من منظمة التحرير إلى سلطة التهجير التوظيف بالكفالة!!

 عادل سمارة

مضى شهران على قرار د. فياض تعميق سياسة اللبرالية الجديدة في الأرض المحتلة! ورغم الاحتجاجات التي تلت ذلك، فإن تخلٍّ حقيقي عنها لم يحصل كما ان رفضا جذريا لم يحصل كذلك. وجوهر هذه السياسة بالعموم هو “إحراج” المحتجين وخاصة الذين ينقدون دور المال السياسي الأجنبي، مال الفساد والإفساد، وتقويض قواعد الإنتاج. وحتى إحراج الذين يعتمدون على وظائف في السلطة ويطالبون بعدم تطبيق السياسة الجديدة. وبالطبع عقدت ندوات وتسابق من يؤيدون وجود السلطة ومن يطمحون لمناصب فيها ، تسابقوا على الحديث مع حكومة الحكم الذاتي وإسداء النصائح واقترح طرق الإصلاح…الخ وهذا يكشف أن للحكم الذاتي مثقفين عضويين كُثراً من جهة وهو سباق كانت نتيجته أن فياش لم يواجه معارضة حقيقية بل بالعكس التقى مع من لا يرفضون سياسته بشكل مبدئي. فمن لم يشارك في وضع سياسات السلطة يجب ان لا يشارك في ترقيع ثغراتها. يمكن قراءة سياسة فياض وكأنه يقول: طالما “ترفضون” التمويل الأجنبي، فادفعوا ضرائب تغطي مصاريف السلطة كي نتوقف عن، او نتجه للتوقف عن تلقي المال المسموم! وبالطبع يتجاهل د. فياض حقائق لا تخفى عليه حتى بثقافته الراسمالية وإيديولوجيا المصرف والصندوق الدوليين التي ينتمي إليها. فالمفارقة أن إقامة السلطة وتمويلها كان من مصادر أجنبية، اي أن الأجنبي قد تعهد بطريقة أو أخرى بتمويل هذه السلطة. وهذا يؤكد خطأ وجودها من حيث المبدأ. ليس مالوفاً في الأنظمة الراسمالية ان تفرض السلطة ضرائب على قطاعات غير منتجة أو على ذوي الدخل المحدود. لكن الضرائب هنا حالة طريفة، فهي بشكل كبير ضرائب على مداخيل متأتية من ريع أجنبي، اي ضرائب على التمويل الأجنبي. فالضرائب هي على المداخيل وخاصة العالية والتي هي غالباً متاتية من قطاعات الإنتاج إن اياً من حكومات ما بعد اوسلو قد اهتم بقطاع الإنتاج، ولا بتاسيس قطاع عام، بل بالعكس تراجعت مساهمة قطاعات الإنتاج في الإنتاج الأهلي الإجمالي. ومن اين لهذه الحكومات بفكر إنتاجي وهي امتداد لقيادات منظمة التحرير التي لم تُبد أي اهتمام بالاقتصاد. كيف لا، وهي كانت معتمدة على التمويل منذ عام 1967 إن لم يكن من قبل. هنا كانت اللعبة أو الفخ الذي نصبه لنا آباء أوسلو. اقصد آباء لأن اوسلو أنثى ضاجعها فريق متعدد فأنتجت سفاحاً. أولاً وقبل كل شيء فقد جرى تأليف أوسلو دون استقلال، وبمعزل عن قراءة وجود إمكانيات لهذه السلطة بأن تعيش بمقدرات محلية، بل تم التغاضي عن هذه كلياً ومطلقاً. ومن هنا “تعهد” مُنجبي اوسلو بالإنفاق عليها! وهذا امر عجيب. لم يلتفت إليه احد في حُمَّى تسويق أوسلو وهستيريا الزعم بمناطق أو مدن محررة. كيف تحررت؟ لا ندري. لم يكن هناك ادنى استعداد لسماع صوت العقل، والعقل هنا الاقتصاد. كان الذين في الخارج يبحثون من حل لمشكلة عودتهم متناسين ستة ملايين لاجىء، وحمى المحليين لاستقبال ما اعتقدوا أنه عملية تحرير. بردت العواطف واتضح إن هذا كيان اقيم على مساعدات من أعداء الشعب والأمة وأنه ببيته هذه لا يستطيع إلا الاعتماد على الدعم من الخارج، بل لقد بُني بالى بكثير من الإمكانات المحلية كي لا يتمكن من رفض المساعدات الخارجية! وجرى تعويد أجهزته وإداراته وموظفيه على تلقي الرواتب إلى درجة قطيعة كثيرين منهم مع مصادر عيشهم المتواضعة سابقاً. كما لم توضع اية سياسة لخلق شواغر عمل بل لخلق شواغر وظيفية وذلك لتكريس البنية المشوهة والخطيرة هذه. وهذا هو المأزق الحالي ؟ كيف هذا! فالأمر في تخليق أوسلو-ستان ببساطة كالتالي: تُقام سلطة لها دور أداري ومالي (اي بها امتيازات تستحق التنافس وحتى الاقتتال كما حصل في غزة) تحل مسألة الدولة محل المقاومة والتحرير تتدفق الأموال من المانحين للحفاظ على السلطة وإعاشة قرابة مليون شخص من رواتبها يُصبح التموُّل وليس الإنتاج، جزءاً من الثقافة العامة بل اساساً فيها. يقود هذا إلى تعميق الاستهلاكية والمظهرية بما لا يتحمله الإنتاج الهلي اإجمالي الحقيقي يتحرر الاحتلال من تشغيل عمال المناطق المحتلة لديه إلا حسب مشيئته تُطلق يد المؤسسات الأجنبية وخاصة منظمات الأنجزة لزعم التنمية دون فعل حقيقي يترسخ تقليد انتظار كل مواطن ريعا ماليا دون شغل وإنتاج مما يخلق مجتمعاً متواكلاً وثرثارا في السياسة لا فاعلا سياسياً. بعد هذا كله، صار بوسع السيد فياض فرض السياسة التي يريد وإحراج من يرفضون ذلك أو يحتجون عليه بمعنى انهم أصبحوا واصبحت البلد بأسرها اما خيار واحد هو الاستسلام لهذه السياسة هو قبولها رغم ممارسة الكثير من الثرثرة ضدها سواء من المواطن العادي أو القوى السياسية المنضوية مباشرة أو لا مباشرة تحت مظلة اوسلو. استفراد المصارف كما اشرنا، لم يتم سحب سياسة د. فياض ولكن تطبيقاتها على الأرض تتحول إلى أمر واقع من خلال زيادة الرسوم على كافة المعاملات، واستخدام أجهزة الشرطة لتطبيق ذلك، ناهيك عن مخالفات السير التي تصل إلى أرقام غير محمولة حتى من ذوي الدخل الجيد. إحدى تجليات هذه السياسة أو تمفصلات مرتبطة أو مستوحاة من هذه السياسة نص كفالة جرى توزيعها من إدارة أحد البنوك على العاملين فيه بإلزام كل مستخدم في البنك بتوفير كفيل له على كفالة قيمتها 5000 دينارا اردنياً كضمان عليه في حالة قام بالسرقة. والكفيل ملزم بالدفع حتى لو ثبت أن الموظف قد ارتكب الجنحة المقصودة بعد خروجه من العمل. وبالطبع، فإن رسوم الكفالة لدى الكاتب العدل والتي كانت 10 سيكل ثم 20 ثم 250 ثم 500 شيكل تشكل نموذجاً على اختلاق مسارب لامتصاص مداخيل الناس بطرق لا يمكنهم معها الرفض! وإذا كان ها حال موظفي البنوك، فربما تصبح هذه سياسة عامة على كل موظف، وحينها يصبح كل موطن كفيل لموظف مما يضع البلد كلها في شبكة ضمان لأموال اصحاب الأموال الذين يتقاسمون التحكم في عملية التراكم المحلية مع السلطة التي لا تشبع سواء لحاجتها لتمويل جيش موظفيها أو لما يعتورها من فساد. والطريف ان المصارف والتي هنا تحديداً ليس دورها سوى بيع مال وشراء مال هي بموجب السياسة اللبرالية الجديدة حرة في تصريف الأموال إلى الخارج، اي لا تشارك في عملية بناء الاقتصاد وتشجيع قطاعات الإنتاج. إن هذا الوضع الذ ي خلقه اتفاق أوسلو وسياسات السيد فياض هو قوة طاردة للناس كي يهاجروا. ولكن من المفارقة بمكان أن نقول شكراً للأزمة الاقتصادية الدولية لأنها سبباً في عدم حاجة اي بلد لقوة عمل أجنبية مما يُبقي االفقراء في الوطن قسراً يعانون الفقر والبطالة والعيش في وطن ليس لهم بالمستويين القومي والطبقي.