذا لان سوريا لن تلهث وراء منظمة اخرجت قلبها العربي من صدرها لتحل الاجنبي على راسها قائدا مرشدا ( و على هامش الموضوع هذا اضحكني تنطح امين عام الجامعة لموقع الرئيس الاسد و استبعاده بحث تنحيه في المؤتمر و كأن الامر مطروح عند احد من العقلاء و الموضوعيين اصلاً)

4) الالتزام بخطاب اعلامي عربي حقيقي يجمع و لا يفرق ، يوعي على المخاطر الحقيقية التي تتهدد العرب و ليس التعمية على الخطر الحقيقي و تلفيق اخطار مزعومة ، نعم يجب الاقلاع عن الاعلام الصهيوني الاجنبي الناطق بلغة عربية ، و هو الاعلام القائم اليوم من اجل ان يحرض العرب عل العرب و العرب على الايرانيين و المسلمين على المسلمين. ان العرب لا يطلبون من مؤتمر قمة بغداد اكثر من قرار وقف بث السموم الاعلامية التي تنفثها الفضائيات الاعرابية و تهدر الملايين او المليارات من الدولارات من اجل الفتنة و القتل و التفتيت و التشتت . 

و بالخلاصة نقول يكفي لقمة بغداد 2012 ان تنعقد و تتخذ هذه القرارات السهلة – الصعبة حتى تكون قد نجحت و دخلت التاريخ كالقمم المميزة النادرة ، خاصة و ان الظروف بات ملائمة لاغتنام فرصة الانقاذ الذاتي للجامعة في حقبة من الزمن تشهد تحولات جذرية على الصعيد الدولي حيث انكسرت الاحادية القطبية ، و اندحرت القوى الاجنبية عن العراق و لبنان و صمدت سوريا في وجه المؤامرة التي تحمطت على اقدام شعبها الواعي . فهل تكون قمة بغداد “قمة التحول ” في المسار العربي و تطلق اللاءات الثلاث : لا للعدوان ، لا للتحريض ، لا للتآمر على اي دولة عربية ، و تتمسك ب : نعم للعمل العربي المشترك المحترم لميثاق الجامعة ، نعم للتحالف الاقليمي الصادق، ونعم للتوزان في العلاقات الدولية ؟ ثم معا لتحرير فلسطين التي تبقى هي القضية ……….

:::::

نشر في جريدة الثورة – دمشق، بتاريخ 2632011