العميد الدكتور امين محمد حطيط
لم يعد لعاقل ان يتوهم بان هناك امكانية بعد لنجاح المؤامرة ضد سوريا و محور المقاومة و الممانعة الذي هي فيه، و في حين بدا الغرب قد استوعب الامر او يكاد ، نجد الادوات الاقليمية خاصة من الاعراب يراهنون على امر آخر رهان يبنونه على خديعة ما تنقذهم من الهزيمة :
أ. ففي المواقف الغربية نجد :
1) ان الغرب تنصل ظاهرا من العمل الارهابي و ابدى اليوم معارضة لتسليح القوى الارهابية في سوريا و سمح بفضح امرهذا الارهاب على يد الاعلام المسير من قبل المخابرات الغربية التي تعتمده اداة ارسال الرسائل السياسية او تهيئة البيئة لاتخاذ قرار او الا ندفاع في مسير او التراجع عن سياسة و قد كان للتقارير التي نشرتها صحيفة دير شبيغل الالمانية المعروفة الصلة و الانتماءات ابلغ الدلالة على التحول الذي يشهده الغرب مما يجري في سوريا ، و بات واضحا ان هذا الغرب لم يعد باستطاعته السير قدما في اكذوبة “الثورة السلمية” التي تأكدت حقيقتها في صورتها القائمة اليوم بانها عملية ارهاب و غوغاء تبغي وضع اليد على سوريا من غير ان يكون لها قاعدة شعبية حقيقية . و قد ترافق ما نشرته ديرشبيغل عن اعمال القتل و التشنيع على يد جزاري حمص الارهابيين ( الذين و يا للاسف يلقون الرعاية و الاهتمام في لبنان ) ترافق ذلك مع الموقف الصريح الذي اتخذه سفير فرنسا في دمشق و الفضائح التي اطلقها بحق ” الثورة السلمية المزعومة ” و دور الدبلوماسية و الاعلام الفرنسي في تأجيج نارها و تلفيق اكاذيبها .
2) الاخفاق الكبير الذي انتهى اليه مؤتمر ” الخداع و التناقضات و الارتزاق” في استنبول من قبل اعداء سوريا ، مؤتمر نسف نفسه بنفسه ، فجاءت مواقفه مخادعة متناقضة تؤكد عجز اصحابها عن فعل شيء يخرجهم من الهزيمة التي انتهوا اليها في الميدان السوري . و رغم ان المؤتمر خرج ببعض المواقف الشكلية التي قد تخدع الغافلين البسطاء فان تحليلاً عميقاً لما صدر عنه يؤول الى القول ، ان المؤتمر اندفع الى حيث لا يفعل و لا يؤثر و ما اعترافه ” بما يسمى المجلس الوطني” سوى استعراض كلامي لا يجد مصرفا سياسيا او قانونيا يقبل اعتماد اوراقه و اصداراته . اما النتائج الحقيقية للمؤتمر فانها تقرأ من الموقف الاميركي الواضح و المتمثل برفض تسليح ما يسمى المعارضة السورية و التمسك بمهمة كوفي انان الساعي لارساء حل سلمي في سوريا يرتكز على الاقرار بمرجعية الدولة سياسيا و امنيا و على الحوار بين مكونات الشعب ، حوار يؤول الى انتخابات ديمقراطية في تكوين السلطة ، ما يعني و بكل بساطة اجهازا على احلام من انتظر ان يستلم السلطة في سوريا بفعل الغوغاء و الارهاب .
3) القبول الغربي بصدور البيانات المتوازنة من مجلس الامن الدولي و الاقلاع عن سياسة التهديد و تحديد المهل بالساعات و الايام كما اعتادت اميركا فعله قبل اشهر و قبل المتغيرات في السياسة الدولية ، و في هذا اشارة هامة الى ان اميركا باتت تتصرف وفقا للوقائع الجديدة خلافا للطموحات و التمنيات القديمة .
ب. اما تركيا و التي يمكن تحديدها بالخاسر الاقليمي الاكبر في الميدان السوري خاصة و الشرق اوسطي عامة ، فقد انكسر سيفها الذي شهرته على سوريا و تراجع دورها و يكفي ان نتوقف عند مشهدها و هي تستجدي الان من ايران الموافقة على اعتماد استنبول مقرا للمفاوضات النووية المرتقبة بينها و بين دول 5+1 ، حتى تستعيد موقعاً على خريطة الفعالية الاستراتيجية ، في حين انها قبل اشهر كانت تتصرف و كانها القوة الاقليمية الاعظم في الشرق و التي تشكل مرجعية لكل حركة و تصرف فيه ،. ان تركيا التي روجت لسياسة ” صفر مشاكل ” من اجل ان تكون القوة الاقليمية الكبرى الى جانب ايران ان لم تتقدمها ، انتهى بها المطاف الى واقع ” صفر صداقات ” مع القوى الفاعلة في الشرق الاوسط فهي في علاقة غير مريحة مع ايران و العراق ، و علاقة شبه عداء رسمي مع سوريا ( نقول رسمي يسال عنه اردغان و حكومته و لا نقول شعبي لان الشعب السوري كما التركي حريص على حسن الجوار و طيب العلاقات ) و علاقة حساسية مع مصر ، و علاقتها مع ما تبقى من اجنحة مثلث التآمر على سوريا – السعودية و قطر- فقد بدا يعتريها الفتور بسب الخسارة في سوريا ، و اذا وصلنا الى روسيا و محيطها ندرك كم ان السياسة التركية فشلت بسبب السياسة القصيرة النظر و الخاطئة التي انتهجتها حكومة اردغان و لا تجد الان سبيلاً قريبا لتعويضها .
