الدكتور غالب الفريجات
دخلت قناة الجزيرة عالم الاعلام بتقنية عالية ، جذبت اليها قطاعاً واسعاً من الجمهور العربي ، وكادت ان تكون المصدر الاخباري الاول للمواطنين العرب على امتداد الساحة العربية ، واستطاعت ان تتفوق على كل الذين حاولوا منافستها كالعربية على سبيل المثال، حتى انها اخذت قصب السبق على المحطات الاعلامية الوطنية التي بات الناس لا يثقون بها، كمحطات اعلامية رسمية تنطق باسم النظام السياسي الحاكم ، الذي لم يعد قادراً على اقناع مواطنيه بمصداقيته .
ورغم تقنية المحطة العالية وسرعة انتشارها وانتقالها الى قلب الحدث ، وخاصة ما جرى في تغطية الغزو الامريكي لافغانستان والعراق ، والاعتداءات الصهيونية على لبنان وغزة ، ونقل احداث ما جرى على الساحات العربية فيما اطلق عليه بالربيع العربي في تونس ومصر تحديداً ، الا ان اللافت للمتابعين ان محطة الجزيرة قد شاب ممارستها الاعلامية عدم موضوعيتها في نقل الاحداث ، فقد تجاهلت ما كان يجري على الساحة البحرينية ، وما جرى في اليمن الى حد ما ، وكانت قاسية في تصورها ومبالغاتها في نقل الحدث في مكان ما ، ولينة ضعيفة مهادنة في مكان آخر، وحسب ما تمليه عليها سياسة القائمين عليها دون اي اعتبار للمصداقية المهنية .
بدا ان محطة الجزيرة قد خرجت عن سياستها الاعلامية ، فقد تبنت سياسة النظام القطري في الوقوف ضد ليبيا ، فقد كانت بوقاً اعلامياً لما اطلق عليه بالثوار ـ ثوار النيتوـ ،وما تقفه اليوم من فبركات اعلامية كاذبة حول ما يجري من احداث في سوريا ، وكأنها تنفذ مخططاً امبريالياً صهيونياً عربياً رجعياً ، فلم تعد تمثل ثورة اعلامية عربية ، وخسرت الكثير من الجمهور العربي نظراً لعدم مصداقيتها .
لا ننسى ان الجزيرة قد مارست التطبيع مع العدو الصهيوني ، وادخلت المسؤولين الصهاينة الى بيوت المواطنين العرب عنوة ، وكأن هؤلاء ليسوا بغزاة محتلين ، الى جانب انحيازها لسياسة النظام القطري في الادعاءات بالمطالبة بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان المفقودة في النظام القطري خاصة ، وعموم دول مجلس التعاون بشكل عام ، وكأن المحطة والعاملين فيها مصابون بعمى الالوان فلايرون ما يجري حولهم وينظرون على الآخرين .
الاعلام يفقد دوره عندما يفقد مصداقيته ، والجزيرة بالقدر الذي كان المواطن العربي يضع ثقته فيما تبثه من اخبار، بالقدر الذي اصابها اليوم بأنها محطة باتت بوق اعلامي يسخر نفسه لتحقيق اهداف اعداء الامة ، ولم تعد مصدر اعلامي لنسبة عالية جداً ممن كانوا يثقون فيها ، وقد انتهى دورها وضاعت رسالتها.
صحيح ان النظام العربي فاسد ، ولا يمكن ان يستثنى منه احد ، ولكن من غير الصحيح ان تتعامى الجزيرة عما يجري حولها في قطر ودول مجلس التعاون ، وتستقوي على ليبيا لصالح عملاء النيتو، الذين دمروا البلاد وجعلوا منها جثة هامدة ، ليس ذلك دفاعاً عن نظام القذافي ، ولكن السيد المسيح يقول من كان منكم بلا خطيئة فليلقها بحجر، وديننا يقول الفتنة اشد من القتل ، فما يجري في ليبيا و في سوريا فتنة ، وسعي لتمزيق المجتمع وتدميرالدولة والوطن ، كما ان الكيل بمكيالين ليس معقولاً ، فكيف نريد الاصلاح بالاسلوب السلمي الديمقراطي هنا ، وبالقتل والتدمير هناك ؟ .
الجزيرة فقدت مصداقيتها وبالتالي فقدت دورها الاعلامي الذي كانت تمارسه بشيئ من الموضوعية ، وما طرد مراسليها من العديد من مواقع الاحداث في الوطن العربي ، واستقالات العديد من العاملين بها الا احتجاجاً صارخاً على عدم هذه المصداقية ، وانحرافها لخدمة اعداء الامة وعملائهم في المنطقة .
سقط هذا الصرح الاعلامي بفعل غباءات سياسية ، وتوجهات مشبوهة للذين يديرون الجزيرة ، وبالتالي خسر المواطنون العرب صوتاً اعلامياً ، وان كان التطبيع سبة في وجه هذه المحطة منذ ان اطل من على شاشتها المسؤولون الصهاينة وادخلوا عنوة الى بيوتنا .
:::::