ت. و يبقى المحور الاخير : محور المراهنة على المكابرة و الخديعة (قطر و السعودية و معهما بعض اللبنانيين).و حيث الاصرار على تسليح القوى الارهابية و ارتكاب اعمال القتل و التدمير في سوريا ، و هم يراهنون على امر من اثنين اما افشال الحل السلمي و كسب مزيد من الوقت لاعادة انتاج المؤامرة ، او خديعة تستغل بعد ان ينسحب الجيش و القوات المسلحة السورية من الميدان فيحل ارهابيو المؤامرة مكانهم و تكون قطر و السعودية و معهما الى حدا ما تركيا و فئة لبنانية جاهزين للاستثمار في الخديعة تلك (يذكرنا سلوكهم بما قال به احد الفلاسفة بان الفاشل الضعيف يحتال ) لكن هؤلاء يتناسون وضعهم الحالي و ما آل اليه و انهم مكشوفون بواقعهم و تصرفاتهم :
1) فبالنسبة لقطر التي تتصور بانها ستتمكن بامساكها برئاسة الامم المتحدة لايام معدودة من متابعة حلقات التأمر التي مارستها في الجامعة العربية ضد سوريا ، يبدو انها لم تفهم مغزى اثارة الغرب و على صحفه الرئيسية الفضائح الاخلاقية المتعلقة بعائلات امرائها خاصة رئيس الوزراء و وزير الخارجية و لم تع كيف تم التعامل مع مواقفها في استنبول و لم تدرك الحزم الايراني و الروسي معها .
2) اما السعودية فقد تتصور ان وضعها اقل سوءا من قطر لكنها لا تدرك انها لن تستطيع التفلت من دفع فواتير الخسارة مباشرة في داخلها و غير مباشرة في موقعها الاستراتيجي في المنطقة بعد التفاهمات الدولية الكبرى التي تحصل حاليا و التي لن يكون للسعودية كما يبدو مقعدا فيها و هي تظن ان تبنيها لطارق الهاشمي من العراق سيؤمن لها موقعا ما و تتجاهل او تتغافل عن قدرة العراق و حكومته على الرد بما يوجعها كما تتجاهل مغزى تحريك الغرب لبعض الملفات فيها ..
3) و في لبنان يظن بعض من سقطوا مع المؤامرة ان التمثيليات السمجة و الرديئة الاخراج التي يفبركونها (ادعاء محاولات الاغتيال او غيره ) ستمكنهم من الانطلاق مستقبلا في عمليات الانتقام و الاغتيال السياسي ضد خصومهم ، و يتجاهلون ان الاخر يفهم هذا السلوك بانه دلالة على حجم المأزق اذي وصل اليه هؤلاء بعد ان راهنو على سقوط نظام سوريا ليرتقوا الى سدة السلطة في لبنان ، فاذا بهم يسقطون مع المؤامرة و تبتعد عنهم السلطة حتى باتوا يراهنون على انتخابات العام 2013- كما وعدهم فيلتمن – ليزوروا الارادة الشعبية بقانون انتخاب غير ديمقراطي يستند على الغوغاء الطائفية و شراء الاصوات بحفنة من المال ( و هو امر لن يمر هذه المرة لان السلطة لن تسلم مجددا لمزور او مغتصب مهما كلف الامر ) .
اذن نجد ان الفريق الذي لم يستوعب خسارته في سوريا بعد ، يراهن بشكل اساس على فشل الحل السلمي و الخداع . خداع يعيد للارهابين املاً بالسيطرة على الارض بعد اعادة انتشار القوى المسلحة ، و لم يفهموا كما يبدو المواقف الحازمة للدولة في سوريا و التي لن تتراجع عن انجاز حققته ، و لن تتراخى في تحصين نفسها و صيانة امن شعبها و التمسك بسيادتها ، فهل سيفهم هؤلاء ان سوريا لن تخدع ؟ و انها لن تسلمهم الارض حتى يفسدوها ؟ ام انهم سيصمون الاذان عن الموقف السوري الرسمي الداعي الى الالتزام الجدي بوقف الارهاب و تعهد خطي بذلك من قبل الارهابيين و داعيمهم ، فيستمرون في المرهنة الخاسرة و يراكمون الخسائر ؟